Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأمر السابع: في اعتبار تعيين المغتاب في حرمة الغيبة وعدمه

الأمر السابع: في اعتبار تعيين المغتاب في حرمة الغيبة وعدمه

هل يعتبر في حرمة الغيبة أن يكون المغتاب مذكوراً بنحو التعيين، أم يكفي ذكره بنحو الإبهام في عدد محصور أو غير محصور؟ قال في الجواهر:

بل يعتبر فيها أيضاً تعيين الشخص عند السامع، فلا غيبة مع فرض عدمه، وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)إذا كره من أحد شيئاً قال: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا»([1500])ولا يعيّن.

ويكفي في معرفة عدم العلم به، الأصل ونحوه، وجعل شيخنا في شرحه ذلك من مستثنيات الغيبة، قال: «ومنها ذمّ من لايشخّصه ولايميّزه ولايحصره، فإنّـه لا بأس به وإن دخل تحتها»([1501]).([1502])

وفيه: أنّ الأدلّة بإطلاقها تقتضـي عدم اعتبار التعيين عند السامع في حرمة الغيبة، والقائـل بعدم حرمة غيبـة من لايشخّصه ولايميّـزه ولايحصـره يطالب بالدليل، ولم يستدلّ صاحب الجواهر ولا كاشف الغطاء بشـيء على اعتباره.

وأمّا قول رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)إذا كره من أحد شيئاً: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» لم يكن غيبة؛ لعدم قصده(صلی الله علیه و آله و سلم)الانتقاص، لا لاعتبار التعيين في الغيبة، فإنّـه(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يقوله بغرض هداية الأمّة لا تنقيص الأفراد.

ولقد أجاد سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) في بيان المسألة، ولذا نكتفي بما أفاده، وإليك نصّ كلامه، قال (سلام لله علیه):

فهل يعتبر فيها أن يكون المغتاب مذكوراً بنحو التعيين، فلا يكون ذكر أحد الشخصين بنحو الإبهام غيبة، فضلاً عن ذكر مبهم في غير محصور‌؟

والتفصيل أنّ المذكور بنحو الإبهام، كقوله: أحدهما كذا أو واحدٍ من التجّار كذا، إمّا أن يكون معيّناً بحسب الواقع أو لا، وعلى الأوّل، إمّا أن يكون معلوماً عند القائل أو عند المخاطب أو عندهما، أو ليس معلوماً عند واحدٍ منهما.

الظاهر شمول الأدلّة لجميع صور المعيّن واقعاً حتّى المجهول عندهما، فإنّـه لو قال: زيدٌ كذا وكذا، وكان مشتبهاً في غير محصور، يصدق أنّـه ذكره أخاه بما يكره، فإنّ صدق ذكره لا يتوقّف على عدم كونه من أطراف الشبهة، ولا على علم المخاطب والمتكلّم به.

فكما أنّ قوله: لعن الله قاتل زيد لعن عليه، كان في أطراف المشتبه أم لا، معلوماً لدى القائل أم لا، كذلك لو ذكره بسوء.

ودعوى انصراف الأدلّة عن بعض الصور، ناشئة من دعوى أنّ الغيبة عبارة عن هتك ستر مستور، كما عليه شيخنا الأنصاري.([1503])

فمع عدم مقبوليّـة الدعوى الثانية تدفع الأولى أيضاً، وقد تقدّم ما في الثانية.

نعم، لا شبهة في عدم حرمة غيبة من يكون مشتبهاً مطلقاً أو في غير محصور عند السامع، فضلاً عن مجهوليّته عندهما، لا لقصور الإطلاقات، أو كون الغيبة بمعنى كشف الستر، بل لقيام السيرة على عدم الاجتناب عنها وورود نحوها في الأخبار وآثار الأخيار.

والظاهر أنّ المراد بعدم الحصر ليس ما يقال في أطراف العلم الإجمالي، بل الأمر في المقام أوسع.

وأمّا غير المعيّن واقعاً، كما لو قال: أحدهما بخيلٌ، وكانا بخيلين أو كانا غير بخيلين ـ بناءً على عدم توقّف صدق الغيبة على اتّصاف المغتاب بالمذكور ـ فهل يكون غيبة؟ بأن يقال: إنّ أحدهما صادقٌ على كلّ واحدٍ من المعيّنين بنحوٍ، ولهذا لو قال: إضرب أحدهما، يكون ضرب كلّ واحدٍ منهما امتثالاً، فلو لم ينطبق عليه لما يكون كذلك.

فيصدق عليه أنّـه ذكر أخاه بما يكره؛ لعدم الفرق بين ذكره تعييناً أو أخذ عنوانٍ في موضوع الكلام منطبقٌ عليه، بل يكون مغتاباً لكلّ منهما؛ لانطباق العنوان عليهما، تأمّل، أو لا يكون غيبة؛ لعدم ذكر هذا بعينه ولا ذاك بعينه، بل اغتاب أحدهما لا بعينه، وهو غير مشمول للأدلّة؟

وجهان، لا يبعد ترجيح عدم الجواز في المحصور ولو بإلغاء الخصوصيّات والمناسبات.

ثمّ إنّ هنا مشكلة، وهي أنّـه لا شبهة في شمول الأدلّة للاغتياب بنحو العامّ الاستغراقيّ، كأن يقال: أهل بلد كذا، أو طائفة كذائيّـة كذا، فإنّـه ينحلّ إلى ذكر كلّ واحدٍ من أهل البلد والطائفة.

لكن ورد في روايات كثيرة في أبواب متفرقّـة تعييب طوائف وأهل بلدان، ممّا يكون ظاهرها الاستغراق والعموم والإطلاق.

ويمكن أن يقال: إنّها ـ مع ضعف كثير منها ـ محمولة على محامل، ككون النظر إلى أهل بلدان وطوائف في تلك الأعصار التي كانت أهاليها من الكفّار أو المخالفين.([1504])

أو على أمرٍ اقتضائيّ، كقوله في بعض الطوائف: إنّ لهم عِرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء.([1505])

أو كانت الصفة ظاهرة فيهم، كما ورد في طائفة أنّهم خلق مشوّه،([1506]) إلى غير ذلك من المحامل.([1507])

ولا يخفى أنّ ما ذكره (سلام لله علیه) من الوجهين الأخيرين في توجيه الروايات الواردة في تعييب الطوائف وأهل بلدان، غير تمامٍ بالنظر إلى ظاهره؛ لعدم الفرق في حرمة الغيبة بين كون الأمر المذكور فعليّاً أو اقتضائيّاً، وبين كون الأمر مستوراً أو ظاهراً، إلّا أن يكون مراده (سلام لله علیه) من هذين التوجيهين بيان فقد قصد الانتقاص والتفكّه بعِرض المسلم، المعتبر في حرمة الغيبة؛ بأن يكون مراد القائل بيان الجريان الطبيعي، والنظريّـة العلميّـة وأمثالهما، الغير الناظر إلى الانتقاص والتعييب.

وممّا ذكرناه مـن عدم اعتبار التعيين في الغيبـة انقدح المناقشـة فيما أفـاده صاحب الجواهر في مستثنيات الغيبة بقوله:

ومنها: تعليق الذمّ بطائفة، أو أهل بلد، أو قرية مع قيام القرينة على عدم إرادة الجميع، كذمّ العرب والعجم وأهل الكوفة والبصرة وبعض القرى، لكن لا يخفى عليك الإشكال في دليل الاستثناء بعد فرض الدخول في موضوع الغيبة، اللهمّ إلّا أن يدّعى انسباق غير هذا الفرد منها أو قيام السيرة القاطعة على عدم البأس في ذلك، بل وقع منهم(علیهم السلام) في مقامات متعدّدة، والأمر سهلٌ بعد ثبوت الحكم الذي لا ريب في أنّ الأحوط، الترك في بعض أفراد موضوعه، كذمّ أحد الرجلين أو الرجال مع حصرهم وتعيينهم، أو ذمّ الطائفة مع إرادة الأغلب منها ونحو ذلك.([1508])

فإنّ تعليق الذمّ بطائفة أو أهل بلد أو قرية، من الغيبة المحرّمة، إن كان بقصد الانتقاص؛ قضاءً للإطلاقات وعدم الدليل على اعتبار التعيين، ولايكون من الغيبة المحرّمة إن لم يكن بقصد الانتقاص؛ لاعتبار ذلك القصد في حرمتها.

وأمّا ما ذکر دفاعاً عن الجواهر، استدلالاً له على الاستثناء بوقوع الغيبة منهم(علیهم السلام) في مقامات متعدّدة، ففيه ما لا يخفی؛ فإنّ الغيبة بما أنّ لها من الحرمة الأكيدة والمفاسد العظيمة غير قابلٍ للتخصيص، لاسيّما مع کون المخصّص من عمل الأئمّة(علیهم السلام).

والجواب، بأنّ الغیبة کذلك کانت منهم(علیهم السلام) بقصد الهداية، فلا بأس بها خلاف الوجدان؛ إذ لم يوجد في تنقيص أهل البلدان والقرى وطوائف من المؤمنين، كالنساء مثلاً، هداية للناس، بل فيه مفاسد الغيبة.

هذا مضافاً إلى ضعف سند الروايات الدالّة على وقوع الغيبة منهم(علیهم السلام).

--------------------
[1500]. سنن أبي ‌داود 4: 434، باب في حسن العشرة، الحديث 4788؛ مرآة العقول 10: 411، باب الغيبة والبهت، ذيل الحديث 1.
[1501]. شرح القواعد: 53 (مخطوط).
[1502]. جواهر الكلام 22: 65.
[1503]. لاحظ: المكاسب 1: 332.
[1504]. راجع: وسائل الشيعة 20: 82 و83، كتاب النکاح، أبواب مقدّمات النکاح وآدابه، الباب 31.
[1505]. راجع: علل الشرائع 2: 393، باب العلّة التي من أجلها حرّم الله الکبائر، الحديث 4؛ ووسائل الشيعة 20: 83، كتاب النکاح، أبواب مقدّمات النکاح وآدابه، الباب 31، الحديث 4.
[1506]. راجع: الكافي 5: 352، باب من کره مناکحته من الأکراد والسودان وغيرهم، الحديث 1؛ ووسائل الشيعة 20: 82، كتاب النکاح، أبواب مقدّمات النکاح وآدابه، الباب 31، الحديث 1.
[1507]. المكاسب المحرّمة 1: 411 ـ 413.
[1508]. جواهر الكلام 22: 65.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org