Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: معنى سبيل الله

معنى سبيل الله

واعلم أنّ سبيل الله الذي یکون سبيل جميع الأنبياء والأولياء إلى يوم القيامة، هو سبيل الإسلام؛ أي التسليم في مقابل الحقّ والعدالة الذين كانا لله تعالى الساري في جميع الأديان والشرائع الإلهيّـة: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ‌﴾.([328])

ولك أن تقول: سبيل الله هو السبيل إلى الصفات الكماليّـة؛ من العدل والعلم والحقّ والسخاء والعفو والغفران وكتمان السرّ و...، فإنّ «الله» عَلَم لذات الواجب الوجوب المستجمع لجميع الصفات الكماليّـة، وهذا هو الجامع لجميع الشرائع الإلهيّـة من دون اختلاف فيه. ویویّد ذلك بما من تفسیر «المیزان» من قوله:

والمراد بالصدود عن سبیل الله، الإعراض والامتناع عن السنّـة الفطریّـة التي فطر الله الناس علیها ودعت الدعوة النبویّـة إلیها من التزام الصدق والاستقامة ورعایة العهود والمواثیق والأیمان والتجنّب عن الدغل والخدعة والخیانة والکذب والزور والغرور.([329])

واختلاف الشرائع المختلفة الإلهيّـة إنّما تكون في كيفيّـة الوصول إلى الصفات الكماليّـة وكيفيّـة تحصيلها، فإنّ طريق الوصول إليها قد يختلف في الشرائع الإلهيّـة. فالاختلاف الموجود في الشرائع الإلهيّـة إنّما تكون في فروع الفروع وفروع الأصول، دون الأصول والفروع، فإنّ جميع الأنبياء الإلهيّـة كانوا يدعون إلى التوحيد، وإلى الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجماليّـة من دون اختلاف، ومن دون أن يكون فيهم من يدعو إلى الشرك، أو إلى الإله الظالم والبخيل والجاهل و...، هذا بالنسبة إلى الاُصول.

وكذا في الفروع، فإنّ الصلاة والزكاة والصيام و... كان في جميع الشرائع الإلهيّـة موجوداً، قال الله عزّوجلّ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً﴾،([330]) وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾.([331])

فالاختلاف في الشرائع الإلهيّـة ليس في الاُصول والفروع، بل في فروع الاُصول وفروع الفروع.

فالكتب المصنّفة إن كانت تدعو إلى غير سبيل الله؛ أي الظلم وعدم الصدق والاستقامة وعدم رعایة العهود والمواثیق والأیمان، والإضرار بالمسلمين والمجتمع البشري، كان إتلافها وإعدامها واجباً، فضلاً عن حرمة حفظها، كمسجد الضرار الذي أسّس للإضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وكالمكتب الوهابيّـة التي اُسّست بيد الاستعمار لانهدام الإسلام والتفرقة بين المسلمين والإضرار بهم، والتي تدعو إلى الغلظة والخشونة، وإلى المحاربة والقتل والإرهاب، التي تکون موجبة لترائي الناس دین الإسلام الذي هو دين الرحمة والرأفة، دین الخشونة والخوف الذي ینفّر الطباع البشريّـة السليمة عنه، والتي يدعو إلى انهدام آلاف المشاهد والمقابر والمزار في زمان يتفحّص العالم عـن لبنة منها، ليحفظها في المتاحف في الآثار الباقية من الاُمم الماضية.

فمثل هذه الكتب لا شكّ في حرمة حفظها، بل وجوب إتلافها، وأمّا الكتب التي وقعت في سبيل الله ولو باعتقاد مصنّفيها، فلا يبعد القول بجواز حفظها.

ومثلها الكتب والمطالب التي كانت مخالفاً لضرورة المذهب والدين، مثل الكتب التي صنّفت لبطلان أصول المذهب أو الدين، أو لبطلان فروعهما القطعيّتان، مثل ما صنّف لإثبات غَسل الرجلين في الوضوء.

وهذا القسم أيضاً لا يبعد القول بحرمة حفظها وترويجها، لو علم ترتّب الإضلال عليها؛ لأنّ المستفاد من مذاق الشارع والآيات والروايات والأدلّة الدالّة على أهميّـة المذهب وترويجه والدالّة على عقوبة أعداء الدين والمذهب عن علمٍ وتقصيرٍ، أنّ حفظ وترويج ما يخالف ضرورة الدين والمذهب حرامٌ؛ سواء كان في اُصول الدين والمذهب، أم في فروعهما.

هذا مضافاً إلى أنّ ترويج وحفظ كتب الضالّة ممّن يكون عالماً بأنّها كتب ضلالٍ ويترتّب عليها الإضلال، إغراءٌ بالجهل؛ لأنّ فيها ترويج ما يعتقد أنّـه باطلٌ وضلالة.

ولكن يمكن الإشكال فيه بأنّـه مخالفٌ لبعض الآيات والروايات:

مثل قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾.([332])

ومثل قوله تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة﴾.([333])

ومثل قوله عزّوجلّ: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾‌.([334])

ومثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾.([335])

ومثل الآيات والروايات الآمرة بالتفكّر والتدبّر في آيات الله.

فإنّ المستفاد من مجموع الآيات والروايات، أنّ المطلوب هو الإيمان عن برهانٍ وعلمٍ، وهو متوقّفٌ على العلم بالرشد والغيّ، والعلم بسبيل الله وسبيل الشيطان، وهو متوقّفٌ على وجود سبيل الحقّ والباطل لدى الإنسان.

-------------------
[328]. آل عمران (3): 85.
[329]. الميزان في تفسير القرآن 12: 338.
[330]. مريم (19): 31.
[331]. البقرة (2): 183.
[332]. البقرة (2): 256.
[333]. الأنفال (8): 42.
[334]. الزمر (39): 17 و18.
[335]. الإنسان (76): 3.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org