Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول في شروط سماع الدعوى

القول في شروط سماع الدعوى

وليعلم أنّ تشخيص المدّعي والمنكر عرفيّ كسائر الموضوعات العرفيّة ، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما . وقد عُرّف بتعاريف متقاربة ، والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد ، كقولهم : إنّه من لو ترك ترك ، أو يدّعي خلاف الأصل ، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره([1]) . والأولى الإيكال([2]) إلى العُرف . وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها ، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ .

(مسألة 1) : يشترط في سماع دعوى المدّعي اُمور : بعضها مربوط بالمدّعي ، وبعضها بالدعوى ، وبعضها بالمدّعى عليه ، وبعضها بالمدّعى به :

الأوّل : البلوغ ، فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقاً . نعم لو رفع الطفل المميّز([3]) ظلامته إلى القاضي فإن كان له وليّ أحضره لطرح الدعوى ، وإلاّ فأحضر المدّعى عليه ولاية ، أو نصب قيّماً له ، أو وكّل وكيلاً في الدعوى ، أو تكفّل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بيّنة . ولو ردّ الحلف فلا أثر لحلف الصغير . ولو علم الوكيل أو الوليّ صحّة دعواه جاز لهما الحلف .

الثاني : العقل ، فلا تسمع من المجنون([4]) ولو كان أدواريّاً إذا رفع حال جنونه .

الثالث : عدم الحجر لسفه إذا استلزم منها التصرّف المالي . وأمّا السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقاً .

الرابع : أن لايكون أجنبيّاً عن الدعوى ، فلو ادّعى بدين شخص أجنبيّ على الآخر لم تسمع . فلابدّ فيه من نحو تعلّق به كالولاية والوكالة ، أو كان المورد متعلّق حقّ له .

الخامس : أن يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها ، فلو ادّعى أنّ الأرض متحرّكة وأنكرها الآخر لم تسمع . ومن هذا الباب ما لو ادّعى الوقف عليه أو الهبة مع التسالم على عدم القبض ، أو الاختلاف في البيع وعدمه مع التسالم على بطلانه على فرض الوقوع ، كمن ادّعى أنّه باع ربويّاً وأنكر الآخر أصل الوقوع . ومن ذلك ما لو ادّعى أمراً محالاً ، أو ادّعى أنّ هذا العنب الذي عند فلان من بستاني ، وليس لي إلاّ هذه الدعوى ، لم تسمع ; لأنّه بعد ثبوته بالبيّنة لايؤخذ من الغير لعدم ثبوت كونه له . ومن هذا الباب لو ادّعى ما لايصحّ تملّكه ، كما لو ادّعى أنّ هذا الخنزير أو الخمر لي ، فإنّه بعد الثبوت لايحكم بردّه إليه إلاّ فيما يكون له الأولويّة فيه . ومن ذلك الدعوى على غير محصور ، كمن ادّعى أنّ لي على واحد من أهل هذا البلد ديناً .

السادس : أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه ، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق ، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً ; للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى أم لا . وأمّا لو قال : «إنّ لي عنده فرساً أو دابّة أو ثوباً» فالظاهر أنّه تسمع ، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدّعى عليه بالتفسير ، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اُخرى ، وإن لم يفسّر لجهالته ـ مثلاً ـ فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى . وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطرف فإن اتّفقا في القيمة ، وإلاّ ففي الزيادة دعوى اُخرى مسموعة .

السابع : أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه ، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلاً لم تسمع ، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة ، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة . ولو حكم الحاكم بعد سماعها ; فإن كان حكمه من قبيل الفتوى ـ كأن حكم بصحّة الوقف الكذائي ، أو البيع الكذائي ـ فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها . وإن كان من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما ، فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض ، بل من قبيل الشهادة ، فإن رفع الأمر إلى قاض آخر يسمع دعواه ، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود ، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة ، له الحكم على طبق علمه([5]) .

الثامن : الجزم في الدعوى في الجملة . والتفصيل : أنّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً ، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالاً ، ففي سماعها مطلقاً ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها ; بالسماع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه كالسرقة وغيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به([6]) ـ كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك ، أو شهد به من لايوثق به ـ وبين غيره ، فتسمع في الأوّل ، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما ، فتسمع فيهما ، وجوه ، الأوجه الأخير . فحينئذ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو ، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى ، ولو ردّ اليمين لايجوز للمدّعي الحلف ، فتتوقّف الدعوى ، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه .

التاسع : تعيين المدّعى عليه ، فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول ، والظاهر سماعها ; لعدم خلوّها عن الفائدة ; لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة ، بل لو اُقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً ـ مثلاً ـ فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما ، فثبت بعد براءة أحدهما ، يحكم بمديونيّة الآخر ، بل لايبعد بعد الحكم الرجوع إلى القرعة([7]) ، فيفرّق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما فلا تأثير فيه ، وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة ، فيقال بالاقتراع .

(مسألة 2) : لايشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه ، فتكفي الدعوى بنحو الإطلاق من غير ذكر السبب ; سواء كان المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود . نعم في دعوى القتل اشترط بعض([8]) لزوم بيان أنّه عن عمد أو خطأ ، بمباشرة أو تسبيب ، كان هو قاتلاً أو مع الشركة .

(مسألة 3) : لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير ، لابدّ أن يبرزها بنحو ما
يكون من الظنّ أو الاحتمال ، ولايجوز إبرازها بنحو الجزم([9]) ليقبل دعواه ; بناء على عدم السماع من غير الجازم .

(مسألة 4) : لو ادّعى اثنان ـ مثلاً ـ بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع ، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما([10]) .

(مسألة 5) : لايشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد الدعوى ، فلو ادّعى على الغائب من البلد ; سواء كان مسافراً ، أو كان من بلد آخر ـ قريباً كان أو بعيداً ـ تسمع ، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ، ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً ، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً . ولايدفع إليه إلاّ مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر وقضي له ; بأن يكون المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ([11]) . وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة ، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه ؟ فيه تأمّل([12]) . ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه . نعم لو قال : «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه ، وعدم الحكم . والأحوط عدم الحكم على الغائب إلاّ بضمّ اليمين . ثمّ إنّ الغائب على حجّته ، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة ، يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته .

(مسألة 6) : الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس ، فلايجوز الحكم عليه في حقوق الله تعالى مثل الزنا ، ولو كان في جناية حقوق الناس وحقوق الله ، كما في السرقة ، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق الله ، وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس ، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق الله ، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم ، ويؤخذ المال على ما تقدّم([13]) .

(مسألة 7) : لو تمّت الدعوى من المدّعي ، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره ، ولايجوز التأخير غير المتعارف . ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ أو مَن يدّعي أمراً خفيّاً بحسب الظاهر، أي خلاف الظاهر بحسب المتعارف والمعتاد، أو مَن يدّعي خلاف الأصل أو الظاهر، لكنّ الذي ينبغي أن يقال في تعريفه هو أنّ المدّعي مَن يكون عليه الإثبات عرفاً وعقلاءً، ومع فرض الاشتباه ينحصر الإثبات بالبيّنة التي هي حجّة شرعية، ومع فرض تعارضهما تلتمس المرجّحات، وإلاّ فالقرعة.

[2] ـ وهذا أيضاً بحسب المصاديق يرجع إلى المذكورات، والمهمّ بحسب العمل هو تشخيص المصاديق لا المفهوم، كما لايخفى، فإنّ معرفة المفهوم معرفة طريقية لتشخيص المصاديق، ولا موضوعية لها في الفقه أصلاً.

[3] ـ أو المجنون; لوجوب رفع الظلامة عن كلِّ أحد.

[4] ـ إلاّ في رفعه الظلامة، كما مرّ.

[5] ـ في المفروض كونه من العلوم المعتبرة على ما مرّ بيانه سابقاً.

[6] ـ مع احتمال إقرار الخصم، أو شهادة البيّنة للدعوى، أو ادّعاء المدّعي سماع أحدهما، أو احتمال الحاكم وجدانه، أو وجدان المدّعي أمارات وقرائن كافية في الإثبات، أو غيرها ممّا يوجب صدق الخصومة والمنازعة، وعدم لغوية السماع ولهويّته، ولا ريب في تحقّق الخصومة والمشاجرة وعدم اللغوية في السماع مع عدم الجزم فيما يجده الوصي أو الوارث من سندات أو دفتر أو شهادة من لايوثق بهم أو غير ذلك، كما لاريب في عدم صدقها ولغوية السماع فيما لايتعارف الخصومة به، سواء كان بجزم أو ظنّ أو احتمال، كاحتمال شغل ذمّة زيد، أو جنايته بما يوجب مالاً، أو نحو ذلك ممّا لايجرى التخاصم به عرفاً.

[7] ـ الظاهر التوزيع; قضاءً لما هو الحجّة في أمثال تلك الموارد من حكم العقلاء به، ومعها فلا محلّ للقرعة، كما لايخفى.

[8] ـ لكنّ الأقوى عدم الاشتراط، وكفاية الإجمال في السماع، كغيرها من الدعاوي حتّى مع استفصاله الحاكم وعدم عِلمه بالتفصيل; فإنّ مقتضى النصوص الدالّة على أنّه لايبطل دم امرئ مسلم، ثبوت الدية في كلّي القتل بعد ثبوته، وتمام الكلام في محلّه.

[9] ـ لايبعد جوازه، وفاقاً لظاهر «المسالك»، تبعاً لـ«غاية المراد»; لعدم الوجه لحرمته إلاَّ كونه كذباً وتدليساً على ما ذكره «الجواهر». (مسالك الأفهام 13: 437; غاية المراد 4: 30; جواهر الكلام 40: 152)

لكنّ الظاهر قصور أدلّة حرمتهما لمثل ذلك المورد ممّا لايوجب ضرراً على أحد ولا موجباً لتخلّق النفس بهاتين الرذيلتين، وعلى عدم القصور فالظاهر استثناؤهما لمصلحة أخذ الحقّ ولو كان محتملاً.

[10] ـ بل يوزِّع بينهما، كما مرّ.

[11] ـ أو غيرهما ممّا يوجب الأمن من تضرُّر المدّعى عليه، وما في مرسل جميل وخبر ابن مسلم (وسائل الشيعة 27: 294 و 295 / 1) من تقييد الدفع بكونه مليّاً أو بكفلاء مع عدم الملاءة، فالظاهر، بل المقطوع أنّه من باب المثال والمصداق، لا الموضوعية والخصوصية. وعليه فلا اعتبار بالملاءة فيما لم تكن موجبة للأمن لبعض الخصوصيات من حيث الأزمنة والأمكنة والأفراد، كما لايخفى.

[12] ـ بل منع.

[13] ـ وأمّا التعازير الحكومية للنظم في المجتمع وحفظ حقوق الأفراد من دون ارتباط له بالعرض والناموس أصلاً، فالظاهر كون الغائب فيها كالغائب في حقوق الناس; لاختصاص أدلّة الدرء والتخفيف بمثل حدّ الزنا واللواط والتعزير فيما يكون مربوطاً بالعرض والناموس، ويكون حقّاً خالصاً للّه تعالى، دون التعازير المشروعة بالشرع أو القانون للنظم في المجتمع وحفظ حقوق الناس. هذا بحسب الأصل وإطلاق القانون، وإلاّ فالمتّبع كيفية الوضع والتشريع في كيفية الإجراء كأصله.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org