Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دفع ضرر السحر بالسحر

دفع ضرر السحر بالسحر

الثاني:([679]) هل يجوز دفع ضرر السحر بالسحر أم لا؟ فيه قولان: فالأوّل هو المنسوب إلى كثير من أصحابنا على ما حكاه الشيخ الأعظم عن بعض الأساطين.

ويمكن أن يستدلّ له، مضافاً إلى الأصل ـ بعد دعوى انصراف الأدلّة إلى غير ما قصد به غرض راجح شرعاً ـ بالأخبار:

منها: ما في خبر الاحتجاج: «... فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنّما نحن فتنة، فلا تأخذوا عنّا ما يضرّكم ولا ينفعكم...».([680])

ومنها: ما في الكافي عن القمّي، عن أبيه، عن شيخ من أصحابنا الكوفيّين، قال: دخل عيسى بن شفقي على أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) وكان ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر، فقال له‌: جعلت فداك؛ أنا رجل كانت صناعتي السحر، وكنت آخذ على ذلك الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه، ومنّ الله عليّ بلقائك، وقد تبت إلى الله عزّوجلّ، فهل لي في شيء من ذلك مخرج؟ قال‌: فقال له أبو‌عبد‌الله(علیه السلام): «حلّ ولا تعقد».([681])

ومنها: مرسلة الصدوق(رحمه الله) في العلل، روي: «أنّ توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد».([682]) جعل المرسلة رواية مستقلّة مبنيّ على عدم استفادتها الصدوق،([683]) وإلّا فعلى الاستفادة ـ التي لا تكون بعيـدة ـ فليست رواية مستقـلّة.

ثمّ لايخفى عليك أنّ ظاهر المقابلة بين الحلّ والعقـد في الجواز والعدم، كون كلّ منهما بالسحر، فحمـل «الحـلّ» على مـا كـان بغير السحر من الدعـاء والآيـات ونحوهما ـ كمـا عـن بعض ـ([684])لا يخلو عن بُعـد.

ومنها: ما عن العسكري، عن آبائه(علیهم السلام) في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾،([685]) قال: «كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموّهون، فبعث الله عزّوجلّ ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما تسحر به السحرة، وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم، فتلقاه النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عزّوجلّ، فأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به الناس. وهذا كما یدلّ على السمّ ما هو؟ وعلى ما يدفع به غائلة السمّ»، ثمّ قال عزّوجلّ: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾؛ يعني أن ذلك النبيّ9 أمر الملكين أن يظهر للناس بصورة بشرين ويعلّماهم ما علّمهما الله من ذلك، فقال الله عزّوجلّ:﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد‌﴾ ذلك السحر وإبطاله ﴿حَتَّى يَقُولَا﴾ للمتعلّم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ وامتحان للعباد، ليطيعوا الله عزّوجلّ فيما يتعلّمون من هذا، ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم، ﴿فَلَا تَكْفُرْ﴾ باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به، ودعا الناس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت، وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله عزّوجلّ، فإنّ ذلك كفر ـ إلى أن قال: ـ‌ ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾؛ لأنّهم إذا تعلّموا ذلك السحر ليسحروا به ويضرّوا، فقد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه...»، الحديث.([686])

ومنها: روایة عليّ بن محمّد بن الجهم، عن مولانا الرضا(علیه السلام) ـ في حديث ـ قال: «وأمّا هاروت وماروت فكانا ملكين علّما الناس السحر ليحترزوا عن سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم، وما علّما أحداً من ذلك شيئاً إلّا قالا له: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه وجعلوا يفرّقون بما تعلّموه بين المرء وزوجه، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إلّا بِإِذْنِ اللهِ﴾؛([687])يعني بعلمه».([688])

هذا كلّه، مضافاً إلى أنّ ظاهر أخبار ذمّ الساحر ونهيه عن السحر، لاسيّما ما ورد منها في حدّه وأنّـه القتل، إرادة من يخشى ضرره، كما اعترف به بعض الأساطين.([689])

والثاني([690]) للعلّامة في غير واحد من كتبه،([691])والشهيد(رحمه الله) في الدروس،([692]) والفاضل الميسي،([693]) والشهيد الثاني(رحمه الله)، ولعلّهم حملوا ما دلّ على الجواز ـ مع اعتبار سنده ـ على حالة الضرورة وانحصار سبب الحلّ فيه، لا مجرّد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية والتعويذات، ولذا ذهب جماعة ـ منهم الشهيدان والميسي وغيرهم ـ([694]) إلى جواز تعلّمه ليتوقّي به من السحر ويدفع به دعوى المتنبّي. وربما حمل أخبار الجواز([695]) ـ الحاكية لقصّة هاروت وماروت ـ على جواز ذلك في الشريعة السابقة، فلا دلالة فيها على الجواز في شرعنا.

ولا يخفى عليك ما يمکن أن يقال أو قيل من حمل أخبار الجواز ـ الحاكية لقصّة هاروت وماروت ـ على جواز ذلك في الشريعة السابقة؛ لئـلّا تكون تلك الأخبار دليلاً على الجواز في شرعنا، وإن كان موافقاً للظاهر ومتيناً جدّاً، لكنّ القرينة الداخليّـة والخارجيّـة في أخبار الجواز قائمةٌ على عدم اختصاص الجواز بالشريعة السابقة، فعلی هذا، الاستدلال بها على الجواز في محلّه.

أمّا القرينة الداخليّـة، فلتشبيه السحر في الرواية بالسمّ ومعالجة السمّ، ومن المعلوم أنّ حرمة السمّ وجواز دفع السمّ ومعالجته غير مختصّ بشريعة دون شريعة.

وأمّا القرينة الخارجيّـة، فلأنّ نقل حكم الشرائع السابقة من الإمام المعصوم(علیه السلام) من دون إشارة منه إلى نَسخه يدلّ على بقائه في هذه الشريعة أيضاً، فإنّ شأن الإمام المعصوم(علیه السلام) بيان الأحكام الإلهيّـة، لا نقل القضايا الخارجيّـة من دون بيان حكمها، فنقله(علیه السلام) الجواز للسابقين يدلّ بالدلالة الالتزاميّـة على بقائه في هذه الشريعة أيضاً.

ولا يخفى عليك أيضاً أنّ ما ذكرناه من النقض والإبرام في أدلّة الطرفين ـ أي القول بالجواز وعدمه ـ كان لبيان ما استدلّوا به؛ تتميماً للبحث وتعميماً للفائدة، وإلّا فعلى ما بيّناه ـ من عدم الإطلاق في أدلّة حرمته، فلابدّ من الاقتصار على الميتقّن، وهو ما فيه الضرر ـ لاحاجة للاستدلال على الجواز بادّعاء انصراف الأدلّة إلى غير ما قصد به غرض راجح شرعاً، کما عبّر به بعض الأساطين، ولا إلى ادّعاه ظهور روايات المنع في من يخشى ضرره.

------------------
[679]. أي: الثاني من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها، وقد مرّ الأوّل منها في الصفحة 239.
[680]. الاحتجاج 2: 221، کلامه(عليه السلام) في هاروت وماروت.
[681]. قد مرّت الرواية وتخريجها في الصفحة 218 و 229؛ وراجع: الكافي 5: 115، باب الصناعات، الحديث 7. وفيه: «آخذ على ذلك الأجر» بدل «آخذ عليه الأجر»؛ ومن لا يحضره الفقيه 3: 110/463، باب الأب يأخذ من مال ابنه، الحديث 9. وفيه مع تفاوتٍ يسير في الألفاظ؛ وتهذيب الأحکام 6: 364/1043، باب المكاسب، الحديث 164، مع تفاوتٍ يسير، وفي من لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحکام: «شقفي» بدل «شفقي»؛ ووسائل الشيعة 17: 145، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 25، الحديث 1.
[682]. علل الشرائع 2: 312، الباب 338، باب العلّة التي من أجلها يقتل ساحر المسلمين و...، الحديث1.
[683]. من ذيل مرسلة إبراهيم بن هاشم من قوله(عليه السلام): «حلّ ولا تعقد».
[684]. كالعـلّامة في منتهى المطلب 15: 389.
[685]. البقرة (2): 102.
[686]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 241، باب ما جاء عن الرضا(عليه السلام) في هاروت وماروت، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 25، الحديث 4.
[687]. البقرة (2): 102.
[688]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 244، باب ما جاء عن الرضا(عليه السلام) في هاروت وماروت، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 25، الحديث 5.
[689]. وهو كاشف الغطاء، شرح الشيخ جعفر على قواعد الأحکام: 59.
[690]. أي: القول الثاني في حلّ السحر بالسحر.
[691]. كمنتهى المطلب 15: 389؛ وقواعد الأحکام 2: 9؛ وتذكرة الفقهاء 12: 144.
[692]. الدروس الشرعيّـة 3: 164.
[693]. التحفة السنيّـة في شرح النخبة المحسنيّـة: 51.
[694]. مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 8: 79، والمحدّث القاشاني في مفاتيح الشرائع 2: 24.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org