Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كتاب الهِبة

كتاب الهِبة

وهي تمليك عين مجّاناً ومن غير عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها . وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة ، والأمر سهل . وقد يعبّر عنها : بالعطيّة والنحلة . وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ([1]) دلّ على المقصود ، مثل «وهبتك» أو «ملكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وقبول بما دلّ على الرضا . ولايعتبر فيه العربية . والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها .

(مسألة 1) : يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار . نعم يصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له . وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر([2]) . وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس . وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث([3]) .

(مسألة 2) : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع([4]) . وأمّا الدين فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال . ويعتبر فيها القبول على الأقوى ، وأفادت فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب عليها السقوط ، وهو إسقاط لما في الذمّة ، وإن كانت لغير من عليه الحقّ فالأقوى صحّتها أيضاً . ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له([5]) ولو في غير مجلس العقد . ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط([6]) . نعم لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، ولايحتاج إلى قبض جديد ، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له ـ كالأب والجد للولد الصغير ـ وقد وهبه ما في يده صحّ ، وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة . ولو وهبه غير الوليّ فلابدّ من القبض ، ويتولاّه الوليّ .

(مسألة 4) : القبض في الهبة كالقبض في البيع([7]) ، وهو في غير المنقول ـ كالدار والبستان ـ التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات ; بحيث يصير تحت استيلائه ، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد ، أو ماهو بمنزلته كوضعه في حجره مثلاً .

(مسألة 5) : يجوز هبة المشاع ; لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور .

(مسألة 6) : لا تعتبر الفوريّة في القبض ، ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب .

(مسألة 7) : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد ، وانتقل الموهوب إلى ورثته ، ولايقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولايقومون ورثته مقامه في القبض .

(مسألة 8) : إذا تمّت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم ـ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ـ لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبيّ كان له الرجوع فيها مادامت العين باقية ، فإن تلفت كلاّ أو بعضاً ـ بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً ـ فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج([8]) والزوجة بحكم الأجنبي ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً ; من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره ; بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى الله تعالى .

(مسألة 9) : يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة ، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها ، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها ، دون غير المغيّر ، كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها . ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز ، ومن الثاني قصارة الثوب .

(مسألة 10) : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً .

(مسألة 11) : الهبة : إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض .

(مسألة 12) : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض ; سواء كانت من الأدنى للأعلى ، أو العكس ، أو من المساوي للمساوي ; وإن كان الأولى ـ بل الأحوط ـ في الصورة الاُولى إعطاؤه . ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه .

(مسألة 13) : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض ; بأن يهبه شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها .

(مسألة 14) : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب ـ على فرض عدم ردّ أصل الهبة ـ بذل ما عيّن . ولو أطلق ; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمة ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .

(مسألة 15) : الظاهر أنّه لايعتبر في الهبة المشروط فيها العوض ، أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ; بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ; بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ، ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه .

(مسألة 16) : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ـ كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع ـ كان من مال المتّهب ، ولايرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه . ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل لايخلو من قوّة ، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلايجوز معها الرجوع . نعم اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب .

(مسألة 17) : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب ، لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً .

(مسألة 18) : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة ـ بأن كانت لذي رحم ، أو معوّضة ، أو قصد بها القربة ، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها ـ يقع البيع فضوليّاً ، فإن أجاز المتّهب صحّ ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب ، وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته . وإلاّ ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال ، فلايترك الاحتياط .

(مسألة 19) : الرجوع : إمّا بالقول ، كأن يقول : «رجعت» وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع .

(مسألة 20) : لايشترط في الرجوع إطلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير إطلاعه صحّ .

(مسألة 21) : يستحبّ العطيّة للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيداً بصلتهم ، ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر(عليه السلام) ، قال : «في كتاب عليّ(عليه السلام): ثلاث خصال لايموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لَيذرانِ الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم، وإنّ نقل الرحم انقطاع النسل» .

وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر الله تعالى ببرّهما ، فعن أبي عبدالله(عليه السلام) : «إنّ رجلاً أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: أوصني. قال: لا تُشرك بالله شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان» . وأولى من الكلّ الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق(عليه السلام) : «جاء رجل إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ إلى من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك» .

والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها .

(مسألة 22) : يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد ، كما أنّه ربما يرجح فيما إذا يؤمن من الفساد ، ويكون لبعضهم خصوصيّة موجبة لأولويّة رعايته .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ أو فعل.

[2] ـ في إطلاقه تأمّل وإشكال، بل هبته في بعض الأحيان لمصلحة ترويج القرآن والإسلام والهداية يكون مطلوباً، بل لازماً وواجباً.

[3] ـ بل في الثلث فقط; لأنّ منجّزات المريض تخرج من الثلث لاغير.

[4] ـ بل تصحّ; قضاءً لعمومات العقود وإطلاقاتها، فإنّها كافية في صحّة هبة المنافع وإن لم تكن من الهبة المصطلحة ولم تشملها أخبار الباب.

[5] ـ على نحو يأتي في المسألة التالية.

[6] ـ وإن كان الأقوى عدم اشتراطه.

[7] ـ في هبة العين، وأمّا في هبة المنافع فبتسليم العين.

[8] ـ الأقوائية ممنوعة، والظاهر، بل الأقوى كونهما ـ كما عن جماعة ـ بحكم الرحم، ففي صحيحة زرارة: «ولايرجع الرجل فيما يهب لامرأته، ولا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، لأنّ اللّه تعالى يقول: (وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتمُوهُنَّ شَيْئاً) وقال: (فإنْ طِبْنَ لكُمْ عَنْ شَيء مِنْهُ نَفْسَاً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)، وهذا يدخل في الصداق والهبة». (وسائل الشيعة 19: 239 / 1)

ويؤيّده مفهوم صحيحة ابن بزيع، (وسائل الشيعة 19: 243 / 2) ومقتضى الاستصحاب أيضاً بقاء الملكية واللزوم.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org