Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الجواب عن إيرادات سيّدنا الاُستاذ

الجواب عن إيرادات سيّدنا الاُستاذ

ويمكن المناقشة فيما أفاده سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) من الإيرادات، أمّا الإشكال الأوّل منها، فبأنّ الرواية المعرض عنها ليست بحجّة لأحد الوجهين: إمّا لدلالة رواية مقبولة عمر بن حنظلة على عدم اعتبار الرواية المعرض عنها الأصحاب، حيث قال: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكماً به المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»،([893]) ومعناه دع الشاذّ النادر؛ لأنّـه لا ريب في بطلانه، فإنّ الخبرين المتعارضين إذا كان أحدهما ممّا لا ريب في صحّته كان الآخر ممّا لاريب في بطلانه، وإلّا لم يكونا من المتضادّين والمتنافيين، فالرواية المخالفة للمشهور غير حجّة إذا كانت ممّا لا ريب في بطلانه ولو لم يكن له معارض بحكم أنّ التعليل تعمّم كما أنّها تخصّص.

وإمّا لبناء العقلاء على عدم حجّيّـة الرواية التي أعرض عنها الأصحاب.

ولايخفى أنّ إعراض الأصحاب عن الرواية إنّما يتحقّق إذا كانت الرواية أوّلاً: بمرأی ومنظر الأصحاب، وثانياً: إذا كان سندها تامّاً، وثالثاً: إذا كان ظاهرها تامّاً، ورابعاً: إذا لم يكن مخالفاً للقرآن.

ورواية قرب الإسناد لم يكن بمنظرٍ ومراى الأصحاب من زمان الكليني وبعده، فضلاً عن قبل الكليني. هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ الرواية يمكن الخدشة في دلالتها بما مرّ بيانه، ولعلّ الأصحاب أيضاً لم يذهبوا إلى التفصيل والعمل بالرواية لأجل الخدشة في دلالتها.

فتحصّل ممّا ذكرناه، أنّ الإعراض عن رواية قرب الإسناد لا يجعل الرواية ممّا لا ريب في بطلانه، فلا يكون الإعراض عنها موجباً لسقوطها عن الحجّيّـة والاعتبار.

وأمّا الإشكال الثاني، وهو إباء لسان الروايات عن التخصيص، فيرد عليه: أنّ إباء لسان الروايات عن التخصيص إنّما يتمّ علی مبنی مثل سيّدنا الاُستاذ‌ (سلام لله علیه) القائل بأنّ الغناء مطلقاً من مصاديق قول الزور ولهو الحديث، ادّعاءً أو تعبّداً، ولكن علی ما ذهبنا إليه من أنّ مدلول تلك الروايات هو التفصيل بين الغناء الذي هو موجبٌ للإضلال عن سبيل الله فيحرم، وما لا يكون مضلاً عن سبيل الله فلا يحرم، فلم يكن خروج ما لم يعص به من الغناء بالتخصيص حتّى يقال: إنّ لسان الروايات آبٍ عن التخصيص، بل خروجه عنها يكون شبيهاً بالتخصّص.

وأمّا الإشكال الثالث، وهو بعد تجويز الشارع الغنا، في العیدين الشريفين المعدّين لطاعة الله، فيرد عليه نحو ما ذكرناه في الثاني، فإنّ الاستبعاد المذكور في كلام سيّدنا الاُستاذ إنّما يتمّ على من ذهب إلى حرمة الغناء مطلقاً، وأمّا على مبنی من ذهب إلى عدم حرمته ما لم يعص به، فلا وجه للبُعد، فإنّـه لا بُعد في أن يكون يوم العيد يوم سرور وفرح من جهة، ويوم تضرّع وعبادة من جهة أخرى، وكلّ واحد منهما يقتضي ما يناسبه، كما نری وجداناً الجمع بينهما في الأزمنة المختلفة، بل هو أمرٌ رائجٌ إلى يومنا هذا.

ومنها: مرسلة الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: سأل رجل عليّ بن الحسين(علیهما السلام)، عن شراء جارية لها صوت، وقال: «ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنّـة؛ يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء، فأمّا الغناء فمحظورٌ».([894])

تقريب الاستدلال: أنّـه لابدّ من تقييد قوله: «ليست بغناء» بالمحرّم منه؛ أي إذا كان بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء محرّم فلابأس به، فأمّا الغناء المحرّم فمحظور.

وذلك لعدم إمكان حمل الرواية على معناها الحقيقيّ، فإنّ عدم كون قراءة القرآن والزهد والفضائل غناءً من الواضحات التي لا يحتاج إلى البيان، فبيانه توضيح للواضحات، بل لغوٌ؛ لأنّ الغناء من مقولة الصوت، وقراءة القرآن و... من مقولة الكلام، فلابدّ من حمله على الغناء المحرّم حفظاً لكلام الحكيم عن اللغويّـة، من غير فرق بيـن أن يكون جمـلة: «يعني بقراءة القـرآن والزهـد...» إلخ، مـن كلام الإمـام(علیه السلام)، أم من كلام الراوي.

توضيحه: أنّـه وقع الكلام والبحث في أنّ هذه الجملة من كلام الإمام(علیه السلام)، أم من كلام الصدوق(قدس سره)؟ والحقّ أنّها ليست من كلام الصدوق، فإنّ إضافة الصدوق كلاماً على الرواية من عند نفسه خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلّا بالقرينة، فهذه الجملة إمّا من تتمّة كلام الإمام(علیه السلام)، وإمّا من كلام الراوي عن الإمام(علیه السلام)، وتفسير الراوي وفهمه عن كلام الإمام حجّة، كما أنّ نقله الرواية بالمعنی حجّة.

وعليه، تكون الرواية من الروايات المفصّلة التي تدلّ على أنّ الغناء على قسمين: قسم محرّمٌ، وقسم محلّلٌ.

ولكن الاستدلال بالرواية مخدوشٌ من جهة ضعف سندها؛ حيث إنّها مرسلة.

ومنها: الروايـات الثلاثـة:

أحـدها: صحيحة زيـد الشحّام، قـال: قـال أبـو‌عبد‌الله(علیه السلام): «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك».([895])

وثانيها: مرسلة إبراهيم بن محمّد المديني، عمّن ذكره، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قـال‌: سئل عن الغناء وأنا حاضر؟ فقال‌: «لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها».([896])

وثالثها: رواية الحسن بن هارون، قال‌: سمعت أبا عبد‌الله(علیه السلام) يقول:«الغناء مجلس لاينظر الله إلى أهله، وهو ممّا قال الله عزّوجلّ‌: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لـَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾»([897]).([898])

وهذا الروايات الثلاثة بمجموعها تدلّ على عدم حرمة الغناء في نفسها؛ حيث كان الذمّ متوجّهاً فيها إلى بيت الغناء لا نفس الغناء، وتوجّه الذمّ إلى بيت الغناء دون نفسه إنّما يكون لاقتران بيوت الغناء بالمعاصي. هذا أوّلاً وثانياً: أنّ هذه اللوازم المذكورة لا تدلّ علی الحرمة؛ لأنّها ممّا يترتّب علی المحرّمات والمكروهات كليهما، فلا يكون كاشفاً عن الحرمة، فإنّ الأعمّ لاتدلّ علی الأخصّ.

ولكن سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) ذهب إلى عدم دلالة هذه الروايات علی التفصيل بين الغناء المحرّم والمحلّل وأنّـه ليس فيها أزيد من الإشعار علی التفصيل؛ لعدم المفهوم لها، فإنّ إثبات شيء لشيء لا يدلّ على نفيه عمّا عداه حتّى تكون الرواية بمفهومه نافياً للحرمة عن نفس الغناء.([899])

وما ذكـره، وإن كـان تامّـاً بالنسبـة إلى صحيحة زيد الشحّام، حيث وجّه الإمـام(علیه السلام) الذمّ إلى بيت الغناء ابتداءً من دون سبق سؤال، ولكنّـه غير تامّ بالنسبة إلى مرسـلة المديني ورواية حسن بن هارون.

أمّا مرسلة المديني، فلأنّ السائل سأل عن حكم الغناء فأجاب الإمام(علیه السلام): «لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها»، ولو كان نفس الغناء من دون مقارنته بالمعاصي حراماً كان علی الإمام(علیه السلام) أن يجيب بحرمته، وإلّا لم يكن الجواب جواباً عن سؤال السائل، فالمستفاد من تبديل الإمام(علیه السلام) الجواب عن الغناء إلى بيوت الغناء هو أنّ نفس الغناء ليس محرّماً، وإنّما المحرّم ما هو الغناء الذي يغنّي به في بيوت الغناء المقترنة مع المعاصي والمحرّمات.

وأمّا رواية حسن بن هارون: «الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهلها»، ففيها احتمالان:

أحدهما: أنّـه حمل الغناء على المجلس ادّعاءً ومجازاً، مثل: «الطواف بالبيت صلاة»،([900])وحيث إنّ مجلس الغناء حرامٌ، فالغناء أيضاً حرامٌ كحرمة مجلس الغناء، ولكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر ولايصار إليه إلّا بالدليل.

ثانيهما: كون حمل الغناء على المجلس حقيقيّاً لا مجازيّاً، فالحرمة متوجّه إلى الغناء المقيّد بالمجلس، فالغناء بمطلقه لا يكون محرّماً، بل إذا كان من الأغنيّـة التي تغنّي بها في المجالس، وهي المقترنة بالمعاصي والمحرّمات؛ وذلك لتقييد الغناء بالمجلس، وبما أنّ للقيد مفهومٌ فيما إذا كان في مقام بيان الضابطة، فمفهوم القيد عدم حرمة الغناء الذي لا يقترن بالمعاصي والمحرّمات.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) نقل الأخبار المستدلّ بها على حرمة الغناء في الجملة، وهي ما نقلها بقوله:

منـها: ما ورد مستـفيضاً في تفـسير «قـول الزور» في قوله تعالی: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾،([901])ففي صحيحة الشحّام،([902])ومرسلة ابن أبي ‌عمير،([903]) وموثّقة أبي‌ بصير([904]) المرويّات عن الكافي، ورواية عبدالأعلى المحكيّـة عن معاني الأخبار،([905]) وحسنة هشام المحكيّـة عن تفسير القمّي(رحمه الله):([906]) تفسير «قول الزور» بالغناء.

ومنها: ما ورد مستفيضاً في تفسير: ﴿لَـهْوَ الْحَدِيثِ﴾،([907]) كما في صحيحة ابن مسلم،([908])ورواية مهران بن محمّد،([909]) ورواية الوشّاء،([910]) ورواية الحسن بن ‌هارون،([911]) ورواية عبدالأعلى السابقة.

ومنها: ما ورد في تفسير «الزور» في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾،([912]) كما في صحيحة ابن مسلم،([913]) عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) تارة بلا واسطة وأخرى بواسطة أبي ‌الصباح الكناني.([914])

ثمّ استشكل في دلالة تلك الأخبار بما حاصله:

إنّ الروايات المفسّرة لا دلالة فيها على أزيد من حرمة الغناء الذي كان مشتملاً على الكلام الباطل، ولا دلالة فيها على حرمة نفس الكيفيّـة وإن لم يكن في كلام باطل، لكن مع ذلك اختار واستظهر من الأخبار حرمة الغناء مطلقاً من حيث لهويّـة الصوت وكونه باطلاً، وأنّ موارد الجواز تكون تخصيصاً واستثناءً من تلك الأدلّة المطلقة، وإليك نصّ كلامه، قال(قدس سره) بعد نقل الروايات المفسّرة:

وقد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاُولى، بل الثانية في أنّ الغناء من مقولة الكلام؛ لتفسير «قول الزور» به.

ويؤيّده ما في بعض الأخبار من أنّ من «قول الزور» أن تقول للذي يغنّي: أحسنت.([915])ويشهد له قول عليّ بن الحسين(علیهما السلام) في مرسلة الفقية الآتية في الجارية التي لها صوتٌ‌: «لابأس لو اشتريتها فذكّرتك الجنّـة‌؛ يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء»،([916]) ولو جعل التفسير من الصدوق، دلّ على الاستعمال أيضاً.

وكذا «لهو الحديث»، بناءً على أنّـه من إضافة الصفة إلى الموصوف، فيختصّ الغناء المحرّم بما كان مشتملاً على الكلام الباطل‌، فلا تدلّ على حرمة نفس الكيفيّـة ولو لم يكن في كلام باطل.

ومنه تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة‌؛ حيث إنّ مشاهد الزور التي مدح الله تعالى من لا يشهدها‌، هي مجالس التغنّي بالأباطيل من الكلام.

فالإنصاف‌ أنّها لا تدلّ على حرمة نفس الكيفيّـة إلّا من حيث إشعار «‌لهو الحديث‌» بكون اللهو على إطلاقه مبغوضاً للّـه تعالى.

وكذا الزور بمعنى الباطل، وإن تحقّقا في كيفيّـة الكلام، لا في نفسه، كما إذا تغنّی في كلام حقّ؛ من قرآن أو دعاء أو مرثية.

وبالجملة، فكلّ صوت يعدّ في نفسه ـ مع قطع النظر عن الكلام المتصوّت به ـ لهواً وباطلاً فهو حرامٌ.

وممّا يدلّ على حرمة الغناء من حيث كونه لهواً وباطلاً ولغواً‌، رواية عبدالأعلى ـ وفيها ابن فضّال ـ قال‌: سألت أبا‌ عبد‌الله(علیه السلام) عن الغناء؟ وقلت‌: إنّهم يزعُمون‌ أنّ رسول الله9 رخّص في أن يقال‌: «جئناكم جئناكم، حيّونا حيّونا نحيّكم»، فقال‌: «كذبوا، إنّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِن لَدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾».([917])

ثـمّ قـال‌: «ويل لفـلان ممّا يصف ‌ـ رجل لم يحضر المجلس ـ» الخبر‌.([918]) فإنّ الكلام المذكور ـ المرخّص فيه بزعمهم ـ ليس بالباطل واللهو الذين يكذّب الإمام(علیه السلام) رخصة النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)فيه‌، فليس الإنكار الشديد المذكور وجعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو والباطل إلّا من جهة التغنّي به.

ورواية يونس، قال‌: سألت الخراساني(علیه السلام) عن الغناء؟ وقلت‌: إنّ العبّاسي زعم أنّك ترخّص في الغناء، فقال‌:«كذب الزنديق‌ ما هكذا قلت له: سألني عن الغناء، فقلت له‌ إنّ رجلاً أتى أبا ‌جعفر(علیه السلام) فسأله عن الغناء، فقال له‌: «إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟» قال‌: مع الباطل، فقال‌: «قد حكمت».([919])

ورواية محمّد بن أبي ‌عَبّاد ـ وكان مستهتراً([920]) بالسَّماع، ويشرب النبيذ ـ قال‌: سألت الرضا(علیه السلام) عن السَّماع؟ قال‌: «لأهل الحجاز فيه رأي، وهو في حيّز الباطل واللهو، أما سمعت الله عزّوجلّ يقول‌: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾([921]).([922]) والغنـاء من السماع، كما نصّ عليه في الصحاح،([923])وقال أيضاً‌: جارية مسمعة؛ أي مغنّية. وفي رواية الأعمش ـ الواردة في تعداد الكبائر ـ قوله‌: «والملاهي التي تصدّ عـن ذكر الله، كالغنـاء وضرب الأوتار».([924]) وقـوله(علیه السلام) ـ وقد سئـل عن الجارية المغنّية: ـ «قد يكون للرجل جارية تلهيه، وما ثمنها إلّا كثمن الكلب».([925])

وظاهر هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو والباطل، فالغناء ـ وهي من مقولة الكيفيّـة للأصوات، كما سيجيء ـ، إن كان مساوياً للصوت اللهوي والباطل ـ كما هو الأقوى وسيجيء ـ فهو وإن كان أعمّ وجب تقييده بما كان من هذا العنوان، كما أنّـه لو كان أخصّ وجب التعدّي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو. وبالجملة، فالمحرّم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي.([926])

وقال في موضع آخر:

وكيف كان، فالمحصّل من الأدلّة المتقدّمة حرمة الصوت المرجّع فيه على سبيل اللهو، فإنّ اللهو كما يكون بآلة من غير صوت، كضرب الأوتار ونحوه وبالصوت في الآلة، كالمزمار والقصب ونحوهما، فقد يكون بالصوت المجرّد. فكلّ صوت يكون لهواً بكيفيّته ومعدوداً من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو حرامٌ، وإن فرض أنّـه ليس بغناء. وكلّ ما لا يعدّ لهواً فليس بحرامٍ، وإن فرض صدق الغناء عليه، فرضاً غير محقّق؛ لعدم الدليل على حرمة الغناء إلّا من حيث كونه باطلاً ولهواً ولغواً وزوراً.([927])

وقال في موضع آخر:

أقول‌: لا يخفی أنّ الغناء ـ على ما استفدنا من الأخبار، بل فتاوى الأصحاب وقول أهل اللغة ـ هو من الملاهي، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار، وقد تقدّم التصريح بذلك في رواية الأعمش ـ الواردة في الكبائر ‌ـ فلا يحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرّمات الأخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدّم من المحدّثين المذكورين.([928])

وقد نقلنا كلامه بطوله؛ لكونه كلام الشيخ الأعظم، المشكوك عصمته، ولما فيه من الفوائد والتحقيقات.

ولا يخفى عليك أنّ المتحصّل ممّا ذكره(قدس سره): أنّ الغناء محرّم بذاته؛ لكونه من اللهو والباطل واللغو والزور، فيكون محرّماً مطلقاً. واستدلّ عليه بغير واحد من الأخبار ممّا مرّ نقلها في كلامه، لكن في استدلاله بالأخبار ـ مع عظمته ـ مناقشةٌ وإشكالٌ.

أمّا المناقشة في الرواية الأولى،([929]) فبأنّـه ليس في الرواية ما يشعر بنسبة الترخيص إلی رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)باللحن الخاصّ بل الظاهر من السؤال إنّ الترخيص کان في نفس الکلمات والجمل مع قطع النظر عن أدائها بکيفيّـة خاصّة ولحن مخصوص في القرائة في الأعراس وحرمة الجملات. لعلّه کان من جهة کونه منکراً وزوراً من حيث اللهو في عصر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وعصر الصادق(علیه السلام) أو موجباً للفساد، فتکون الحرمة مختصّة بتلك الازمنة.

وبالجملة، الرواية قاصرة عن بيان حكم الغناء مطلقاً، بل أجنبيّـة عنه ومبيّـنة لحكم غناء مورد السؤال، فلا وجه للتعدّي عنه. هذا، مع أنّ ما قاله الشيخ‌(قدس سره) من أنّ الإنكار الشديد المذكور وجعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو والباطل من جهة التغنّي به، وهذا لو لم يكن منه(قدس سره) نقلنا فيه أنّـه أشبه شيء بالرجم بالغيب والرمي في الظلمات.

وأمّا رواية يونس، فلأنّ التكذيب لم يكن متوجّهاً إلى الترخيص حتّی يدلّ على حرمة الغناء، بل متوجّهاً إلى افترائه بالإمام‌(علیه السلام)، فلا يدلّ على الحرمة، مع أنّـه لو سلّم أنّ التكذيب كان بلحاظ الترخيص، فغير دالّة على حرمة مطلق الغناء؛ إذ لا إطلاق له، ونفي الترخيص على نحو الموجبة الجزئيّـة لا يدلّ على الحرمة مطلقاً، وأمّا ذيلها: «إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟» قال: مع الباطل، فقال: «قد حكمت»،([930]) فلا دلالة له على الحرمة؛ لأنّ الباطل أعمّ من الحرمة، فإنّ بعض الأمور باطلٌ ولم يكن مع ذلك محرّماً.

وأمّا الرواية أبي ‌عبّاد،([931])فلأنّ المرور عن اللغو من باب الكرامة لا يدلّ على الحرمة، فإنّ الكرامة ليست واجبة حتّی يكون خلافه محرّماً.

وأمّا رواية الواردة في تعداد الكبائر: «‌والملاهي التي تصدّ عن ذكر الله»،([932]) فلأنّها تدلّ على حرمة الغناء من جهة كونه من مصاديق اللهو التي تصدّ عن ذكر الله، لا من باب كونه مصداقاً لمطلق اللهو، فالمحرّم فيها في الحقيقة هو الصدّ عن ذكرالله؛ سواء كان بالغناء أم بالقراءة أم بالكتابة أم بغيرها. هذا، مع أنّ تلك الجملة لا دلالة فيها علی الحرمة؛ حيث إنّها لم تعطف علی الجمل الافتتاحيّـة التي افتتحها(علیه السلام) في مقام عدّ الکبائر، بل هي جملة مستقلّة صريحة في الکراهة، حيث إنّـه(علیه السلام) يقول: «والملاهي التي تصدّ عن ذکر الله مکروهة کالغناء وضرب الأوتار» فکلمة «مکروهة» تقابل محرّمة المذکورة في عداد الکبائر، فهما متضادّتان، ولا يمکن أن يقال: إنّ الکراهة في الرواية في هذه الجملة ليست بمعناها الحقيقي الاصطلاحي وهو ترك فعل مع جواز الإتيان به، بل يراد منها معناها المجازي وهي الحرمة؛ لأنّها طالماً وقعت مقابلة للحرمة لإيراد منها الحرمة. وأظنّ ـ وإن کان الظنّ لايغني من الحقّ شيئاً ـ إنّ الشيخ (قدّس الله روحه الطاهر). فاتته کلمة «مکروهة» ولم تلتفت نظره الشريف إليها، فاعتقد أنّ جملة «والملاهي التي تصدّ عن ذکر الله» معطوفة علی قوله(علیه السلام): «والکبائر محرّمة».

وأمّا قول الرضا(علیه السلام) في جواب السؤال عن الجارية المغنّية: «قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلّا ثمن الكلب»،([933]) فلأنّ الظاهر منه أنّها مربوط بالجارية التي تلهيه لهواً يوجب الوقوع في المعاصي والمحرّمات، فلا يدلّ على أنّ الغناء لهوٌ وكلّ لهو باطلٌ.

ثمّ إنّـه كان ينبغي للشيخ الأعظم(قدس سره) أن يستدلّ على مدّعاه ـ مضافاً إلى هذه الأخبار ـ بما يستدلّ به على حرمة مطلق اللهو، أو يحيل البحث إلى ما يستدلّ به على حرمة مطلق اللهو في باب اللهو.

وبما أنّ سيّدنا الأستاذ تعرّض الاستدلال بحرمة الأصوات اللهو بما يرجع إلى وجوهٍ ثلاثة:

الوجه الأوّل: بالاندارج تحت عنوان الزور ولهو الحديث.

والثاني: بحرمة اللهو مطلقاً.

والثالث: كون اللهو باطلاً بانضمام حرمة كلّ باطل.

وتعرّض أيضاً بما في تلك الوجوه من المناقشة وأتى سيّدنا الأستاذ‌ (سلام لله علیه) في أصل الاستدلال بها وفي المناقشة عليها بما لامزيد عليه تحقيقاً وتتبّعاً ودقّة، كتاباً وسنّـة، روايةً وفتویً، ونقتفي أثره، ودونك عين عبارته، قال (سلام لله علیه):

تنبيهٌ: بناءً على ما ذكرناه في موضوع الغناء من اعتبار الحسن الذاتي والرقّة في الصوت في الجملة‌: لا يدخل فيه سائر الأصوات اللهويّـة، كالتصنيفات المصطلحة بالألحان المعهودة عند أهل المعاصي والفسّاق، فلا تكفي الأدلّة الدالّة على حرمة الغناء بعنوانه؛ لاثباتها لها، لعدم صدقه عليها، بل لا تكون موجبة للخفّة المعهودة المعتبرة في الغناء وإن يحصل به السرور ونحوه، ولا تصحّ دعوى إلغاء الخصوصيّـة عرفاً كما هو ظاهر.

ثمّ ذكر الوجه الأوّل بقوله:

نعم، يمكن دعوى اندراجها في قول الزور ولهو الحديث بضميمة الأخبار المفسّرة لهما بالغناء بأن يقال: إنّ الظاهر من الروايات المفسّرة أنّ الغناء مندرج تحت عنوانهما، واحتمال الإلحاق الحكمي أو الموضوعيّ الراجع إلى الحكميّ، نتيجة بعيدٌ جدّاً، بل فاسدٌ مخالفٌ للروايات، كقوله‌: «قول الزور الغناء»،([934]) وقوله في جواب السؤال عن قـول الزور: «الغناء»،([935]) وكقـوله‌: «الغنـاء ممّا قـال الله عزّوجـل‌ّ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لـَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾»،([936]) وأوضح منها قـوله‌: «الغناء ممّا أوعد الله عليه النار» وتلا هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ...﴾،([937]) إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في اندراجه في مفادها، ولا شكّ في عدم اندراج عنوانه بما هو فيه.

وقد مرّ أنّ الأقرب في وجه الاندراج أن يقال‌: إنّ إضافة القول إلى الزور تارة تكون باعتبار بطلان مقوله، وأخرى باعتبار بطلان كيفيّـة الصوت أو الصوت بالكيفيّـة الباطلة.

ولو لا قرينيّـة الروايات لكانت الآية، وكذا الآية الأخرى ظاهرة في الاعتبار الأوّل، لكن بعد قيام القرينة يكون مفادهما أعمّ، فيكون معنى الآية والعلم عنده تعالى: يجب الاجتناب عن قول هو زور بمقوله أو بعارضه الذي هو صوت باطل، فاندراج الغناء فيه من قبيل اندراج مصاديق العناوين فيها، فالحكم متعلّق بالصوت الزور والصوت اللهويّ، فيندرج فيه سائر الأصوات اللهويّـة.

ويؤيّده ما أرسل في مجمع البحرين قال‌: «وروي أنّـه يدخل في الزور، الغناء وسائر الأقوال الملهية»،([938]) إلّا أن يناقش فيه بأنّ غاية ما تدلّ الروايات اندراج الغناء في الآية، ولم يظهر منها كيفيّته، ولايكون الاندراج بالنحو المذكور للظهور المستند إلى الكلام ولو بمؤونة الأخبار؛ لعدم قرينيّتها لكيفيّـة الاندراج، فيمكن أن يكون ذلك بنحو من الكناية أو غيرها من أنحاء الدلالات الخفيّـة التي لا يعلمها إلّا المخاطب بالكتاب العزيز وأهل بيته الخاصّ به.

وبالجملة: لم يظهر من الروايات أنّ اندراج الغناء في الآيتين بعنوان اللهو من حيث الصوت حتّى يشمل سائر الأصوات اللهويّـة.

والحاصل: أنّـه ليس نحو الاندراج بما تقدّم إلّا مظنوناً بالظنّ الخارجيّ الغير الحجّة، لا المستند إلى الظهور ولو بقرينة، ولم يقم دليل على نحو الاندراج.([939])

لكن لايخفى عليك أنّـه على ما مرّ منّا، من عدم دلالة هذه الطائفة من الروايات على أزيد من الحرمة المحتوائي للغناء، وأنّ دخول الغناء في «قول الزور» و«لهو الحديث» إنّما يكون بتنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّـة العرفيّـة، وأنّ الدخول بنحو المجاز اللغويّ أو المجاز الادّعائي المنسوب إلى السكّاكي خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلّا بالدليل. لا يحصل الظنّ الخارجي بالاندراج من رأس، فضلاً من عدم الدليل على نحو الاندراج، كما لايخفى‌؛ لعدم المحلّ له من رأس، والأمر في ذلك بعد اعترافه (سلام لله علیه) بعدم الدليل، سهلٌ.

هذا كلّه في الوجه الأوّل وأمّا الوجه الثاني، فقال (سلام لله علیه)‌:

ويمكن الاستدلال على حرمتها بما دلّ على حرمة مطلق اللهو، كما هي ظاهر جملة مـن الفقهاء، كالمحكيّ عـن المبسـوط والسرائر والمعتبر والقواعـد والمختـلف وغيرها،([940])وإن كان ظـاهر جمع آخر خلافهـا، ففي المقنـع والهداية([941]) والفقه الرضويّ([942])ومحكيّ الغنية([943]) عطف سفر الصيد على سفر المعصية بـ «أو»، الظاهر في مغايرتهما، وظاهر الخلاف([944]) والنهاية([945]) أيضاً عدم كونه محرّماً.

قال في الأوّل: سفر الطاعة واجبة كانت أو مندوباً إليها مثل الحجّ والعمرة والزيارات وما أشبه ذلك فيه التقصير بلا خلاف، والمباح عندنا يجري مجراه في جواز التقصير، وأمّا اللهو فلا تقصير فيه عندنا.

وكيـف كان، يمكن أن يستـدلّ عليها بروايـة حمّاد بن عثمان، عن أبي ‌عبـد‌الله(علیه السلام) في قـول الله عزّوجل‌ّ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلَا عَاد‌﴾،([946]) قال‌: «الباغي: باغي الصيد، والعادي: السارق، ليس لهما أن ياكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرامٌ عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، وليس لهما أن يقصّرا في الصلاة».([947])

وقريب منها ما روي عن عبدالعظيم الحسني في أطعمة الجواهر([948]) والمستند،([949])وفيها: «والعادي‌: السارق، والباغي‌: الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً».([950])

بتقريب: أنّ المتفاهم عرفاً من تحريم الميتة ونحوها على من خرج لسفر الصيد لدى الاضطرار حتّى عند خوف الموت ـ سواء قلنا بعدم جواز أكله حتّی يموت، أو قلنا بوجوب حفظ نفسه بأكل الميتة، وهي محرّمة عليه ويعاقب على أكلها، كالمتوسّط في أرض مغصوبة على بعض المباني ـ أنّ حرمة السفر صارت موجبة لذلك، وأنّ الترخيص لدى الاضطرار منّـة من المولى على عبيده، ومع حصول الاضطرار بسبب أمر محرّم وبسبب طغيان العبد على مولاه منعه عن ذلك التشريف، فبمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ المنع عند الاضطرار وهذا التضييق والتحريج إنّما هو لارتكاب العبد قبيحاً ومحرّماً، ولو كان السفر مباحاً رخّصه الله تعالى وذهب العبد لترخيصه، فلا يناسب المنع عنها عند الاضطرار لسدّ رمقه، ويشهد له مقارنته للسارق.

والظاهر أنّ ذكر البـاغي والعادي مثال لمطلق العاصي المتجاوز الطاغيّ، بل عنوانها أعمّ لكلّ ذلك، وأنّ التفسير لبيـان بعض المصاديق، كما فسّر الباغي بالخارج على الإمام العادل أيضاً في مرسـلة البزنطي، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)،‌([951]) وفسّر العادي بالمعصية طريق المحقّين،([952]) وعن تفسير الإمام بالقوّال بالباطل في نبوّة من ليس بنبيّ وإمامة من ليس بإمام،([953])وعن تفسير العيّاشي: الباغي: الظالم، والعادي: الغاصب.([954])ويشهد له أنّ الآية الكريمة نزلت في البقرة([955]) والأنعام([956]) والنحل([957])بمضمون واحد، وفي المائدة‌: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْرَ مُتَجَانِف لاِِثْم فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.([958])

ومن نظر في الآيات الأربع لا يشكّ في أنّها بصدد بيان حكم واحد ويكون المراد من قوله‌: ﴿غَيْرَ بَاغ وَلَا عَاد﴾ هو المراد من قوله‌: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِف لاِِثْم﴾؛ أي غير متمايل له، وتكون الآية الأولى بصدد تفصيل ما أجمل في الأخيرة أو ذكر مصاديقها.

والظاهر مـن مجموعها أنّ الترخيص بما أنّـه للامتنان مقصور على من لم يكن اضطراره بسبب البغي والتمايل إلى الإثم، والخارج على الإمام(علیه السلام) اضطرّه إليه تمايله إلى الإثم المنتهى إلى تحقّقه، والخارج إلى التصيد كذلك.

وحمل قوله‌: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِف لاِِثْم﴾ على الميل إلى أكل الميتة واستحلالها، وحمل الحال على المؤكّدة بعيد عن ظاهر الكلام وعن ظاهر سائر الآيات الموافقة لها في الحكم.

فتحصّل ممّا ذكرناه حرمة الخروج إلى الصيد. فيضمّ إلى ذلك ما دلّت على أن لیس التقصير في سفر الصيد؛ لكونه مسير باطل وكونه لهواً، كرواية ابن بكير المعتمدة أو الصحيحة، قال‌: سألت أبا ‌عبد‌الله(علیه السلام) عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة أ يقصّر الصلاة؟ قال: «لا، إلّا أن يشيّع الرجل أخاه في الدين، فإنّ التصيّد مسير باطلٌ لا تقصّر الصلاة فيه».([959])

وموثّقة زرارة، عن أبي ‌جعفر(علیه السلام)، قال‌: سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزّه اللّيلة والليلتين والثلاثة هل يقصّر من صلاته أم لا؟ قال‌: «إنّما خرج في لهو لا يقصّر...»، الحديث.([960]) فينتج أنّ اللهو والباطل محرّمٌ.

وبالجملة، يستفاد مـن رواية حمّاد بن عثمان المفسّرة للآيـة حرمة سفر الصيـد بالتقريب المتقدّم، ومن الروايات المعلّلة لعدم التقصير بأنّ التصيّد مسير باطلٌ وأنّـه خرج للّهو أنّ اللهو محرّمٌ.

لكن إثبات حرمة سفره برواية حمّاد مشكلٌ؛ لضعفها بمعلّى بن محمّد، فإنّـه مضطرب الحديث والمذهب بنصّ النجاشي والعـلّامة، ويعرف حديثه وينكر عن ابن الغضائري.([961])

وقول النجاشي: كتبه قريبة،([962])لا يوجب الاعتماد عليها، ومجرّد كونه شيخ الإجازة لا يكفي في الاعتماد؛ إذ لا دليل مقنع عليه، مع عدم ثبوت كونه شيخاً، مضافاً إلى إمكان المناقشة في بعض ما تقدّم من استفادة الحرمة من الآيات وإمكان إرجاع سائر الآيات إلى الأخيرة. وحملها على الاحتمال المتقدّم، كما حملها عليه المفسّرون.

بل في الجواهر الاتّفاق ظاهراً على تفسير المتجانف للإثم‌: بالميل إلى أكل الميتة استحلالاً؛ أي اقترافاً بالذنب.([963])

وغير ذلك، كإمكان المناقشة في استفادة حرمة مطلق اللهو بنحو قوله‌: «إنّـه مسير باطل»، أو «أنّـه خرج للّهو»، لاحتمال دخالة خصوصيّات سفر الصيد اللهوي في الحكم، كالخروج مع البزاة والصقورة ونحوهما، فإلغاء الخصوصيّة‌ مشكلٌ، تأمّل‌، فإثبات حرمة اللهو مطلقاً بما ذكر مشكلٌ أو ممنوعٌ.([964])

في کلامه مناقشات؛ أحدها: أنّـه ليست المناقشة في رواية حمّاد بن عثمان منحصرة في سندها، بل فيها المناقشة دلالة بما في الآية الشريفة من أنّ التقصير لأجل تحقّق المعصية بالسفر الصيد اللهويّ، فإنّ الباغي في الرواية فسّرت بباغي الصيد، والبغي هنا بمعنی الظلم؛ إذ لا يناسب كونه بمعنی الطلب، والظلم بالنسبة إلى الصيد لا دليل على حرمته. نعم، هو مرجوحٌ، كما أنّ ذبح الحيوان تجاه حيوان حيّ أخر وذبح الحيوان بآلة غير حديدة وفي الليل مرجوحٌ.

وأمّا آية ﴿غَيْرَ مُتَجَانِف لاِِثْم﴾،([965]) فلا تدلّ على المعصية أيضاً، فإنّ الإثم ما يوجب البطء في العقل وما يوجب منع الإنسان عن منافع الدنيا أو الآخرة، وهذا المعنی أعمّ من المعصية، فإن انطبق على العذاب الأخرويّ فهو محرّمٌ، وأمّا إذا لم ينطبق إلّا على الحرمان عن بعض الأمور الدنيويّـة، فلا يمكن القول بحرمته.

ويشهد علی ذلك المعنی آية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَفْعِهِمَا﴾،([966]) فإنّ الإثم فيها لا يكون بمعنی المعصية قطعاً؛ لأنّ الآية الشريفة ظاهر في الجواب الإقناعي لا التعبّدي، وكون الإثم بمعنى المعصية يوجب كون الجواب تعبّديّاً لا إقناعيّاً.

ثانيها: أنّ شمّ الحديث يقتضي عدم إمكان الاستدلال برواية حمّاد بن عثمان؛([967]) إذ الروايات الواردة في إتمام الصلاة في سفر الصيد اللهوي دالّة على إتمامها لأجل أنّ التصيد مسير باطل وأنّـه إخراج في لهو، ولم يكن فيها إشارة إلى الباغي والعادي.

بل ومع تلك الروايات لا يصحّ الاستدلال برواية حمّاد بن عثمان على تسليم دلالتها لأنّ التقصير لأجل صدق الباغي والعادي على المسافر، فإنّ العقلاء لا يعملون في مثل المقام بهذه الرواية؛ لتعارضه وتنافيه مع عدّة روايات معتبرة أخری، بل لو كان مناط التقصير هو كون السفر معصية كان المناسب والأولی الاستدلال بالحرمة، لا باللهو والباطل.

ثالثها: أنّ المستفاد من موثّقة زرارة أنّ المناط في التقصير وعدمه كون السفر حقّاً وباطلاً، فإن كان السفر حقّاً يقصّر وإن كان باطلاً يتمّ؛ وذلك لأنّ الرواية مذيل بذيل لم يذكره سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه)، وهو فقرة: قال: سألته عن الرجل يشيّع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان؟ قال: «يفطر ويقصّر، فإنّ ذلك حقّ عليه»([968]) فتأمّل.

رابعها: أنّ ما ذكره من المناقشة في استفادة حرمة مطلق اللهو بإلغاء الخصوصيّـة من قوله: «أنّـه مسير باطلٌ»، أو «أنّـه خرج للّهو»؛ لاحتمال دخالة خصوصيّات سفر الصيد اللهوي في الحكم، كالخروج مع البزاة والصقورة ونحوهما، مخدوشٌ، مضافاً إلى عدم دلالة الروايات على حرمة اللهو، بأنّ تعميم الحكم لمطلق سفر الصيد اللهوي لا يكون بإلغاء الخصوصيّـة حتّی يناقش فيه باحتمال دخالة خصوصيّات سفر اللهوي في الحكم، كالخروج مع البزاة والصقورة ونحوهما، بل التعميم مستفادٌ من عموم العلّة، والعلّة تعمّم كما أنّـه تخصّص، والمعلول بما هو معلول لا دخالة له في الحكم.

ثمّ إنّـه (سلام لله علیه) بعد الاستدلال على حرمة مطلق اللهو بالأخبار والآيات التي بيّنها على التفصيل، ذكر الوجه الثالث بقوله:

ويمكن الاستدلال عليها بوجهٍ آخر، وهو إثبات كون اللهو باطلاً، إمّا باندراجه فيه أو مساوقته له، فيجعل صغرى لكبری حرمة كلّ باطل، فينتج حرمة مطلق اللهو.

أمّا الصغرى، فتدلّ عليها رواية عبد‌الله بن المغيرة رفعها، قال‌: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في حديث‌: «كلّ لهو المؤمن باطل إلّا في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته، فإنّهن حقّ».([969])

والمستفاد منها ـ مضافاً إلى أنّ كلّ لهو باطل ما عدى الثلاث‌ ـ أنّ أمثال المستثنى ممّا لها غاية عقلائيّـة داخلة في اللهو، وأنّ اللهو الحقّ منحصر في الثلث.

وموثّقة عبدالأعلى، قال‌: سألت أبا ‌عبد‌الله(علیه السلام) عن الغناء؟ وقلت‌: إنّهم يزعمون أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)رخّص في أن يقال‌: «جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيّیكم»، فقال: «كذبوا، إنّ الله يقول: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ‌﴾»([970]).([971])

بتقريب: أنّ أبا‌ عبد‌الله(علیه السلام) استـدلّ على بطلان زعمهم بالآيات الكريمة، ولا يتمّ الاستدلال إلّا باندراج الغناء في اللهو واندراج اللهو في الباطل الذي أزهقه الله بالحقّ ودمغه، فلو كان اللهو مرخّصاً فيه وكان حقّاً، أو كان على قسمين: منها ما رخّص فيه لم ينتج المطلوب، فلابدّ في تماميّـة الاستدلال أن يكون كلّ غناء لهواً وكلّ لهو باطلاً لينتج أنّ كلّ غناء باطل، ثمّ جعل النتيجة صغرى لكبری هي: كلّ باطل مزهـق مدموغ ممنـوع، فينتج كلّ غنـاء ممنوع بحكم الله تعالى، فأنتـجّ منه: أنّـه كيـف رخّص رسـول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ما منعه تعالى.

فتحصّل منه مساوقة اللهو للباطل، أو اندراجه فيه، كما ظهرت كيفيّـة دلالتها على حرمة الباطل أيضاً.

ورواية محمّد بن أبي عبّاد، وكان مستهتراً بالسماع ويشرب النبيذ، قال‌: سألت الرضا (علیه السلام)عن السماع؟ فقال‌: «لأهل الحجاز فيه رأي، وهو في حيّز الباطل واللهو، أما سمعت الله يقول: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾([972]).([973])

وظاهرها أنّ السماع منطبق عليه العناوين الثلاثة([974]) وإن لم يظهر منها مساوقة العناوين.

نعم، لا تخلو من إشعار على مساوقة الباطل واللهو، كما تشعر بها الروايات المتقدّمة التي في بعضها أنّ التصيّد مسير باطل، وفي بعضها إنّما خرج في لهو. والعمدة في الباب موثّقة عبدالأعلى.

وأمّا الكبرى، فتدلّ عليها الموثّقة بالتقريب المتقدّم.

وصحيحة الريّان بن الصلت، قال‌: سألت الرضا(علیه السلام) يوماً بخراسان؟ وقلت‌: إنّ العبّاسي ذكر عنك: إنّك ترخّص في الغناء، فقال‌: «كذب الزنديق ما هكذا»، قلت له: سألني عن الغناء؟ فقلت‌: إنّ رجلاً أتى أبا‌ جعفر(علیه السلام) فسأله عن الغناء؟ فقال‌: «يا فلان، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟» قال‌: مع الباطل، فقال‌: «قد حكمت».([975])

وقد تقدّم وجه دلالتها على حرمة الغناء ويدلّ ذيلها على أنّ حرمة الباطل كانت مفروغاً عنها، وإنّما ألزم أبو‌جعفر(علیه السلام) الرجل السائل بأنّ الغناء من الباطل فيكون حراماً؛ إذ لا شبهة في أنّ الرجل كان سؤاله عن جواز الغناء وعدمه، فإنّ جوازه كان معروفاً عند العامّة، كما تقدّم، فصار موجباً للشبهة، فأجاب بعدمه، مستدلاً بأنّـه باطلٌ.

وتدلّ عليها أيضاً جملة من الروايات الدالّة على أنّ الشطرنج وغيره من الباطل.

كموثّقة زرارة، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) أنّـه سئل عن الشطرنج، وعن لعبة شبيب التي يقال لها: لعبة الأمير، وعن لعبة الثلاث، فقال‌: «أرأيتك إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون؟» قال‌: «مع الباطل»، قال‌: «فلا خير فيه».([976])

ولا ريب في أنّ قوله‌: «فلا خير فيه» يراد به الحرمة؛ لقيام الضرورة على حرمة الشطرنج والقمار بأقسامه.

ومرسلة يعقوب بن يزيد، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قال‌: «الشطرنج من الباطل».([977])ونحوها غيرها.

وظاهر تلك الطايفة أنّ الباطل معلوم الحرمة، ولذا كان في مقام بيان حرمة المذكورات اكتفی باندراجها فيه، كما تقدّم في رواية الريّان من قوله: «قد حكمت».([978])

ثمّ ناقش في جميع الوجوه المتقدّمة بقوله:

لکن يمکن المناقشة فيما تقدّم بأنّ أنّ الاستشهاد في الرواية بالآيات لا يكون من قبيل الاستدلال المنطقي والاستنتاج من صغرى وكبرى في مقابل الخصم، الغير المعتقد بإمامته؛ للزوم كون الاستدلال حينئذٍ بالظاهر المتفاهم عرفاً من الآية الشريفة حتّى يجاب به الخصم ويقنع، ولا ريب في أنّ الظاهر من الآية الأولى المستشهد بها في الرواية‌: أنّـه تعالى لم يخلق شيئاً لعباً، بل لغاية بما يليق بذاته المقدّسة.

ومن الثانية أنّـه تعالى لم يتّخذ اللهو، وقد فسّر بالمرأة والولد والصاحب، ولو يراد أعمّ منها يكون المعنى أنّـه لم يتّخذ مطلق اللهو، وبمناسبة السابقة أنّـه تعالى غير لاه، كما أنّـه غير لاعب.

ومن الثالثة أنّـه تعالى ـٍ مضافاً إلى تنزّهه عمّا ذكر ـ يجعل الحقّ غالباً وقاهراً على الباطل بإقامة البيّـنة عليه، كما فسّرت بها، ومن يكون كذلك لا يكون لاهياً، وهو وجه المناسبة بينهما.

وفي تفسير البرهان عن يونس بن عبدالرحمن (رفعه)، قال: قال أبو‌عبد‌الله(علیه السلام): «ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلّا غلب الحقّ الباطل، وذلك قوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾»([979]).([980])

...وفي تفسير البرهان عن أيّوب بن الحرّ، قال‌: قال لي أبو‌عبد‌الله‌(علیه السلام)‌: «يا أيّوب، ما مـن أحد إلّا وقد يرد عليـه الحقّ حتّى يصدع قلبـه، قبلـه أم تركه، وذلك قول الله عزّوجلّ في كتابه‌: ﴿بَلْ نَقْذِفُ...﴾ إلخ.([981])

فظهر أنّ الآيات الثلاث إخبار عن تنزّهه تعالى عن اللعب واللهو وأنّـه تعالى يقذف الحقّ والحجج الدالّة عليه على الباطل فيدمغه، فلا يستفاد منها بحسب ظاهرها حرمة الغنا ولا اللهو والباطل، مضافاً إلى أنّ اللعب واللهو والباطل عناوين مختلفة لعلّ بينها عموماً من وجه، ومعه لا يمكن الاستنتاج القياسيّ، كما لا يخفی.

وعليه يمكن أن يكون الاستشهاد لمجرّد مناسبة بين تنزيه الله تعالى عن عمل اللهو والباطل وتنزيه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)عن ترخيص الغناء، فلا يصحّ الاستدلال بها على حرمة مطلق اللهو. نعم، فيها إشعار على عدم ترخيصه مطلقاً، أو أنّ الغناء غير مرخّص فيه؛ لكونه لهواً، لكنّـه ليس بحيث يمكن الاستناد إليه على حرمة مطلقه؛ لاحتمال أن يراد بها أنّ الذي يبطل الباطل لا يرخّص الغناء وما هو بمنزلته، وليس كلّ لهو وباطل كذلك.

وأمّا رواية ابن المغيرة الدالّة على أنّ: «كلّ لهو المؤمن باطلٌ...»،([982]) فهي مع الغضّ عن سندها، من أدلّ الدليل على أنّ مطلق الباطل ليس بحرامٍ؛ لأنّها دلّت بواسطة استثناء المذكورات على أنّ ما يتّرتّب عليها الأغراض العقلائيّـة، كتأديب الفرس، لهو باطل ما سوى الثلاثة، والضرورة قائمة بعدم حرمة أمثالها.

ثمّ إنّه لابدّ من حملها على أنّ كلّ لهو المؤمن باطل حكماً، وإلّا فما له غاية عقلائيّة ليس بباطل موضوعاً، ولا يمكن الحكم بالحرمة؛ لما عرفت، فيكشف منها أنّ الباطل منه ما يكون محرّماً، ومنه غير محرّم، بل مكروه.

وأمّا ما ذكرناه من دلالة الروايات على مفروغيّـة حرمة الباطل، ولهذا استشهد لحرمة الشطرنج وغيره من أنحاء القمار والغناء بكونها باطلاً، فبعد فرض التسليم لابدّ من حملها على معهوديّـة حرمة قسم خاصّ من الباطل، وإلّا فمطلقه لم يكن معهوداً حرمتها، بل كثير منه معهود حلّيّته بلا شبهة.

مضافاً إلى احتمال أن تكون الروايات الواردة في أنّ الشطرنج والسدر ونحوهما باطل، إشارة إلى انسلاكها في قوله تعالى‌: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾،([983]) كما يشعر به قوله‌: «لاخير فيه». وتشهد به جملة من الروايات المفسّرة للآية الكريمة بالقمار، كصحيحة زياد بن عيسى الحذاء، قال‌: سألت أبا ‌عبد‌الله‌(علیه السلام) عن قوله عزّوجلّ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾؟ فقال: «كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله، فنها هم الله عزّوجلّ عن ذلك»،([984]) وفي رواية أخرى عنه(علیه السلام): «يعني بذلك القمار».([985]) وقريب منها غيرها.([986])

وبالجملة، لا دلالة في تلك الروايات على حرمة مطلق الباطل أو اللهو، بل تدلّ إمّا على حرمة أكل المال به، أو على حرمة نوع خاصّ.

ثمّ لو فرض قيـام الدليل على حرمة البـاطل، لكن كـون الغنـاء والأصوات اللهويّـة منه عرفاً محلّ إشكالٍ؛ لأنّ الباطل بمعنى الفاسد الذي لا يترتّب عليه الأثر، والذي لامصرف له، والذي لا غرض فيه، وشيء منها لا ينطبق على الغناء، ونحوه ممّا هو متعلّق الأغراض العقلائيّـة، ولولا منع الشارع الأقدس لما عدّ نحوه في الباطل والهزل واللغو، فالاستدلال على حرمته بحرمة تلك العناوين على فرض ثبوتها غير وجيهٍ.([987])

ويرد على الاستدلال لحرمة الأصوات اللهويّـة بكون مطلق اللهو باطلاً وأنّ كلّ باطل حرامٌ، مضافاً إلى ما أورد عليه السيّدنا الأستاذ أنّ الروايات المستدلّ بها على حرمة كلّ لهو وباطل معارض برواية محمّد بن أبي عبّاد، وكان مستهتراً بالسماع ويشرب النبيذ، قال‌: سألت الرضا‌(علیه السلام) عن السماع؟ فقال‌: «لأهل الحجاز فيه رأي، وهو في حيّز الباطل واللهو، أما سمعت الله يقول: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾»([988]).([989])

وذلك لأنّ المرور عن اللغو يكون كراماً ومطلوباً لاحراماً وممنوعاً، فكون السماع وشرب النبيذ في حيّز الباطل، واللغو غير موجب للحرمة أوّلاً. فتأمّل؛ فإنّ في الرواية من جهة الدلالة على عدم حرمة السماع ـ وهو الغناء ـ والنبيذ، مخالفةٌ للمذهب، فتكون ساقطة عن الحجّيّـة، بل هذه الرواية مقدّم على الروايات المتقدّمة؛ لكونها أظهر منها.

وثانياً: أنّ موثّقة زرارة عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) أنّـه سئل عن الشطرنج، وعن لعبة شبيب التي يقال لها: لعبة الأمير، وعن لعبة الثلث، فقال‌: «أرأيتك إذا ميّز الحقّ من الباطل مع أيّهما تكون؟» قال‌: «مع الباطل»، قال‌: «فلا خير فيه»،([990]) لادلالة فيها على الحرمة، حيث إنّـه ليس فيها من الألفاظ الظاهر في الحرمة، وما فيها من قوله(علیه السلام): «فلا خير فيه» إن لم نقل بظهوره في الكراهة وعدم الحرمة، فلا أقلّ من عدم ظهوره في الحرمة، كما هو الظاهر الواضح.

وحمله على الحرمة ـ كما في كلام الاُستاذ (سلام لله علیه) ـ لقيام الضرورة على حرمة الشطرنج والقمار بأقسامه، مدفوعٌ بأنّ السائل سأل عن الشطرنج ولعبة شبيب ولعبة الثلاث من دون تقييد بالرهان، فمن المحتمل، بل المتعيّن، أن يكون السؤال عن اللعب بها بلا رهان، واللعب بها بلا رهان غير معلوم الحرمة، فلا داعي لحمل قوله: «لا خير فيه» على الحرمة، ويكون جواب الإمام بكونه من الباطل، أيضاً تامّاً، فإنّ اللعب بها بلا رهان من اللهو والباطل وإن لم يكن محرّماً.

ويؤيّده عدم إرجاع الإمام‌(علیه السلام) المسألة إلى الميسر الموجود في قوله تعالى‌: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾،([991]) ولو كان السؤال عن اللعب بها مع الرهان كان المناسب للإمام‌(علیه السلام) الإرجاع إلى الآية الشريفة والاستدلال بها على الحرمة.

-------------------
[893]. الكافي 1: 68، باب اختلاف الحديث، الحديث 10؛ من لا يحضره الفقيه 3: 5/ 18، باب الاتّفاق علي عدلين في الحكومة، الحديث 2، مع تفاوتٍ يسير؛ تهذيب الأحکام 6: 301 / 845، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، الحديث 52؛ وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1.
[894]. من لا يحضره الفقيه 4: 42/139، باب حدّ شرب الخمر وما جاء في الغناء والملاهي، الحديث 11؛ وسائل الشيعة 17: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 2.
[895]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 15؛ وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 1.
[896]. الكافي 6: 434، باب الغناء، الحديث 18؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 12.
[897]. لقمان (31): 6.
[898]. الكافي 6: 434، باب الغناء، الحديث 16؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 16.
[899]. اُنظر: المكاسب المحرّمة 1: 327.
[900]. عوالي اللئالي 1: 214، الفصل التاسع، الحديث 70؛ و2: 167، باب الطهارة، الحديث 3؛ وراجع: وسائل الشيعة 13: 376، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 6؛ و493:13، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 2، مع التفاوت.
[901]. الحجّ (22): 30.
[902]. الكافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 2.
[903]. الكافي 6: 436، باب الغناء، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 8.
[904]. الكافي 6: 435، باب الغناء، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 9.
[905]. معاني الأخبار: 466، باب معني «فاجتنبوا الرجس من الأوثان و...»، الحديث 1‌؛ وسائل الشيعة 17: 308، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 20.
[906]. راجع: تفسير القمّي 2: 84؛ ووسائل الشيعة 17: 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الحديث 99، الحديث 26.
[907]. لقمان (31): 6.
[908]. الکافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 6.
[909]. الکافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 7.
[910]. الکافي 6: 432، باب الغناء، الحديث 8؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 11.
[911]. الکافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 16؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 16.
[912]. الفرقان (25): 72.
[913]. الکافي 6: 431، باب الغناء، الحديث6؛ وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 3 و5.
[914]. المکاسب 286:1.
[915]. راجع: وسائل الشيعة 17: 309، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 21.
[916]. من لا يحضره الفقيه 4: 42/ 139، باب حدّ شرب الخمر وما جاء في الغناء والملاهي، الحديث 11. وفيه: «ما عليك» بدل «لابأس»؛ وسائل الشيعة 17: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 2.
[917]. الأنبياء (21): 16ـ 18.
[918]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 12؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 15.
[919]. الكافي 6: 435، باب الغناء، الحديث 25؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 13، مع تفاوتٍ يسير.
[920]. کلمة مستهتراً في الحديث بصيغة الفاعل من باب الاستفعال، معناه: متابعة الهوي، بحيث لايبالي الإنسان بما يفعله ولا يراعي جانب الدين أو المحيط الاجتماعي في أفعاله. (کتاب المکاسب المحشّي 3: 184).
[921]. الفرقان (25): 72.
[922]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 135، باب ما کتبه الرضا(عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام و...، الحديث 5، وفيه «کان مشتهراً باسماع»؛ وسائل الشيعة 17: 308‌، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 19.
[923]. الصحاح 2: 1779، مادّة: «غني».
[924]. الخصال: 669، أبواب الواحد إلى المائة، آخر الحديث 9؛ وسائل الشيعة 15: 331، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الباب 46، الحديث 36.
[925]. الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشرائها، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 6. وإليك نصّه: سئل أبوالحسن الرضا(عليه السلام) عن شراء المغنّية؟ قال: «‌قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلّا ثمن كلب، وثمن الكلب سحتٌ، والسحت في النار‌».
[926]. المكاسب 1: 286 ـ 290.
[927]. نفس المصدر: 296.
[928]. نفس المصدر: 302.
[929]. أي: رواية عبدالأعلى، تقدّم تخريجها في الصفحة 329.
[930]. تقدّم تخريجها آنفاً.
[931]. تقدّم تخريجها آنفاً.
[932]. تقدّم تخريجها آنفاً.
[933]. تقدّم تخريجه آنفاً.
[934]. راجع: الکافي 6: 435، باب النرد والشطرنج، الحديث2؛ وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث8.
[935]. الکافي 6: 431، باب الغناء، الحديث1؛ وسائل الشيعة 17: 305، کتاب التجارة، أبواب ما يکتسب به، الباب 99، الحديث9.
[936]. الكافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 99، الحديث 7.
[937]. الكافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 99، الحديث 6.
[938]. مجمع البحرين 3: 319، مادّة: «زور».
[939]. المكاسب المحرّمة 1: 353 ـ 355.
[940]. الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 10: 542؛ وراجع: المبسوط 1: 136؛ والسرائر 1: 327؛ والمعتبر 471:2؛ وقواعد الأحکام 1: 325؛ ومختلف الشيعة 2: 524، المسألة 388؛ والمهذّب 1: 106؛ وجواهر الكلام 14: 258.
[941]. المقنع: 126؛ الهداية: 143.
[942]. الفقه المنسوب للإمام الرضا(عليه السلام): 162، الباب 21، باب صلاة المسافر والمريض.
[943]. الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 10: 542؛ وراجع: غنية النزوع 1: 73.
[944]. الخلاف 1: 567، المسألة: 319.
[945]. النهاية: 122.
[946]. البقرة (2): 173.
[947]. الكافي 3: 438، باب صـلاة الملّاحين والمكّاريين و...، الحـديث 7؛ تهذيب الأحکام 3: 217/539، باب الصلاة في السفر، الحديث 48؛ وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة‌، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 2.
[948]. جواهر الكلام 36: 429.
[949]. مستند الشيعة 15: 31.
[950]. من لا يحضره الفقيه 3: 216/1007، باب الصيد والذبائح، الحديث 97؛ تهذيب الأحکـام 9: 83/354، باب الذبائح والأطعمة و...، الحديث 89؛ وسائل الشيعة 24: 214، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 56، الحديث 1.
[951]. الكافي 6: 265، باب ذكر الباغي والعادي، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 24: 216، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 56، الحديث 5.
[952]. راجع: مجمع البيان 1ـ 2: 467؛ ووسائل الشيعة 24: 216، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 56، الحديث 6.
[953]. اُنظر: التفسير المنسوب إلي الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): 553، السورة التي يذکر فيها البقرة، الحديث 349؛ ومستدرك الوسائل 16: 201، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 40، الحديث 5.
[954]. تفسير العيّاشي 1: 74، الحديث 151؛ مستدرك الوسائل 16: 200، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 40، الحديث 1.
[955]. البقرة (2): 173.
[956]. الأنعام (6): 145.
[957]. النحل (16): 115.
[958]. المائدة (5): 3.
[959]. الكافي 3: 437، باب صلاة الملّاحين والمكّاريين و...، الحديث 4؛ تهذيب الأحکام 3: 217/536‌، باب الصلاة في السفر، الحديث 45؛ والاستبصار 1: 235/840، باب المتصيّد يجب عليه التمام أم التقصير، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 8:480، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 7.
[960]. تهذيب الأحکام 3: 218/540، باب الصلاة في السفر، الحديث 49؛ الاستبصار1: 236/842، باب المتصيّد يجب عليه التمام أم التقصير، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 1.
[961]. خلاصة الأقوال: 409، الرقم 1655.
[962]. رجال النجاشي: 418، الرقم 1117.
[963]. جواهر الكلام 36: 430. وفيه: «أو اقترافاً للإثم» مکان «أي اقترافاً بالذئب».
[964]. المكاسب المحرّمة 1: 355 ـ 360.
[965]. المائدة (5): 3.
[966]. البقرة (2): 219.
[967]. تقدّم تخريجها في الصفحة 338.
[968]. وسائل الشيعة 8: 483، کتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 10، الحديث 4.
[969]. الكافي 5: 50، باب فضل ارتباط الخيل وإجرائها والرمي، الحديث 13؛ وسائل الشيعة 19‌:250، كتاب السبق والرماية، الباب 1، الحديث 5.
[970]. الأنبياء (21): 16.
[971]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 12؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 15.
[972]. الفرقان (25): 72.
[973]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 135، باب ما کتبه الرضا(عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام و...، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 17: 308، تاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 19.
[974]. أي الباطل واللهو واللغو.
[975]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 17، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام) من الأخبار المنثورة، الحديث 32، مع التفاوت؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 14.
[976]. الكافي 6‌:436، باب النرد والشطرنج، الحديث 6، مع تفاوتٍ يسير؛ وسائل الشيعة 17:‌319، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 102، الحديث 5.
[977]. تفسير العيّاشي 2: 315، الحديث 153؛ وسائل الشيعة 17: 321، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 102، الحديث 13.
[978]. المكاسب المحرّمة 1: 360 ـ 363.
[979]. الأنبياء (21)‌: 18.
[980]. البرهان في تفسير القران 3: 806، الحديث 7113.
[981]. البرهان في تفسير القران 3: 807، الحديث 7114.
[982]. تقدّمت آنفاً.
[983]. النساء (4): 29.
[984]. الكافي 5: 122، باب القمار والنهبة، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 17: 164، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 35، الحديث 1.
[985]. تفسير العيّاشي 1: 235، الحديث 98؛ وسائل الشيعة 17: 166، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 8. وفيهما: «عن أسباط بن سالم».
[986]. راجع: وسائل الشيعة 17: 164، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35.
[987]. المكاسب المحرّمة 1: 363ـ 366.
[988]. الفرقان (25): 72.
[989]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 135، باب ما کتبه الرضا(عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام و...، الحديث 5. وفيه: «مشتهراً» بدل «مستهتراً»؛ وسائل الشيعة 17‌:308، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 19.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org