Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأمر الثالث: هل يعتبر في الغيبة وجود العيب في المغتاب أم لا؟

الأمر الثالث: هل يعتبر في الغيبة وجود العيب في المغتاب أم لا؟

الظاهر عدم اعتباره في معناه اللغويّ والعرفيّ، كما هو ظاهر كلام مصباح المنير، حيث قال: «فإن كان باطلاً فهو الغيبة»،([1426]) وهذا هو المحتمل شرعاً، بل هو الظاهر فیه؛ لکونه ظاهر كلام الطبرسي، والتعريف المحكيّ عن الشهيد الذي نسبه إلى المشهور، وكذا تعريفه الآخر، کما مرّ کلاهما، والظاهر منه حصر معنى الغيبة لدى الفقهاء بهما، وأنّ عدم هذا القيد مفروغٌ عنه لديهم، بل لدى غيرهم، وظاهر معقد الإجماع المتقدّم وظاهر عنوان الوسائل، حيث قال: «باب تحريم اغتياب المؤمن ولو كان صدقاً»،([1427]) بل لعلّه ظاهر جملة من كلمات اللغويّ مثل الجوهري والطريحي، فإنّ قوله: «والاسم الغيبة، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه»،([1428]) ظاهرٌ في كونه بصدد بيان ماهيّـة الغيبة، فبعد بيان ماهيّتها بذلك وبقوله قبله: اغتابه اغتياباً، إذا وقّع فيه، قسّمها إلى قسمين، قسمٌ يقال له: الغيبة، وقسمٌ يقال له: البهتان، فالمقسم غيبة، والقسم كذلك، فالغيبة على ما هو ظاهر كلامه وكلام مَن عبّر بمثله لها معنى عام مشترك بين البهتان والغيبة بالمعنى الخاصّ، بل هذا المعنی، فيرجع كلامهم إلى كلام صاحب المصباح الذي كالصريح في ذلك، بل يمكن الاستظهار من كلام الجماعة أنّ هذا التقسيم للغيبة أمرٌ حادثٌ اصطلاحيّ، فلو نوقش في الظهور فلا أقلّ من الاحتمال القريب، فأحد معنیها ما ذکره بقوله: «عابه»؛ أي ذکر فیه العیب، وإطلاقه شاملٌ لما لیس فیه أیضاً. فتأمّل.

ومحتمل القاموس أيضاً، حيث كان من دأبه ذكر المعاني المتعدّدة لشيء متعاقباً، فقوله: «غابه: عابه، وذكره بما فيه من السوء»،([1429]) لا يبعد أن يكون من قبيل تعداد المعاني، لا العطف التفسيريّ.

نعم، ظاهر المنجد([1430]) أنّ العطف تفسيريّ؛ لعدم جعل علامة التعداد بينهما.

ویؤیّد ما ذكرناه ما هو الظاهر من شأن نزول: ﴿وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً﴾([1431]) على ما في مجمع البيان، قال:

وقوله: ﴿وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً﴾ نزل في رجلين من أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)اغتابا رفيقهما، وهو سلمان [وأسامة]، بعثاه إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ليأتي لهما بطعام، فبعثه إلى أسامة بن زيد خازن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)على رحله فقال: ما عندي شيء، فعاد إليهما، فقالا: «بخل أسامة» وقالا لسلمان: «لو بعثناه إلى بئر سميحة لغارمائها»، ثمّ انطلقا يتجسّسان عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فقال لهما: «مالى أرى خضرة اللحم في أفواهكما» قالا: يا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)؛ ما تناولنا يومنا هذا لحماً، قال: «ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة»، فنزلت الآية.([1432]) انتهى.

ومعلومٌ أنّ سلمان وأسامة لم يكونا على ما وصفاهما، فقد نزلت الآية حسب هذا النقل في مورد التهمة. وظاهر الطبرسي الجزم بكون النزول لذلك، ولا يخلو هذا النحو من الإرسال من مثله من نحو اعتبار.

هذا کلّه بحسب اللغة، وأمّا بحسب اصطلاح المتشرّعة، فهي بمعنی الأعمّ من البهتان، کما تدلّ عليه الروايات الکثيرة:

منها: صحيحة هشام، ومرسلة ابن أبي ‌عمير عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام): «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله...».([1433])

فإنّ إطلاق ما سمعته أذناه يشمل غير الموافق للواقع، كما أنّ الآية الكريمة واردة في قضيّـة الإفك ومربوطة بها، فراجع الكتاب العزيز، وإن كان إطلاقها يشمل البهت وغيره.

ومنها: المجالس بسنده عـن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) وفيها: «ولقد حدثني أبي ‌عن آبائـه عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «من اغتاب مؤمناً بما فيه، لم يجمع الله بينهما في الجنّـة أبداً، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النار خالداً فيها، وبئس المصير».([1434])

ومنها: رواية داود بن سرحان التي لا يبعد الاعتماد عليها، قال: سألت أبا‌ عبد‌الله(علیه السلام) عن الغيبة؟ قال: «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبثّ عليه أمراً قد ستره الله عليه، لم يقم عليه فيه حدّ».([1435])

بناءً على أنّ المراد من صدرها أن تنسب إليه ما لم يفعل ممّا كان مقتضى الديانة تركه، كأن ينسب إليه الظلم، مع أنّـه لم يفعل ذلك كما هو ظاهره.

ومنها: الرواية المحكيّـة عن جامع الأخبار، عن سعيد بن جبير، وفيها: «من اغتاب مؤمناً بما فيه»،([1436]) ثمّ ساق، كما في رواية المجالس المتقدّمة آنفاً.

ومنها: عن مكارم الأخلاق في رواية، أبي‌ذر قال: قلت: يا رسول الله؛ وما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره».([1437])

ومنها: عن سنن البيهقي، عن أبي ‌هريرة، عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: أ تدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره».([1438])

فإنّ مقتضى كونه في مقام التحديد أن يكون مطلق ذكر الأخ بالمكروه غيبة، كان فيه أم لا.

نعم، هنا رواياتٌ لعلّها صارت منشأ توهّم اعتبار ذلك الشرط؛ أي الوجود المنقول في المغتاب بالفتح، حتّى عند بعض أهل اللغة‌:

منها: رواية مجالس الشيخ وأخباره عن أبي‌ذر في وصيّـة له، وفيها: «يا أباذر؛ سباب المسلم فسوق» ـ إلى أن قال: ـ قلت: يا رسول الله؛ وما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قلت: يا رسول الله؛ فإن كان فيه الذي يذكر به، قال: «إعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه».([1439])

بدعوى أنّ مقتضى المقابلة بينهما أن يكونا عنوانين متباينين.

وفيه: أنّ مقتضى جوابه عن السؤال عن ماهيّـة الغيبة بأنّها ذكرك أخاك بما يكره في مقام التحديد: أنّ ماهيّتها عبارة عمّا ذكر؛ كان فيه أم لا، وكان سكوته عن ذكر القيد دليلاً على عدم دخالته فيها، والظاهر أنّـه كان عند أبي‌ذر أيضاً مفروغاً عنه أنّ ذكره بما ليس فيه غيبة، وإنّما سئل عن القسم الأخر هل هو غيبة أو لا؟ وهو شاهد على أنّ ذكر ما لا يكون فيه داخل فيها عرفاً، بل يكون دخوله أظهر ولم يحتج إلى السؤال، فحينئذٍ لا يبقى ظهور لذيلها ممّا يکون مقابلاً للصدر، تقابل التباين لو سلّم ظهوره في نفسه، بل الظاهر من الصدر والذيل أنّ ماهيّـة الغيبة مطلق ذكر السوء، وإذا لم يكن فيه يكون معذلك بهتاناً، فيرجع إلى قول صاحب المصباح، فإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت.

وإن شئت قلت: إنّ ظهور التحديد في الإطلاق أقوى مـن ظهور التقابل في كونـه على نحو التباين مع أنّـه ليس بظهور، بل إشعار لولا الاحتفاف بما ذكر.

ومنها: رواية عبدالرحمن بن سيّابة، والسند إليه صحيح، أمّا عبدالرحمن لا أقلّ من أنّـه ممدوحٌ وحسن، قـال: سمعت أبا‌ عبـد‌الله(علیه السلام) يقول: «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه».([1440])

وفيه: مضافاً إلى احتمال أن تكون هي عين روايته الأخرى عنه(علیه السلام)، قال: «إنّ من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وإنّ من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه»،([1441]) الظاهرة في أنّ التعريف لقسم منهما، ولهما قسمٌ أو أقسام أخر، فتشعر أو تدلّ على أعمّيّتها: أنّ الظاهر منها أنّـه بصدد بيان أمر آخر، وهو اعتبار كون ما يكره ممّا ستره الله عليه مقابل الأمر الظاهر كالحدّة، لا بصدد بيان ماهيّـة الغيبة مطلقاً، ومعه لا يستفاد منها اعتبار كونه فيه، وذكر البهتان بما ذكر لا يدلّ على مقابلتهما بنحو التباين، بل يصحّ ذلك ولو لاشتماله على زيادة هي الافتراء.

بل التحقيق أنّ بين عنواني الغيبة والبهتان عمومٌ من وجه، فإنّ الغيبة ـ عرفاً ـ ذكر السوء خلف المغتاب؛ كان فيه أم لا، والبهتان الافتراء عليه؛ كان حاضراً أم غائباً، فلا تقابل بينهما بالتباين، ويصحّ التقابل بينهما لما ذكر، فلا تدلّ الروايات على أنّ التقابل بالتباين فلا معارضة بينها وبين ما تقدّمت ممّا هي في مقام تحديد الغيبة، كما لا يخفى.

وبه يدفع توهّم عدم إمكان تعلّق حكمين وإرادتين على عنواني الأخصّ والأعمّ، فإنّـه على فرض صحّته إنّما هو في الأخصّ المطلق، لا من وجه، بل ولا مطلق الأخصّ المطلق، بل فيما إذا أخذ عنوان الأعمّ في الأخصّ، كالرقبة والرقبة المؤمنة، لا فيما كانا كذلك بحسب الانطباق.

وبما ذكر يظهر حال غيرها ممّا تشعر بذلك، كرواية المنسوبة إلى يحيى الأزرق، قال: قال لي أبو‌الحسن(علیه السلام): «من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهتّه».([1442]) وهو مجهولٌ، فالرواية ضعيفة وإن كان الراوي عنه أبان، وهو من أصحاب الإجماع؛ لما قرّرناه في محلّه من عدم تصحيح نقل أصحاب الإجماع من بعدهم.

نعم، رجّحنا العمل بخصوص مرسلات ابن أبي ‌عمير، دون غيره ودون مسنداته.

ورواية ابن سنان، قال: قال أبو‌عبد‌الله(علیه السلام): «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره الله عليه، فأمّا إذا قلت ما ليس فيه، فذلك قول الله عزّوجلّ: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾»([1443]).([1444])

بل مرسلة الحسين بن سعيد، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) أنّـه قال: «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه الله في طينة خبال حتّى يخرج ممّا قال فيه»، وقال: «إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا ستره الله عزّوجلّ، فإذا قلت فيه ما ليس فيه فذلك قول الله عزّوجلّ في كتابه: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾.([1445])

فإنّها مع إرسالها محمولةٌ ولو جمعاً بينها وبين ما في مقام التحديد على ما هو صرف غيبته بلا انطباق عنوان آخر عليه، وأمّا إذا لم يكن فيه فمشمولٌ مع ذلك لقوله تعالى: ﴿احْتَمَلَ بُهْتَاناً﴾، مضافاً إلى احتمال أن يكون فيها بصدد بيان قسم من الغيبة، وهو الذي ستره الله عليه وكان فيه، لا بصدد بيان ماهيّتها الكلّيّـة.

فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد في عنوان الغيبة، فلو كان لعنوانها أثرٌ خاصٌّ، يترتّب على من اغتاب مؤمناً بما ليس فيه، كما لو قلنا بوجوب الاستحلال منه، أو الاستغفار له.

------------------------
[1426]. المصباح المنير 2: 458، مادّة: «غيب».
[1427]. وسائل الشيعة 12: 278، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152.
[1428]. الصحاح 1: 203؛ مجمع البحرين 2: 135، مادّة: «غيب».
[1429]. القاموس المحيط 1: 112، مادّة: «غيب».
[1430]. المنجد: 563، مادّة: «غيب».
[1431]. الحجرات (49): 12.
[1432]. مجمع البيان 9ـ 10: 203.
[1433]. البرهان في تفسير القرآن 4: 56، حديث 7583؛ تفسير القمّي 2: 100.
[1434]. الأمالي (للصدوق): 91، المجلس الثاني والعشرون، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 12: 285، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 20.
[1435]. الكافي 2: 357، باب الغيبة والبهت، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 12: 288، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 1.
[1436]. جامع الأخبار: 147، الفصل التاسع والمائة في الغيبة؛ مستدرك الوسائل 9: 122، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 36.
[1437]. مكارم الأخلاق: 463؛ الباب الخامس، في وصيّـة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لأبي ‌ذر الغفاري;؛ وسائل الشيعة 12: 280، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 9.
[1438]. السنن الكبري (للبيهقي) 15: 381، باب من عضّه غيره بحدّ أو نفي نسب...، الحديث 21767.
[1439]. تقدّمت الرواية في الصفحة 406 و 434؛ وراجع: الأمالي (للطوسي): 537، المجلس التاسع عشر، الحديث 1؛ ووسائل الشيعة 12: 280، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 9.
[1440]. الكافي 2: 358، باب الغيبة والبهت، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 12: 288، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 2.
[1441]. الأمالي (للصدوق): 276، المجلس الثالث والخمسون، الحديث 17؛ وسائل الشيعة 12: 282، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 14.
[1442]. الكافي 2: 358، باب الغيبة والبهت، الحديث 6؛ وسائل الشيعة 12: 289، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 3.
[1443]. النساء (4): 112.
[1444]. تفسير العيّاشي 275:1، الحديث 270؛ وسائل الشيعة 12: 286، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 22.
[1445]. كتاب المؤمن: 70، باب ما حرّمه الله عزّوجلّ علي المؤمن من حرمة أخيه المؤمن، الحديث 191، مع التفاوت؛ مستدرك الوسائل 9: 127، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 133، الحديث 2.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org