Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: ينبغي التنبيه على أمورٍ:

ينبغي التنبيه على أمورٍ:

الأمر الأوّل: أنّـه(علیه السلام) فسّر الإيثار بأن يعطي الأخ من النصف الآخر من أمواله، فإنّـه زائد عن الحقّ اللازم للمؤمن، ولكنّ الآيات والروايات في قدر البذل وما يحسن منه مختلفة.

قال المحدّث المجلسي في مرآة العقول:

واعلم أنّ الآيات والأخبار في قدر البذل وما يحسن منه متعارضة، فبعضها تدلّ على فضل الإيثار، كهذه الآية: ﴿وَيؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾،([1732]) وبعضها على فضل الاقتصاد، كقوله سبحانه: ﴿وَلا تَجْعَلْ يدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾،([1733]) وكقول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم): «خير الصدقة ما كان عن ظهر غني».([1734]) وقد يقال: إنّها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن قوّی توكّله على الله وكان قادراً على الصبر على الفقر والشدّة، فالإيثار أولى بالنسبة إليه، ومن لم يكن كذلك، كأكثر الخلق، فالاقتصاد بالنسبة إليه أفضل. وورد في بعض الأخبار، أنّ الإيثار كان في صدر الإسلام وكثرة الفقراء وضيق الأمر على المسلمين، ثمّ نسخ ذلك بالآيات الدالّة على الاقتصاد، وهذا لا ينافي هذا الخبر؛ لأنّـه يكفي لرفع استبعاده كون الإيثار مطلوباً في وقت مّا، لكنّ المشاطرة أيضاً ينافي الاقتصاد غالباً، إلّا إذا حمل على ما إذا لم يضرّ بحاله.

وفيه إشكالٌ آخر: وهو أنّـه إذا شاطر مؤمناً واحداً واكتفى بذلك، فقد ضيّع حقوق سائر الإخوان، وإن شاطر البقيّـة مؤمناً آخر وهكذا، فلا يبقى له شيء، إلّا أن يحمل على المشاطرة مع جميع الإخوان، كما روي أنّ الحسن (صلوات الله عليه) قاسم ماله مع الفقراء مراراً، أو يخصّ ذلك بمؤمن واحد أخذه أخاً في الله، كما واخى النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)بين سلمان وأبي ‌ذر (رضي الله عنهما)، وبين مقداد وعمّار، وبين جماعة من الصحابة متشابهين في المراتب والصفات، بل يمكن حمل كثير من أخبار هذا الباب على هذا القسم من الأخوة، وإن كان بعضها بعيداً عن ذلك.([1735])

أقول: كان الأولى للمحدّث المجلسي الاستدلال لفضل الاقتصاد بقوله تعالى: ﴿وَالّذين إذا أنفَقوا لَم يسرِفوا وَلَم يقتُروا وَكان بَينَ ذلك قَواماً﴾،([1736]) فإنّ الخطاب بالنهي عن جعل اليد مغلولة ومبسوطة في الآية التي استدلّ بها، كان خطاباً للنبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولذا يمكن المناقشة في استدلاله(رحمه الله) بأنّها من اختصاصات النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)من جهة كونه زعيماً للأمّة ومتولّياً لبيت المال.

نعم، ما ذکره(قدس سره) من أنّ: «من قوّی توكّله على الله وكان قادراً على الصبر على الفقر والشدّة، فالإيثار أولى بالنسبة إليه، ومن لم يكن كذلك، كأكثر الخلق، فالاقتصاد بالنسبة إليه أفضل»، تامّ مع إضافة الأهل والعيال إلی نفسه؛ إذ لا يكفي توكّل نفسه وقدرته على الصبر في أولويّـة الإيثار بالنسبة إليه.

الأمر الثاني: أنّ الحقوق المذكورة في هذه الروايات وغيرها ممّا وردت في حقوق المسلم والمؤمن على أخيه، هل هي مختصّة بالمسلم والمؤمن الاصطلاحي، أم يعمّ جميع أبناء البشر؟

لا يبعد القول بالثاني، فإنّـه كما لا فرق بين المسلم والمؤمن وغيرهما في الحقوق الواجبة، كالقصاص والدية، والوفاء بالعقود، وأداء الأمانة وحرمة التصرّف في مال الغير وعرضه، وحرمة الرشوة، وغيرها ممّا يجوز لمن له الحقّ المراجعة إلى المحكمة لأخذ حقّه، وكذلك الحقوق المستحبّة لايختصّ بالمسلم والمؤمن، بل يعمّ جميع أبناء البشر إلّا الكافر المعاند.

ويشهد علی عدم الفرق، طوائف من الروايات:

--------------------
[1732]. السجدة (32): 9.
[1733]. الإسراء (17): 29.
[1734]. السنن الکبري(للبيهقي) 6: 132، باب خير الصدقة ما کان عن ظهر غني، الحديث 7861؛ المغني (لابن القدامة) 2: 717، فصول في صدقة التطوّع؛ بحار الأنوار 71: 250، باب حقوق الأخوان واستحباب تذاکرهم و... ذيل الحديث 46.
[1735]. مرآة العقول 9: 41، باب حقّ المؤمن علي أخيه وأداء حقّه، ذيل الحديث 8.
[1736]. الفرقان (25): 67.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org