Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المقدّمة الرابعة : في المكان

المقدّمة الرابعة : في المكان

(مسألة 1) : كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلاّ المغصوب عيناً أو منفعة ، وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير ، كالمرهون ، وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يُخرج بعدُ ، بل ما تعلّق به حقّ السبق ؛ بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة ـ مثلاً ـ ولم يُعرض عنه على الأحوط([1]). وإنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالماً بالغصبيّة وكان مختاراً؛ من غير فرق بين الفريضة والنافلة ، أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل فصلاتهم ـ والحالة هذه ـ صحيحة ، وكذا الناسي لها إلاّ الغاصب نفسه ، فإنّ الأحوط بطلان صلاته([2]) ، وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود .

(مسألة 2) : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لايجوز الصلاة فيها ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، ولا تجوز ـ أيضاً ـ في الأرض المشتركة إلاّ بإذن جميع الشركاء .

(مسألة 3) : لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب ، وفي الخيمة المغصوبة ، والصهوة والدار التي غصب بعض سورها إذا كان ما يصلّي فيه مباحاً ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب في الجميع .

(مسألة 4) : لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة ، تبطل الصلاة فيها ، إلاّ إذا جعل الحقّ في ذمّـته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد ، وكذا لايجوز التصرّف مطلقاً في تركة الميّت ، المتعلَّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه([3]) . وكذا إذا كان عليه دين([4]) مستغرق للتركة ، بل وغير المستغرق ، إلاّ مع رضا الديّان ، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين . والأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضاً .

(مسألة 5) : المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحاً ؛ بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال ، وظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانيّاً([5]) لا يُعتنى باحتمال خلافه ، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك .

(مسألة 6) : يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة ، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يُبنَ عليها الحيطان ، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة ، كالاستطراقات العاديّة غير المضرّة ، والجلوس والنوم فيها وغير ذلك ، ولايجب التفحّص عن ملاّكها ؛ من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين . نعم مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها ، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً ، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة ومراتع دوابّها ومواشيها ، فإنّه لايبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع .

(مسألة 7) : المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ، ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه ، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها ، فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة ، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح ، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة .

(مسألة 8) : الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة ، لكن على كراهية بالنسبة إليهما([6]) مع تقارنهما في الشروع ، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما([7]) ، لكن الأحوط ترك ذلك . ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم ، ولابين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين ، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً . وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما([8]) عشرة أذرع بذراع اليد ، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة ، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه ؛ وإن لا تبعد كفاية مطلقهما .

(مسألة 9) : الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(عليه السلام) ، بل ومقدّماً عليه ، ولكن هو من سوء الأدب([9]) ، والأحوط الاحتراز منهما . ويرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لايصدق معه التقدّم والمحاذاة ؛ ويخرج عن صدق وحدة المكان ، وكذا بالحائل الرافع لسوء الأدب ، والظاهر أنّه ليس منه الشُّبّاك والصندوق الشريف وثوبه .

(مسألة 10) : لايعتبر الطهارة في مكان المصلّي ، إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن . نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ . كما يعتبر فيه ـ أيضاً ـ مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً ، والأفضل التربة الحسينيّة التي تخرق الحجب السبع ، وتنوّر إلى الأرضين السبعة على ما في الحديث ، ولايصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن ، كالذهب والفضّة والزجاج والقير ونحو ذلك ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد([10]) . والأقوى جوازه على الخزف والآجر والنورة والجِصّ ولو بعد الطبخ ، وكذا الفحم ، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى ، وجميع أصناف المرمر ، إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها . ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس ، فلايجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس ، كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما ، والفواكه والبقول المأكولة ، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل . ولابأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها ، دون المتّصل بها إلاّ مثل قشر التفّاح والخيار ؛ ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً ، أو يأكله بعض الناس ، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط . نعم لابأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول ، ومع عدم مأكوليّة لبّه ولو بالعلاج لابأس بالسجود عليه مطلقاً ، كما لابأس بغير المأكول كالحنظل والخرنوب ونحوهما ، وكذلك لابأس بالتبن والقصيل ونحوهما . ولايمنع شرب التـتن من جواز السجود عليه . والأحوط ترك السجود([11]) على نخالة الحنطة والشعير ، وكذا على قشر البطّيخ ونحوه ، ولايبعد الجواز على قشر الاُرز والرُّمّان بعد الانفصال .

والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول ، فلايجوز على القُطن والكتان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغَزل . نعم لابأس على خشبتهما وغيرها ، كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتّخاذ الملابس المعتادة منها ، فلابأس ـ حينئذ ـ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلاً ، فضلاً عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها . والأحوط ترك السجود على القنب ، كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات ، كالمتّخذ من الحرير والإبريسم ، وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً .

(مسألة 11) : يعتبر فيما يسجد عليه ـ مع الاختيار ـ كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه ، فلايجوز على الوَحل غير المتماسك ، بل ولا على التراب الذي لايتمكّن الجبهة عليه ، ومع إمكان التمكين لابأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته ، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً ، ولو لم يكن عنده إلاّ الطين غير المتماسك ، سجد عليه بالوضع من غير اعتماد .

(مسألة 12) : إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ، ولم يكن له مكان آخر ، يصلّي قائماً مؤمياً للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى .

(مسألة 13) : إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه ، أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر ـ من تقيّة ونحوها ـ سجد على ثوب القُطن أو الكتّان ، ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما ، ومع فقده سجد على ظهر كفّه ، وإن لم يتمكّن فعلى المعادن .

(مسألة 14) : لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق([12]) سجد على غيره بالترتيب المتقدّم .

(مسألة 15) : يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً غير مضطرب ، فلو صلّى ـ اختياراً ـ في سفينة أو على سرير أو بَيدر ، فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته ، وإن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيّارة والقطار ونحوهما ، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه . هذا كلّه مع الاختيار . وأمّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً وعلى الدابّة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها ؛ مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته ، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان ، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلاّ في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكّن منه أصلاً سقط ، لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب . وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة ، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله ، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه .

(مسألة 16) : يستحبّ الصلاة في المساجد ، بل يُكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر ، خصوصاً لجار المسجد ؛ حتّى ورد في الخبر : «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» . وأفضلها المسجد الحرام ، ثمّ مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى ، ثمّ مسجد الجامع ، ثمّ مسجد القبيلة ، ثمّ مسجد السوق . والأفضل للنساء([13]) الصلاة في بيوتهنّ ، والأفضل بيت المخدع . وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة(عليهم السلام) ، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) وحائر أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) .

(مسألة 17) : يُكره تعطيل المسجد ، وقد ورد أنّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عزّوجلّ يوم القيامة ، والآخران عالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه ، وورد «إنّ من مشى إلى مسجد من مساجد الله، فله بكلّ خطوة خطاها ـ حتّى يرجع إلى منزله ـ عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات» .

(مسألة 18) : من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد ، وفيه أجر عظيم وثواب جسيم ، وقد ورد أنّه قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكلّ شبر منه ـ أو قال : بكلّ ذراع منه ـ مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزُمُرّد وزَبَرجَد ولُؤلؤ» الحديث .

(مسألة 19) : عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً ؛ بأن يقول : «وقفتها مسجداً قربة إلى الله تعالى» ، لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً ؛ مع قصد القربة ، وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني ، فتصير مسجداً .

(مسألة 20) : تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه ، وفي المزبلة والمجزرة والمكان المتّخذ للكنيف ـ ولو سطحاً متّخذاً مبالاً ـ وبيت المسكر ، وفي أعطان الإبل . وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم ، والطرق إن لم تضرّ بالمارة ، وإلاّ حرمت([14]) ، وفي قُرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلاً ، وفي الأرض السبخة ، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب ، وعلى الثلج ، وفي معابد النيران ، بل كلّ بيت اُعدّ لإضرام النار فيه ، وعلى القبر وإليه وبين القبور . وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل ، وببعد عشرة أذرع . ولابأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة(عليهم السلام) وعن يمينها وشمالها ، وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لايساوي الإمام(عليه السلام) . وكذا تكره وبين يديه نار مُضرَمة أو سراج أو تمثالُ ذي روح ، وتزول في الأخير بالتغطية . وتكره وبين يديه مصحف أو كتاب مفتوح ، أو مقابله باب مفتوح ، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها ، وترتفع بستره . والكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر ، والأمر سهل .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ بل على الأقوى .

[2] ـ وإن كان الظاهر صحّة صلاته ؛ لعدم الفرق بينه وبين غيره ظاهراً .

[3] ـ أو التسبّب بالبراءة منها ولو بالضمان .

[4] ـ عدم جواز التصرّفات الجزئية المتعارفة المربوطة بتجهيز الميّت ولوازمه المتداولة المعمولة مع الدين ، لاسيّما غير المستوعب منه محلّ للتأ مّل .

[5] ـ بل يكفي ظهورها في ذلك ، فإنّ الظواهر الفعلية ـ كالظواهر القولية ـ حجّة بنفسها ، لا من جهة إفادتها الاطمئنان ، كما لايخفى .

[6] ـ الكراهة مختصّة بصورة المحاذاة ، وإلاّ فكما أنّ مع تقدّم الرجل لا كراهة ، فكذلك مع تقدّم المرأة ؛ قضاءً لصحيحة عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : اُصلّي والمرأة إلى جنبيّ وهي تصلّي ، قال : «لا ، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت ، ولابأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة». (وسائل الشيعة 5 : 124 / 5)

والظاهر من التقدّم التقدّم في المكان لا في الصلاة ، كما أنّ الظاهر من التعبير بالسبق كذلك السبق في الصلاة ، فإنّ المصلّي مع السبق في الصلاة ليس بمقدّم على الآخر فيها ؛ لعدم الصلاة للآخر حتّى يكون السابق متقدّماً عليه ، وهذا بخلاف التقدّم في المكان ، فإنّ المتقدّم متقدّم على الآخر في الصلاة باعتبار المكان ، والآخر متأخّر عنه بذلك الاعتبار في صلاته .

وممّا يؤيّد ذلك الظهور، بل يشهد عليه ، ما ورد في صلاة الرجل والمرأة في المحمل من قوله(عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم في الجواب عن سؤاله عن صلاتهما جميعاً، فقال : «لا ، ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة» .(وسائل الشيعة 5 : 124 / 2) فإن كان التقدّم ظاهراً في التقدّم في الصلاة فعليه التعبير بقوله(عليه السلام)، ولكن يتقدّم الرجل ولم يحتجّ إلى التصريح بصلاة المرأة بعد فراغ الرجل عن الصلاة .

ومثلها خبر أبي بصير ، وكذا يشهد على ذلك ما في صحيح ابن مسلم ، على ما في «التهذيب» و«الاستبصار»: «يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر». (وسائل الشيعة 5: 124/1 و3)

وموثّقة عمّار ، وإن كانت معارضة للصحيحة ، حيث إنّها تدلّ على النهي عن صلاة الرجل وبين يديه امرأة تصلّي ، وعلى عدم البأس عن صلاة المرأة خلف الرجل بقوله(عليه السلام) : «فإن كانت تصلّي خلفه فلابأس وإن كانت تصيب ثوبه». (وسائل الشيعة 5 : 128 / 1)

لكنّه مضافاً إلى ما في «مجمع الفائدة والبرهان» في الجواب عنها بما هذا لفظه : «وعن الثالث بضعف عمّار وأحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، ومصدّق بن صدقة ، بأ نّهم فطحيّون على ما قيل ، مع ركاكة في المتن من حيث التطويل»، (مجمع الفائدة والبرهان 2 : 131) ومضافاً إلى انفرادها في الفصل بعشرة أذرع ، ومعارضتها مع جميع أخبار الباب الدالّة على كفاية الشبر ، أو موضع الرحل ، أو قدر ما يتخطّى ، أو قدر عظم الذراع فصاعداً ، أو ذراع ونحوه ، أنّ الصحيح لصحّته مقدّم على الموثّقة ، فإنّ في عدالة الراوي مزيّة على وثاقته .

هذا مع أ نّه على المكافئة الحكم بالتخيير ، والأخذ بكلّ واحد من المتعارضين من باب التسليم ، (بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك) فنختار الأخذ بالصحيحة ؛ لكونها أوفق بقاعدة الاشتراك ، وتساوي الرجل والمرأة في الأحكام ، وعدم المزيّة لأحدهما على الآخر فيها .

وتوهّم عدم التعارض الموضوع للعلاج بالترجيح أو التخيير من رأس ؛ لما بينهما من الجمع العرفي ، بحمل الظاهر ـ أي الصحيحة ـ على النصّ أو الأظهر، وهو الموثّقة ، مدفوع بأنّ الحمل كذلك تامّ ولا إشكال فيه في المتّصلين منهما ، وأ مّا في المنفصلين مع عدم إشارة في النصّ والأظهر إلى الظاهر ، وأنّ المراد منه ما في النصّ أو الأظهر كالروايتين ، لاسيّما مع الاختلاف في المتن بالطول والقصر وجهات اُخرى ، ومع الاختلاف في الناقل عن المعصوم ، أي الراوي الأخير ، ففي الحمل كذلك ، لي فيه تأ مّل وإشكال ، وإن كان معروفاً في الألسنة ، بل يرسله الاُصوليّون في الاُصول ، والفقهاء المتأخّرون عن الشيخ في الفقه إرسالاً مسلّماً ، وكيف يصحّ أن يقال : إنّ المتكلّم بكلام له ظاهر ، محمول على الكلام الآخر الأظهر أو النصّ ، من دون نصب قرينة في الظاهر ، على أنّ المراد منه ما هو المراد من الأظهر والنصّ ، كما هو المفروض ، ومن دون إشارة فيهما إلى ذلك الظاهر ، وأ نّهما قرينة عليه ، فهل هذا إلاّ تأخير للبيان عن وقت الحاجة بالنسبة إلى الظاهر ، وإغراء بالجهل ، وغلط في الكلام ، وشطط في بيان المرام ، ممّا لايصدر عن المتكلّم العادي، فضلاً عن الفصيح ، فضلاً عن أئمّة الفصحاء الذين هم أئمّة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وبهم علّمنا الله معالم ديننا ، وبهم أنقذنا الله من شفا جرف الهلكات ومن النار ؟ ! أبي واُمّي وأهلي ومالي واُسرتي لهم الفداء . فتدبّر جيّداً واغتنم ، حتّى لاتترك الدقّة اغتراراً بما مرّ ، وبما تعرف من إرسالهم الجمع كذلك إرسالاً مسلّماً ، وإنّ الجمع كذلك جمع عرفي مانع عن تعارض الخبرين .

ولايخفى أنّ ما ذكرته من وجه التأ مّل في الجمع بين الظاهر والأظهر أو النصّ ، فمثله جار في العامّ والخاصّ المنفصلين ، والمطلق والمقيّد كذلك ، وفي أمثالها من المنفصلات المتعارضات التي يجمع بينها بحمل أحدهما على الآخر ، ويقال : إنّ الجمع كذلك عرفي ، ورافع للتعارض ، ولابدّ من تفصيل الكلام في محلّه ، ونسأل الله التوفيق لبيان الوجه وتفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى ، وما ذكرته وحقّقته في السابق في محلّه كان ما هو المعروف ، وكنت مقتدياً وتابعاً لهم ، لكن كانت التبعية من القصور لا التقصير ، فإنّ السنّة الإلهية جارية على التكامل في العلم والعمل بكثرة المجاهدة فيهما ، وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أ نّه مع ما له من كمال العلم والعمل قال : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً). (طـه (20) : 114)

هذا كلّه في معارضة الصحيحة مع الموثّقة ، وأ مّا معارضتها مع مرسلتي ابن بكير وابن فضّال عمّن أخبره عن جميل ، حيث إنّهما تدلاّن على اعتبارتأخّر المرأة في موضع سجدتها عن الرجل ، ففيهما بعد السؤال عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، عن صلاة المرأة بحذاء الرجل المصلّي أو بجنبه ، فقال(عليه السلام) : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلابأس»، (وسائل الشيعة 5 : 127 / 3و5) مع أ نّهما مرسلتان غير قابلتين للمعارضة مع الصحيحة ، لا ظهور في ذلك الجواب في التأخّر كذلك ، بل الظاهر منه الاختلاف بينهما من حيث حالات الصلاة ، بنفي البأس في صلاتهما باختلافهما في حالات الصلاة ، بكون الرجل في حال الركوع ، في حال كون المرأة في حال السجود ، فالجواب، إن لم يكن بإطلاقه شاملاً لعدم الكراهة مع ذلك الاختلاف وإن كانت المرأة متقدّمة ، فلا أقلّ من عدم الدلالة على الكراهة مع تقدّمها .

وأ مّا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، ورواية «الدعائم» عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) ، فالصحيحة مربوطة بصلاة المرأة بحيال الرجل ، والثانية مربوطة بعكسها ، ودونك الخبرين : ففى «التهذيب» و«الاستبصار» بسنده عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل ، فقال : «لاتصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره». (الاستبصار 1 : 399 ، تهذيب الأحكام 2 : 379)

وفي «الدعائم» ، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) : «إنّه كره أن يصلّي الرجل ورجل بين يديه نائم ، ولايصلّي الرجل وبحذائه امرأة إلاّ أن يتقدّمها بصدره». (دعائم الإسلام 1 : 150)

[7] ـ ومع عدم كون المحلّ ممّا تبكّ فيه الرجال والنساء ، وإلاّ فلا كراهة مع التقارن أيضاً ؛ لعموم العلّة في صحيح الفضيل ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : «سمّيت مكّة بكّة لأ نّه يبتكّ فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ، ولابأس بذلك ، وإنّما يكره في سائر البلدان». (وسائل الشيعة 5 : 126 / 10)

[8] ـ من شبر إلى عشرة أذرع ، ولايخفى أنّ عشرة أذرع رافع لجميع مراتب الكراهة ، واختلاف الأخبار من التحديد بالشبر إلى عشرة أذرع محمول على الاختلاف في مراتب المرفوع ، أي مراتب الكراهة .

[9] ـ نعم مع الهتك ، الأظهر البطلان وحرمته ، بل انجراره إلى الكفر من البديهيّات عند الشيعة، فضلاً عن فقههم .

[10] ـ وكذا الفحم على الأحوط ، وإن كان الجواز فيهما لايخلو من وجه ، فإنّهما ممّا أنبتته الأرض ولو بالواسطة ، والنصّ والإجماع قائمان على جواز السجود على الأرض وما أنبتته ، ومقتضى الإطلاق كفاية الإنبات ولو من جهة الأصل . نعم، عنوان النبات غير صادق ، لكنّه غير مأخوذ فيهما .

[11] ـ لكنّ الجواز لايخلو من قوّة .

[12] ـ بأن لايتمكّن من إدراك ركعة جامعة للشرائط.

[13] ـ الأفضلية محلّ منع ، بل الظاهر من إطلاق الأدلّة وعبارات بعض الأصحاب أفضلية الصلاة في المسجد مطلقاً ، من دون فرق بين الرجال والنساء. وما استدلّ به على الفرق من خبر يونس بن ظبيان ، ففيه أنّ الظاهر كونه قضيّة شخصية ومربوطة بنساء طائفة يونس ؛ لما فيه من التعبير بالخطاب بقوله(عليه السلام): «خير مساجد نسائكم البيوت». (وسائل الشيعة 5: 237/4)

وإن أبيت عن الظهور فلا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال ، ومن خبر هشام بن سالم ، ففيه : أنّه لا دلالة فيه على أفضلية البيت على المسجد ، كما لايخفى ، وإنّما يدلّ على أفضلية المخدع على البيت ، والبيت على الدار ، الظاهر في الأفضلية من حيث التستّر ، فتدبّر جيّداً .

[14] ـ وبطلت .

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org