Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المقام الثاني: الاستدلال علی حرمة السبّ

المقام الثاني: الاستدلال علی حرمة السبّ

ثانيها: حرمته على المؤمنين في الجملة ثابتة بالأدلّة الأربعة.

ولا يخفى أنّ حكم العقل يكون من باب الملازمة بين القبح العقلي والحرمة الشرعيّـة؛ لأنّ سبّ المؤمن ظلمٌ وإيذاءٌ وإذلالٌ له، والظلم والإيذاء والإذلال قبيحٌ عقلاً، وبالملازمة حرامٌ شرعاً.

ومثل حکم العقل الاستدلال بالكتاب لابدّ وأن يکون بالآيات([540]) الدالّة على حرمة الظلم والإيذاء، وعلى حرمة المنكرات والخبائث وأمثال ذلك؛ لکونه مصداقاً لتلك العناوين الکلّيّـة، حيث إنّـه ليس في الکتب ما يدلّ علی حرمة السبّ بعنوانه وبنفسه.

وأمّا الإجماع، فواضحٌ.

وأمّا الروايات، فهي مستفيضة من طرقنا وطرق العامّة على حرمته بالخصوص وبعنوانه، فمن طرقنا:

صحيـحة عبدالرحمن بن الحجّـاج، عـن أبي ‌الحسن موسى بن جعفر(علیهما السلام) في رجلين يتسابّان، قال:«البادي منهما أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم».([541])

على نقل الوسائل والكافي. والظاهر منه أنّ على البادي إثمین: إثمٌ لسبّه وإثمٌ لسبّ الرادّ؛ لكون البادي هو السبب لإيقاع الرادّ في السبّ، وأنّـه ليس على الرادّ إثمٌ، وعدم الإثم عليه هو الموافق لقوله تعالى‌: ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾،([542]) ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾؛([543]) لدلالتهما علی جواز ردّ السیّئة والاعتداء علی الإنسان والعموميّـة في الاعتداء بالمثل. کما استظهرناه من الآيتين هو الظاهر من المحقّق الأردبيلي في آيات الأحکام بعد ذکر الآيتين الظاهرتین في الاعتداء بالمثل، قال:

هما تدلّان علی جواز القصاص في النفس والطرف والجروح، بل جواز التعويض مطلقاً حتّی ضرب المضروب، وشتم المشتوم، بمثل فعلها، فيخرج ما لايجوز التعويض والقصاص فيه، مثل کسر العظام والجرح والضرب في محلّ الخوف والقذف ونحو ذلك وبقي الباقي.

وأيضاً تدلّان علی جواز ذلك من غير إذن الحاکم والإثبات عنده والشهود وغيرها، والأخيرة تدلّ علی عدم التجاوز عمّا فعل به وتحريم الظلم والتعدّي وعلی حسن العفو وعدم الانتقام، وأنّـه موجبٌ لأجر عظيم، حيث أضاف الأجر إلی الله، فالذي يفعله إنّما يکون شيئاً عظيماً لا يقدر عليه غيره.([544])

وفي نقل الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) الصحيحة في مکاسبه مع ما نقلناها عن المصادر، اختلافٌ، ففيه قال:

وفي رواية ابن الحجّاج، عن أبي ‌الحسن(علیه السلام)، في رجلين يتسابّان، قال: «البادي منهما أظلم، ووزره علی صاحبه ما لم يعتذر إلى المظلوم».([545]) ـ ثمّ قال: ـ وفي مرجع الضمائر اغتشاشٌ، ويمكن الخطأ من الراوي، والمراد: ـ والله أعلم ـ أنّ مثل وزر صاحبه عليه؛ لإيقاعه إيّاه في السبّ من غير أن يخفّف عن صاحبه شيء، فإذا اعتذر إلى المظلوم عن سبّه وإيقاعه إيّاه في السبّ، برأ من الوزرين.([546])

ومراده من الاغتشاش أنّ الظاهر من الحديث علی ما نقله، کما فيه من قوله(علیه السلام): «ووزره علی صاحبه» وهو اغتشاشٌ کما هو الظاهر الواضح، عدم الوزر علی البادي.

ويرد عليه أوّلاً بوقوع السهو منه(قدس سره) في نقله، فإنّ الحديث علی ما في المصادر لا اغتشاش فيه؛ لدلالة قوله(علیه السلام): «ووزره ووزر صاحبه عليه» أنّ للبادي وزرين.

وثانياً: أنّ اللازم ممّا ذکره في دفع الاغتشاش بأنّ المراد ـ والله أعلم ـ أنّ مثل وزر صاحبه علیه، هو أنّ علی الرادّ أيضاً إثم؛ قضاء للمراد.

ففيه أنّ المتفاهم من تخصيصه التوبة بالبادي دون الصاحب مع ما له من إثم واحد وللبادي إثمان کما تری؛ حيث إنّ اللازم کون حال الصاحب أسوء من حال البادي، فإنّ للبادي الطريق إلی غفران ذنبه باعتذاره إلی المظلوم من دون أن يکون ذلك للرادّ.

ودفع الإيراد الثاني بأنّ من المعلوم وجود الطريق إلى غفران ذنب الرادّ أيضاً اعتماداً على المقايسة؛ لكون ذنبهما ذنب السبّ، فما كان طريقاً لغفران البادي، طريقٌ لغفران الصاحب أيضاً، غير تمامٍ، فإنّـه لايناسب المكالمة وصناعتها؛ حيث إنّ ذكر خصوص سبب الغفران في البادي لا يخلو عن إشعار باختصاصه به، وهو منافٍ للمقايسة.

لا يقال: الاغتشاش فيما استظهرته من الصحيحة موجودٌ أيضاً؛ حيث إنّـه بعد ما لم يكن الصاحب عاصياً ومقصرّاً على ما ذكرت، كيف يكون البادي أظلم ووزر صاحبه عليه بعد ما لم يكن ظالماً ولم يكن عليه وزرٌ من رأس؟

لأنّـه يقال: التعبير بهما يكون على التقدير؛ بمعنى أنّـه على تقدير كون الصاحب ظالماً يكون البادي أظلم، كما أنّـه على فرض الوزر على الصاحب يكون على البادي. والحمل على التقدير وإن كان مخالفاً للظاهر، لكنّ اللابدّيّـة لتوجيه الصحيحة قرينة على ذلك.

ذكر المحقّق الإيرواني في دفع الاغتشاش ـ الذي ذکره الشيخ ـ ما ينبغي نقله؛ لما فيه من دقّة في شرح الحديث، ودونك عبارته:

لو كان «علی» فعلاه من العلوّ، أيضاً يرتفع الإشكال، لكن لابدّ من تقدير المضاف حينئذٍ؛ أي وزره فاق وزر صاحبه، لكن رسم كتابة «علی» على هذا باللام المؤلّف، لا بالياء.([547])

ومنها:([548]) صحيحة أبي ‌بصير، عن أبي ‌جعفر(علیه السلام)، قال‌: إنّ رجلاً من بني تميم أتى النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال: أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال‌: «لا تسبّوا الناس فتكسبوا العداوة بينهم».([549])

ولا يخفى ما في دلالة هذه الرواية، فإنّ النهي فيها إرشاد إلى مضارّ السبّ، وهو من أنّ السبّ مكتسب عداوة المسبوب، فلا تدلّ على الحرمة.

اللهمّ إلّا أن يقال: ذكر الاكتساب بيان للمفاسد الدنيويّـة المترتّبة عليه، فالنهي مولويّ ودليلٌ على الحرمة.

ومنها: رواية أخرى عن أبي ‌بصير، عن أبي ‌جعفر‌(علیه السلام)، قال‌: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «سباب المؤمن فسوقٌ، وقتاله كفرٌ، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه».([550])

ومنها: موثّقة السكوني، عن أبي ‌عبدالله‌(علیه السلام)، قال‌: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة».([551])

وفيها وإن لم يکن ما يدلّ علی الحرمة من النهي أو الفسق أو العذاب وأمثالها، لکن فیه الدلالة عليها من جهة أنّ ما يوجب كون المؤمن كالمشرف علی الهلكة لا يكون إلّا محرّماً.

هذا كلّه فى الروايات من طرق الخاصّة.

وأمّا من طرق العامّة:

فمنها: عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم): «المستبّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان، فما قالاه فهو علی البادي حتّی يعتدي المظلوم».([552])

ورواية أخرى: «جعل الشتم من الكبائر».([553])

وأيضاً عنه(صلی الله علیه و آله و سلم): «سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ»، وغير ذلك.([554])

-----------------
[540]. وهي قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ?، (حجرات (49):11)؛ وقوله تعالي: ?قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا?، (البقرة (2): 83)؛ وقوله تعالي: ?وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?، (النحل (16): 125)؛ وقوله تعالي: ?وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا?، (الأحزاب (33): 58).
[541]. الكافي 2: 360، باب السباب، الحديث 4؛ و2: 322، باب السفه، الحديث 3. وفيه: «ما لم يتعدّ المظلوم» بدل «ما لم يعتذر إلى المظلوم»؛ وسائل الشيعة 297:12، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث1؛ و16: 29، كتاب جهاد النفس، أبواب جهاد النفس، الباب 70، الحديث 1. وفيه: «ما لم يتعدّ المظلوم» بدل «ما لم يعتذر إلى مظلوم».
[542]. الشورى (42):40.
[543]. البقرة (2):194.
[544]. زبدة البيان: 854.
[545]. مرّت الصحيحة مع تخريجها آنفاً.
[546]. المكاسب 1: 254.
[547]. حاشية المكاسب (للإيرواني) 1: 27.
[548]. أي الثاني من الروايات الدالّة علي حرمة السبّ.
[549]. الكافي 2: 360، باب السباب، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 2. وفيه: «العداوة لهم» بدل «العداوة بينهم».
[550]. الكافي 2: 359، باب السباب، الحديث 2؛ من لا يحضره الفقيه 4: 300 / 909، باب النوادر، الحديث 89. وفيه: «أكل لحمه من معصية الله»؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3.
[551]. الكافي 2: 359، باب السباب، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 12: 298، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 4.
[552]. السنن الکبري (للبيهقي) 15: 354، باب شهادة أهل العصبيّـة، الحديث 21690.
[553]. السنن الکبري (للبيهقي) 15: 354، باب شهادة أهل العصبيّـة، الحديث 21689.
[554]. راجع: صحيح البخاري 4 : 103، كتاب الأدب، الباب 44، ما ينهي من أسباب واللعن.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org