Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأمر الخامس: حقيقة الغناء وتعريفه وتفسيره

الأمر الخامس: حقيقة الغناء وتعريفه وتفسيره

الغناء من الموضوعات التي أشكلت على القوم ـ موضوعاً وحكماً ـ ولابدّ أوّلاً من بيان موضوعه للرجوع إليه بالنسبة إلى ما لا دليل لدخوله فيها إلحاقاً، أو خروجه منه تقييداً أو تخصيصاً، ثمّ ملاحظة الأخبار الواردة في الباب للاستدلال على حكمه ولبيان التوسعة أو التضيق في الموضوع وعدمه.

فنقول تبعاً لسيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) أنّها فسـّرت بوجوهٍ كثيرةٍ تبلغ إلى أربعة وعشرين وجهاً. بل أزيد منه، وذكر جملة منها المستند (قدس سره)، فإنّـه قال في بيان ماهيّته:

إنّ كلمات العلماء من اللغويّين والأدباء والفقهاء مختلفة في تفسير الغناء:

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

وآخر، بالصوت المشتمل على الترجيع.

وثالث، بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً.

ورابع، بالترجيع.

وخامس، بالتطريب.

وسادس، بالترجيع مع التطريب.

وسابع، برفع الصوت مع الترجيع.

وثامن، بمدّ الصوت.

وتاسع، بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما.

وعاشر، بتحسين الصوت.

وحادي عشر، بمدّ الصوت وموالاته.

وثاني عشر ـ وهو الغزالي ـ ([790])بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب....([791])

ويضاف إلى هذه التفاسير، ثالث عشر، تفسيرها بالصوت، المحكيّ عن المصباح المنير.([792])

ورابع عشر، بالسماع، عن الصحاح.([793])

وخامس عشر، بتحسين الصوت وترقيقه، عن الشافعي.([794])

وسادس عشر، بصوت اللهويّ، على ما في مكاسب سيّدنا الأستاذ.([795])

وسابع عشر، برفع الصوت، على ما حكاه في مفتاح الكرامة.([796])

وثامن عشر، بأنّـه حسن ذاتيّ للصوت.

وتاسع عشر، أنّـه الصوت المشير لشهوة النكاح.

وعشرين، بألحان أهل المعاصي والكبائر.

وواحد وعشرين، بما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص.

وإثنين وعشرين، بالصوت المعدّ لمجالس اللهو.

وثلاث وعشرين، بمدّه وموالاته.

وأربع وعشرين، بما في المستند، حیث قال:

أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقـال له بالفارسيّـة: «سرود» أيضاً. وحكي عن الصحاح أنّـه قال‌: الغناء هو ما يسمّيه العجم بـ‌: «‌دو بيتي‌».([797])

وخمس وعشرين، بما في المستند أیضاً: «وقال بعض الفقهاء: ([798]) أنّـه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف».([799])

وستّ وعشرين، ما فسّره العالم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلّامة الشيخ محمّد تقي‌(رحمهما الله) في رسالته في الغناء بقوله:

الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان، فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً.([800])

ثمّ تصدّى لتشييده بذكر مقدّمة نقلها سيّدنا الأستاذ بطولها، وذكر ما في كلامه من المحاذير بأحسن وجهٍ وبيانٍ بما لامزيد عليه، فراجعه.([801])

هذه كلّها هي التفاسير التي وجدناها في كتبهم أو المحكيّـة عنها، والحكاية هي الغالب فيها، بل في جُلّها، ولعلّك بالمراجعة إلى كتب العلماء تطّلع على أزيد من تلك التفاسير.

ولا يخفى عليك ما فيها من عدم حجّيّتها وعدم الدليل على اعتبار شيء منها أوّلاً؛ لسقوطها عن الحجيّـة بالتعارض والاختلاف ـ على تسليم حجّيّتها ـ؛ لأنّ الأصل العقلائي، بل العقلي في تعارض الأمارات هو السقوط، فإنّها إذا تعارضت تساقطت، والترجيح أو التخيير في الخبرين المتعارضين بل الترجيح فيهما إنّما يكون ردعاً وتعبّداً؛ بالروايات العلاجيّـة.

ومن أنّ في تفسير الرابع والشعرين من المستند خفاء وإشكال، بل منع ثانياً؛ لأنّ ذلك التفسير أي المسمّی بالفارسيّـة بـ«سرود» ليس بذلك الاشتهار في أعصارنا، فضلاً عن أعصار الأئمّة‌ (سلام لله علیه) حتّى يكون شمول الغناء له واضحاً. هذا مع أنّ ما فيه من احتمال الانصراف عنه، بل الظهور في خلافه احتمال قويّ مانع عن التمسّك بالإطلاق علی الشمول، لاسيّما مع كون جلّ الأخبار ـ إن لم يكن كلّها ـ جواباً عن سؤال السائل. ومن المعلوم كون سؤاله عن المتعارف في زمانه، لا عن فرد نادر، بل غير موجود في زمانه. ومع هذا، فلا محلّ للتمسّك بترك الاستفصال أيضاً كما لا يخفى.

ومن أنّ في تفسيره الخامس والعشرين منه(رحمه الله) أيضاً في الأخبار أنّ الكلام في معناه العرفيّ ثالثاً، وإلّا فأصل الرجوع إلى العرف فيها كبقيّـة الألفاظ والموضوعات العرفيّـة من الواضحات التي يكون البحث فيه توضيحاً للواضح ويكون خارجاً عن المبحث.

ومن أنّ ما في تفسير المشهور من أنّـه مدّ الصوت، مع اشتماله على الترجيع المطرب، ففيه الإشكال من وجهين رابعاً:

أحدهما: أنّ الظاهر عدم دخالة مدّ الصوت في ماهيّـة الغناء، فإنّ كثيراً من مصاديقها الواضحة غير مشتملة على مدّ الصوت. نعم، كان الأغلب في الأزمنة السابقة التغنّي بصوت أبي ‌العطاء، المشتمل على المدّ، فتوهّم دخله في حقيقة الغناء.

ثانيهما: أنّ الظاهر عدم دخالة الترجيع، كالمدّ في ماهيّته، وكذا الإطراب؛ لأنّ الظاهر، الفعلي منه. ومن المعلوم عدم حصوله في أكثر ممّا هو غناء عرفاً، خصوصاً بالنسبة إلى كلّ أحد، وخصوصاً بمعنى الخفّة لشدّة السرور أو الحزن.

ثمّ إنّ الأولى، بـل الظاهر في تعريـف الغناء وحدّه، هو مـا ذكـره سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) في مكاسبه، حيث إنّـه بعد نقله كلام العالم الفقيه الشيخ محمّدرضا آل الشيخ محمّد التقيّ، وأنّ الإنصاف ما ذكره وحقّقه وبيان ما فيه من المحاذير والمحسنات، قال:

فالأولى تعريف الغناء بأنّـه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتيّ ولو في الجملة، وله شأنيّـة إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس.

فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبحّ الرديّ الصوت. وإنّما قلنا له شأنيّـة الإطراب؛ لعدم اعتبار الفعليّـة بلا شبهة، فإنّ حصول الطرب تدريجيّ قد لا يحصل بشعرٍ وشعرين، فتلك الماهيّـة ولو بتكرار أفرادها لها شأنيّـة الإطراب.

وهذا بوجه نظير ما ورد في المسكر بأنّ ما كان كثيره مسكراً فقليله حرامٌ،([802]) فإنّ الحكم تعلّق بالطبيعة التي من شأنها الإسكار ولا ينافي عدم مسكريّـة قليلها. وماهيّـة الغناء كذلك، فلا ينافي عدم مطربيّـة بعض مصاديقه فعلاً.

وقيد التناسب لأجل أنّ الصوت الرقيق الرخيم إن لم يكن فيه التناسب الموسيقي لايكون مطرباً ولا غناءً، بل لايتّصف بالحسن حقيقة. فالمدّ الطويل لايكون غناء ولا مطرباً ولو كان في كمال الرقّة والرخامة، ولو قيل إنّـه حسنٌ يراد به رقّته ورخامته وصفاؤه الذاتي.

والتقييد بشأنيّـة الطرب لمعرفيّـة التناسب الخاصّ؛ أي التناسب الذي من واحد من الألحان الموسيقيّـة، فهو في الحقيقة من باب زيادة الحدّ على المحدود.

وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور، وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فإنّ الغناء لايتقوّم بالمدّ ولا الترجيع، ففي كثير من أقسامه لايكون مدّ ولا ترجيع.

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما، فظنّ أنّـه متقوّم بهما.

كما أنّ المطربيّـة الفعليّـة غير معتبرة فيه بما مرّ، وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء، ليس بغناءٍ.

... فتحصّل من ذلك، أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهويّ والباطل، ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر، بل كثير من الألحان اللهويّـة وأهل الفسوق والأباطيل خارج عن حدّه، ولا يكون في العرف والعادة غناء، ولكلّ طائفة من أهل اللهو والفسوق والتغنّي شغل خاصّ في عصرنا، ومحالّ خاصّة معدّة له، ولشغله وصنعته اسم خاصّ يعرفه أهل تلك الفنون.

ثمّ إنّ مقتضى كلمات كلّ من تصدّى لتحديد الغناء أنّـه من كيفيّـة الصوت أو الصوت نفسه، وليست مادّة الكلام دخيلة فيه، ولا فرق في حصوله بين أن يكون الكلام باطلاً أو حقّاً وحكمة أو قرآناً أو رثاءً لمظلوم، وهو واضح لاينبغي التأمّل فيه.([803])

هذا كلّه في بيان حقيقة الغناء وتعريفه من حيث العرف واللغة، ولنشرع بحول الله وقـوّته في حكمه. فقد وردت روايات مستفيضـة أو متواتـرة على حرمته، وفي أنّ المستفاد منهـا حرمة الغنـاء مطلقاً؛ في حقّ كان أو باطلاً في القـرآن، أو في لهوٍ، كما هو المعروف، أو حرمة قسم خاصّ منه، كما عليه الکاشاني([804]) والسبزواري.([805])

------------------
[790]. إحياء علوم الدين 2: 248، کتاب آداب اسماع والوجود، الباب الأوّل.
[791]. مستند الشيعة 14: 124ـ 125.
[792]. حکاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 169:12؛ وراجع: المصباح المنير: 455، مادّة: «غنن».
[793]. الصحاح 1779:2، مادّة: «غني».
[794]. حكاه عنه النهاية في غريب الحديث والأثر 391:3، مادّة: «غنا»؛ وأيضاً مفتاح الكرامة 168:12.
[795]. المكاسب المحرّمة 299:1.
[796]. مفتاح الكرامة 170:12.
[797]. مستند الشيعة 14: 125.
[798]. منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 11:2؛ والشهيد الثاني في الروضة البهيّـة 212:3؛ والسيّد في رياض المسائل 8: 155.
[799]. مستند الشيعة 14: 125.
[800]. الروضة الغناء في تحقيق معني الغناء: 219.
[801]. المكاسب المحرّمة 300:1.
[802]. راجع: وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17.
[803]. المكاسب المحرّمة 305:1 ـ 307.
[804]. الوافي 17: 218، أبواب وجوه المکاسب، الباب 34، ذيل الحديث 35؛ مفاتيح الشرائع 2: 21، مفتاح 465.
[805]. کفاية الأحکام: 1: 428.
الغناء من الموضوعات التي أشكلت على القوم ـ موضوعاً وحكماً ـ ولابدّ أوّلاً من بيان موضوعه للرجوع إليه بالنسبة إلى ما لا دليل لدخوله فيها إلحاقاً، أو خروجه منه تقييداً أو تخصيصاً، ثمّ ملاحظة الأخبار الواردة في الباب للاستدلال على حكمه ولبيان التوسعة أو التضيق في الموضوع وعدمه.

فنقول تبعاً لسيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) أنّها فسـّرت بوجوهٍ كثيرةٍ تبلغ إلى أربعة وعشرين وجهاً. بل أزيد منه، وذكر جملة منها المستند (قدس سره)، فإنّـه قال في بيان ماهيّته:

إنّ كلمات العلماء من اللغويّين والأدباء والفقهاء مختلفة في تفسير الغناء:

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

وآخر، بالصوت المشتمل على الترجيع.

وثالث، بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً.

ورابع، بالترجيع.

وخامس، بالتطريب.

وسادس، بالترجيع مع التطريب.

وسابع، برفع الصوت مع الترجيع.

وثامن، بمدّ الصوت.

وتاسع، بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما.

وعاشر، بتحسين الصوت.

وحادي عشر، بمدّ الصوت وموالاته.

وثاني عشر ـ وهو الغزالي ـ ([790])بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب....([791])

ويضاف إلى هذه التفاسير، ثالث عشر، تفسيرها بالصوت، المحكيّ عن المصباح المنير.([792])

ورابع عشر، بالسماع، عن الصحاح.([793])

وخامس عشر، بتحسين الصوت وترقيقه، عن الشافعي.([794])

وسادس عشر، بصوت اللهويّ، على ما في مكاسب سيّدنا الأستاذ.([795])

وسابع عشر، برفع الصوت، على ما حكاه في مفتاح الكرامة.([796])

وثامن عشر، بأنّـه حسن ذاتيّ للصوت.

وتاسع عشر، أنّـه الصوت المشير لشهوة النكاح.

وعشرين، بألحان أهل المعاصي والكبائر.

وواحد وعشرين، بما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص.

وإثنين وعشرين، بالصوت المعدّ لمجالس اللهو.

وثلاث وعشرين، بمدّه وموالاته.

وأربع وعشرين، بما في المستند، حیث قال:

أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقـال له بالفارسيّـة: «سرود» أيضاً. وحكي عن الصحاح أنّـه قال‌: الغناء هو ما يسمّيه العجم بـ‌: «‌دو بيتي‌».([797])

وخمس وعشرين، بما في المستند أیضاً: «وقال بعض الفقهاء: ([798]) أنّـه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف».([799])

وستّ وعشرين، ما فسّره العالم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلّامة الشيخ محمّد تقي‌(رحمهما الله) في رسالته في الغناء بقوله:

الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان، فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً.([800])

ثمّ تصدّى لتشييده بذكر مقدّمة نقلها سيّدنا الأستاذ بطولها، وذكر ما في كلامه من المحاذير بأحسن وجهٍ وبيانٍ بما لامزيد عليه، فراجعه.([801])

هذه كلّها هي التفاسير التي وجدناها في كتبهم أو المحكيّـة عنها، والحكاية هي الغالب فيها، بل في جُلّها، ولعلّك بالمراجعة إلى كتب العلماء تطّلع على أزيد من تلك التفاسير.

ولا يخفى عليك ما فيها من عدم حجّيّتها وعدم الدليل على اعتبار شيء منها أوّلاً؛ لسقوطها عن الحجيّـة بالتعارض والاختلاف ـ على تسليم حجّيّتها ـ؛ لأنّ الأصل العقلائي، بل العقلي في تعارض الأمارات هو السقوط، فإنّها إذا تعارضت تساقطت، والترجيح أو التخيير في الخبرين المتعارضين بل الترجيح فيهما إنّما يكون ردعاً وتعبّداً؛ بالروايات العلاجيّـة.

ومن أنّ في تفسير الرابع والشعرين من المستند خفاء وإشكال، بل منع ثانياً؛ لأنّ ذلك التفسير أي المسمّی بالفارسيّـة بـ«سرود» ليس بذلك الاشتهار في أعصارنا، فضلاً عن أعصار الأئمّة‌ (سلام لله علیه) حتّى يكون شمول الغناء له واضحاً. هذا مع أنّ ما فيه من احتمال الانصراف عنه، بل الظهور في خلافه احتمال قويّ مانع عن التمسّك بالإطلاق علی الشمول، لاسيّما مع كون جلّ الأخبار ـ إن لم يكن كلّها ـ جواباً عن سؤال السائل. ومن المعلوم كون سؤاله عن المتعارف في زمانه، لا عن فرد نادر، بل غير موجود في زمانه. ومع هذا، فلا محلّ للتمسّك بترك الاستفصال أيضاً كما لا يخفى.

ومن أنّ في تفسيره الخامس والعشرين منه(رحمه الله) أيضاً في الأخبار أنّ الكلام في معناه العرفيّ ثالثاً، وإلّا فأصل الرجوع إلى العرف فيها كبقيّـة الألفاظ والموضوعات العرفيّـة من الواضحات التي يكون البحث فيه توضيحاً للواضح ويكون خارجاً عن المبحث.

ومن أنّ ما في تفسير المشهور من أنّـه مدّ الصوت، مع اشتماله على الترجيع المطرب، ففيه الإشكال من وجهين رابعاً:

أحدهما: أنّ الظاهر عدم دخالة مدّ الصوت في ماهيّـة الغناء، فإنّ كثيراً من مصاديقها الواضحة غير مشتملة على مدّ الصوت. نعم، كان الأغلب في الأزمنة السابقة التغنّي بصوت أبي ‌العطاء، المشتمل على المدّ، فتوهّم دخله في حقيقة الغناء.

ثانيهما: أنّ الظاهر عدم دخالة الترجيع، كالمدّ في ماهيّته، وكذا الإطراب؛ لأنّ الظاهر، الفعلي منه. ومن المعلوم عدم حصوله في أكثر ممّا هو غناء عرفاً، خصوصاً بالنسبة إلى كلّ أحد، وخصوصاً بمعنى الخفّة لشدّة السرور أو الحزن.

ثمّ إنّ الأولى، بـل الظاهر في تعريـف الغناء وحدّه، هو مـا ذكـره سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) في مكاسبه، حيث إنّـه بعد نقله كلام العالم الفقيه الشيخ محمّدرضا آل الشيخ محمّد التقيّ، وأنّ الإنصاف ما ذكره وحقّقه وبيان ما فيه من المحاذير والمحسنات، قال:

فالأولى تعريف الغناء بأنّـه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتيّ ولو في الجملة، وله شأنيّـة إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس.

فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبحّ الرديّ الصوت. وإنّما قلنا له شأنيّـة الإطراب؛ لعدم اعتبار الفعليّـة بلا شبهة، فإنّ حصول الطرب تدريجيّ قد لا يحصل بشعرٍ وشعرين، فتلك الماهيّـة ولو بتكرار أفرادها لها شأنيّـة الإطراب.

وهذا بوجه نظير ما ورد في المسكر بأنّ ما كان كثيره مسكراً فقليله حرامٌ،([802]) فإنّ الحكم تعلّق بالطبيعة التي من شأنها الإسكار ولا ينافي عدم مسكريّـة قليلها. وماهيّـة الغناء كذلك، فلا ينافي عدم مطربيّـة بعض مصاديقه فعلاً.

وقيد التناسب لأجل أنّ الصوت الرقيق الرخيم إن لم يكن فيه التناسب الموسيقي لايكون مطرباً ولا غناءً، بل لايتّصف بالحسن حقيقة. فالمدّ الطويل لايكون غناء ولا مطرباً ولو كان في كمال الرقّة والرخامة، ولو قيل إنّـه حسنٌ يراد به رقّته ورخامته وصفاؤه الذاتي.

والتقييد بشأنيّـة الطرب لمعرفيّـة التناسب الخاصّ؛ أي التناسب الذي من واحد من الألحان الموسيقيّـة، فهو في الحقيقة من باب زيادة الحدّ على المحدود.

وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور، وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فإنّ الغناء لايتقوّم بالمدّ ولا الترجيع، ففي كثير من أقسامه لايكون مدّ ولا ترجيع.

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما، فظنّ أنّـه متقوّم بهما.

كما أنّ المطربيّـة الفعليّـة غير معتبرة فيه بما مرّ، وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء، ليس بغناءٍ.

... فتحصّل من ذلك، أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهويّ والباطل، ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر، بل كثير من الألحان اللهويّـة وأهل الفسوق والأباطيل خارج عن حدّه، ولا يكون في العرف والعادة غناء، ولكلّ طائفة من أهل اللهو والفسوق والتغنّي شغل خاصّ في عصرنا، ومحالّ خاصّة معدّة له، ولشغله وصنعته اسم خاصّ يعرفه أهل تلك الفنون.

ثمّ إنّ مقتضى كلمات كلّ من تصدّى لتحديد الغناء أنّـه من كيفيّـة الصوت أو الصوت نفسه، وليست مادّة الكلام دخيلة فيه، ولا فرق في حصوله بين أن يكون الكلام باطلاً أو حقّاً وحكمة أو قرآناً أو رثاءً لمظلوم، وهو واضح لاينبغي التأمّل فيه.([803])

هذا كلّه في بيان حقيقة الغناء وتعريفه من حيث العرف واللغة، ولنشرع بحول الله وقـوّته في حكمه. فقد وردت روايات مستفيضـة أو متواتـرة على حرمته، وفي أنّ المستفاد منهـا حرمة الغنـاء مطلقاً؛ في حقّ كان أو باطلاً في القـرآن، أو في لهوٍ، كما هو المعروف، أو حرمة قسم خاصّ منه، كما عليه الکاشاني([804]) والسبزواري.([805])

------------------
[790]. إحياء علوم الدين 2: 248، کتاب آداب اسماع والوجود، الباب الأوّل.
[791]. مستند الشيعة 14: 124ـ 125.
[792]. حکاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 169:12؛ وراجع: المصباح المنير: 455، مادّة: «غنن».
[793]. الصحاح 1779:2، مادّة: «غني».
[794]. حكاه عنه النهاية في غريب الحديث والأثر 391:3، مادّة: «غنا»؛ وأيضاً مفتاح الكرامة 168:12.
[795]. المكاسب المحرّمة 299:1.
[796]. مفتاح الكرامة 170:12.
[797]. مستند الشيعة 14: 125.
[798]. منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 11:2؛ والشهيد الثاني في الروضة البهيّـة 212:3؛ والسيّد في رياض المسائل 8: 155.
[799]. مستند الشيعة 14: 125.
[800]. الروضة الغناء في تحقيق معني الغناء: 219.
[801]. المكاسب المحرّمة 300:1.
[802]. راجع: وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17.
[803]. المكاسب المحرّمة 305:1 ـ 307.
[804]. الوافي 17: 218، أبواب وجوه المکاسب، الباب 34، ذيل الحديث 35؛ مفاتيح الشرائع 2: 21، مفتاح 465.
[805]. کفاية الأحکام: 1: 428.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org