Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: ومنها: دفع الضرر عن المغتاب

ومنها: دفع الضرر عن المغتاب

دفع الضرر عن المغتاب بغيبته، كما إذا أراد أحد أن يقتله أو يهتك عرضه، أو يأخذ أمواله، أو يضرّه بما يرجع إليه، فإنّ غيبته جائزة لدفع الأمور المذكورة عنه، فإنّ حفظها أهمٌّ في الشريعة المقدّسة من ستر ما فيه من العيوب، بل لو اطّلع عليها المقول فيه لرضي بالاغتياب طوعاً.

قال الشيخ الأعظم(قدس سره):

وعليه يحمل ما ورد في ذمّ «زرارة» من عدّة أحاديث.

وقد بيّن ذلك الإمام(علیه السلام) بقوله ـ في بعض ما أمر(علیه السلام) عبدالله بن زرارة بتبليغ أبيه: ـ «اقرأ منّي على والدك السلام، فقل له: إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك، فإنّ الناس، يسارعون إلى كلّ من قرّبناه ومجّدناه؛ لإدخال الأذى فيمن نحبّه ونقرّبه، ويذمّونه لمحبّتنا له، وقرّبه، ودنوّه منّا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كلّ من عيّبناه نحن.

وإنّما أعيبك؛ لأنّك رجل اشتهرت بنا بميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس، غير محمود الأمر؛ لمودّتك لنا وميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك، ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون ذلك منّا دافع شرّهم عنك.

يقول الله عزّوجلّ: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها، وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً﴾.([1619])

هذا التنزيل من عند الله، لا والله، ما عابها إلّا لكي تسلم من الملِك ولاتغصب على يديه، ولقد كانت صالحة، ليس للعيب فيها مساغ.

والحمد لله، فافهم المثَل، رحمك الله، فإنّك والله أحبّ الناس إليّ، وأحبّ أصحاب أبي إليّ حيّاً وميّتاً.

وإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وإنّ من ورائك لملكاً، ظلوماً غصوباً، يرقب عبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصباً، ويغصب أهلها. فرحمة الله عليك حيّاً، ورحمة الله عليك ميّتاً...»، الحديث([1620]).([1621])

ولكنّ الحكم بجوازها مطلقاً مشكلٌ لو كان مستنداً إلى قاعدة التزاحم، كما هو الظاهر المستفاد من الشيخ، بل لابدّ من تقييدها بما يكون دفع الضرر عن المغتاب أهمٌّ من غيبته أو محتمل الأهميّـة.

واستشكل عليه في مصباح الفقاهة بأنّ الظاهر:

أنّـه لا دلالة في شيء من الروايات المذكورة على مقصود المصنّف من جواز الغيبة لدفع الضرر عن المقول فيه، فإنّك قد عرفت أنّ الغيبة إظهار ما ستره الله عليه، ومن الواضح أنّـه لم يكن في زرارة عيب دينيّ ليكون ذكره غيبة، وإنّما ذمّة الإمام(علیه السلام) وتبرّأ منه لحفظ دمه وشؤونه عن الأخطار، كما عرفت التصريح بذلك فيما أشرنا إليه من الأخبار المتقدّمة.

بل الظاهر منها أنّ قدح الامام(علیه السلام) رفعة شأنه وعظم مقامه وجلالـة مرتبته، بحيث لا يرضى الإمام(علیه السلام) أن تمسّه أيدي الظالمين.([1622])

وفيه: أنّ كثيراً من الروايات الواردة في ذمّ زرارة تنسب بعض المعاصي، مثل الظلم والبدعة والخيانة، إليه،([1623]) فكيف لايكون غيبة له. نعم، بعضها ذمّ ولعن له من دون انتساب معصية إليه.

وأمّا ما ذكره في توجيه الروايات بأنّـه: «لم يكن في زرارة عيب دينيّ ليكون ذكره غيبة»، ففيه أوّلاً: أنّ الغيبة أعمّ من البهت. وثانياً: لو جاز البهتان لجاز الغيبة بطريق أولى.

ثمّ قال الشيخ(قدس سره):

ويلحق بذلك الغيبة للتقيّـة على نفس المتكلّم أو ماله أو عرضه أو عن ثالث، فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.([1624])

أقول: إن كان ما ذكره يرجع إلى التقيّـة فلا بأس به؛ لأنّ التقيّـة لحفظ المذهب، وقد قامت الأدلّة الخاصّة على جواز الغيبة بل البهتان؛ سواء توجّه الضرر إلی شخص المغتاب (بالفتح) أم إلى المتكلّم.

وأمّا إن كان لأجل قاعدة الاضطرار والضرورة، فلا يجوز إلّا إذا كان الضرر المتوجّه إلى نفس المتكلّم أو عرضه أو ماله أهمّ من مفسدة الغيبة؛ لجريان قاعدة التزاحم فيها.

ومنها: ذكر الصفات البيّـنة

ذكر الشخص بصفاتها الظاهر التي صـار بمنزلـة الصفـة المميّـزة التي لا يعرف إلّا بها، جائز ويکون من موارد الاستثناء، كالأعمش والأعرج والأشتر والأحول ونحوها.

لکنّـه الاستثناء مبنيّ علی عدم اعتبار قصد الانتقاص في الغيبة وإلّا فمع اعتبار القصد خروج الموارد يکون تخصّصاً لا استثناءً کما لا يخفی. وقد مرّ منّا اعتباره؛ وفاقاً للشهيد الثاني في کشف الريبة،([1625]) فإنّ الظاهر ممّا ذکره من الاحتراز من قصد الانتقاص عن ذکر الأعمی والزمن بعيبها للطبيب مثلاً هو ما ذکرناه من المبنی واختاره واحترز عليه الشيخ الأعظم([1626]) فيما ذکره من الاحتراز بأنّ الفرد الخارج داخل في التعريف عنده، حيث إنّـه عدّ في مکانٍ آخر في کشف الريبة([1627]) من الغيبة المصوّغة لذکر الإنسان بصفاتها الظاهرة، فيلزم التناقض حينئذٍ؛ لأنّ ما أثبته وأدخله في الغيبة هنا فقد أخرجه عنها في الاحتراز.

------------------
[1619]. الكهف (18): 79.
[1620]. راجع: رجال الكشّي 1: 220، الرقم 221، مع التفاوت؛ ووسائل الشيعة 30: 374 ـ 375، خاتمة الوسائل، أحوال الرجال، الفائدة الثانية عشرة، باب الزاي، مع تفاوتٍ يسير.
[1621]. المكاسب 1: 354 ـ 355.
[1622]. مصباح الفقاهة 1: 551.
[1623]. راجع: معجم رجال الحديث 8: 246 ـ 252.
[1624]. المكاسب 1: 355 ـ 356.
[1625]. کشف الريبة: 5، تعريف الغيبة لغةً واصطلاحاً.
[1626]. المکاسب 1: 327.
[1627]. کشف الريبة: 36 ـ 37، الفصل الثالث في الأعذار المرخّصة في الغيبة، السابع: أن يکون... .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org