Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المناقشة فيما أفاده سيّدنا الاُستاذ في دلالة الرواية أبي ‌بصير

المناقشة فيما أفاده سيّدنا الاُستاذ في دلالة الرواية أبي ‌بصير

أمّا إشكاله أوّلاً: بأنّ الحكم في الرواية دائرٌ مدار عنوان دخول الرجال، ومع عدمه يحلّ ولو بكلمات لهويّـة ومقارنات محرّمة، فيرد عليه: أنّ عنوان دخول الرجال ليس له الموضوعيّـة في الحكم، بل ذكره في الرواية إنّما يكون من باب النموذج، وكذلك عنوان الأعراس فيها؛ لحكم العرف بذلك، خصوصاً مع الالتفات إلى استدلال الإمام(علیه السلام) بالآية الشريفة.

وأمّا إشكاله ثانياً: بأنّ الظاهر أنّ الإمام(علیه السلام) تعرّض لقسمين من الغناء وليس فيها مفهومٌ، وإلّا لتعارض بين مفهوم الصدر والذيل، فيرد عليه: أنّ ما ذكره موجّهٌ لو كان التقسيم في كلام الإمام ابتداءً ولم يكن مسبوقاً بسؤال الراوي عن كسب المغنّيات، وأمّا مع الالتفات إلى أنّ السائل سأل عن كسب جميع المغنّيات؛ لدلالة الجمع المحلّی باللام على العموم، وأنّ الإمام(علیه السلام) لم يجب عنه بحرمة مطلق الغناء واستثناء قسم خاصّ منه، لم يكن لما قاله سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) وجهٌ، فإنّ الظاهر أنّ السائل سأل عن جميع أقسام الغناء والإمام أيضاً أجاب عن جميع أقسامه، وإلّا لم يكن جواب الإمام(علیه السلام) جواباً عن السؤال ولم يكن مناسباً له، خصوصاً مع الالتفات إلى تمسّك الإمام(علیه السلام) بالآية الشريفة، فإنّ الآية الشريفة كان لبيان الحكم الكلّي.

وأمّا إشكاله ثالثاً: بأنّ هذا الرواية لا تقاوم الروايات الدالّة على أنّـه بذاته حرامٌ، كصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة،([878]) وحسنة عبدالأعلى([879]) وغيرها،([880]) فالجواب عنه يظهر ممّا ذكرناه.

ومنها: رواية عبد‌الله بن جعفر في قرب الإسناد، عن عبد‌الله بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام)، قال: وسألته عن الغناء، هل يصلح في الفطر والأضحی والفرح؟ قال: «لا بأس به ما لم يعص به».([881])

تقريب الاستدلال: أنّ الإمام(علیه السلام) قال: لا بأس بالغناء في الفطر والأضحی ومجالس الفرح ما لم يعص به»؛ أي ما لم يكن سبباً للوقوع في المعصية، أو ما لم يكن مقترناً بها، أو ما لم يكن متّحداً معها، كما لو كان التغنّي بالفحش والكذب ونحوهما من المحرّمات، وتفسير الرواية كذلك وإن كان مخالفاً للظاهر؛ حيث إنّ الضمير في «ما لم يعص به» الظاهر منه رجوعه إلى الغناء بما هي هي، لا إليها باعتبار السبب أو المقارنات لها‌، فإنّـه مخالف للظاهر، كما لايخفى، لكنّـه لابدّ إلّا من تفسيره كذلك من باب دلالة الاقتضاء؛ حفظاً للكلام الحكيم عن اللغويّـة، ولئلّا يلزم توضيح الواضحات، فإنّ الظاهر أنّ عليّ بن جعفر كان عالماً بحرمة الغناء في الجملة، لكن لمّا كانت لأيّام العيد والفرح مناسبة للتلهّي والتفريح صارت موجبة لشبهته في أنّ الغناء المحرّم هل هو حرامٌ في الفطر والأضحى والفرح أم لا؟ والضمير لو رجع إلى نفس الغناء يصير المعنی: لا بأس بالغناء ما لم يكن الغناء معصية وغناء محرّماً على ما مرّ بيانه قُبيل هذا، وهذا توضيح للواضحات لا حاجة إلى بيانه؛ لكون حرمة الغناء في نفسها وبما هي هي في الجملة كان معلوماً للشيعة، ولا سيّما لمثل عليّ بن جعفر.

ثمّ إنّ من المحتمل كون حصول الشبهة له ما في صحيحة أبي ‌بصير([882]) المرويّـة عن أبي‌ عبد‌الله(علیه السلام) في تجويز أجر المغنّية في الأعراس، فاحتمل أنّ سائر أيّام الفرح والأعياد كذلك، فسأل عنه، فأجاب(علیه السلام) بعدم البأس به ما لم يعص به من جهة السبب أو مقارناته.

ولكن سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) ذهب إلى أنّ المستفاد من الرواية حرمة الغناء مطلقاً واستثناء يوم الفطر والأضحى والفرح من الحرمة المطلقة؛ لأنّ المستفاد من سؤال عليّ بن جعفر أنّـه(قدس سره) كان عالماً بحرمة الغناء، لكن لمّا كانت لأيّام العيد والفرح مناسبة للتلهّي والتفريح في الجملة صارت موجبة لشبهته، فسأل عن أنّ الغناء في هذه الأيّام أيضاً محرّمٌ أم لا؟ فالرواية لا تدلّ على أنّ الغناء على قسمين: قسمٌ محرّمٌ، وهو ما يعص به؛ بأن يكون مقترناً أو سبباً أو متّحداً مع المعصية، وقسمٌ غير محرّمٌ، وهو ما لم يعص به.([883])

ويرد عليه: أنّ المستفاد من سؤال عليّ بن جعفر أنّـه كان عالماً بحرمة الغناء في الجملة، فسأل عن حرمته في أيّام العيد والفرح، فأجاب الإمام(علیه السلام) بعدم حرمته ما لم يعص به، لا علی أنّـه كان عالماً بحرمته مطلقاً وكان سائلاً عن المستثنيات من حرمة الغناء، فإنّـه إن كان عالماً بحرمته مطلقاً لم يكن وجهٌ لسؤاله عن المستثنيات‌؛ فإنّ الحجّة المطلقة حجّة على المطلق مع القيد وبدونه. هذا، ولكن في الرواية أربعة جهاتٍ من البحث‌:

الجهة الأولى: البحث عن سند الرواية، والظاهر أنّها غير معتبرة؛ لوجود عبد‌الله بن الحسن المجهول في سندها. قال سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه):

وضعف الرواية المشتملة على قوله: «ما لم يعص به» بعبد‌الله بن الحسن المجهول،([884]) وإن كان كثير الرواية عن عليّ بن جعفر، والظاهر إتقان رواياته. وعن الكفاية: أنّـه مرويّ في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح،([885]) وإن قال بعض المدقّقين([886]) ما رأيت ذلك في الكفاية في باب الغناء والمكاسب، وفي كتاب القضاء والشهادات. وكيف كان، لم يصل الاعتماد عليها بحدّ يمكن تقييد الأدلّة، سيّما تلك المطلقات المستفيضة بها.([887])

الجهة الثانية: إنّـه جاء في الرواية: «لا بأس به ما لم يعص به»، وقد مرّ الكلام فيه،([888]) ولكن ورد في رواية أخرى لعبد‌الله بن جعفر، عن أخيه، وقد عدّها سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) صحيحة: «لا بأس به ما لم يزمّر به»، وفي نسخة: «ما لم يؤزر به»، وفي نسخة ثالثة: «ما لم يؤمر به»، والنسخة الأخيرة غلطٌ قطعاً؛ لعدم المعنى له، والنسخة الثانية موافقٌ مع: «ما لم يعص به» من حيث المعنى، فإنّ الوزر والمعصية متوافقان معنىً، وأمّا النسخة الأولى؛ أي: «ما لم يزمّر به»، فقد ذكر الشيخ الأعظم الأنصاري في معناه احتمالات خمسه:([889])

أحدها: كونه بمعنى ما لم يلعب بالمزمار.

ثانيهما: كونه بمعنى ما لم يكن الغناء بالمزمار ونحوه من آلات الأغاني.

ثالثها: كونه بمعنى ما لم يرجّع فيه ترجيع المزمار.

رابعها: ما لو يقصد من قصد المزمار.

خامسها: أن يكون المراد من الزمر، التغنّي علی سبيل اللهو.

الجهة الثالثة: إنّ صحيحة عليّ بن جعفر التي فيها: «ما لم يزمّر به»، لا دلالة فيها التفصيل؛ لما فيها من إجمال المراد من هذه الجملة للاحتمالات الخمسة المذكورة في كلام الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره)، والرواية التي فيها: «ما لم يعص به»، وإن كانت دلالتها على التفصيل تامّةً، إلّا أنّها غير معتبرة لوجود عبد‌الله بن الحسن المجهول في سندها، وعلى فرض وحدة الرواية، أيضاً لا تدلّ على التفصيل؛ لدوران المرويّ بين: «ما لم يعص به»، و«ما لم يزمّر به»، مع احتمال التصحيف في الرواية؛ بأن كان الأصل «ما لم يزمّر به»، ثمّ نقل«ما لم يعص به» سهواً.

ولكن بعد اللُتيا والتي، كان الاستدلال بها على التفصيل تامّاً وصحيحاً؛ لتماميّـة دلالة الرواية لو كانت بلفظ: «ما لم يعص به»، وكذا لو كانت بلفظ: «ما لم يزمّر به»؛ لتنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّـة العرفيّـة، بضميمة بقيّـة الروايات المفصّلة، لعدم خصوصيّـة للمزمار.

الجهة الرابعة: إنّ سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) استشكل على الاستدلال بالرواية أوّلاً: بأنّها معرضة عنها، قال (سلام لله علیه):

لكن يشكل العمل بها؛ لعدم قائل ظاهراً باستثنائه فيها، بل عدم نقل احتماله من أحد.([890])

وثانياً: أنّ لسان الروايات المفسّرة للآيات الدالّة على حرمة الغناء آبٍ عن التخصيص؛ لبيان الحكم مع الشدّة والغلظة، للأمر بالتحرّز عنه بمادّة الاجتناب، وعدّه من مصاديق قول الزور ولهو الحديث، فلا يكاد يمكن أن يكون الصحيحة مخصّصاً لها.

وثالثاً:

بعد تجويزالشارع، الغناء في العيدين الشريفين المعدّين لطاعة الله تعالى والصلاة والانقطاع إليه تعالى، كما يظهر من الأدعية والأذكار والعبادات الواردة فيهما وفي الأعياد المذهبيّـة، بل بعض الأعياد الملّيّـة.([891]).([892])

-------------------
[878]. المتقدّمة في الصفحة 308.
[879]. تقدّمت في الصفحة 305.
[880]. التي مرّت في الطائفة الرابعة من الصفحة 302 وما بعدها.
[881]. قرب الإسناد: 225، باب ما يجوز من الأشياء، الحديث 1144؛ وسائل الشيعة 17: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 15، الحديث 5.
[882]. تقدّمت مع تخريجها آنفاً في الصفحة 314.
[883]. هذا هو المستفاد من كلام الإمام الخميني في المكاسب المحرّمة 1: 328 ـ 329.
[884]. راجع: تنقيح المقال 2: 176، الرقم 6808.
[885]. الكفاية 1: 433.
[886]. هو العلّامة الميرزا الشيرازي الثاني;.
[887]. المكاسب المحرّمة 1: 330.
[888]. مرّ الكلام فيه في الصفحة 317.
[889]. المكاسب 1: 304 ـ 306.
[890]. المكاسب المحرّمة 1: 330.
[891]. كـ «عيد نوروز».
[892]. المكاسب المحرّمة 1: 330.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org