Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الاستدلال علی حرمة أخذ الرشوة

الاستدلال علی حرمة أخذ الرشوة

والدلیل على حرمتها الكتاب والسنّـة والعقل.

أمّا الكتاب، فمنها: قوله تعالى: ﴿سَمّـاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.([407])

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاِْثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.([408])

الاستدلال بالآيتين يكون بوجهين: أحدهما: بظاهرهما بنفسه. ثانيهما: بمعونة الروايات.

أمّا الأوّل: فإنّ الآيتين ظاهرتان ـ إن لم تكونا نصّاً ـ في حرمة السُحت بذمّ آكله، ومن المعلوم كون الرشوة سُحتاً‌ لغةً، ففي مفردات الراغب:

والسُحت للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنّـه يسحت دينه ومروءته. قال تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾؛ أي لما يسحت دينهم. وقال‌(علیه السلام): «كلّ لحم نبت من سحت فالنار أولى به»،([409])وسمّي الرشوة سحتاً لذلك.([410])

ونحوه القاموس.([411])

ومن الواضح كونها قبيحاً ومحظوراً عقلاً وعُقلاءً، فتكون محظوراً يلزم صاحبه العار، ويكون سحتاً فیشمله الآیة، بل يظهر من تفسير الميزان في ذيل الآية الأُولى من كون المراد من السحت فيها بقرينة السياق هو الرشا فقط، حيث قال:

فكلّ ما اكتسب من حرام فهو سحتٌ. والسياق يدلّ على أنّ المراد بالسحت في الآية هو الرشا، ويتبيّن من إيـراد هذا الوصف في المقـام أنّ علماءهم الذين بعثـوا طائفة منهم إلى النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)كانوا قد أخذوا في الواقعة رشوة لتحريف حكم الله، فقد كان الحكم ممّا يمكن أن يتضرّر بعضه، فسدّ الباب بالرشوة، فأخذوا الرشوة وغيّروا حكم الله تعالى.([412])

على هذا، فالآيتان ـ کغیرهما من الآیات ـ تدلّان بأنفسهما على حرمته، كما هو الظاهر البيّن.

وأمّا الثاني: أي الاستدلال بالآیتین بمعونة الروایات، فلما في الروايات التي ننقل بعضها،([413]) عدّها الرشوة من السحت، فتشمله الآيتان بمعونة تلك الأخبار أيضاً.

ومنها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ كَثِيراً مِنَ الاَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾.([414])

وفي الميزان فسّر الباطل بالرشوة وبيّنه ببيان حسن قويّ، فراجعه.([415]) ومراده من تفسیره الباطل بالرشوة التفسیر بالمصداق کما هو الرائج في کتاب الله والواضح هنا.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالاِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.([416])

وفيها الدلالة على الحرمة، صدراً وذيلاً؛ أمّا الصدر، فواضح؛ حيث إنّ الرشوة باطل، وأمّا الذيل، قال في الصحاح:

أدلى بماله إلى الحاکم: دفعه إليه. ومنه قوله تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾؛ يعني الرشوة.([417])

وفي الكشّاف في تفسير الآية:

ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل بالوجه الذي لم يبحه الله ولم يشرّعه ولا﴿تُدْلُوا بِهَا﴾ ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكّام ﴿لِتَأكُلُوا﴾ بالتحاكم ﴿فَرِيقاً﴾ طائفةً ﴿مِن أَموالِ النّاس بِالإثم﴾ بشهادة الزور، أو باليمين الكاذبة، أو بالصلح، مع العلم بأنّ المقضي له ظالم.

وعن النبيّ (صلّی الله علیه وسلّم) أنّـه قال للخصمين: «إنّما أنا بشر وأنتم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذنّ منه شيئاً، فإنّ ما أقضي له قطعة من نار»، فبكيا وقال كلّ واحد منهما: حقّي لصاحبي، فقال: «إذهبا فتوخيا، ثمّ استهمل، ثمّ ليحلل كلّ واحد منكما صاحبه».([418])

وقيل: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا﴾ وتلقوا بعضها إلى حكّام السوء علی وجه الرشوة.([419])

أقول: قد عرفت ممّا ذكر أنّهم اختلفوا في تفسير الآية، ولكن لايخفى على من له أدنى خبرة بأساليب الكلام أنّ الآية ظاهرة في النهي عن الرشوة؛ فإنّ ظاهرها بقرینة: لا تدفعوا أموالكم إلى الحكّام لتجعلوها وسيلة إلى أكل أموال الناس، هو الرشوة، لاغیر. والقول بأنّ معناها: لا تلقوا أمر الأموال أو حكومة الأموال أو نحوها، خلاف الظاهر.

وأمّا السنّـة، فمستفيضة وكثيرة، بل قيل: إنّها متواترة.([420]) ویعضد ذلك بما ذکره الشيخ الأعظم(قدس سره) من قوله:

ویدلّ علیه الکتاب والسنّـة، وفي المستفيضة: «أنّـه كفر بالله العظيم أو شرك».([421])

منها: رواية أصبغ بن نباته، عن أمير‌المؤمنين‌(علیه السلام)، قال: «أيّما والٍ احتجب عن حوائج النـاس احتجب الله عنـه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هديّـة كان غلولاً، وإن أخذ الرشوة فهو مشركٌ».([422])

ومنها: رواية عمّار بن مروان، قال: سألت أبا‌ جعفر(علیه السلام) عن الغلول؟ قال: «كلّ شيء غلّ من الإمام فهو سحتٌ، وأكل مال اليتيم وشبهه سحتٌ، والسحت أنواع كثيرة ـ إلی أن قال: ـ فأمّا الرشاء في الحكم، فإنّ ذلك الكفر بالله العظيم جلّ اسمه وبرسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)».([423])

ومثلها رواية سماعة عن أبي ‌عبدالله(علیه السلام).([424])

ومنها: ما روي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّـه قال: «الراشي والمرتشي والرائش بينهما ملعونون».([425])

ومنها: ما روي أنّـه‌(صلی الله علیه و آله و سلم)قال: «الراشي والمرتشي والماشي بينهما ملعونون».([426])

ومنها: مرسلة عوالي اللئالي، عن رسول الله‌(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّـه قال: «لعن الله الراشي والمرتشي ومن بينهما يمشي».([427])

ومنها: ما روي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّـه قال: «إيّاكم والرشوة، فإنّها محض الكفر، ولایشمّ صاحب الرشوة ریح الجنّـة».([428])

ومنها: روایة سماعة، قال: قال أبوعبدالله(علیه السلام): «السحت أنواعٌ کثیرة، منها: کسب الحجّام إذا شارط، وأجر الزانية، وثمن الخمر، فأمّا الرشا في الحكم، فهو الكفر بالله العظيم».([429])

ومنها: ما روي عن الرضا(علیه السلام)، حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليّ بن أبي ‌طالب(علیهم السلام) في قول الله عزّوجلّ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾، قال: «هو الرجل يقضى لأخيه الحاجة، ثمّ يقبل هديّته».([430])

والهدیّـة بعد قضاء الحاجة إذا کان سحتاً وآکله مذموماً، فما قبل القضاء، وهو الرشوة فکذلك أیضاً یکون سحتاً وآکله مذموماً.

ومنها: ما روي عن جراح المدائني، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قال: «من أكل السحت الرشوة في الحكم».([431])

ومنها: ما رواه يوسف بن جابر، عن أبي ‌جعفر(علیه السلام) أنّـه قال: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مـن نظر إلى فرج امرأة لا تحلّ له، ورجلاً خان أخاه في امرأتـه، ورجلاً يحتاج الناس إلیه لتفقّهه، فسألهم الرشوة».([432])

ومنها: مرسلة دعائم الإسلام، عن عليّ(علیه السلام) أنّـه قال: «إنّ مثل معاوية لا يجوز أن يكون أميناً على الدماء والأحكام والفروج والمغانم والصدقة ـ إلی أن قال: ـ ولاينبغي أن يكون على المسلمين الحريص ـ إلی أن قال: ـ ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بحقوق الناس».([433])

ومنها: ما رواه أيضاً في دعائم الإسلام من أنّ عليّاً‌(علیه السلام) كتب إلى رفاعة لمّا استقضاه على الأهواز كتاباً كان فيه: «... إيّاك وقبول التحف من الخصوم، وحاذر الدخلة».([434])

ودلالة هذه الأخبار ـ لاسیّما المستفیضة التي فیها أنّها كفرٌ بالله العظيم أو شركٌ به ـ علی حرمة الرشوة ممّا لا ینبغي الکلام فیه، بل لا کلام فیه.

وأمّا العقل، فلحکمه بقبحها وذمّها وهو ملازمٌ مع الحرمة بقاعدة الملازمة: «کلّما حکم العقل بقبحه وذمّه، حکم الشارع بحرمته».

-----------------
[407]. المائدة (5): 42.
[408]. المائدة (5): 62 و63.
[409]. کشف الخفاء 111:2، الرقم 1973. فيه: «کلّ جسد» بدل «کلّ لحم».
[410]. مفردات ألفاظ القرآن: 400، مادّة: «سحت».
[411]. القاموس المحيط 325:1، مادّة: «سحت».
[412]. الميزان في تفسير القرآن 341:5.
[413]. نقلها الأُستاذ(قدس سره) بعد أسطرٍ فيما بعد الاستدلال بالکتاب.
[414]. التوبة (9): 34.
[415]. راجع: الميزان في تفسير القرآن 9: 248 و249.
[416]. البقرة (2): 188.
[417]. الصحاح 1703:2، مادّة: «دلو».
[418]. اُنظر: وسائل الشيعة 233:27، کتاب القضاء، أبواب كيفيّـة الحكم و...، الباب 2، الحديث3، مع التفاوت.
[419]. الكشّاف 233:1.
[420]. لاحظ: کتاب القضاء للآغاضياء العراقي (تقريرات نجم آبادي): 105.
[421]. المكاسب 1: 239.
[422]. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 308، عقاب والٍ يحتجب عن حوائج الناس؛ وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث 10.
[423]. الكافي 5: 126؛ باب السحت، الحديث 1؛ تهذيب الأحکام 6: 368/1062، بـاب المكاسب، الحديث 183؛ وسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث ‌1‌.
[424]. راجع: الكافي 5: 127؛ باب السحت، الحديث 3؛ وتهذيب الأحکام 6: 352 / 997، باب المكاسب، الحديث 118؛ ووسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث‌ 2‌.
[425]. الإمامة والتبصرة: 37، المقدّمة؛ جامع الأخبار: 156، الفصل السابع عشر والمائة في الرشوة؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 77، أبواب القضاء، الباب 14، الحديث 45351.
[426]. جامع الأخبار: 156، الفصل السابع عشر والمائة في الرشوة؛ بحار الأنوار 274:101، أبواب کتاب الأحکام، الباب 3 باب الرشا في الحكم وأنواعه، الحديث 12؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 78، أبواب القضاء، الباب 14، الحديث 45357.
[427]. عوالي اللئالي 1: 266، الفصل العاشر، في أحاديث تتضمّن شيئاً من الآداب الدينيّـة، الحديث 60؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 77، أبواب القضاء، الباب 14، الحديث 45350.
[428]. جامع الأخبار: 156، الفصل السابع عشر والمائة في الرشوة؛ بحار الأنوار 274:101، أبواب کتاب الأحکام، الباب 3 باب الرشا في الحكم وأنواعه، الحديث 12؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 78، أبواب القضاء، الباب 14، الحديث 45357.
[429]. الكافي 5: 127، باب السحت، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث 2.
[430]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 31، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام)، الحديث 16؛ وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.
[431]. تفسير العيّاشي 1: 321، الحديث 113؛ وسائل الشيعة 27: 223، كتاب القضاء، أبواب آداب القاضي، الباب 8، الحديث 7.
[432]. الكافي 5: 559، باب نوادر، الحديث 14. وفيه: «عن جابر»، وفيه: «إلى نفعه» مکان «إليه لتفقّهه»، وفيه «رجلاً ينظر...» مکان «من نظر»؛ تهذيب الأحکام 6: 224/534، باب من إليه الحكم و...، الحديث 26. وفيه: «عن يوسف بن جابر»، وفيه: «لفقهه»؛ وسائل الشيعة 27: 223، كتاب القضاء، أبواب آداب القاضي، الباب 8، الحديث5؛ جامع أحاديث الشيعة 25: 365، أبواب جملة من أحکام الرجال والنساء والأجانب، الباب 1، الحديث 37343.
[433]. دعائم الإسلام 2: 531، كتاب آداب القضاء، الحديث 1886؛ مستدرك الوسائل 17: 251، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 5، الحديث 4؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 45، أبواب القضاء، الباب 1، الحديث 45273.
[434]. دعائم الإسلام 2: 535، كتاب آداب القضاء، الحديث 1899؛ مستدرك الوسائل 17: 347، كتاب القضاء، أبواب آداب القاضي، الباب 1، الحديث 1؛ جامع أحاديث الشيعة 30: 47، أبواب القضاء، الباب1، الحديث 45276.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org