Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الطائفة الرابعة: الروايات الواردة في حرمة الغناء بذاته

الطائفة الرابعة: الروايات الواردة في حرمة الغناء بذاته

فمنها: صحيحة زيد الشحّام، قـال: قـال أبو‌عبد‌الله(علیه السلام): «بيت الغنـاء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك».([849])

وفي دلالتها على الحرمة تأمّل وإشكال، بل عدم دلالته على الحرمة واضحٌ؛ لعدم ما يدلّ فيها على الحرمة من النهي وإيعاد العذاب، وعدم الاطمئنان من الفجيعة، وعدم إجابة الدعوة، وعدم دخول الملك، لا دلالة فيها على أزيد من المرجوحيّـة، كما أنّها لا تکون مستلزمة للحرمة أيضاً.

ومنها: خبر معمّر بن خـلّاد، عن أبي ‌الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: «خرجت وأنا اُريد داود بن عيسى بن عليّ، وكان ينزل بئر ميمون وعليّ ثوبان غليظان، فرأيت امرأة عجوزاً ومعها جاريتان، فقلت: يا عجوز؛ أ تباع هاتان الجاريتان»؟ فقالت: نعم، ولكن لا يشتريهما مثلك، قلت: «ولم»؟ قالت: لأنّ إحداهما مغنّية والأخرى زامرة...»‌.([850])

والرواية لا تدلّ على الحرمة لوجوهٍ ثلاثة:

أحدها: أنّـه قضيّـة شخصيّـة، ولعلّ المغنّية المذكورة فيه ممّن لا تغنّي إلّا في المجالس اللهويّـة التي يختلط الرجال والنساء، والغناء في هذه المجالس لا شبهة في حرمتها.

ثانيها: عدم شراء مثل الإمام لا يدلّ على حرمة الشراء؛ إذ لعلّ منشأه عدم كون ذلك لائقاً بمقام الإمام(علیه السلام)، وأنّ مقام الإمامة غير مناسب للشراء المغنّيات، وإن لم تكن الشراء محرّماً، بل تلك الشراء غير مناسب وغير لائق لكرام الناس، فإنّها خلاف المروّة والكرامة، فكيف بمقام الإمامة.

ثالثها: لو سلّم دلالته على الحرمة، فإنّما تدلّ على حرمة غناء المغنّية، لا الأعمّ من غناء المغنّي والمغنّية، ولا بُعد في اختصاص الحرمة بغناء المغنّية، كاختصاص وجوب ستر الرأس والبدن على المرأة دون الرجل.

ومنها: رواية أبي ‌أسامة، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قال: «الغناء عشّ([851]) النفاق».([852]) ودلالتها على الحرمة ظاهرة، لكنّها مخدوشةٌ سنداً‌ بأبی جميلة وهو مفضّل بن صالح وضعفه متسالم، ودلالةً بعدم دلالتها علی حرمة عشّ النفاق، فإنّ حرمة النفاق غير ملازم لحرمة عشّه، ولا دليل آخر على حرمته.

ومنها: مرسلة إبراهيم بن محمّد المديني، عمّن ذكره، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قال: سئل عن الغناء وأنا حاضر؟ فقال: «لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها».([853])

ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى أنّها مرسلة ـ أنّ إعراض الله عن أهل بيت لا يدلّ على حرمة أعمالهم؛ لأنّ الله تعالى يُعرض عن أهل كثير من المكروهات أيضاً.

ومنها: المحكيّ عن الرضا(علیه السلام) بطرق عديدة، ما رواه الصدوق صحيحاً عن الريّان بن الصلت الثقة، ورواه الكليني عن عليّ بن الريّان، عن يونس ـ صحيحاً ـ قال: سألت الخراساني(علیه السلام)([854]) عن الغناء؟ وقلت: إنّ العبّاسي ذكر أنّك ترخّص في الغناء، فقال: «كذب الزنديق ما هكذا، قلت له: سألني عن الغناء، فقلت: إنّ رجلاً أتى أبا‌ جعفر(علیه السلام) فسأله عن الغناء، فقال: «يا فلان؛ إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأین يكون الغناء؟» فقال: مع الباطل، فقال‌: «قد حكمت».([855])

والرواية لا إشكال في دلالتها على الحرمة؛ حيث نفی الإمام الرضـا(علیه السلام) الترخيص في الغناء، ونفي الإمام الترخيص، خصوصاً مع هذه الشدّة والتعبير بقوله: «كذب الزنديق»، ظاهر في الحرمة؛ إذ لو لم يكن محرّماً وكان مرجوحاً لكان الأنسب أن يقال له: وما هكذا قلت له: نعم، لا ينبغي فعله. فدلالة الرواية على الحرمة تامّة، إلّا أنّها لا تدلّ على أزيد من حرمة الغناء فيما يكون من مصاديق الباطل، ومن المعلوم عدم التساوي بين الباطل والغناء، بل النسبة بينهما العموم من وجه؛ لافتراق الغناء فيما كان فيها الحقّ، كالغناء بالقرآن أو المراثي أو التحريك إلى الدفاع عن الإسلام والمسلمين وأمثالها، وافتراق الباطل فيما لم يکن فيه غناءٌ، والمجتمع منهما في الغناء المتضمّن لترويج الفحشاء والضلال وأمثالهما.

هذا بالنسبة إلى صدر الرواية، وأمّا ذيلها: «إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأین يكون الغناء؟» فقال: مع الباطل، فقال: «قد حكمت»، فلا دلالة له علی الحرمة؛ لأنّ الباطل أعمّ من الحرمة، فإنّ بعض الأمور باطلٌ ولم يكن مع ذلك محرّماً، کما فيما تکلّم باللهو، فإنّـه باطل ولبس.

ومنها: رواية عبدالأعلى، قال‌: سألت أبا ‌عبدالله(علیه السلام) عن الغناء؟ وقلت‌: إنّهم يزعمون أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)رخّص في أن يقال‌: «جئناكم جئناكم، حيّونا حيّونا، نحيّكم»؟ فقال‌: «كذبوا، إنّ الله عزّوجلّ يقول‌: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهواً لَاتَّخَذْنَاهُ مِن لَدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾،([856]) ثمّ قال: «ويلٌ لفلان ممّا يصف» رجل لم يحضر المجلس.([857])

فلأنّها وإن كان دلالتها على الحرمة تامّة من جهة نفي أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام) ترخيص رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ونفي الترخيص دليل على الحرمة، ومن جهة استدلاله(علیه السلام) بالآية الشريفة الدالّة على أنّ الله تعالى يفذف بالحقّ على الباطل، فكيف يمكن أن يجعل «جئناكم جئناكم...»؛ ممّا يكون باطلاً، جائزاً ومباحاً مع أنّـه يفذف بالحقّ على الباطل؟ لكنّها لادلالة فيها على حرمة الغناء؛ إذ لم يحرز تعرّضه(علیه السلام) للغناء، فإنّ السؤال كان عن حكم أن يقال: «جئناكم جئناكم...»، ولعلّ كان المفهوم منها في عصر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعصر الإمام الصادق‰ منكراً وزوراً أو موجباً للفساد. وعليه، تكون الحرمة من جهة الفساد والمنكر، من دون دلالة ـ ولو بالإشعار ـ على الغناء بما هو غناء‌.

ومنها: صحيحة الحسن بن هارون، قال‌: سمعت أبا‌ عبد‌الله(علیه السلام) يقول‌: «الغناء مجلسٌ لا ينظر الله إلى أهله، وهو ممّا قال الله عزّوجلّ‌:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾»([858]).([859])

قد مرّ الكلام([860]) بالنسبة إلى ذيلها في الطائفة الثانية من الروايات.

وأمّا صدرها، وهو قوله(علیه السلام): «الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله»، ففي دلالتها على الحرمة تأمّل وإشكال كما مرّ؛ حيث إنّ عدم نظر الله تعالى أعمّ من الحرمة، فإنّ الله تعالى لا ينظر إلى مجالس المكروهات، كما لا ينظر إلى مجالس المحرّمات.

ومنها: مرسلة المقنع، قال الصادق(علیه السلام)‌: «شرّ الأصوات الغناء».([861])وفي دلالتها علی الحرمة ضعف، إذ كون الغناء شرّ الأصوات أعمّ من الحرمة والكراهة، والرواية شبيهٌ لما في الآية الشريفة: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾،([862]) والآية غير دالّة على الحرمة قطعاً.

ومنها: رواية الحسن بن هارون، قال‌: سمعت أبا ‌عبد‌الله(علیه السلام) يقول‌: «الغناء يورث النفاق، ويعقّب الفقر».([863])

وهذه الرواية لا دلالة فيها على الحرمة أيضاً؛ لأنّ النفاق والفقر أثران وضعيّان للغناء، ولا دلالة فيهما على حرمة الغناء؛ إذ الفقر بنفسه لا يكون حراماً، فضلاً عن حرمة موجبه وسببه ـ أي الغناء ـ والنفاق وإن كان محرّماً إلّا أنّ حرمته غير موجبة لحرمة شرعيّـة؛ حيث إنّ حرمة النفاق إرشاديّ. هذا، مع أنّـه لو کانت الحرمة مولويّـاً فحرمة مقدّمته ممنوعٌ؛ لعدم التلازم بين حرمة الشيء وحرمة مقدّمته علی ما حقّق في محلّه.

ومنها: رواية العيّاشي في تفسيره، عن جابر بن عبد‌الله، عن النبيّ‌(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «كان إبليس أوّل من ناح، وأوّل من تغنّي، وأوّل من حدا، قال: لمّا أكل آدم من الشجرة تغنّي، فلمّا أهبط حدی به، فلمّا استقرّ على الأرض ناح فاذكره ما في الجنّـة...»،([864]) الحدیث.

وفي سندها ودلالتها ضعفٌ، أمّا الضعف في السند؛ لما فيه من الرفع، وأمّا في الدلالة؛ لإجمال الغناء الذي تغنّي به الشيطان، ولعدم العلم بحرمة الغناء على الشيطان، ولعدم الملازمة بين حرمة الغناء على الشيطان وبين حرمته علينا.

ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام)، قال‌: سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه؟ قال‌: «لا».([865])

فيمكن الخدشة فيها سنداً ودلالة؛ أمّا سنداً، فلعدم السند لنا إلى كتاب عليّ بن جعفر، وما ذكره النجاشي: «أنّ لعليّ بن جعفر كتاب في الحلال والحرام، يروی تارة غير مبوّب وتارة مبوّباً».([866]) وكان عند صاحب الوسائل عنه وجود نسخة غير مبوّبة عنده، وما عن العلّامة المجلـسي أيضاً نقله في البحار رواياته، وجاء في هامش البحار: يوجد نسخة مصحّحة مستنسخة عن نسخة، تاريخ كتابتها سنة 686 في المكتبة الرضويّ، فهذه كلّها غير موجبٍ لاعتبار ما في كتابه وللاعتماد عليها والحكم بتقدّمها على ما يكون معارضاً لها من الأخبار المعتبرة، كما هو الواضح الظاهر.

وأمّا دلالـةً، فلأنّ الظاهر من السؤال أنّـه كان عن مجالسة من كان عمله وحرفته الغناء، فأجاب الإمام(علیه السلام) بقوله: «لا»، وهو وإن كان ظاهراً في الحرمة؛ حيث إنّ الظاهر من السؤال عن الجلوس إليه كونه سؤالاً واستفهاماً عن الجواز وعدمه، لكنّـه لادلالة فيه على حرمة الغناء؛ لعدم السؤال عنه، وإنّما تدلّ على حرمة مجالسة من يتعمّد الغناء.

هذاً مضافاً إلى أنّـه لقائل أن يقول بما أنّ مجالسة المغنّي تكون كمجالسة سائر الأشرار والفسّاق، فكما لا تكون محرّماً في سائر الموارد، فكذلك المورد. وعلى هذا، فالروایة إمّا محمولة على الكراهة وإمّا على الإرشاد إلى مفاسد المجالسة مع المغنّي، فإنّ المجالسة مؤثّرة.

وثالثاً: أنّـه من المحتمل ورود الرواية في القضيّـة الشخصيّـة؛ إذ يحتمل كون الألف واللام للعهد. فتأمّل.([867])

وقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ هذه الطائفة من الروايات ليست حجّة ولا دلالة فيها على حرمة مطلق الغناء؛ إذ في بعضها المناقشة في السند والدلالة، وفي بعضها الأخرى المناقشة في الدلالة، وفي الثالثة منها المناقشة في الإطلاق، فغاية الأمر في الثالثة الدلالة على حرمة الغناء في الجملة، فإنّها القدر المتيقّن. هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ المستفاد عرفاً من ضمّ بعضها إلى بعض والنظر إلى مجموعها، الدلالة على الحرمة في الجملة، واندفاع المناقشات المذكورة في كلّ واحد منها، بما هي وحدها بما في المجموع باعتبار شمّ الحديث، المفيد لتلك الدلالة، كما لا يخفى، ولعلّ الإشكال في السند مندفعٌ بكثرتها.

-----------------
[849]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 15؛ وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 1.
[850]. الكافي 6: 478، باب النوادر، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 4.
[851]. والعُشّ بالضمّ ويفتح. قال في کتاب العين: «العشّ ما يتخذه الطائر في رؤوس الأشجار للتفريخ». (کتاب العين 1: 69).
[852]. الكافي 6: 431، باب الغناء، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 10، مع تفاوتٍ يسير.
[853]. الكافي 6: 434، باب الغناء، الحديث 18؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 12، مع تفاوتٍ يسير.
[854]. المراد من الخراساني هو عليّ بن موسي الرضا(عليه السلام)، والتعبير عنه بالخراساني کان للتقيّـة.
[855]. الكافي 6: 435، باب الغناء، الحديث 25؛ عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 17، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام) من الأخبار المنثورة، الحديث 32؛ وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 13 و14، مع تفاوتٍ يسير‌ في عيون أخبار الرضا(عليه السلام).
[856]. الأنبياء (21): 16ـ 18.
[857]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 12. وفيه: «وما خلقنا السموات» بدل «وما خلقنا السماء»؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 15.
[858]. لقمان (31): 6.
[859]. الكافي 6: 433، باب الغناء، الحديث 16؛ وسائل الشيعة 17: 307، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 16.
[860]. مرّ الكلام فيها في الصفحة 297 ـ 298.
[861]. المقنع: 456؛ وسائل الشيعة 17: 309، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 22.
[862]. لقمان (31): 19.
[863]. الخصال: 46، باب الواحد، خصلة تورث النفاق وتعقّب الفقر، الحديث 84؛ وسائل الشيعة 17: 309، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 23.
[864]. تفسير العيّاشي 1: 276، الحديث 277؛ وسائل الشيعة 17: 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 28، مع التفاوت في نقل الوسائل.
[865]. مسائل عليّ بن جعفر: 148، الحديث 186؛ وسائل الشيعة 17: 312، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 99، الحديث 32.
[866]. رجال النجاشي: 252، الرقم 662.
[867]. فإنّ كون الألف واللام للعهد مخالفٌ للظاهر. (منه (قدس سره)).

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org