Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: اقتناء الصور وسائر التصرّفات فيها

اقتناء الصور وسائر التصرّفات فيها

هل يحرم ـ بعد عمل الصور ـ التصرّفات المرتبطة بالصورة، كاقتنائها وحفظها، والنظر إليها، وبيعها وشرائها، ونحوها من الأمور المتعلّقة بها أم لا؟

ذهب الشيخ(قدس سره) وسيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) إلى عدم حرمة التصـرّفات المتعلّقة بها، غير عمل التصوير.([157]) قال الشيخ(قدس سره):

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه، فالمحكيّ عن شرح الإرشاد للمحقّق الأردبيلي: «أنّ المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال الأصحاب عدم حرمة إبقاء الصور». انتهى. وقرّره الحاكي([158]) على هذه الاستفادة.

وممّن اعترف بعدم الدليل على الحرمة، المحقّق الثاني في جامع المقاصد،([159]) مفرّعاً على ذلك جواز بيع الصور المعمولة وعدم لحوقها بآلات اللهو والقمار وأواني النقدين.

وصرّح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها.([160])

لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل وابتياعها. ففي المقنعة بعد أن ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر وصناعتها وبيعها، قال: «وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسّمة والشطرنج والنرد وما أشبه ذلك حرامٌ، وبيعه وابتياعه حرامٌ».([161]) انتهى.

وفي النهاية: «وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسّمة والصور والشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار حتّى لعب الصبيان بالجوز، والتجارة فيها، والتصرّف فيها، والتكسّب بها، محظور».([162]) انتهى. ونحوها ظاهر السرائر.([163])

ويمكن أن يستدلّ للحرمة ـ مضافاً إلى أنّ الظاهر من تحريم عمل الـشيء مبغوضيّـة وجود المعمول ابتداءً واستدامةً ـ بما تقدّم في صحيحة ابن مسلم من قوله(علیه السلام): «لا بأس ما لم يكن حيواناً»،([164]) بناءً على أنّ الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلّق بها العام البلوى، وهو الاقتناء، وأمّا نفس الإيجاد فهو عمل مختصّ بالنقّاش، ألاتری أنّـه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة، أو عن العصير فأجاب بالإباحة، انصرف الذهن إلى شربهما دون صنعتهما، بل ما نحن فيه أولی بالانصراف؛ لأنّ صنعة العصير والخمر يقع من كلّ أحد، بخلاف صنعة التماثيل.

وبما تقدّم من الحصر في قوله‌(علیه السلام) في رواية تحف العقول: «إنّما حرّم الله الصناعة التي يجيء منها الفساد محضاً، ولايكون منه وفيه شيء من وجوه الصلاح...» ـ إلى قوله(علیه السلام) ـ : «يحرم جميع التقلّب فيه»،([165]) فإنّ ظاهره أنّ كلّ ما يحرم صنعته، ومنها التصاوير، يجيء منها الفساد محضاً، فيحرم جميع التقلّب فيه بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة.

وبالنبويّ:([166]) «لاتدع صورة إلّا مَحَوتها، ولا كلباً إلّا قتلته»،([167]) بناءً على إرادة الكلب الهراش المؤذي، الذي يحرم اقتناؤه.([168])

فیجب قتله، ومثله الصورة، فیکون واجباً علی عليّ(علیه السلام) أیضاً محوها؛ قضاءً لظاهر النهي ووحدة السیاق، وإلّا فعلی کون المراد من الکلب مطلقة لابدّ من حمل النهي علی الأعمّ؛ أي مطلق رجحان الترك. وعلیه، فلا دلالة فیها علی حرمة اقتناء الصور؛ لعدم دلالة النبويّ علی وجوب المحو الملازم لحرمة الاقتناء. ثمّ قال الشیخ(قدس سره):

وما عن قرب الإسناد بسنده عن عليّ بن جعفر‌(علیه السلام)، عن أخيه‌(علیه السلام)، قال: سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: «لا».([169])

وبما ورد في إنكار أنّ المعمـول لسليمان (على نبيّنا وآله وعليه السلام) هي تماثيـل الرجال والنساء، فإنّ الإنكار إنّما يرجع إلى مشيئة سليمان للمعمول،([170]) كما هو ظاهر الآية ([171])دون أصل العمل، فدلّ على كون مشيئة وجود التمثال من المنكرات التي لا تليق بمنصب النبوّة.

وبمفهوم صحيحة زرارة، عن أبي ‌جعفر(علیه السلام): «لابأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رؤوسها وترك ما سوى ذلك».([172])

وروايـة المثنّى، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام): «إنّ عليّاً(علیه السلام) يكـره الصور في البيوت»،([173]) بضميمة ما ورد في روايـة أخـرى مرويّـة في باب الربا: «أنّ عليّاً(علیه السلام) لم يكن يكره الحلال».([174])

ورواية الحلبي المحكيّـة عن مكارم الأخلاق، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، قال: «أهديت إليّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر، فأمرت به فغُيّر رأسه، فجعل كهيئة الشجر» ([175]).([176])

ثمّ قال(قدس سره):

هذا، وفي الجميع نظر. أمّا الأوّل، فلأنّ الممنوع هو إيجاد الصورة، وليس وجودها مبغوضاً حتّى يجب رفعه.

نعم، قد يفهم الملازمة من سياق الدليل أو من خارج، كما أنّ حرمة إيجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضيّـة وجودها فيه، المستلزم لوجوب رفعها.([177]) انتهی کلامه رفع مقامه.

ويرد عليه أوّلاً: أنّ الإيجاد والوجود بوجوده الابتدائيّ متّحدان حقيقة ومختلفان اعتباراً، فما قاله الشيخ(قدس سره) من أنّ الممنوع هو إيجاد الصورة، وليس وجودها مبغوضاً، مخدوشٌ بعدم إمكان التفكيك بين الإيجاد والوجود إلّا بالاعتبار؛ لأنّ النسبة بينهما هي نسبة المصدر واسم المصدر.

وثانيـاً: أنّ إنكار الشيخ الملازمة بينهما إن رجـع إلى إنكار الملازمـة العقليّـة بينهما، فلا إشكال فيه، إلّا أنّ الملازمة بين مبغوضيّـة الإيجاد والوجود عرفاً کافٍ في إثبات الحرمة للوجود أيضاً.

وإن رجع إلى إنكار الملازمة العرفيّـة والعقلائيّـة بينهما، فهو غير وجيهٍ؛ لأنّ العرف والعقلاء يرون التلازم بين مبغوضيّـة إيجاد الشيء ومبغوضيّـة وجوده، وأنّ النهي عن الإيجاد ملازم مع النهي عن وجوده ولو بقاءً، كما ذهب إليه المقدّس الأردبيلي(قدس سره)، حيث قال:

وبعد ثبوت التحريم فيما ثبت، يشكل جواز الإبقاء؛ لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم عدم خلق شيء يشبه بخلق الله وبقائه، لا مجرّد التصوير، فيحمل ما يدلّ على جواز الإبقاء من الروايات الكثيرة الصحيحة وغيرها على ما يجوز منها، فهي من أدلّة جواز التصوير في الجملة على البسط والستر والحيطان والثياب، وهي التي تدلّ الأخبار على جواز إبقائها فيها، لا ذوالروح التي لها ظلّ على حدّته التي هي حرامٌ بالإجماع.([178])

فإنّ المستفاد من كلامه إثبات الملازمة العرفيّـة العقلائيّـة، لا الملازمة العقليّـة، فإنّها واضحة البطلان.

نعم، يمكن أن يستشكل عليه بأنّ الملازمة العرفيّة والعقلائيّة ـ كما ذکره سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) ـ متّبع فيما إذا لم تقم قرينة على خلافها. قال (سلام لله علیه):

لكن يرد عليه بأنّ المقام ممّا قامت القرينة على أنّ المحرّم والمبغوض هو هذا المعنى المصدريّ، لا الماهيّـة بوجودها البقائيّ.([179])

ثمّ إنّ الشيخ(قدس سره) بیّن نظره وإشکاله علی الروايات المستدلّ بها على الحرمة بقوله:

وأمّا الروايات، فالصحيحة الأولى([180]) غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء؛ لأنّ عمل الصور ممّا هو مركوز في الأذهان، حتّى أنّ السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة عملها؛ إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لايحرم عمله.

وأمّا الحصر في رواية تحف العقول، فهو بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات إلى ما يترتّب عليه الحلال والحرام، وما لايترتّب عليه إلّا الحرام، إضافيّ بالنسبة إلى هذين القسمين؛ يعني لم يحرم من القسمين إلّا ما ينحصر فائدته في الحرام، ولا يترتّب عليه إلّا الفساد.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الحصر وارد في مساق التعليل وإعطاء الضابطة؛ للفرق بين الصنائع، لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور.([181])

أقول: أضف إلى ذلك، أنّ رواية تحف العقول ضعيفة سنداً، كما مرّ البحث عنه في أوّل الكتاب.([182]) هذا أوّلاً.

وثانياً: أنّ الظاهر من الرواية هو حرمة الصناعات المذكورة فيها بالمعنى الاسم المصدريّ، لا المعنى المصدريّ، فإنّ مثل الخمر وآلات القمار وأوانيّ شرب الخمر وأوانيّ الذهب والفضّة قد تعلّق الحرمة بها بالمعنى اسم المصدريّ؛ الراجع إلی معنی المفعول لا المعنی المصدريّ، فانّ الخمر بالمعنی المفعولي؛ أي تعلّق الحرمة بمصنوعاتها، لا بالمعنی المصدريّ؛ أي جهة صدورها وإيجادها.

ثمّ قال الشيخ(قدس سره):

وأمّا النبويّ، فسياقه ظاهر في الكراهة، كما يدلّ عليه عموم الأمر بقتل الكلاب، وقوله(علیه السلام) في بعض هذه الروايات: «ولاقبراً إلّا سوّيته»([183]).([184])

واستشكل عليه المحقّق الإيرواني بثلاث إشكالات:

الأولى: أنّ النبويّ ورد في مورد قضيّـة شخصيّـة، فلا إطلاق له، قال(قدس سره): قد عرفت أنّ النبويّ وارد في موضوع شخصيّ، فلعلّ تصاوير المدينة كانت أصناماً، وكلابها مؤذيات، وقبورها مسنّمات.

الثانية: أنّه إذا تعارض الهيئة والمتعلّق كان ظهور الهيئة مقدّماً على ظهور المتعلّق، وفي المقام كان هيئة النهي ظاهراً في الحرمة، وكان متعلّق الحكم؛ أي الكلاب ظاهراً في عموميّته لجميع الكلاب؛ العقور وغير العقور، ودار الأمر بين رفع اليد عن ظهور الهيئة في الحرمة أو عن ظهور الكلاب في العموميّة، وظهور الهيئة مقدّم على ظهور المتعلّق، فلايصلح عموم الكلاب لغير العقور لصرف الهيئة إلى الكراهة، بل ظهور النهي في الحرمة مقدّمٌ على ظهور الكلاب في العموميّة وموجبٌ للتصرّف فيه.

الثالثة: أنّ تسوية القبر تصرّف في مال الغير، ولاتسوّغها الكراهة، فالواجب حمل النبويّ على القبر الذي كان إبقائه على تلك الحالة محرّماً. ([185])

ولايخفى أنّ الثانية من الإشكالات الثلاث غير تامّ وغير وارد؛ لأنّ في تعارض الهيئة والمتعلّق تارة يحكم بتقدّم ظهور الهيئة على ظهور المتعلّق وأخرى بتقدّم ظهور المتعلّق على ظهور الهيئة؛ لأنّ المناط في تقديم الظهورات هو الأظهريّـة، فكلّ واحد منهما كان في مورد أظهر من الآخر يحكم بتقدّمه، ولايمكن الحكم بأظهريّـة واحد منهما دائماً.

ثمّ إنّ لسيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه) في «الكلب» الوارد في الرواية كلام متين ينبغي ذكره، قال (سلام لله علیه):

ولايبعد أن يكون «الكلب» في الرواية الثانية بكسر اللام، وهو الكلب الذي عرضه داء الكَلِب، وهو داء شبه الجنون يعرضه، فإذا عقر إنساناً عرضه ذلك الداء.([186])

ويرد على الشيخ(قدس سره) ـ مضافاً إلى ما ذکره الإیرواني في تعلیقته علی المکاسب ـ أنّ إطلاق عنوان النبويّ على الرواية المذكورة مخالفٌ لاصطلاح المحدّثين؛ حيث إنّ عنوان النبويّ يطلق على ما رواه العامّة عن النبيّ‌(صلی الله علیه و آله و سلم)والرواية المذكورة مرويّة عن السكوني، عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام)، فإطلاق النبويّ عليه مخالفٌ للاصطلاح. ثمّ قال الشيخ(قدس سره):

وأمّا رواية عليّ بن جعفر،([187]) فلا تدلّ إلّا على كراهة اللعب بالصورة، ولانمنعها، بل ولا الحرمة إذا كان اللعب على وجه اللهو.

وأمّا ما في تفسير الآية، فظاهره رجوع الإنكار إلى مشيئة سليمان (على نبيّنا وآله وعليه السلام) لعملهم، بمعنى إذنه فيه، أو تقريره لهم في العمل.

وأمّا الصحيحة،([188]) فالبأس فيها محمولٌ على الكراهة؛ لأجل الصلاة أو مطلقاً، مع دلالته على جواز الاقتناء، وعدم وجوب المحو.

وأمّا ما ورد من «أنّ عليّاً(علیه السلام) لم يكن يكره الحلال»،([189]) فمحمولٌ على المباح المتساوي طرفاه؛ لأنّـه (صلوات الله عليه) كان يكره المكروه قطعاً.

وأمّا رواية الحلبي،([190]) فلا دلالة لها على الوجوب أصلاً.

ولو سُلّم الظهور في الجميع، فهي معارضة بما هو أظهر وأكثر، مثل صحيحة الحلبي عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام): «ربّما قمت أصلّي وبين يديّ الوِسادة فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوباً».([191])

ورواية عليّ بن جعفر، عن أخيه(علیهما السلام): عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير أو سبُع، أ يصلّي فيه؟ قال: «لابأس».([192])

و[رواية أخرى] عنه، عن أخيه(علیه السلام) [قال: سألته] عن البيت فيه صورة سمكة أو طير أو [شبهها] يعبث به أهل البيت، هل يصلّي فيه؟ قال: «لا، حتّى يقطع رأسه [منه‌] ويفسد، [وإن كان قد صلّى فليست عليه إعادة»].([193])

ورواية أبي ‌بصير، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل؟ قال: «لا بأس به، يكون في البيت»، قلت: [ما] التماثيل؟ قال: «كلّ شيء يوطأ فلا بأس به».([194])

وسياق السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله، كما لا يخفى.

ورواية أخرى لأبي ‌بصير، قال: قلت لأبي ‌عبدالله‌‌(علیه السلام): إنّا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفترشها، قال: «لا بأس منها بما يبسط ويفترش ويوطأ، وإنّما يكره منها ما نصب على الحائط وعلى السرير».([195])

وعن قرب الإسناد، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه‌(علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ولم يعلم بها وهو يصلّي في ذلك البيت، ثمّ علم، ما عليه؟ قال(علیه السلام): «ليس عليه فيما لم يعلم شيء، فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس التماثیل».([196])

فإنّ ظاهره أنّ الأمر بالکسر لأجل کون البیت ممّا یصلّي فیه، ولذلك لم یأمر(علیه السلام) بتغییر ما علی الستر واکتفی بنزعه.

ومنه یظهر أنّ ثبوت البأس في صحیحة زرارة السابقة مع عدم تغییر الرؤوس إنّما هو لأجل الصلاة.([197])

أضف إلی ما ذکره(قدس سره) من الروایات المعارضة التي تکون أظهر وأکثر، روایات أخری:

منها: رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى(علیه السلام)، قال: وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل، أيصلّي فيها؟ قال: «لا تصلّ فيها وفیها شيء یستقبلك، إلّا أن لاتجد بُدّاً فتقطع رؤوسها، وإلّا فلا تصلّ فیها».([198])

فإنّ عمومها شامل للمجّسمات لو لم نقل بأنّ الظاهر من قوله: «فتقطع رؤوسها» الاختصاص بها.

وهي كالصريحة في أنّ إبقائها جائز في نفسه، فإن أمكنه الصلاة في محلّ آخر أبقاها على حالها، وإن لم يجد بدّاً فتقطع رؤوسها للصلاة.

ومنها: روايته الأخرى، قال: وسألته عن البيت فيه صورة طير أو سمكة أو شبهها، يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: «لا، حتّى يقطع رأسه أو يفسده، وإن كان قد صلّى، فليس عليه الإعادة».([199])

ولا يبعد ظهورها في المجسّمات؛ لأنّ الظاهر منها أنّ أهل البيت كانوا يلعبون بنفس الصورة لا بشيء فيه ذلك، وهو يناسب المجسّمات، ولما في قوله(علیه السلام): «حتّى يقطع رأسه» من الإشعار بذلك أيضاً.

ولو نوقش فيما ذكر، فلا شبهة في إطلاقها، فتشمل المجسّمات، كما لا شبهة في تقريره للّعب أهل البيت بها، وتجويزه ذلك، من الدلالة على كون الإبقاء واللعب بها مفروغاً عنه.

ومنها: روايته الثالثة، قال: وسألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ولم يعلم بها وهو يصلّي في ذلك البيت، ثمّ علم، ما عليه؟ فقال: «ليس عليه فيما لا يعلم شيء، فإذا علم فلينزع الستر وليكسّر رؤوس التماثيل».([200])

ضرورة أنّ المفروض أنّ الرجل يصلّي في ذلك البيت، فالأمر بالنزع والكسر لمكان الصلاة ـ كما في سائر الروايات ـ لا للوجوب نفساً كما هو واضح، سيّما مع اقتران الكسر بالنزع.

ومنها: الرواية الرابعة عنه، عن أخيه موسى بن جعفر(علیهما السلام) أيضاً، قال: سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل؛ يصلّى فيه؟ فقال: «تكسّر رؤوس التماثيل وتُلَطّخ رؤوس التصاوير ويصلّي فيه ولا بأس».([201])

فإنّها أيضاً راجعة إلى الصلاة في مسجد فيه التصوير، ولا ينافي جواز إبقائها في غير مسجد، أو فيه في غير حال الصلاة، فالأمر بالكسر والتلطيخ لرفع البأس عن الصلاة فيه، لا لحرمة إبقائها، كما هو واضح.

ومنها: الأخبار الدالّة على كراهة إبقاء التماثيل في البيوت، فإنّها تدلّ على جوازها وإن كانت مكروهة، كرواية المثنّى عن أبي ‌عبد‌الله(علیه السلام): «أنّ عليّاً‌(علیه السلام) كره الصور في البيوت».([202])

وکرواية حاتم بن إسماعيل، ورواية يحيى بن أبي ‌العلاء.([203])

وما يقال من دلالة هذه الروايات على حرمـة الإبقاء والاقتنـاء؛ لصحيحة أبي ‌بصير على أنّ عليّاً(علیه السلام): «ولم يكن يكره الحلال»،([204]) فإنّها تدلّ على الحرمة، كما لايخفى.

ففيه: أنّ المراد من الحلال الذي كان عليّاً لايكرهه، المباح المتساوي طرفاه لا ما يقابل الحرمة؛ لأنّ عليّاً(علیه السلام) كان يكره المكروه كما يكرهه الشرع.

وكصحيحة زرارة،([205]) عن أبي ‌جعفر(علیه السلام)، قال: «لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت، إذا غيّرت رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك».([206])

فإنّ الظاهر من التقييد في البيوت اختصاص البأس مع عدم التغيير بالبيوت، وفي هذه إشعار أو ظهور في جواز الإبقاء والاقتناء مع عدم التغيير في غير البيوت، بل فيها أيضاً مع عدم الصلاة فيها.

أمّا الظهور في الجواز، فلظهور البأس في الكراهة بقرينة ما مرّ من الأخبار، وأمّا اختصاصها بالصلاة؛ بمعنى أنّ الصلاة مكروهة مع الصورة، فلأنّ المتفاهم عرفاً من الاختصاص بالبيوت هو ذلك؛ لبُعد التعبّد بكراهة اقتناء الصور في البيوت ـ بما هي بيوت ـ المستلزم لعدمها في غير البيوت من الأمكنة العامّة والسقف الذي ليس بيت عرفاً، بل يكون صفّة ومظّلة وأمثالهما، وهذا كما ترى.

ويؤيّد ذلك، بل يشهد عليه سياق الأحاديث، فإنّ المنساق من سياق الطائفتين من الأخبار ـ بعد ما كانتا مشتركتين في ذكر البيت الذي فيه الصورة وكان أكثرها مختصّة بالصلاة فيه ـ هو البأس والكراهة للصلاة في بيتٍ فيه الصورة، لا اقتناء الصورة فيه بما هي اقتناء.

وقد ظهر ممّا ذكرناه عدم كراهة الاقتناء، كما أنّـه قد ظهر أيضاً عدم الحرمة والكراهة للتصویر مطلقاً.

--------------------
[156]. تقدّم هذه الأدلّة في الصفحة 45 ـ 46.
[157]. اُنظر: المكاسب 1: 190؛ والمكاسب المحرّمة 1: 284.
[158]. حكاه في مفتاح الكرامة (12: 161) عن مجمع الفائدة والبرهان في لباس المصلّي، ولكنّ العبارة الموجودة فيه قوله(قدس سره): «ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة»، من دون نسبة إلى الأصحاب. راجع: مجمع الفائدة والبرهان 2: 93، وفي باب المكاسب، قال: «ثمّ إنّـه تدلّ روايات كثيرة على جواز إبقاء الصور مطلقاً». (مجمع الفائدة والبرهان 8: 56).
[159]. اُنظر: جامع المقاصد 4: 16.
[160]. حاشية الإرشاد: (المطبوعة في ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره) 9: 319.
[161]. المقنعة: 587.
[162]. النهاية: 363.
[163]. السرائر 2: 215.
[164]. المحاسن 2: 458، باب تزويق البيوت والتصاوير، الحديث 54؛ وسائل الشيعة 17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 94، ا لحديث 3. وفيهما: «لم يكن شيئاً من الحيوان».
[165]. تحف العقول: 335 ـ 336، باب ما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، جوابه(عليه السلام) عن جهات معايش العباد و...؛ وسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 2، الحديث 1.
[166]. مخاطباً لعليّ(عليه السلام).
[167]. الكافي 6: 528، باب تزويق البيوت، الحديث 14؛ وسائل الشيعة 5: 306، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 3، الحديث 8.
[168]. المكاسب 1: 190ـ 192.
[169]. قرب الإسناد: 225، باب ما يجوز من الأشياء، الحديث 1151؛ وسائل الشيعة 17: 298، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 94، الحديث 10.
[170]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 5: 304 ـ 305، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 3، الحديث 4 و‌6‌؛ و17: 295، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 94، الحديث 1.
[171]. وهي قوله تعالي في سورة السبأ (34): 13.
[172]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 8؛ وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 4، الحديث 3. وفيهما: «رؤوسها منها وترك».
[173]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 5. وفيه: «كره» بدل «يكره»، و«الصورة» بدل «الصور»؛ وسائل الشيعة 5: 304، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 3، الحديث 3.
[174]. الكافي 5: 188، باب المعاوضة في الطعام، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 18: 151، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 15، الحديث 1. وفيهما: «ولم يكن عليّ(عليه السلام)».
[175]. مكارم الأخلاق: 132، الفصل العاشر في النجد والأثاث والفرش والتواضع فيها، وفيه «تماثيل الطير»؛ وسائل الشيعة 5: 309، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 4، الحديث 7.
[176]. المكاسب 1: 192ـ 193.
[177]. نفس المصدر: 193ـ 194.
[178]. مجمع الفائدة والبرهان 8: 56.
[179]. المكاسب المحرّمة 1: 286.
[180]. أي: صحيحة ابن مسلم التي مرّت في الصفحة 64.
[181]. المكاسب 1: 194.
[182]. مرّ الکلام في سندها مفصّلاً في المجلّد الأوّل من الصفحة 36 وما بعدها.
[183]. الكافي 6: 528، باب تزويق البيوت، الحديث 14؛ وسائل الشيعة 3: 209، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، الباب 43، الحديث 2؛ و5: 306، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 3، الحديث 8؛ و11: 533، كتاب الحجّ، أبواب أحكام الدواب، الباب 46، الحديث 1.
[184]. المكاسب 1: 194.
[185]. راجع: حاشية المكاسب (للإيرواني) 1: 22.
[186]. المكاسب المحرّمة 1: 259.
[187]. قرب الإسناد: 225، باب ما يجوز من الأشياء، الحديث 1151؛ وسائل الشيعة 17: 298، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 94، الحديث 10.
[188]. أي: صحيحـة زرارة، وقد مرّت في الصفحة 65، واُنظر: الكافي 6: 527، باب تزويـق البيوت، الحديث 8؛ وسائل الشيـعة 5: 308، كتـاب الصلاة، أبواب أحكام المسـاكن، البـاب 4، الحديث 3. وفيهما: «رؤوسها منها وترك».
[189]. الكافي 5: 188، باب المعاوضة في الطعام، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 18: 151، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 15، الحديث 1. وفيهما: «ولم يكن عليّ(عليه السلام)».
[190]. مكارم الأخلاق: 132، الفصل العاشر في النجد والأثاث والفرش والتواضع فيها؛ وسائل الشيعة 5: 309، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 4، الحديث 7.
[191]. تهذيب الأحکام 226:2/892، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمکان وما لايجوز الصلاة فيه من ذلك، الحديث 100؛ وسائل الشيعة 5: 170، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 32، الحديث 2.
[192]. قرب الإسناد: 178، باب الصلاة، الحديث 813؛ وسائل الشيعة 441:4، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 45، الحديث 23؛ و5: 172، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 32، الحديث 10.
[193]. المحاسن 2: 458، باب تزويق البيوت والتصاوير، الحديث 60؛ وسائل الشيعة 5: 173، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 32، الحديث 12.
[194]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 6؛ وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 4، الحديث 2.
[195]. تهذيب الأحکام 6: 381/1122، باب المكاسب، الحديث 243؛ وسائل الشيعة 17: 196، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 94، الحديث 4. وفيهما مع تفاوتٍ يسير.
[196]. قرب الإسناد: 162، باب الصلاة، الحديث 678؛ وسائل الشيعة 441:4، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 45، الحديث 20.
[197]. المکاسب 1: 195 ـ 197.
[198]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 9؛ وسائل الشيعة 171:5، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32، الحديث 5.
[199]. المحاسن 2: 458، باب تزويق البيوت والتصاوير، الحديث 60؛ وسائل الشيعة 173:5، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32، الحديث 12.
[200]. قرب الإسناد: 162، باب الصلاة، الحديث 678؛ وسائل الشيعة 441:4، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 45، الحديث 20‌.
[201]. قرب الإسناد: 174، باب الصلاة، في لباس المصلّي، الحديث 779؛ وسائل الشيعة 172:5، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 32، الحديث 10‌.
[202]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 5؛ وسائل الشيـعة 304:5، كتاب الصـلاة، أبواب أحكام المسـاكن، الباب 3، الحديث 3‌.
[203]. راجع: المحاسن 2: 456، باب تزويق البيوت والتصاوير، الحديث 47 و46؛ ووسائل الشيـعة 307:5، كتاب الصـلاة، أبواب أحكام المسـاكن، الباب 3، الحديث 14 و13.
[204]. الكافي 5: 188، باب المعاوضة في الطعام، الحديث 7؛ تهذيب الأحكام 7: 96 ـ 97 /412، باب بيع الواحد بالإثنين و...، الحديث 18؛ وسائل الشيعة 18: 151، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 15، الحديث 1.
[205]. عطفٌ علي «كرواية المثنّى عن أبي ‌عبد‌الله(عليه السلام)...».

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org