Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الوجوه المستدلّ بها علی حرمة الغیبة من الکبائر

الوجوه المستدلّ بها علی حرمة الغیبة من الکبائر

وکیف کان، فقد استدلّ ـ علی أنّها من الکبائر ـ بوجوهٍ:

أحدها: ما في آیة الغیبة في الکتاب من شبه المقائسة بین الغیبة وأکل لحم الأخ المیّت، فإنّ المراد من الآیة؛ سواء کان هو تجسّم الأعمال، مثل ما ورد من «أنّ الغیبة إدام کلاب النار»، أو تنزیلها منزلة الأکل، وادّعاء أنّها هو مثل «الفقّاع خمرٌ» تکون الآیة دالّة وظاهرة علی العذاب علی الغیبة.

أمّا علی التجسّم فواضح؛ لأنّ آکل الأخ المیتة معذّب قطعاً، بل نفس الأکل عذابٌ. وأمّا علی الادّعاء، فعلی عدم العموم في التنزیل، فالقدر المتیقّن منها العذاب، وأمّا علی العموم، فیشمله قطعاً.

ثانیها: آیة حبّ الفاحشة وأنّ عذابه، العذاب الألیم، فإنّها وإن لم تکن بنفسها شاملة للغیبة کما مرّ؛ لکنّـها لها بضمیمة بعض الروایات، کمرسلة ابن أبي ‌عمیر، عن أبي ‌عبدالله‌(علیه السلام)، قال: «من قال في مؤمن ما رأته عیناه وسمعته أُذناه فهو من الذین قـال الله عزّوجـلّ: ﴿إِنَّ الَّذِيـنَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَـذَابٌ أَلِيمٌ﴾»([1211]).‌([1212])

ثالثها: الأخبار الکثیرة البالغة حدّ التواتر إجمالاً، المشتملة علی الإیعاد علی النار والعذاب؛ من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)والأئمّة الطاهرین(علیهم السلام).‌([1213])بناءً علی أنّ إیعـادهم(علیهم السلام) عن رسـول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، کما دلّت علیه الروایات، بل هو من الواضحات. وبناءً علی أنّ إیعاد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بالعذاب والنار یکشف عن کون المعصیة کبیرة، کما یظهر من صحیحة عبدالعظیم الحسني، حیث استدلّ أبوعبدالله(علیه السلام) فیها علی کون ترك الصلاة کبیرة بقول رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «من ترك الصلاة متعمّداً من غیر علّة، فقد بریء من ذمّة الله وذمّة رسوله»:([1214])

منها: موثّقة السكوني، عن أبي‌ عبد‌الله(علیه السلام)، قال‌: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه».([1215])

في دلالتها علی العذاب تأمّلٌ، بل منعٌ، فلا دلالة فیها علی کون الغیبة کبیرة.

ومنها: رواية الحسين بن سعيد في (‌كتاب الزهد‌)، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «تحرم الجنّـة على ثلاثة: على المنّان، وعلى المغتاب، وعلى مدمن الخمر».([1216])

بتقريب: أنّ حرمة الجنّـة كناية عن دخول النار والجحيم، وهذا يدلّ على كونها كبيرة؛ هذا مضافاً إلى وحدة السياق؛ حيث إنّ المغتاب عدّ في سياق مدمن الخمر، ولا شكّ في أنّ شارب الخمر مرتكب للكبيرة، فضلاً عن مدمن الخمر.

ومثلها، رواية نوف البكّالي، قال‌: أتيت أميرالمؤمنين(علیه السلام) وهو في رحبة مسجد الكوفة، فقلت‌: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال‌: «وعليك السلام يا نوف؛ ورحمة الله وبركاته»، فقلت له‌: يا أميرالمؤمنين؛ عظني، فقال: «يا نوف؛ أحسن يحسن إليك» ـ إلى أن قال‌: ـ قلت‌: زدني، قال: «اجتنب الغيبة، فإنّها إدام كلاب النار»، ثمّ قـال‌: «يا نوف؛ كذب مـن زعم أنّـه ولد مـن حلال وهـو يأكل لحوم النـاس بالغيبـة، و...»‌.([1217])

ومنها: ما روي عن جامع الأخبار عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)أنّـه قال: «كذب من زعم أنّـه ولد من حلال، وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة، اجتنبوا الغيبة، فإنّها إدام كلاب النار».([1218])

وفیه احتمالان: أحدهما: «أنّ الغيبة إدام كلاب النار» فیدلّ ـ کما هو الظاهر ـ على كون المغتاب من أصحاب الجحيم.

ثانیهما: أنّـه يحشر في الجهنّم بصورة كلاب النار ويؤكل من هذا الإدام. ودلالته علی النار علی الغیبة علی هذا الاحتمال أوضح من احتمال الأوّل.

ومنها: رواية أبي ‌بصير، عن أبي ‌جعفر(علیه السلام)، قال‌: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه».([1219])

بناءً علی کون المراد من أکل اللحم، الغیبة وإلّا فهو أجنبيّ من النار.

ومنها: رواية شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه(علیهم السلام) ـ في حديث المناهي: ـ‌ «إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)نهى عن الغيبة والاستماع إليها ونهى عن النميمة والاستماع إليها»، وقال‌: «لا يدخل الجنّـة قتّات»، ـ يعني‌: نمّاماً... ـ، «ونهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله عزّوجلّ، ونهى عن الغيبة»، وقال‌: «من اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه، ونقض وضوءه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتـأذّى به أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتـوب مات مستحلاً لما حـرّم الله عزّوجلّ...، ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة، فإن هو لم يردّها وهو قادر على ردّها، كان عليه كـوزر من اغتابه سبعين مرّة».([1220])

بدعوی أنّ فوح رائحة أنتن من الجيفة يتأذّي به أهل الموقف كناية عن كون المغتاب من أهل العذاب، وترتّب العذاب على الغيبة يدلّ على كونها من الكبائر.

وعن العيون ومعاني الأخبار بإسناده عن الرضا، عن أبيه، عن الصادق(علیهم السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالی ليبغض البيت اللحم، واللحم السمين»، قال: فقيل له‌: إنّا لنحبّ اللحم، وما تخلو بيوتنا منه، فقال: «ليس حيث تذهب، إنّما البيت اللحم البيت الذي یؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة، وأمّا اللحم السمين فهو المتبختر المتكبّر المختال في مشيه».([1221])

الاستدلال بهذه الروایة إنّما هو بما فیها من أنّ البيت الذي یؤكل فيه لحوم الناس مبغوض لله تعالى، فمبغوضیّـة الأکل؛ أي المغتاب (بالکسر) أولی.

ومنها: رواية علقمة بن محمّد، عن الصادق جعفر بن محمّد(علیهما السلام) ـ في حديث ـ أنّـه قال‌: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ولم يشهد عليه عندك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنباً، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى ذكره داخل في ولاية الشيطان، ولقد ّحدّثني أبي‌، عن أبيه، عن آبائـه(علیهم السلام)، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّـة أبداً، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالداً فيها، وبئس المصير».([1222])

فإنّ الدلالة في الروایة على كون الغيبة من الكبائر من جهات ثلاث:

أوّلها: خروج المغتاب عن ولاية الله تعالى ودخوله في ولاية الشيطان، ومن كان خارجاً عن ولاية الله تعالى داخلاً في ولاية الشيطان، فهو من أهل العذاب والنار.

ثانيهما: أنّ عدم الجمع بينهما في الجنّـة كناية عن عدم دخول المغتاب الجنّـة، فلابدّ إلّا من أن یدخل في جهنّم؛ لعدم الثالث لهما.

ثالثها: التصريح في ذيلها بأنّ: «المغتاب في النار خالداً فيها، وبئس المصير».

ومنها: رواية حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليّ(علیهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم في الجحيم، ينادون بالويل والثبور، فيقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى، فرجل معلّق في تابوت من جمر، ورجل يجرّ أمعاؤه، ورجل يسيل فوه قيحاً ودماً، ورجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى‌؟ فيقول‌: إنّ الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها في نفسه أداء (‌ولا مخلصاً‌) ولا وفاء، ثمّ يقال للذي يجرّ أمعاؤه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى‌؟ فيقول‌: إنّ الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده، ثمّ يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً‌: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول‌: إنّ الأبعد كان يحاكي فينظر إلى كلّ كلمة خبيثة فيفسد بها ويحاكى بها، ثمّ يقال للذي يأكل لحمه‌: ما بال الأبعد قد آذونا‌ على ما بنا من الأذى؟ فیقول: إنّ الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة».([1223])

فإنّها ظاهرٌ، بل صريح في كون المغتاب من أهل العذاب؛ أشدّ العذاب، بحيث يتأذّي من عذابه أهل النار.

ومنها: ما رواه القطب الراوندي في اللباب: عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، فإذا قوم يأكلون الجيف، فقال‌: «يا جبرئيل؛ من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس».([1224])

ودلالته واضحة.

ومنها: غیر ذلك من الأخبار المماثله لتلك الأخبار التي نقلناها ممّا یمکن الاستدلال بها علی کون الغیبة کبیرة.

--------------
[1211]. النور (24): 19.
[1212]. مرّت الرواية في الصفحة 406 ـ 408؛ وراجع: الكافي 2: 357، باب الغيبة والبهت، الحديث 2؛ ووسائل الشيعة 12: 280، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 6.
[1213]. اُنظر: وسائل الشيعة 12: 278، کتاب الحجّ، أبواب أحکام العشرة، الباب 152.
[1214]. الكافي 2: 287، باب الکبائر، الحديث 24؛ وسائل الشيعة 15: 320، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 46، الحديث 2.
[1215]. مرّت الرواية في الصفحة 408؛ وراجع: الكافي 2: 357، باب الغيبة والبهت، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 12: 280، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 7.
[1216]. کتاب الزهد: 9، باب الصمت إلّا بخير و...، الحديث 17؛ وسائل الشيعة 12: 281، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 10.
[1217]. الأمالي (للصدوق): 174، المجلس السابع والثلاثون، الحديث 9؛ ووسائل الشيعة 12: 283، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 16.
[1218]. جامع الأخبار: 147، الفصل التاسع والمائة في الغيبة؛ مستدرك الوسائل 9: 121، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 132، الحديث 31.
[1219]. المحاسن 1: 102، باب عقاب من باهت مؤمناً، الحديث 76. ليس فيه: «وحرمة ماله كحرمة دمه»؛ والكافي 2: 359، باب السباب، الحديث 2؛ من لا يحضره الفقيه 4: 271/828، باب النوادر، الحديث 8، مع تفاوتٍ يسير؛ وسائل الشيعة 12: 281، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 12. وفيه: «معصية لله».
[1220]. من لا يحضره الفقيه 4: 4 ـ 8/1، باب ذكر جمل من المناهي النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم)، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 12: 282، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 13. وفيه: «تقطع الرواية».
[1221]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 280، باب فيما جاء عن الإمام عليّ بن موسي(عليه السلام) من الأخبار المتفرّقة، الحديث 87، مع التفاوت؛ معاني الأخبار: 508، باب نوادر المعاني، الحديث 24. وفيه أيضاً مع التفاوت؛ وسائل الشيعة 12: 283، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 17.
[1222]. الأمالي (للصدوق): 91، المجلس الثاني والعشرون، الحديث 3، مع التفاوت؛ وسائل الشيعة 12: 285، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 20.
[1223]. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 294، عقاب من مات وفي عنقه أموال الناس و...؛ والأمالي (للصدوق): 465، المجلس الخامس والثمانون، الحديث 20؛ وسائل الشيعة 12: 307، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 164، الحديث 5، مع تفاوت في المصادر.
[1224]. نقلناه عن مستدرك الوسائل 9: 125، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 132، الحديث 43.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org