Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كتاب الشِّركة

كتاب الشِّركة

وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، وهي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ . وسببها : قد يكون إرثاً ، وقد يكون عقداً ناقلاً ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو استأجرا عيناً ، أو صولحا عن حقّ . ولها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان :

أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة .

وثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أوخلّ من شخص آخر ؛ سواء وقع قهراً أوعمداً واختياراً .

ولها سبب آخر : وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ، ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقديّة بوجه .

(مسألة 1) : الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة ، وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين ، كالماء بالماء ، والدهن بالدهن ، بل وغير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، رافع للامتياز عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك . وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، ففي كونه موجباً للشركة الواقعيّة تأمّل وإشكال ، ولايبعد كونها ظاهريّة . وقد يوجب الشركة الظاهرية الحكميّة ، وهي مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير . ومنها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى ، كالخشخاش بالخشخاش ، والدخن والسمسم بمثلهما وجنسهما . وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة ، فيتخلّص بالصلح ونحوه . كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللّوز باللّوز ، وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز . ولا تتحقّق الشركة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القيميّات بعضها ببعض ، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات ، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك ، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة .

(مسألة 2) : لايجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلاّ بإذن صاحبه ، ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، والموارد مختلفة لابدّ من لحاظها ، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاّ أو بعضاً فيتّبع .

(مسألة 3) : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم ـ وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ـ تطلق ـ أيضاً ـ على معنى آخر ، وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقديّة والاكتسابيّة . وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما : اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولايبعد جريان المعاطاة فيها ؛ بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به .

(مسألة 4) : يعتبر في الشركة العقديّة كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة ؛ من البلوغ([1])والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه .

(مسألة 5) : لا تصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال([2]) نقوداً كانت أو عروضاً ، وتسمّى تلك : شركة العنان . ولا تصحّ في الأعمال ، وهي المسمّاة بشركة الأبدان ؛ بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة من الحطب ـ مثلاً ـ يكون مشتركاً بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه . نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة ـ كسنة أو سنتين ـ على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبل الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة ، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ وصالحه الآخر ـ أيضاً ـ نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض .

ولا تصحّ ـ أيضاً ـ شركة الوجوه . وأشهر معانيها ـ على المحكيّ ـ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس ـ لا مال لهما ـ على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّـته إلى أجل ، ويكون ذلك بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما . ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع ، وكّل كلّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه ؛ بأن يشتري لهما وفي ذمّـتهما ، فيكون ـ حينئذ ـ الربح والخسران بينهما .

ولا تصحّ ـ أيضاً ـ شركة المفاوضة ، وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما ـ من ربح تجارة ، أو فائدة زراعة ، أو اكتساب ، أو إرث ، أو وصية ، أو غير ذلك ـ شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما . فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان .

(مسألة 6) : لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة ، كانت الاُجرة مشتركة بينهما . وكذا لو حاز اثنان معاً مباحاً ، كما لو اقتلعا معاً شجرة ، أو اغترفا ماءً دفعة بآنية واحدة ، كان ما حازاه مشتركاً بينهما . وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة . وتقسم الاُجرة وما حازاه بنسبة عملهما ، ولو لم تُعلم النسبة فالأحوط التصالح([3]) .

(مسألة 7) : يشترط في عقد الشركة العنانية : أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز قبل العقد أو بعده ؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض ، حصل به الشركة كالمائعات أم لا ، كالدراهم والدنانير ، كانا مثليّين أم قيمّيين . وفي الأجناس المختلفة التي لايجري فيها المزج الرافع للتميّز ، لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط([4]) ، ولو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه ، وفائدته الإذن في التجارة في مثله .

(مسألة 8) : لايقتضي عقد الشركة ـ ولا إطلاقه ـ جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب ، إلاّ إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة ـ كالمورّث ـ فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال ، ويتّبع في الإطلاق والتقييد ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع . هذا من حيث العامل . وأمّا من حيث العمل والتكسّب ، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك ـ اقتصر عليه ، ولايتعدّى إلى غيره .

(مسألة 9) : حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ ، يقتصر على المتعارف ، فلايجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلاّ مع التعارف ، والموارد فيهما مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ ، وجاز لهما كلّ ما تعارف ؛ من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك . نعم لو عيّنا شيئاً لم يجز لهما المخالفة عنه إلاّ بإذن الشريك ، وإن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف .

(مسألة 10) : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما ، فإن تساوى تساويا فيهما ، وإلاّ يتفاضلان حسب تفاوته ؛ من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما ، مع التساوي فيه أو الاختلاف . ولو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه ، فإن جعل الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال ، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ، ففي صحّة العقد والشرط معاً ، أو بطلانهما ، أو صحّة العقد دون الشرط ، أقوال أقواها أوّلها .

(مسألة 11) : العامل من الشريكين أمين ، فلايضمن التلف إلاّ مع التعدّي أو التفريط . وإن ادّعى التلف قبل قوله . وكذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي والتفريط وقد أنكر .

(مسألة 12) : عقد الشركة جائز من الطرفين([5]) ، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ . والظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها ، لابالمزج ونحوه ، كمزج اللوز باللوز ، والجوز بالجوز ، والدرهم والدينار بمثلهما . ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه ، فيتخلّص فيه بالتصالح . وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه . ولايبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً ؛ مع عدم جواز تصرّف الشريك .

(مسألة 13) : لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم([6]) ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه ، إلاّ إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع ، فيجب عليهما الوفاء ، بل وكذا في ضمن عقد جائز ، فيجب الوفاء مادام العقد باقياً .

(مسألة 14) : لو تبيّن بطلان عقد الشركة ، كانت المعاملات ـ الواقعة قبله ـ محكومة بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد ، أو بصحّة عقدها في غيره . هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلاّ ، وإلاّ فلا إشكال . وعلى الصحّة لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ الظاهر عدم اعتباره وكفاية الرشد، كما مرّ في البيع.

[2] ـ في حصر الصحة في الأموال تأمّل وإشكال، ولاتبعد الصحّة في كلّ مورد يمكن أن تتحقّق الشركة العقدية فيه عرفاً في المنافع والوجوه والمفاوضة والأعمال؛ قضاءً لبناء العقلاء وعموم آيتي الوفاء بالعقود وتجارة عن تراض وغيرهما من عمومات العقود والشروط والمعاملات، وما في «الجواهر» من الإشكال في التمسّك بالآيتين باختصاصهما بما ثبت التكسّب به شرعاً. (جواهر الكلام 26 : 296)

ففيه: مضافاً إلى منافاة ذلك لتمسّكه وتمسّك غيره من الفقهاء قديماً وحديثاً بعمومهما في المعاملات والعقود، كما يظهر للمراجع إلى «الجواهر» وغيره، ولو في مبحث واحد منها، إنّه يكون مخالفاً لظاهر الآيتين، فإنّهما عامّتان شاملتان لجميع العقود حتّى ما سيحدث في الأزمنة المستقبلة. والاستدلال للحصر بالإجماع كما في «الخلاف» و«الغنية» و«السرائر» و«المختلف» و«التذكرة» و«الرياض» وغيرها، ففيه، ما لايخفى، من كونه في مسألة اجتهادية لاتعبّدية؛ لما في «الخلاف» من الاستدلال على بطلان شركة الأبدان بإجماع الفرقة وأخبارهم، وعلى بطلان شركة الوجوه والمفاوضة بعدم الدليل على صحّتها، وأنّ انعقاد الشركة حكم شرعي محتاج إلى دلالة شرعية و بالنهي عن الغرر، ومن استدلال «الرياض» على البطلان في الثلاثة بعد نقله الاجماع من عدّة من الكتب الفقهية كـ«الغنية» و«الانتصار» و«المختلف» وغيرها، بقوله: «وهو الحجة مضافاً إلى الأصل وحديث نفي الغرر والضرر مع عدم دليل على الصحّة من كتاب أو سنّة سوى الأمر بالوفاء بالعقود والشروط، وهو ليس على ظاهره في الشركة؛ لأنّها من العقود الجائزة كما سيأتي إليه الإشارة» (رياض المسائل 9 : 322) ومع كون المسألة ذات اجتهادات كثيرة واسعة، التمسّك فيها بالإجماع وإن كان محصلاً، كما ترى فضلاً عن كونه منقولاً، هذا مع ما يظهر من «مجمع الفائدة والبرهان» الترديد في أصل الإجماع، ففيه: «ولايظهر دليل على عدم الجواز سوى الإجماع فإن كان فهو وإلاّ فلا مانع». (مجمع الفائدة والبرهان 10 : 193)

ولقد أجاد في تحقيقه وجزمه بعدم الدليل على البطلان سوى الإجماع كما يظهر للمتأمّل في أدلّتهم وممّا يؤيد الصحّة في جميع أنواع الشركة أنّها بعد ما كانت عقلائية، احتياج الردع لمثل تلك البناء على أدلّة واضحة ظاهرة لا مثل نفي الغرر والضرر ممّا لايكون ملازماً مع جميع أنواع الشركة، مضافاً إلى كون دلالتهما بالإطلاق لا بالظهور اللفظي والصراحة، نعم، لابدّ من رعاية نفي الخطر والضرر بتعيين المدّة وغيرها في الشركة كغيرها من العقود، فإنّ المعاملات الغررية الخطرية مضافاً إلى كونها منهية بنفي الغرر والضرر ليست بعقلائية كما لايخفى.

[3] ـ بل لايخلو عن قوّة .

[4] ـ وإن كان عدم لزوم التوسّل والاكتفاء بالعقد ـ عملاً بالعمومات ـ لايخلو عن قوّة .

[5] ـ بل لازم منهما ، حيث إنّ عقد الشركة لازم ؛ قضاءً لعموم (أَوْفُوا بِالعُقُود). (المائدة (5): 1) وعليه فلابدّ من تعيين المدّة لئلاّ يلزم الغرر .

[6] ـ محلّ إشكال، بل منع ؛ قضاءً لإطلاق أدلّة لزوم العقود وعمومها. وعليه فلايجوز لكلٍّ منهما الرجوع قبل انقضاء الأجل .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org