Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مواقع النظر والخدشة في کلامه هذا

مواقع النظر والخدشة في کلامه هذا

و وفيه: أنّ الشيخ(قدس سره) تمسّك في الحكم بحرمة الأقسام الأربعة المتقدّمة من الإيضاح أوّلاً: بشهادة العـلّامة المجلسي(رحمه الله)‌([670])بدخولها في المعنى المعروف للسحر عند أهل الشرع، فيشملها الإطلاقات.

وثانياً: بدعوى فخر المحقّقين في الإيضاح من كون حرمتها من ضروريّات الدين وأنّ مستحلّها كافر.

وفي تمسّكه بكلا الأمرين إشكالٌ، أمّا تمسّكه بشهادة المحدّث المجلسي(رحمه الله) فيمكن أن يناقش فيه بأنّ الألفاظ في كلام الشارع ملقاة إلى أهل العرف، لا إلى أهل الشرع، فلا أثر لشهادة المحدّث المجلسي(رحمه الله)، حيث إنّـه شهد بدخول الأقسام في المعنى المعروف عند أهل الشرع، لا في المعنى المعروف عند أهل العرف.

هذا مضافاً إلى أنّ فخر المحقّقين(قدس سره) نفسه سمّي واحد من هذه الأقسام الأربعة باسم السحر والثلاثة الأخرى بأسماء أخرى، وتوضيحه يتمّ بالنظر إلى عبارة الإيضاح، وإليك نصّها، قال(قدس سره):

أقول: المراد بالسحر استحداث الخوارق بمجرّد التأثيرات النفسانيّـة، أو بالاستعانة بالفلكيّات فقط، أو على سبيل تمزيج القوی السماويّـة بالقوى الأرضيّـة، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة، وقد خصّ أهل المعقول، الأوّل باسم السحر، والثاني بدعوة الكواكب، والثالث بالطلّسمات، والرابع بالعزائم، وكلّ ذلك محرّم في شريعة الإسلام ومستحلّه كافر.([671])

وأمّا التمسّك بدعوى فخرالدين كون حرمتها من ضروريّات الدين وأنّ مستحلّها كافر، فيرد عليه أوّلاً: أنّ عبارته خالية من ادّعاء كون حرمتها من ضروريّات الدين، فلعلّ نسبة دعوى الضرورة إليه مع خلوّ كلامه عنها يكون بلحاظ حكمه بكفر مستحلّه؛ حيث إنّ كفر المستحلّ لا يكون إلّا إذا كانت حرمته من المسلّمات والضروريّات. إلّا أنّ هذا التوجيه محلّ إشكال ونظر؛ إذ يمكن أن يكون نسبة الكفر إلى مستحلّه بلحاظ أنّ مستحلّ السحر كافر، لاعتقاده بإتيان الأفعال مستقـلاً ومن دون إذن الله، لا بلحاظ أنّ حرمة السحر من الضروريّات، ومنكر الضروريّ كافر.

والشاهد عليه: أنّ حمل كلام فخر المحقّقين على الكفر بلحاظ كون حرمة السحر من الضروريّات يحتاج إلى تقييد كلامه بأنّ مستحلّها كافر إذا كان مسلماً، ولا دليل على هذا التقييد.

وثانياً: أنّـه إنّما يتمّ على مبنی من ذهب إلى أنّ منكر الضروريّ كافرٌ، دون مبنی من ذهب إلى أنّ منكر الضروريّ لا يكون كافراً إلّا إذا رجع إنكاره إلى تكذيب الله تعالى أو تكذيب النبيّ‌(صلی الله علیه و آله و سلم).

وثالثاً: أنّ دعوی الضرورة من فخر المحقّقين مع الاختلافات الكثيرة في معنى السحر، ومع عدم وجود رواية مطلقة تدلّ على الحرمة المطلقة، لا يكاد يكون دليلاً على حرمة مطلق السحر؛ إذ لا اطمينان بعدم اشتباه فخرالمحقّقين في دعوى الضرورة، فلعلّ المحرّم من السحر هو السحر المضرّ، لا السحر بما هو هو ومطلق السحر.

مع أنّ ادّعاء الضرورة من الأدلّة اللبّية، والأدلّة اللبّية لا إطلاق لها، فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها، فلا يكون دليلاً على حرمة مطلق السحر. ثمّ قال(قدس سره):

نعم، ذكر شارح النخبة أنّ ما كان من الطِّلسمات مشتملاً على إضرار أو تمويه على المسلمين، أو استهانة بشيء من حرمات الله ـ كالقرآن وأبعاضه وأسماء الله الحسنى ونحو ذلك ـ فهو حرامٌ بلا ريب؛ سواء عدّ من السحر أم لا، وما كان للأغراض ـ كحضور الغائب، وبقاء العمارة، وفتح الحصون للمسلمين ونحوه ـ فمقتضى الأصل جوازه، ويحكى عن بعض الأصحاب،([672]) وربما يستندون في بعضها إلى أميرالمؤمنين(علیه السلام)، والسند غیر واضح. وألحق في الدروس تحريم عمل الطلّسمات بالسحر، ووجهه غير واضح. انتهى.([673]) ولا وجه أوضح من دعوى الضرورة من فخر الدين،([674]) والشهيد0.([675])

ويرد عليه: أنّ الإشکال علی الشيخ وصاحب النخبة بأنّـه لا وجه أوضح من دعوی الضرورة من فخر الدين والشهيد0، مخدوشٌ بأنّ الضرورة من الأدلّة اللبّية، والدليل اللبّي لا إطلاق له، فلا يكاد يكون دليلاً على حرمة جميع أقسام السحر.

هذا بالنسبة إلى كلام الشيخ، وأمّا كلام صاحب النخبة، من حكمه بحرمة عمل الطلّسمات إذا كان مشتملاً على تمويه المسلمين؛ سواء عدّ من السحر أم لا، مخدوشٌ بعدم الدليل على حرمة عمل الطلّسمات إذا لم يكن مضرّاً بأحد، فضلاً عمّا كان نافعاً.

توضيحه: أنّ الظاهر من صاحب النخبة أنّ عمل الطلّسمات، المشتمل على تمويه المسلمين حرامٌ، وإن لم يكن فيه ضررٌ على أحد، بل ولو كان نافعاً؛ حيث جعل الطلّسم المشتمل علی التمويه قسيماً للمشتمل على الإضرار، ولو كان مراده الطلّسم المشتمل على التمويه المضرّ على المسلمين للزم عليه أن يجعله قسماً من الإضرار، لا قسيماً له.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم(قدس سره) بعد ما مرّ من تمسّكه لحرمة ما في الإيضاح من الأقسام الأربعة بشهادة المجلسي وبادّعاء الضرورة من الفخر، شرع في حكم غير تلك الأربعة وفصّل بين ما كان من غيرها ممّا فيه الإضرار بالنفس المحترمة، وبين ما لم يكن كذلك، وبيّن المسألة ببيان مفصّل ومع تحقيقات جيّدة وتتبّع كامل، لكن ننقل جملة من عباراته في أوّل بحثه ودونك العبارة:

وأمّا غير تلك الأربعة، فـإن كان ممّا يضرّ بالنفس المحترمة، فلا إشكال أيضاً في حرمته، ويكفي في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته، فمثل إحداث حبّ مفرط في الشخص يعدّ سحراً. روى الصدوق في الفقيه ـ في باب عقـاب المرأة على أن تسحر زوجها ـ بسنـده عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائـه (صلوات الله عليهم)، قال: قـال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لامرأة سألته: «إنّ لي زوجاً وبه غلظة عليّ وإنّي صنعت شيئاً لأعطفه عليّ؟ فقال لها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «أفٍّ لك؛ كدّرت البحار وكدّرت الطين، ولعنتك الملائكة الأخيار، وملائكة السماوات والأرض». قال: فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح، فبلغ ذلك النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال: «إنّ ذلك لا يقبل منها».([676])

بناء على أنّ الظاهر من قولها: «صنعت شيئاً» المعالجة بشيء غير الأدعية والصلوات ونحوها، ولذا فهم الصدوق منها السحر، ولم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.([677])

ويرد عليه أوّلاً: أنّ تخصيص ما يضرّ بالنفس المحترمة ممّا لا وجه له، ولا ينبغي صدوره من مثل الشيخ، بل يكفي في حرمة العمل كونه ممّا يضرّ بالغير؛ سواء كان بالنفس المحترمة، أم بالمال، أم بالعرض.

وثانياً: كفاية مطلق صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته المستفاد من قوله: «ويكفي في الضرر...»، ممنوعٌ؛ إذ ربما يكون صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضی إرادته نافعاً له، كما إذا كان أفعاله سفهيّاً، فيعمل الساحر عملاً يمنعه عن الأفعال السفهيّـة.

وثالثاً: أنّ ما في رواية الفقيه من قوله(صلی الله علیه و آله و سلم)للمرأة: «أفٍّ لك؛ كدّرت البحار وكدّرت الطين...»([678]) ليس لمجرّد بيان حرمة السحر، بل له ولسدّ باب السحر في زمان النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم).

وذلك لما فيها من الدلالة على الحرمة الشديدة، الظاهرة في عدم كونها بصدد بيان حرمة سحر الزوجة لجلب حبّ الزوج فقط‌؛ لأنّ حرمة السحر كذلك لا وجه لشدّتها بما في الرواية من تكدير البحار إلى لعن ملائكة السماوات والأرض، فلابدّ إلّا من كونها ناظرة إلى سدّ باب السحر في زمانه حتّى في مثل السحر للتحابّ بين الزوجين، مضافاً إلى بيان حرمته. فتدبّر جيّداً.

-------------------
[670]. راجع: بحار الأنوار 56: 277، کتاب السماء والعالم، باب عصمة الملائکة وقصّة هاروت وماروت، ذيل المسألة السادسة.
[671]. إيضاح الفوائد 1: 405.
[672]. مثل الشهيدين والفاضل الميسي والمحقّق الأردبيلي. تقدّم کلامهم في الصفحة 231 من جواهر الکلام 33: 133؛ ومن قواعد الأحکام 2: 9؛ وتذكرة الفقهاء 12: 144؛ ومنتهى المطلب 15: 389؛ والدروس الشرعيّـة 3: 164، درس 231؛ ومسالك الأفهام 3: 128؛ ومجمع الفائدة والبرهان 79:8؛ ومفاتيح الشرائع 2: 24.
[673]. کلام شارح النخبة في التحفة السنيّـة في شرح النخبة المحسنيّـة: 51 مع تفاوت في بعض العبارة.
[674]. إيضاح الفوائد 1: 405.
[675]. المكاسب 1: 266.
[676]. لاحظ: من لا يحضره الفقيه 3: 282 /1345، باب عقوبة المرأة على أن تسحر زوجها، الحديث 1؛ ووسائل الشيعة 20: 247، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، الباب 144، الحديث 1. وفيهما: «عليّ غلظة» بدل «غلظة عليّ».
[677]. المكاسب 1: 267.
[678]. تقدّمت قبيل هذا.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org