Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأمر الرابع: الوجوه والاحتمالات في حرمة الغناء

الأمر الرابع: الوجوه والاحتمالات في حرمة الغناء

الوجوه والاحتمالات في حرمة الغناء، بل الأقوال فيها ـ على ما قيل ـ ثلاثة:

أحدها: أنّ الغناء محرّم بحرمة نفسية ذاتيّـة، كحرمة الخمر والميسـر والزناء، وبعبارة أخرى: أنّ الغناء حرامٌ بذاته لذاته؛ بمعنى: الغناء هو الصوت المناسب لمجالس اللهو واللعب والذي يستعمله خلفاء بني العبّاس في مجالسهم اللهويّـة واللعبيّـة، فهو حرامٌ ولو في قراءة القرآن والمراثي والمدائح، كما ذهب إليه أكثر الفقهاء.

ثانيها: أنّ الغناء محرّم بحرمة نفسيّـة غير ذاتيّـة. وبعبارة أخرى: أنّ الغناء حرامٌ بذاته لغيره، كحرمة بعض مقدّمات الحرام نفساً، كحرمة غرس الكرم وحمل العنب وعصره لصناعة الخمر؛ بمعنی أنّ المحرّم من الغناء، هو الغناء المشتمل على الكلام والمضمون الباطل، أو المقارن للأمور الباطلة، كالمقارن لاختلاط النساء والرجال والمقارن لشرب الخمر، أو المشتمل على كليهما؛ بمعنى أنّ هذه الأمور شرط لحرمة الغناء، وأنّ الغناء حرمته مقيّد بهذه الأمور، كما أنّ وجوب الحجّ مقيّد بالاستطاعة، كما ذهب إليه المحدّث الفيض الکاشاني([772]) والمحقّق السبزواري.([773])

ثالثها: أنّ الغناء لا يكون محرّماً إلّا مجازاً. وبعبارة أخرى: أنّ اتّصاف الغناء بالحرمة ليس من الوصف الحقيقيّ بما هي هي، بل يكون من الوصف بحال المتعلّق، ممّا ليس وصفاً حقيقيّاً، بل يكون من الوصف المجازي الادّعائي، كاتّصاف جالس السفينة بالحركة؛ بمعنى أنّ المحرّم هو الأمور الباطلة المقارنة للغناء، كالكلام الباطل، مثل الكذب والافتراء والغيبة، وكاختلاط الرجال والنساء وشرب الخمر وأمثال ذلك. وإطلاق الحرمة على الغناء إنّما يكون بلحاظ الوصف بحال المتعلّق، كما ذهب إليه الغزالي([774]) من أهل السنّـة.

ولا يخفى‌ أنّ في الاحتمال الثاني احتمالان من حيث المعصية والعقوبة.

أوّلهما‌: أنّ في ارتكاب الغناء معصيتين وعقوبتين، معصية وعقوبة للغناء، ومعصية وعقوبة أخرى للمقارنات المحرّمة.

ثانيهما: أنّ فيها معصية واحدة إلّا أنّها شديدة، لاندكاك حرمة الغناء وحرمة المقارنات، فيصير الحرمة والمعصية حرمة ومعصية واحدة شديدة.

ولا يخفى أنّ الاحتمال الثـالث مخـالفٌ لظاهر الروايـات، إن لم نقـل بأنّـه مخـالفٌ للمذهب، فإنّ الحرمة في الروايات قد تعلّق بنفس الغناء، وظاهر العناوين هو الموضوعيّـة، لا المشيريّـة إلى عنوان آخر، فاتّصاف الغناء في الروايات بالحرمة وإطلاقها عليها من الوصف بحال نفسه لا الوصف بحال المتعلّق. وكذلك فتاوى الأصحاب، بل يمكن أن يقال: إنّ المذهب قد استقرّ على حرمة الغناء بحرمة نفسيّـة.

ثمّ إنّ نسبة القول الثالث إلى المحدّث الفيض الکاشاني والمحقّق السبزواري، كما ارتكبه بعض الأعاظم ثمّ الطعن عليهما، ممّا لا ينبغي صدوره من الأعاظم، وهو مخالفٌ لظاهر كلامهما.

ولقد أجاد سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) في نقل كلامهما وتحقيق مرادهما، قال (سلام لله علیه):

ثمّ إنّـه ربما نسب([775])إلى المحدّث الكاشاني وصاحب الكفاية الفاضل الخراساني إنكار حرمة الغناء واختصاص الحرمة بلواحقه ومقارناته من دخول الرجال على النساء واللعب بالملاهي ونحوهما، ثمّ طعنوا عليهما بما لاينبغي، وهو خلاف ظاهر كلام الأوّل في الوافي،([776])ومحكيّ المفاتيح([777]) والمحكيّ عن الثاني،([778])بل الظاهر منهما أنّ الغناء على قسمين: حقّ وباطلٌ، فالحقّ هو التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّـة والنار والتشويق إلى دار القرار، والباطل ما هو متعارف في مجالس أهل اللهو، كمجالس بنى أميّـة وبني العبّاس. قال في الوافي ما محصّله‌: إنّ الظاهر من مجموع الأخبار اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء، كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أميّـة وبني العبّاس من دخـول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالأباطيل ولعبهنّ بالملاهي من العيـدان والقضيب وغيـرها، دون مـا سـوى ذلك، كما يشـعر بـه قـوله(علیه السلام): «ليست بالتي يدخل عليها الرجال».

ثمّ ذكر عبـارة الاستبصار، فقال‌: يستفاد من كلامه أنّ تحريم الغناء إنّما هو لاشتماله على أفعال محرّمة، فإن لم يتضمّن شيئاً من ذلك جاز، وحينئذٍ فلا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس ولا سيّما وقد ورد الرخصة به في غيره، إلّا أن يقال: إنّ بعض الأفعال لا يليق بذوي المروءات وإن كان مباحاً، فالميزان حديث من أصغی إلى ناطق فقد عبده، وقول أبي ‌جعفر(علیه السلام): «إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء»؟ وعلى هذا، فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّـة والنار والتشويق إلى دار القرار ـ إلى أن قال: ـ‌ وبالجملة، لا يخفى على ذوي الحجی بعد سماع هذه الأخبار تميبز حقّ الغناء من باطله، وأنّ أكثر ما يتغنّى المتصوّفة في محافلهم من قبيل الباطل.([779]) انتهى.

وأنت خبيرٌ بأنّ ظاهر هذه العبارة، بل صريحها صدراً وذيلاً: أنّ الغناء على قسمين: قسمٌ محرّمٌ، وهو ما قارن تلك الخصوصيّات؛ بمعنى أنّ الغناء المقارن لها حرامٌ، لا أنّ المقارنات حرامٌ فقط، ولهذا حرم أجرهنّ وتعليمهنّ والاستماع منهنّ، ولولا ذهابه إلى تحريمه ذاتاً لا وجه لتحريم ما ذكر.

وقسمٌ محلّل، وهو ما يتغنّی بالمواعظ ونحوها، فقد استثنى من حرمة الغناء قسماً هو التغنّي بذكـر الله تعالى، كما استثنى بعضـهم التغنّـي بالمراثي،([780])وبعضهم التغنّي بالقرآن،([781])وبعضهم الحدي،([782])وبعضهم في العرائس،([783])وهذا أمر لم يثبت أنّـه خلاف الإجماع([784]) أو خلاف المذهب حتّى يستوجب صاحبه الطعن([785]) والنسبة إلى الخرافة والأراجيف، وقد اختاره النراقي في المستند([786]) وبعض من تأخّر عنه،([787]) كما لا يستوجبه من استثنى القرآن وغيره، فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان، كما صنع الشيخ الأنصاري([788]).([789])

وبعد ما لم يكن نظرهما إلى ما نسب إليهما ممّا جعلوه مورداً للطعن بما لاينبغي، بل كان نظرهما تفصيلاً في المسألة، كما بيّنه سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه)، فالأولى، بل المتعیّن النظر إلى ما يمكن أن يستدلّ به ممّا يأتي على هذا التفصيل.

---------------------
[772]. الوافي 17: 218، أبواب وجوه المكاسب، الباب 34، ذيل الحديث 35.
[773]. كفاية الأحكام 1: 428.
[774]. راجع: إحياء علوم الدين 2: 238، کتاب السماع والوجد، الباب الأوّل.
[775]. نسب إليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 12: 172.
[776]. الوافي 17: 218، أبواب وجوه المكاسب، الباب 34، ذيل الحديث 35.
[777]‌. مفاتيح الشرائع 2: 21، مفتاح 465.
[778]‌. كفاية الفقه المشتهر بکفاية الأحکام 1: 428.
[779]. الوافي 17: 218ـ 223، أبواب وجوه المكاسب، الباب 34، ذيل الحديث 35.
[780]‌. كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 8: 61؛ والنراقي في مستند الشيعة 14: 144.
[781]‌. كالطبرسي في مجمع البيان 86:1؛ والنراقي في مستند الشيعة 14: 146.
[782]. کالشهيد في الدروس الشرعيّـة 2: 126، درس 145؛ والنراقي في مستند الشيعة 14: 146 ـ 147.
[783]‌. كالشيخ في النهاية: 367؛ والمحقّق في المختصر النافع 1: 117 ـ 116؛ والمحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 18: 116.
[784]. اُنظر: الخلاف 6: 307، المسألة 55؛ وجواهر الكلام 22: 44؛ ورياض المسائل 8: 156.
[785]‌. الحاكي للطعن والنسبة، هو سيّدنا الأستاذ، لكن ما وجدناه في كلماتهم، وما في مفتاح الكرامة من نسبة الأراجيف إنّما يكون مربوطاً بما ذكر في بيان الظاهر من العبارة ممّا مرّ. فراجع مفتاح الكرامة 173:12. (منه(قدس سره))
[786]. مستند الشيعة 14: 140.
[787]‌. راجع: مستند الشيعة 14: 141؛ وجواهر الكلام 22: 46.
[788]. راجع: المكاسب 1: 302 ـ 304.
[789]. المكاسب المحرّمة 1: 316 ـ 319.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org