|
اِذا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضانَ
اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنا مِنْ اَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاِِحْسانِهِ مِنَ الشّاكِرينَ، وَلِيَجْزِيَنا عَلى ذلِكَ جَزآءَ الْمُحْسِنينَ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذي حَبانا بِدينِهِ، وَاخْتَصَّنا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنا في سُبُلِ اِحْسانِهِ لِنَسْلُكَها بِمَنِّهِ اِلى رِضْوانِهِ، حَمْداً يَتَقَبَّلُهُ مِنّا، وَيَرْضى بِهِ عَنّا.
وَالْحَمْدُللهِ الَّذي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضانَ، شَهْرَ الصِّيامِ، وَشَهْرَ الاِْسْلامِ، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ الَّتمْحيصِ، وَشَهْرَ الْقِيامِ «الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنِ، هُدىً لِلنّاسِ، وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ»([34]). فَاَبانَ فَضيلَتَهُ عَلى سائِرِ الشُّهُورِ بِما جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُماتِ الْمَوْفُورَةِ، وَالْفَضائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فيهِ ما اَحَلَّ في غَيْرِهِ اِعْظاماً، وَحَجَرَ فيهِ الْمَطاعِمَ وَالْمَشارِبَ اِكْراماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لا يُجيزُ، جَلَّ وَعَزَّ، اَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَلا يَقْبَلُ اَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ. ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً واحِدَةً مِنْ لَياليهِ عَلى لَيالي اَلْفِ شَهْر، وَسَمّاها لَيْلَةَ الْقَدْرِ «تَنَزَّلُ الْمَلآئِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِاِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ اَمْر سَلامٌ»([35]) دآئِمُ الْبَرَكَةِ اِلى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلى مَنْ يَشآءُ مِنْ عِبادِهِ بِما اَحْكَمَ مِنْ قَضآئِهِ. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاَلْهِمْنا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ، وَاِجْلالَ حُرْمَتِهِ، وَالتَّحَفُّظَ مِمّا حَظَرْتَ فيهِ، وَاَعِنّا عَلى صِيامِهِ بِكَفِّ الْجَوارِحِ عَنْ مَعاصيكَ، وَاسْتِعْمالِها فيهِ، بِما يُرْضيكَ حَتّى لا نُصْغِيَ بِاَسْماعِنا اِلى لَغْو، وَلا نُسْرِعَ بِاَبْصارِنا اِلى لَهْو، وَحَتّى لا نَبْسُطَ اَيْدِيَنا اِلى مَحْظُور، وَلا نَخْطُوَ بِاَقْدامِنا اِلى مَحْجُور، وَحَتّى لا تَعِيَ بُطُونُنا اِلاّ ما اَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ اَلْسِنَتُنا اِلاّ بِما مَثَّلْتَ، وَلا نَتَكَلَّفَ اِلاّ ما يُدْني مِنْ ثَوابِكَ، وَلا نَتَعاطى اِلاَّ الَّذي يَقي مِنْ عِقابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنْ رياءِ الْمُرائينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعينَ، لا نَشْرَكُ فيهِ اَحَداً دُونَكَ، وَلا نَبْتَغي فيهِ مُراداً سِواكَ. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنا فيهِ عَلى مَواقيتِ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ بِحُدُودِهَا الَّتي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتي فَرَضْتَ، وَوَظآئِفِهَا الَّتي وَظَّفْتَ، وَاَوْقاتِهَا الَّتي وَقَّتَّ. وَاَنْزِلْنا فيها مَنْزِلَةَ الْمُصيبينَ لِمَنازِلِهَا، الْحافِظينَ لاَِرْكانِها، الْمُؤَدّينَ لَها في اَوْقاتِها عَلى ما سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، في رُكُوعِها وَسُجُودِها وَجَميعِ فَواضِلِها عَلى اَتَمِّ الطَّهُورِ وَاَسْبَغِه، وَاَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَاَبْلَغِهِ. وَوَفِّقْنا فيهِ لاَِنْ نَصِلَ اَرْحامَنا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَاَنْ نَتَعاهَدَ جيرانَنا بِالاِْفْضالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَاَنْ نُخَلِّصَ اَمْوالَنا مِنَ التَّبِعاتِ، وَاَنْ نُطَهِّرَها بِاِخْراجِ الزَّكَواتِ. وَاَنْ نُراجِعَ مَنْ هاجَرَنا، وَاَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنا، وَاَنْ نُسالِمَ مَنْ عادانا حاشى مَنْ عُودِيَ فيكَ وَلَكَ، فَاِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذي لا نُواليهِ، وَالْحِزْبُ الَّذي لا نُصافيهِ. وَاَنْ نَتَقَرَّبَ اِلَيْكَ فيهِ مِنَ الاَْعْمالِ الزّاكِيَةِ بِما تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنا فيهِ مِمّا نَسْتَأْنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، حَتّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ اَحَدٌ مِنْ مَلآئِكَتِكَ اِلاّ دُونَ ما نُورِدُ مِنْ اَبْوابِ الطّاعَةِ لَكَ، وَاَنْواعِ الْقُرْبَةِ اِلَيْكَ. اَللّهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذَا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ مِنِ ابْتِدائِهِ اِلى وَقْتِ فَنائِهِ، مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ، اَوْ نَبِيٍّ اَرْسَلْتَهُ، اَوْ عَبْد صالِح اخْتَصَصْتَهُ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاَهِّلْنا فيهِ لِما وَعَدْتَ اَوْلِيآءَكَ مِنْ كَرامَتِكَ، وَاَوْجِبْ لَنا فيهِ ما اَوْجَبْتَ لاَِهْلِ الْمُبالَغَةِ في طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا في نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفيعَ الاَْعْلى بِرَحْمَتِكَ. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَجَنِّبْنا الاِْلْحادَ في تَوْحيدِكَ، وَالتَّقْصيرَ في تَمْجيدِكَ، وَالشَّكَّ في دينِكَ، وَالْعَمى عَنْ سَبيلِكَ، وَالاِْغْفالَ لِحُرْمَتِكَ، وَالاِْنْخِداعَ لِعَدُوِّكَ اَلشَّيْطانِ الرَّجيمِ. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاِذا كانَ لَكَ في كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيالي شَهْرِنا هذا رِقابٌ يُعْتِقُها عَفْوُكَ، اَوْ يَهَبُها صَفْحُكَ فَاجْعَلْ رِقابَنا مِنْ تِلْكَ الرِّقابِ، وَاجْعَلْنا لِشَهْرِنا مِنْ خَيْرِ اَهْل وَاَصْحاب. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَامْحَقْ ذُنُوبَنا مَعَ اِمْحاقِ هِلالِهِ، وَاسْلَخ عَنّا تَبِعاتِنا مَعَ انْسِلاخِ اَيّامِهِ حَتّى يَنْقَضِيَ عَنّا وَقَدْ صَفَّيْتَنا فيهِ مِنَ الْخَطيئآتِ، وَاَخْلَصْتَنا فيهِ مِنَ السِّيِّئآتِ. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاِنْ مِلْنا فيهِ فَعَدِّلْنا، وَاِنْ زُغْنا فيهِ فَقَوِّمْنا، وَاِنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنا عَدُوُّكَ الشَّيْطانُ فَاسْتَنْقِذْنا مِنْهُ. اَللّهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبادَتِنا اِيّاكَ، وَزَيِّنْ اَوْقاتَهُ بِطاعَتِنا لَكَ، وَاَعِنّا في نَهارِهِ عَلى صِيامِهِ، وَفي لَيْلِهِ عَلَى الصَّلاةِ وَالتَّضَرُّعِ اِلَيْكَ، وَالْخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتّى لا يَشْهَدَ نَهارُهُ عَلَيْنا بِغَفْلَة، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْريط. اَللّهُمَّ وَاجْعَلْنا في سائِرِ الشُّهُورِ وَالاَْيّامِ كَذلِكَ ما عَمَّرْتَنا، وَاجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ «الَّذينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيها خالِدُونَ»([36]) «وَالَّذينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ اَنَّهُمْ اِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ»([37]) وَمِنَ الَّذينَ «يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»([38]). اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، في كُلِّ وَقْت وَكُلِّ اَوان وَعَلى كُلِّ حال عَدَدَ ما صَلَّيْتَ عَلى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَاَضْعافَ ذلِكَ كُلِّهِ بِالاَْضْعافِ الَّتي لا يُحْصيها غَيْرُكَ، اِنَّكَ فَعّالٌ لِما تُريدُ. __________________________________________ [34]. البقرة: 185. [35]. القدر: 4 ـ 5. [36]. المؤمنون: 11. [37]. المؤمنون: 60. [38]. المؤمنون: 61.
|