Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الاستدلال علی حرمة حلق اللحية

الاستدلال علی حرمة حلق اللحية

واستدلّ علی الحرمة بوجوهٍ:

الوجه الأوّل: الإجماع المدّعی في بعض الکلمات، وفیه ما مرّ([364]) من عدم تعرّض القدماء للمسألة في کتبهم المعدّة لنقل المسائل، فکیف یُدّعی فیها الإجماع؟ لو سلّم، فلا یکفي دلیلاً؛ لکونه في مسألة اجتهادیّـة في الاستدلال بالآیات والروایات، فیحتمل کونه مستنداً إلی تلك الأدلّة، فالإجماع مدرکيّ احتمالاً لا تعبّديّ.

[الوجه] الثاني: قوله تعالى في التحدّث عن قول الشيطان: ﴿وَلَاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الاَنْعَامِ وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾‌.([365])

وضعف الاستدلال به ممّا لايخفى‌؛ لأنّ المراد بالتغيير في خلق الله الذي يأمر به الشيطان تغيير دين الله الذي فطر الناس عليها، كما فسّره به الشيخ الطوسي(رحمه الله) في تفسيره،([366]) فإنّ التغيير كذلك مناسب مع الشيطان الذي حلف بعزّة الله إغواء جميع بني آدم وأفراد البشر، لا كون المراد منه التغيير في اللحية بحلقه أو مطلق التغيير في عالم التكوين الذي ليس من الإغواء الذي حلف عليه، وغير مناسبٍ مع الشيطنة، كما هو الواضح. ويشهد عليه قوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾‌.([367])

وقد نقل الشيخ(رحمه الله) للآية أقوالاً شتّى، وليس منها ما يعمّ حلق اللحية‌. وفيه ما هو نصّه:

قوله: ﴿وَلاَْمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾ اختلفوا في معناه، فقال ابن‌عبّاس والربيع بن أنس، عن أنس: إنّـه الإخصاء وكرهوا الإخصاء في البهائم، وبه قال: سفيان، وشهر بن حوشب، وعكرمة وأبو‌صالح. وفي رواية اُخرى عن ابن ‌عبّاس: فليغيّرنّ دين الله، وبه قال: إبراهيم ومجاهد، وروي ذلك عن أبي ‌جعفر وأبي ‌عبد‌الله(علیهما السلام).

قال مجاهد: كذب العبد؛ يعني عكرمة في قوله: إنّـه الإخصاء وإنّما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، وهو قول قتادة، والحسن والسدي، والضحّاك وابن زيد. وقال قوم: هو الوشم. روي ذلك عن الحسن والضحّاك وإبراهيم أيضاً وعبد‌الله. وقال عبد‌الله: لعن الله الواشمات والموتشمات والمتفلّجات المغيّرات خلق الله. وقال الزجاج: خلق الله تعالى الأنعام ليأكلوها، فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والحجارة مسخّرة للناس ينتفعون بها، فعبدها المشركون. وأقوى الأقوال من قال: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾؛ بمعنى دين الله؛ بدلالة قوله: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾. ويدخل في ذلك جميع ما قاله المفسّرون؛ لأنّـه إذا كان ذلك خلاف الدين، فالآية تتناوله.([368])

هذا مضافاً إلى أنّـه: إن كان حلق اللحية من تغيير الخلقة، وكلّما يكون تغييراً لها فهو حرامٌ، ففيه: إن كان المراد بالتغيير تغييراً خاصّاً، فلا دلالة في الآية على حرمة الحلق؛ لما فيه من الإجمال وعدم الدليل على الخاصّ المراد منه.

وإن كان المراد منه مطلق التغيير، فلا يصحّ الاستدلال به على تلك الحرمة؛ لعدم صحّة كون المراد منه العموم، لاستلزامه القول بحرمة التصرّف في مصنوعاته تعالى حتّى في مثل جري الأنهار وغرس الأشجار وحفر الآبار وقطع الأخشاب وقلم الأظفار وغيرها من التغييرات في مخلوقاته، وهو كما ترى.

[الوجه] الثالث: الروايات المستفیضة من طرق الفریقین، الآمرة بإعفاء اللحی وحُفّ الشوارب، والنهي عن التشبّه باليهود والمجوس، وظاهر الأمر الوجوب:

أحدها: ما في الوسائل عن الصدوق(رحمه الله) في الفقیه، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «حُفّوا الشوارب، وأعفوا اللحی، ولا تشبّهوا بالیهود».([369])

ثانیها: ما فیه أیضاً عن معاني الأخبار بسنده عن عليّ بن غراب، عن جعفر بن محمّد، عن أبیه، عن جدّه(علیهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «حُفّوا الشوارب، وأعفوا اللحی، ولا تتشبّهوا بالمجوس».([370])

ثالثها: ما فیه أیضاً عن الفقیه، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم، وإنّا نحن نجزّ الشوارب ونُعفي اللحی وهي الفطرة».([371])

قال في الوافي في بیان الروایة:

الحُفّ: الإحفاء، وهو الاستقصاء في الأمر والمبالغة فیه، وإحفاء الشارب: المبالغة في جزّه. والإعفاء: الترك، وإعفاء اللحی یوفّر شعرها، من عفی الشيء: إذا کثر وزاد. قوله(علیه السلام): «وأعفوا عن اللحی»؛ أي لا تستأصلوها، بل أترکوا منها ووفّروا. وقوله(علیه السلام): «ولا تشبّهوا بالیهود»؛ أي لا تطیلوها جدّاً؛ وذلك لأنّ الیهود لا یأخذون من لحاهم، بل یطیلونها.([372])

أقول: في الفقیه والوسائل: «أعفوا اللحی»، وفي الوافي: «أعفوا عن اللحی»، والظاهر أنّ الصحیح هو الأوّل.

رابعها: وفي البیهقي بسنده عن ابن عمر، عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «أعفوا اللحی، وأحفوا الشوارب».([373])

خامسها: وفيه أیضاً بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «خالفوا المشرکین، وفّروا اللحی، وأحفوا الشوارب».([374])

سادسها: وفيه أیضاً بسنده عن أبي هریرة أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «جزّوا الشوارب، وأرخوا اللحی، وخالفوا المجوس».([375])

أقول: یحتمل أن یکون المراد بالمشرکین في روایة ابن عمر أیضاً المجوس؛ لأنّهم کانوا یقولون بالیزدان والأهرمن.

سابعها: وفي الکامل لابن الأثیر: إنّ رجلین قدما علی رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)[من قبل کسری] وقد حلقا لحاهما وأعفیا شواربهما، فکره النظر إلیهما وقال: «ویلکما من أمرکما بهذا»؟ قـالا: ربّنا ـ یعنینان الملك ـ فقـال(صلی الله علیه و آله و سلم): «لکن ربّي أمرني أن أعفی لحیتي وأقص شاربي».([376])

ورواه في المستدرك([377]) أیضاً عن الکازروني في المنتقی.

أقول: في الاستدلال بهذه الروایات مناقشة أوّلاً: بضعف سند روایة الثانیة بما فیه رجالٌ مجهولٌ لم یثبت وثاقتهم، ومنهم «عليّ بن غراب»، وضعف أسناد روایات العامیّـة بما فیهم رجالٌ غیر موثّق، ومنهم ابن عمر وأبي هریرة والکازروني، مضافاً إلی ما في السابع من الإرسال. نعم، روایة الأولی والثالثة ممّا رواه الصدوق وإن کانا مرسلتین، لکن بما أنّ فیهما النسبة الجزمیّـة إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فلا یخلو عن الاعتبار.

وثانیاً: أنّ الموضوع في تلك الروایات «إعفاء اللحی»، لاعدم حلقه، فالمأمور به فیها «الإعفاء» وإعفاء الشعر لغةً ـ کما في مصباح المنیر: ـ ترکته حتّی یکثر ویطول، ومنه: «أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحی».([378]) وقال في المفردات: «وأعفیت کذا؛ أي ترکته یعفو ویکثر، ومنه قیل: أعفوا اللحی».([379])

وفي مجمع البحرین: «وفي الحدیث: وأعفوا اللحی، هو بقطع الهمزة؛ أي وفّروها».([380])

وعلی هذا، فلا دلالة في تلك الأخبار علی حرمة حلق اللحیة. ويؤيّـد ذلـك بما في الوافي بعـد نقـل مرسـلتي الفقيـه مـن قولـه(صلی الله علیه و آله و سلم):

«وأعفوا عن اللحى»؛ أي لاتستأصلوها، بل أتركوا منها ووفّروا. وقوله: «ولا تتشبّهوا باليهود»؛ أي لاتطيلوها جدّاً؛ وذلك لأنّ اليهود لا يأخذون من لحاهم، بل يطيلونها، وذكر الإعفاء عقيب الإحفاء، ثمّ النهي عن التشبّه باليهود، دليلٌ على أنّ المراد بالإعفاء أن لا يستأصل ويؤخذ منها من دون استقصاء، بل مع توفير وإبقاء، بحيث لايتجاوز القُبضَة، فيستحقّ النار.([381])

فإنّ المستفاد من عبارته عدم الدلالة في تلك الروايات على حرمة حلق اللحية؛ لأنّ المأمور به حينئذٍ هو الإعفاء وإبقاء اللحية بما لايزيد على القُبضة، وهو ليس بواجب قطعاً.

وثالثاً: بأنّـه من المحتمل أن تکون الروایات ناظرة إلی النهي عمّا شاع عملاً بین المجوس من فتل الشوارب وحلق اللحی، کما یشهد بذلك قوله(صلی الله علیه و آله و سلم)في روایة عليّ بن غراب: «ولا تشبّهوا بالمجوس»، وفي روایة أبي هریرة: «وخالفوا المجوس». وعلی هذا، فالأمور به ـ في الحقیقة ـ مخالفة المجوس، والمحرّم هو التشبّه بهم في زیّهم وقیافتهم، فلا تدلّ الروایات علی حرمة حلقهما معاً، بل یمکن أن یقال: إنّـه إذا فرض کون الحرمة بلحاظ صدق عنوان التشبّه بالمجوس کانت ـ بحسب الحقیقة ـ حکماً ثانویّـاً دائراً مدار صدق هذا العنوان، فإذا زال هذا العنوان الثانوي ـ کما في أعصارنا ـ لم یکن محرّماً. فتدبّر.

[الوجه] الرابع: ما رواه الجعفریّات بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبیه، عن جدّه عليّ بن الحسین، عن أبیه، عن عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) قال: قال رسول الله‌(صلی الله علیه و آله و سلم): «حلق اللحیـة من المثـلة، ومن مثّـل فعلیه لعنة الله».([382])

ورواه عنـه في المستدرك.([383])

بتقریب: أنّ المثلة، وهو قطع الأعضاء حرامٌ قطعاً، کما یشهد بذلك لعنه من قبل الله تعالی، ومقتضی الروایة کون حلق اللحیة من المثلة.

وفیه الضعف في السند أوّلاً بعدم ثبوت الکتاب عن محمّد بن محمّد بن الأشعث حتّی یصحّ الاعتماد علیه، فلا وثوق بکون ما في الکتاب هو عین ما رواه موسی بن إسماعیل، عن أبیه، عن آبائه بلا تصحیفٍ أو تحریفٍ.

وبالجملة، لا سند لنا إلی الکتاب. ولمزید التوضیح في ذلك ننقل ما في الجواهر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر بعد نقل حدیث من الأشعثیّات، قال:

الضعیف سنداً، بل الکتاب المزبور علی ما حکي عن بعض الأفاضل لیس من الأصول المشهورة، بل ولا المعتبرة، ولم یحکم أحد بصحّتـه من أصحابنا، بل لم تتواتر نسبته إلی مصنّفه، بل ولم تصحّ علی وجهٍ تطمئنّ النفس بها، ولذا لم ینقل عنه الحرّ في الوسائل ولا المجلسي في البحار، مع شدّة حرصهما ـ خصوصاً الثاني ـ علی کتب الحدیث، ومن البعید عدم عثورهما علیه. والشیخ والنجاشي وإن ذکرا أنّ مصنّفه من أصحاب الکتب إلّا أنّهما لم یذکرا الکتاب المزبور بعبارةٍ تشعر بتعیینه. ومع ذلك، فإن تتبّعه وتتبّع کتب الأصول یعطیان أنّـه لیس جاریاً علی منوالها، فإنّ أکثره بخلافها، وإنّما تطابق روایته في الأکثریّة روایة العامّة إلی آخره.([384])

وبعدم ثبوت وثاقة موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر، وعدم ثبوت وثاقة أبیه أیضاً وإن کان فیهما ما یشعر بل یکون ظاهراً في المدح؛ لما في الفهرست([385]) من أنّ لهما کتب یرویها عن کتاب الطهارة وکتاب الصلاة...، بل وفي إسماعیل بن موسی بن جعفر أمر أبي ‌جعفر الثاني بالصلاة علی جنازة صفوان بن یحیی، لکن مع ذلك، وثاقتهما غیر ثابتة، غایة الأمر أنّهما ممدوحان.

وفي الدلالة ثانياً: أنّ المثلة هو التنكيل بالغير بقصد هتكه وإهانته، بحيث تظهر آثار فعل الفاعل بالمنكّل به. وعليه، فتكون الرواية دالّة على حرمة هتك الغير بإزالة لحيته؛ لكون ذلك مثلة والمثلة محرّمة، فلا ترتبط بحلق اللحية بالاختيار؛ سواء كان ذلك بمباشرة نفسه، أم بمباشرة غيره.

وثالثاً: أنّ اللعن كما يجتمع مع الحرمة، فكذلك يجتمع مع الكراهة أيضاً، فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى القرينة المعيّـنة.

ويدلّ على هذا ورود اللعن على فعل المكروه في موارد عديدة، وقد تقدّمت في مسألة الوصل والنمص،([386]) ومن تلك الموارد ما في وصيّـة النبيّ‌(صلی الله علیه و آله و سلم)لعليّ(علیه السلام)، قال: «يا عليّ؛ لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيت وحده».([387])

ومن ذلك يظهر بطلان الفرق بين اللعن المطلق وبين كون اللعن من الله أو من رسوله بتوهّم أنّ الأوّل يجتمع مع الكراهة؛ لكونه ظاهراً في البعد المطلق، بخلاف الثاني، فإنّـه يختصّ بالحرمة؛ لكونه ظاهراً في إنشاء الحرمة.

[الوجه] الخامس: ما دلّ من الروایـات علی النهي عن التشبّـه بأعداء الله والسلوك بمسلکهم، وهي موثّقة السکوني وروایة العیون:

أحدها: ما عن التهذیب بإسناده عـن النوفلي، عن السکوني،([388])عن جعفر، عن أبیه، عن آبائه(علیهم السلام)، قال: «أوحی الله إلی نبيّ من الأنبیاء أن قل لقومك: لایلبسوا لباس أعدائي، ولا یطعموا مطاعم أعدائي، ولا یشاکلوا بما شاکل أعدائي، فیکونوا أعدائي کما هم أعدائي».([389])

ثانیها: ما عن الفقیه بإسناده عن إسماعیل بن مسلم، عن الصادق(علیه السلام)، قال: «إنّـه أوحی الله إلی نبيّ من أنبیائه قل للمؤمنین: لایلبسوا لباس أعدائي، ولایطعموا مطاعم أعدائي، ولایسلکوا مسالك أعدائي، فیکونوا أعدائي کما هم أعدائي».([390])

ثالثها: ما رواه في عیون أخبار الرضا بسنده عن عبدالسلام بن صالح الهروي، عن الرضا، عن آبائه(علیهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لاتلبسوا»، وذکر مثله.([391])

وفیه: أنّ الظاهر من النهي وإن کان هو الحرمة، لکنّ الظاهر أنّ المراد من السلوك والمشاکلة بأعداء الله عبارة عن اتّخاذ سيرتهم شعاراً وزيّاً، وهذا لا يتحقّق بمجرّد الاتّصاف بوصفٍ من أوصافهم.

[الوجه] السادس: قوله(صلی الله علیه و آله و سلم)لرسولي كسرى: «ويلكما من أمركما بهذا»؟ قالا: أمرنا بهذا ربّنا ـ يعنيان كسرى ـ فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لكن ربّي أمرني بإعفاء لحيتي وقصّ شاربي».([392])

وفيـه أوّلاً: أنّ الرواية لاسند لها، بل قضيّـة تاريخيّـة نقلها الكازروني، مع ما يقـال من أنّـه قال في البدء والتاريخ: أنّـه سمعه.([393])

وثانياً: ما تقدّم([394]) من أنّ المأمور به إنّما هو الإعفاء، وهو ليس بواجب قطعاً.

[الوجه] السابع: قوله(علیه السلام): «أقـوام حلقوا اللحى، وفتلوا الشوارب، فمسخوا»‌.([395])

وفيه: أنّ الرواية وإن كانت ظاهرة في الحرمة، إلّا أنّها ضعيفة سنداً بحبابة الوالبیه وعبدالله بن هاشم وعبدالله بن أیّوب، فإنّهم من المجاهیل.

ثمّ إنّ في مصباح الفقاهة،([396]) بعد ردّ تلك الوجوه المستدلّ بها له، ذهب إلى حرمة حلق اللحية واستدلّ عليها بوجهين:

أحدهما: صحيحة البزنطي صاحب الرضا(علیه السلام)، قال: وسألته عن الرجل هل له أن يأخذ من لحيته؟ قال: «أمّا من عارضيه فلا بأس، وأمّا من مقدّمها فلا».([397])

ففیه الدلالة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه.

ولایخفی علیك أنّ في تعبیره بالصحیحة لیس في محلّه؛ إذ لم يذكر ابن إدريس الرواية معنعناً، ولم يذكر سنده إلى كتاب البزنطي أیضاً، والظاهر عدم سندٍ له إليه وإلّا لذَکَره. ومعروفيّـة كتاب البزنطي إلى حدّ لا احتیاج إلى ذكر سندٍ له إليه، غير معلومٍ، فاتّصافها بالصحيحة غير معلوم. نعم، هي صحیحة في الوسائل علی نقلها عن عليّ بن جعفر بصحّة سنده إلیه.

وکیف کان، فیرد علیه أنّ في الوسائل: «هل يصلح له أن يأخذ» مكان: «هل له أن يأخذ»، وعدم الصلاحيّـة أعمّ من الحرمة والكراهة، والأعمّ لايدلّ على الأخصّ، فلا دلالة فیها على الحرمة.

لا‌يقال: إنّ الرواية بنقل عليّ بن جعفر تكون: «فلا يأخذ»، والنهي دليلٌ على الحرمة.

لأنّـه يقال: إنّ فعل «فلا يأخذ» غير معلوم بكونه نهياً؛ لعدم قراءة الرواية عن المشايخ، بل كانت الروايات منقولة لنا بالوجادة، ففيه احتمال النفي، فلايدلّ على الحرمة؛ لما سبق منّا مراراً أنّ الجملة الخبريّـة لا تدلّ على الحرمة ولا الوجوب.

هذا مضافاً إلى أنّ الرواية موافقة للعامّة. ففي فقه المذاهب: الحنفيّـة قالوا: يحرم حلق لحية الرجل، والمالكيّـة قالوا: يحرم حلق اللحية، والحنابلة قالوا: يحرم حلق اللحية، والشافعيّـة قالوا: أمّا اللحية فإنّـه يكره حلقها والمبالغة في قصّها.([398])

وفي سنن البيهقي باب سنّـة المضمضة عن عائشة، قالت: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «عشرٌ من الفطرة: قصّ الشاب وإعفاء اللحية...».([399])

وفيه عن ابن عمر، عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، قـال: «وأعفوا اللحى، وأحفوا الشوارب».([400])

وفيه عنه(صلی الله علیه و آله و سلم): «جزّوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس».([401])

وفيه عـن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم): «نهى عـن نتف الشيب»، وقـال: «إنّـه من نـور الإسلام»،([402]) وعنه(صلی الله علیه و آله و سلم):«لا تنزعوا الشيب».([403])

فالأخذ بها، مع ما في الأخبار من الأمر بالأخذ بما خالف العامّة؛ معلّلاً بأنّ الرشد في خلافهم، محلّ إشكال ونظر. فتأمّل.

ومضافاً إلى أنّ اعتبار السياسي أيضاً يستوجب عدم الأخذ به؛ إذ يحتمل فيه الافتراء على الإمام(علیه السلام)؛ لاشتغال الناس بهذه المسائل وإعراضهم عن المسائل الأساسيّـة المهمّة التي ربما يزاحم منافع الحكومة وعملائها.

ثانيهما: السيرة، قال (قدس سره):

وتـدلّ على ذلك أيضـاً السيرة القطعيّـة بين المتديّنين المتّصـلة إلى زمـان النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، فإنّهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمّون حالقها، بل یعاملونه معاملة الفسّاق فى الأمور التي تعتبر فيها العدالة.([404])

وفيه: أنّ السيرة ممنوعةٌ؛ إذ لا يوجد في كتب المتقدّمين في المواضع التي يعتاد ذكر المحرّمات والمعاصي، التعرّض لمسألة حلق اللحية، ولم يذكروه من المعاصي الكبيرة أو الصغيرة، لا في باب عدالة إمام الجماعة والجمعة، ولا في عدالة الشاهد في باب القضاء والطلاق.

والعجب من السيّد الخوئي، حيث ادّعى السيرة القطعيّـة بين المتديّنين إلى زمان النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)في الالتزام بحفظ اللحية ومعاملتهم مع حالق اللحية معاملة الفسّاق في الأمور المعتبر فيها العدالة؛ إذ كيف يحصل العلم بتلك السيرة مع خلوّ كتب الفقهاء المتقدّمين عن التعرّض لمسألة حلق اللحية؟

------------------
[364]. مرّ في الصفحة 128 ـ 129.
[365]. النساء (4): 119.
[366]. لاحظ: التبيان في تفسير القرآن 3: 334.
[367]. الروم (30): 30.
[368]. التبيان في تفسير القرآن 3: 334.
[369]. من لا يحضره الفقيه 1: 76/332، باب تقليم الأظفار وأخذ الشارب والمشط، الحديث 108؛ وسائل الشيعة 2: 116، کتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 67، الحديث 1.
[370]. معاني الأخبار: 404، باب معني قول النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم) حفّوا الشوارب و...، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 2: 116، کتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 67، الحديث 3.
[371]. من لا يحضره الفقيه 1: 76/334، باب تقليم الأظفار وأخذ الشارب والمشط، الحديث 110؛ وسائل الشيعة 2: 116، کتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 67، الحديث 2.
[372]. الوافي 6: 657، کتاب الطهارة والتزيّن، أبواب قضاء التفث والتزيّن، باب جزّ اللحية والشارب...، ذيل الحديث 9.
[373]. السنن الکبري (للبيهقي) 1: 250، کتاب الطهارة، باب السنّـة في الأخذ من الأظفار والشارب، الحديث 695.
[374]. نفس المصدر والباب، الصفحة 250، الحديث 696.
[375]. نفس المصدر والباب، الصفحة 250، الحديث 697.
[376]. الکامل في التاريخ 2: 97، في أحداث سنّـة ستّ من الهجرة.
[377]. مستدرك الوسائل 1: 407، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 40، ذيل الحديث 2.
[378]. المصباح المنير:419، مادّة: «عفو».
[379]. مفردات ألفاظ القرآن :574، مادّة: «عفا».
[380]. مجمع البحرين 1: 300، مادّة: «عفا».
[381]. الوافي 6: 658/5180، کتاب الطهارة والتزيّن، أبواب قضاء التفث والتزيّن، باب جزّ اللحية والشارب و...، ذيل الحديث 9.
[382]. الجعفريّات : 258، کتاب السير والآداب، باب السنّـة في حلق الشعر...، الحديث 1047.
[383]. مستدرك الوسائل 1: 406، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمام، الباب 40، الحديث1.
[384]. جواهرالکلام 21: 398.
[385]. الفهرست: 45، الرقم 31؛ و244، الرقم 723.
[386]. تقدّمت في الصفحة 12 وما بعده.
[387]. من لا يحضره الفقيه 4: 259/824، باب النوادر، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 5: 332، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 20، الحديث 9.
[388]. واسم السکوني إسماعيل بن مسلم، وکنية أبيه أبو زياد، وله روايات کثيرة عن الصادق(عليه السلام)، وقد أفتي الأصحاب في الأبواب المختلفة بما رواه النوفلي عن السکوني.
[389]. تهذيب الأحکام 6: 172/332، باب النوادر‌، الحديث 10؛ وسائل الشيعة 15: 146، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 64، الحديث1.
[390]. من لا يحضره الفقيه 1: 163/769، باب فيما يصلّي فيه وما لا يصلّي فيه من الثياب وجميع الأنواع، الحديث 20؛ وسائل الشيعة 4: 385، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 19، الحديث 8.
[391]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 25، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام)، الحديث 51؛ وسائل الشيعة 4: 385، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 19، ذيل الحديث 8.
[392]. مستدرك الوسائل 1: 407، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 40، ذيل الحديث 2.
[393]. البدء والتاريخ (لابن المطهّر) 3 : 170.
[394]. تقدّم في الصفحة 134 ـ 135.
[395]. الكافي 1: 346، باب ما يفصل به من دعوى المحقّ و...، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 2: 116، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 67، الحديث 4.
[396]. مصباح الفقاهة 412:1.
[397]. السرائر 3: 574؛ وسائل الشيعة 2: 111، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 63، الحديث 5. وفيه: «هل يصلح».
[398]. راجع: الفقه علي المذاهب الأربعة 2: 44 ـ 46، کتاب الحظر والإباحة، حکم إزالة الشعر.
[399]. السنن الکبري (للبيهقي) 1: 92، کتاب الطهارة، باب سنّـة المضمضة والاستنشاق، الحديث 242.
[400]. السنن الکبري (للبيهقي) 1: 250، کتاب الطهارة، باب السنّـة في الأخذ من الأظفار والشارب، الحديث 695.
[401]. السنن الکبري (للبيهقي) 1: 250، کتاب الطهارة، باب السنّـة في الأخذ من الأظفار والشارب، الحديث 697.
[402]. السنن الکبري (للبيهقي) 11: 172، کتاب القسم والنشوز، باب نتف الشيب، الحديث 15196.
[403]. السنن الکبري (للبيهقي) 11: 172، کتاب القسم والنشوز، باب نتف الشيب، الحديث 15198.
[404]. مصباح الفقاهة 1: 412.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org