Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الاستدلال علی استثناء الحداء من الغناء

الاستدلال علی استثناء الحداء من الغناء

وكيف كان، فقد استدلّ عليه بأمورٍ:

أوّلها: أصالة الإباحة.

وفيه: أنّ الأصل دليل وحجّة حيث لا دليل ولا حجّة.

ما استدلّ به المالك بما نصّه: «وقد روي أنّـه(صلی الله علیه و آله و سلم)قال لعبدالله بن رواحة: «حرّك بالقوم»، فاندفع يرتجز، وکان عبدالله جيّد الحداء».([1123])وهذا بعض جملات الحديث، وکلّه ما روي عن عائشة أنّها قالت: كنّا مع رسول الله‌(صلی الله علیه و آله و سلم)في سفر، وكان عبد‌الله بن رواحة جيّد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبيّ‌(صلی الله علیه و آله و سلم)لعبدالله بن رواحة: «حرّك بالقوم»، فاندفع يرتجز، فتبعه أنجشة، فاعتنقت الإبل، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم)لأنجشة: «رويدك رفقاً بالقوارير»؛ يعني النساء.([1124])

وفي الجواهر: «حرّك بالنوق»([1125]) بدل: «حرّك بالقوم».

واستشكل عليه الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)بقوله: «وفي دلالته وسنده ما لايخفى».([1126])

أقول: أمّا سندها، فإشكاله واضحٌ، فإنّ الرواية نبويّ عاميّ مرسل. وضعف سندها لا ينجبر بعمل الأصحاب؛ لعدم معلوميّـة الشهرة أوّلاً، ولعدم استناد الأصحاب إليها ثانياً.

وأمّا دلالتها، ففيها مضافاً إلى ما في الجواهر([1127]) من أنّها قضيّـة شخصيّـة، فليس فيها إطلاق مقتضٍ لجواز الحداء مطلقاً ولو مع کونه غناءً، حتّی يدلّ علی استثنائه من حرمة الغناء.

إنّـه تقابل أنّ هذه القضيّـة لعلّها تحقّقت قبل نزول حكم الغناء وحرمتها، فلا دلالة فيها على جواز الغناء في الحداء ولو على تسليم الإطلاق فيها، كما لايخفى.

لكن يمكن أن يقال: إنّـه لا يناسب مقام النبوّة والرسالة أن يرتكب ما يحكم الله بحرمته فيما بعد، مثل الخمر، فإنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)لا يرتكب شربه ولو في زمان عدم حرمته، فإنّ شربه لا يناسب مقام النبوّة والرسالة، ومثله الغناء التي يكون من الزور واللهو والقول الباطل، وأنّ الحداء خارج عن الغناء تخصّصاً لا تخصيصاً، فلا محلّ له للاستثناء.

وثانياً: فإنّ الحداء قسيم الغناء.

وثالثاً: أنّ عبد‌الله بن رواحة لم يرتكب الحداء، بل جعل يرتجز، والرجز غير الحداء. وعلى هذا، ففيها أشعار محرّمة الحداء مع الغناء، كما بيّنه سيّدنا الاُستاذ(سلام لله علیه) حیث قال:

وقد يستدلّ على الاستثناء، أو يؤيّده بما روي أنّـه(صلی الله علیه و آله و سلم)قال لعبد‌الله بن رواحة‌: «حرّك بالنوق»، فاندفع يرتجز، وكان عبد‌الله جيّد الحداء، وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فلمّا سمعه تبعه، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم)لأنجشة: «رويدك رفقاً بالقوارير»؛ يعني النساء.([1128])

وفيه ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ أنّ الظاهر منها أنّ ابن رواحة ارتجز لتحريك النوق، والإنشاد ببحر الرجز يخالف الغناء، ولا يحصل به الطرب الحاصل بالغناء وهو الخفّة، بل يحصل منه الخفّة والطرب الخاصّ بالغناء، بل يحصل منه التهيّج الخاصّ بالحرب ونحوه.

فيمكن أن يقال: فيها إشعار بعدم جواز الحداء والتغنّي للإبل، فإنّ تركه والأخذ بالرجز مع مناسبة الأوّل للنوق، مشعرٌ بممنوعيّته.

وأمّا قوله‌: «وكان عبد‌الله جيّد الحداء» إخبار من الراوي، ولا يدلّ على حَدوِه بالتغنّي.

نعم، في محكيّ مناقب محمّد بن عليّ بن شهر آشوب، قال‌: وكان حادي بعض نسوته(صلی الله علیه و آله و سلم)خادمه أنجشة، فقال لأنجشة: «ارفق بالقوارير»، وفي رواية: «لا تكسر القوارير».([1129])

وفيه ـ مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ صدره من كلام ابن شهر آشوب لا رواية عن المعصوم‌ ـ أنّ المظنون أنّـه نقل بالمعنى حسب اجتهاده من قطعة من الرواية المتقدّمة، مع أنّ في معنى الحادي كلاماً يأتي عن قريب.([1130])

ثالثها: موثّقة السكوني بإسناده، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه(علیهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «زاد المسافر الحداء، والشعر ما كان منه ليس فيه جفاء».([1131])

وفي نسخة: «الخنا» بدل «الجفاء»، وفي نسخة: «الحنان».

قال المحدّث الحرّ العاملي بعد نقل الحديث: «وفي نسخة: ليس فيه حنان».([1132])

ثمّ قال بعد نقلها عن المحاسن:

«أقول: تسميته زاداً من حيث معونته على السفر كالزاد، فهو مجازٌ، والخنا من معانيه: الطرب».([1133])

قال سيّدنا الاُستاذ(سلام لله علیه):

وفي شرح الفقيه للمجلسي،([1134]) والفقيه المطبوع في عصرنا سنة 1376، وفي الوافي: «الخنا»،([1135]) وكذا في مجمع البحرين([1136]) في كلمة حداء، وفسّره بالفحش، قال‌: وفي بعض النسخ: «جفا»، وذكر الحديث في مادّة «جفا» أيضاً، فالمظنون، أن يكون الصحيح الخنا بمعنى الفحش، لكن جعل في نسخة الوسائل «الجفا» في المتن، و«الخنا» فوق السطر مع علامة النسخة، وقال‌: «في نسخة: ليس فيه حنان»، ثمّ قال‌: «والحنان من معانيه الطرب». انتهى.

لكن لم أرى شاهداً على ما ذكره. نعم، الحنين من حنّ يحنّ، جاء بمعنى الطرب وهو غير الحنان.([1137])

أقول: وكيف كان، فلا دلالة في الموثّقة على استثناء الحداء من الغناء؛ لاحتمال كون لفظ الحديث «الخنا»، واحتمال كونه بمعنى الطرب، ففيها احتمال تقييد الحداء بعدم كونه غناءً، والاحتمال مضرّ بالاستدلال، فالمحكّم عموم أدلّة الغناء. هذا، مع ما في الحداء من احتمال كونه بمعنى سوق الإبل مطلقاً بأيّـة وسيلة كان، كما هو ظاهر القاموس، قال: «حداء الإبل، وبها حدوا وحُداء وحِداء: زجرها وساقها»،([1138]) بناء على أنّ ساقها معنى آخر له مقابل زجرها.

أو سوقها بمطلق الصوت، الأعمّ من الغناء، كما يظهر منه في كلمة «دى دى» قال: «ما كان للناس حداء فضرب أعرابيّ غلامه وعض أصابعه فمشى وهو يقول «دى دى»، أراد يا يدي، فسارت الإبل على صوته، فقال له‌: ألزمه وخلع عليه، فهذا أصل الحداء».([1139]) انتهى، تأمّل.

أو مشترك بين سوق الإبل مطلقاً والتغنّي لها، كما هو محتمل الصحاح والمنجد ومجمع البحرين، ففي الأوّل: الحدو سوق الإبل والغناء لها، وقريبٌ منه في تالييه. أو هو سوق الإبل بالغناء، كما هو محتمل عبارة الصحاح وغيره.([1140])

وظاهر الوافي([1141]) والمسالك([1142]) وشرح الفقيـه للمجلسي([1143]) والريـاض([1144]) والمستند([1145]) ومجمع البرهان([1146]) وغيرها. ففي الأوّل هو سوق الإبل بالترنّم. وفي المسالك سوق الإبل بالغناء لها، ونحوه غيره. والظاهر منهم تفسيره مطلقاً، لا ما هو موضوع الحكم الشرعيّ أو مورد استثناء الفقهاء.

أو هو مباينٌ للغناء، كما هو صريح مفتاح الكرامة؛ تمسّكاً بشهادة العرف، وكأنّـه مال إليه في الجواهر.([1147])

فإن كان عبارة عن التغنّي للإبل فتكون الرواية أخصّ مطلقاً من أدلّة التحريم، ولا مانع من تقييدها لها؛ سواء في ذلك النسخ المختلفة؛ لأنّ كونه مطرباً من لوازم الغناء، فلا يرجع إليه القيد، ولو كان الحنان بمعنی الطرب.

إلّا أن يقال‌: المأخوذ في الغناء هو المطربيّـة الاقتضائيّـة، والمراد بالحنان هو بالمطربيّـة الفعليّـة، لكنّـه مع بعده يفيد استثناء الغناء إلّا إذا أثّر الطرب فعلاً.

وكذا لو كان أحد معنييه التغنّي لها والآخر السوق بغير صوت.

وأمّا لو كان أعمّ من التغنّي؛ بمعنى كونه إمّا مطلق سوق الإبل بصوت، أو غيره بالتغنّي أو لا، أو بمعنى سوقها بمطلق الصوت‌: فتصير الرواية أعمّ من وجه من روايات التحريم، فيأتي فيها ما تقدّم من الكلام، وعلى فرض عمل المعارضة تقدّم عليها روايات التحريم بوجوهٍ. مضافاً إلى أنّـه على فرض الأعميّـة تصير مجملة.

------------------
[1123]. راجع: مسالك الأفهام 14: 181.
[1124]. راجع: المبسوط 8: 225؛ وجواهر الكلام 22: 50؛ وراجع: السنن الكبرى (للبيهقي) 10: 227، باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب کثر أو قلّ.
[1125]. جواهر الكلام 22: 50.
[1126]. المكاسب 1: 313.
[1127]. جواهر الكلام 22: 51.
[1128]. تقدّم تخريجه آنفاً.
[1129]. مناقب آل أبي‌طالب(عليهم السلام) 1: 147؛ مستدرك الوسائل 8: 213، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر إلى الحجّ، الباب 28، الحديث 2.
[1130]. المكاسب المحرّمة 1: 346ـ 347.
[1131]. من لا يحضره الفقيه 2: 183/823؛ باب الحداء والشعر في السفر، الحديث 1. وفيه: «خنا» بدل «جفاء»؛ وسائل الشيعة 11: 418، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 37، الحديث 1.
[1132]. وسائل الشيعة 11: 418، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 37، ذيل الحديث 1.
[1133]. وسائل الشيعة 11: 419، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 37، ذيل الحديث 1.
[1134]. لوامع صاحبقراني 7: 345، کتاب الحجّ، باب الحداء والشعر في السفر.
[1135]. الوافي 12: 396، کتاب الحجّ، أبواب آداب السفر وأصناف الحجّ و...، الباب 37، الحديث 33.
[1136]. مجمع البحرين 1: 89 و132، «جفا» و«خنا».
[1137]. المكاسب المحرّمة 1: 347.
[1138]. القاموس المحيط: 1146، مادّة: «حدو».
[1139]. تاج العروس من جواهر القاموس 19: 424، مادّة: «ديا».
[1140]. الصحاح 2: 1682، مادّة: «حدا»؛ المنجد: 122، مادّة: «حدا»؛ مجمع البحرين 1: 96، مادّة: «حدا».
[1141]. الوافي 12: 396، کتاب الحجّ، أبواب آداب السفر وأصناف الحجّ و...، الباب 37، ذيل الحديث 33.
[1142]. مسالك الأفهام 3: 126.
[1143]. لوامع صاحبقراني 7: 345، کتاب الحجّ، باب الحداء والشعر في السفر.
[1144]. رياض المسائل 7: 157.
[1145]. مستند الشيعة 14: 143.
[1146]. مجمع الفائدة والبرهان 8: 59.
[1147]. راجع: جواهر الكلام 22: 51.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org