Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المسألة الثالثة: في حكم البیع في الغشّ من جهة الصحّة والفساد

المسألة الثالثة: في حكم البیع في الغشّ من جهة الصحّة والفساد

هل الغشّ في البيع يوجب الفساد ـ مضافاً إلى الحرمة التكليفيّة ـ أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان‌: الثاني للشهيد والمحقّق الثانيين في المسالك وجامع المقاصد، ففي الأوّل:

ثمّ على تقدير الخفاء [خفاء العيب] فالبيع صحيح، وحكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب من غير الجنس.([741])

وفي الثاني قال:

لأنّ المحرّم هو الغشّ، وأمّا المبيع، فإنّـه عين منتفع بها یعدّ ما لاً فیصح.([742])

واستدلّ للقول الثاني بوجهين:

أحدهما: الأدلّة العامّة من الکتاب والسنّـة؛ أمّا الکتاب، قوله تعالى‌: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض﴾،([743]) وقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾،([744]) وقوله تعالى: ﴿أُوفُوا بِالعُقُود﴾.([745])

وأمّا السنّة، قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «المؤمنون عند شروطهم»، ([746])وغيره من الروايات المماثلة.

ثانيهما: الإطلاق الحالي في الروايات الواردة في الغشّ، فإنّها مع كثرتها لم يوجد فيها إشارة إلى بطلان البيع وفساده، فإنّ في عدم بيانهما فيها، دلالة على عدم الفساد بذلك الإطلاق، فإنّ الحال ممّا كان حال الكلام في حرمة الغشّ، فكان اللازم على المعصومين(علیهم السلام) بيان البطلان والفساد الملازم مع الحرمة، كما يقوله القائل بالبطلان والفساد.

واستدلّ للقول الأوّل، وهو عدم الصحّة والفساد بوجوهٍ:

أحدها: أنّ المقصود بالبيع في اللبن المغشوش مثلاً، والجاري عليه العقد هو المشوب بالماء.([747]) فما قصد لم يقع، وما وقع لم يقصد.

ويردّ ذلك بأنّ العقود تابعة للقصود والشرائط المذكورة والمنشئة في متنها. وأمّا الدواعي والأغراض الغير المذكورة فيها فلم يقع العقد عليه حتّى يكون تخلّفه موجباً لتخلّف العقود عن القصود، وإلّا يلزم بطلان وفساد جميع العقود والمعاملات المشتملة علی التدليس أو العيب، وهو كما ترى.

ثانيها: ما في مجمع الفائدة والبرهان من: «أنّ الغرض من النهي في مثله عدم صلاحيّـة بيع مثله على أنّـه غير مغشوش».([748])

يرد عليه: أنّ النواهي الواردة عن بيع المغشوش لا تدلّ على فساده؛ لعدم كون هذه النواهي إرشاداً إلى فساد بيع المغشوش، لکونه تکليفاً دالّا‌ً على حرمة البيع، لا فساده.

والقول بأنّ النهي التحريمي يدلّ على بطلان البيع والمعاملات وفسادها، وإن كان تامّاً وصحيحاً للتلازم بين الحرمة والفساد عرفاً وعُقلاءً، إلّا أنّـه مربوط بالنواهي المتعلّقة بذات المعاملة، لا المتعلّقة بما هو خارج عنها والمنطبقة عليها، والنهي في المقام متعلّق بالغشّ، وهو عنوان خارج عن ذات البيع منطبق عليه، فلا يدلّ على فساد بيع المغشوش.

ثالثها: النهي متعلّق ببيع المغشوش، والنهي المتعلّق بالبيع يدلّ على فساده؛ لتعلّقه بذات المعاملة.

ويرد عليه أوّلاً: أنّ النهي عن بيع المغشوش لنفسه لم يوجد في الروايات الموجودة فيما بأيدينا، والعهدة على مدّعيه.

وثانياً: أنّ النهي عن بيع المغشوش متعلّق به من حيث إنّـه غشّ، لا من حيث إنّـه بيع، فالنهي لم يتعلّق بذات البيع حتّى يدلّ على فساده.

رابعها: أنّ البيع مع الغشّ غشّ، كما تدلّ عليه رواية هشام المتقدّمة: «أما علمت أنّ البيع في الظلال غشّ والغشّ لا يحلّ»،([749]) وعدم حليّـة البيع يدلّ على فساده.

وفيه أوّلاً: أنّ الرواية تدلّ على أنّ البيع مع الغشّ مصداق من الغشّ وأنّ الغشّ منطبق عليه. وعليه، فلم يتعلّق النهي بذات البيع حتّى يدلّ على فساده.

وثانياً: أنّ الحلّيّـة وعدمها إذا تعلّقتا بالأفعال، ففيهما الدلالة على الحلّيّـة التكليفيّـة وعدمها فقط؛ لعدم المحلّ فيها للحلّيّـة الوضعيّـة وعدمها، كما هو الواضح المعلوم، وأمّا إذا تعلّقت بالمعاملات، ففيها الدلالة على الحلّيّـة الوضعيّـة والتكليفيّـة؛ قضاءً لإطلاق الحلّ وعدمه وقابليّـة المعاملات لهما، كما لايخفى. وحيث إنّ عدم الحلّ في المقام متعلّق بالغشّ، وهو من الأفعال، فلا دلالة فيها إلّا على الحرمة التكليفيّـة.

خامسها: ما في خبر موسى بن بكر من قوله(علیه السلام): «ألقه في البالوعة حتّى لايباع شيء فيه غشّ»،([750]) ففي تعليله(علیه السلام) الإلقاء في البالوعة بعدم وقوع البيع على شيء کان فيه غشّ، دلالة على فساد هذه المعاملة.

ويرد عليه ما أورده الشيخ‌(قدس سره) بقوله:

وأمّا خبر الدينار، فلو عمل به خرجت المسألة عن مسألة الغشّ؛ لأنّـه إذا وجب إتلاف الدينار وإلقاؤه في البالوعة كان داخلاً فيما يكون المقصود منه حراماً، نظير آلات اللهو والقمار، وقد ذكرنا ذلك في ما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرّماً، فيحمل «الدينار» على المضروب من غير جنس النقدين أو من غير الخالص منهما؛ لأجل التلبيس على الناس، ومعلوم أنّ مثله بهيئته لا يقصد منه إلّا التلبيس، فهو آلة الفساد لكلّ من دفع إليه، وأين هو من اللبن الممزوج بالماء وشبهه؟([751])

ثمّ إنّ في جامع المقاصد ذكر في الغشّ بما لا يخفی، بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء وجهين لصحّة المعاملة وفسادها بقوله:

وأمّا حال البيع في الفرض الأوّل، فيمكن صحّته؛ لأنّ المحرّم هو الغشّ‌، وأمّا المبيع، فإنّـه عين منتفع بها يعدّ مالاً‌، فيصحّ. ويمكن الحكم بالبطلان‌؛ لأنّ المقصود بالبيع هو اللبن‌، والجاري عليه هو المشوب‌. وفي الذكرى في باب الجماعة ما حاصله‌: لو نوى الاقتداء بإمام معيّن على أنّـه زيد، فظهر أنّـه عمرو، أنّ في الحكم نظر، قال‌: ومثله ما لو قال‌: بعتك هذا الفرس فإذاً هو حمار، وجعل منشأ التردّد تغليب الإشارة أو الوصف ([752]).([753])

واستشكل الشيخ‌(قدس سره) عليه بقوله:

وما ذكره من وجهي الصحّة والفساد جارٍ في مطلق العيب؛ لأنّ المقصود هو الصحيح، والجاري عليه العقد هو المعيب، وجعله من باب تعارض الإشارة والوصف مبنيّ على إرادة الصحيح من عنوان المبيع، فيكون قوله‌: «بعتك هذا العبد» بعد تبيّن كونه أعمى بمنزلة قوله‌: «بعتك هذا البصير». وأنت خبير بأنّـه ليس الأمر كذلك ـ كما سيجيء في باب العيب ـ، بل وصف الصحّة ملحوظ على وجه الشرطيّـة وعدم كونه مقوّماً للمبيع، كما يشهد به العرف والشرع.

ثمّ لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح، لم يكن إشكال في تقديم العنوان على الإشارة بعد ما فرض(رحمه الله) أنّ المقصود بالبيع هو اللبن، والجاري عليه العقد هو المشوب؛ لأنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، ولذا اتّفقوا على بطلان الصرف فيما إذا تبيّن أحد العوضين معيباً من غير الجنس.

وأمّا التردّد في مسألة تعارض الإشارة والعنوان، فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظيّـة، فإنّـها مردّدة بين كون متعلّق القصد أوّلاً وبالذات هو العين الحاضرة ويكون اتّصافه بالعنوان مبنيّاً على الاعتقاد، وكون متعلّقه هو العنوان والإشارة إليه باعتبار حضوره‌.

أمّا على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات ومغايرته للموجود الخارجيّ ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يتردّد أحد في البطلان.

وأمّا وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكرى([754]) بتعارض الإشارة والوصف في الكلام مع عدم الإجمال في النيّـة‌، فباعتبار عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك فيما نواه‌؛ إذ كثيراً ما يشتبه على الناوي أنّـه حضر في ذهنه العنوان ونوى الاقتداء به، معتقداً لحضوره المعتبر في إمام الجماعة‌، فيكون الإمام هو المعنون بذلك العنوان وإنّما أشار إليه معتقداً لحضوره، أو أنّـه نوى الاقتداء بالحاضر وعنونه بذلك العنوان لإحراز معرفته بالعدالة، أو تعنون به بمقتضى الاعتقاد من دون اختيار.([755])

------------------
[741]. مسالك الأفهام 3: 129.
[742]. جامع المقاصد 4: 25.
[743]. النساء (4): 29.
[744]. البقرة (2): 275.
[745]. المائدة (5): 1.
[746]. تهذيب الأحکام 7: 371/1503، باب المهور والأجور و...، الحديث 66؛ الاستبصار 3: 232/835، باب من عقد على امرأة وشرط لها أن لايتزوّج...‌، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
[747]. اُنظر: مجمع الفائدة والبرهان 8: 83.
[748]. نفس المصدر.
[749]. تقدّمت في الصفحة 259؛ وراجع: الكافي 5: 160، باب الغشّ، الحديث 6؛ ومن لا يحضره الفقيه 3: 172 /770، باب البيع في الظلال، الحديث 1؛ وتهذيب الأحکام 7: 13/54، باب فضل التجارة وآدابها...، الحديث 54؛ ووسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 86، الحديث 3.
[750]. تقدّم الخبر في الصفحة 259؛ وراجع: الكافي 5: 160، باب الغشّ، الحديث 3؛ وتهذيب الأحکام 7: 12/50‌، باب فضل التجارة وأدابها...، الحديث 50؛ ووسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 86، الحديث 5.
[751]. المكاسب 1: 283.
[752]. راجع: ذكرى الشيعة 4: 423.
[753]. جامع المقاصد 4: 25.
[754]. راجع: الذکري 4: 423.
[755]. المكاسب 1: 282.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org