Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: حكم بيع السباع والهرّة والقردة

حكم بيع السباع والهرّة والقردة

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم" قد تعرّض لحكم بيع السباع والهرّة والقردة، قال" ـ بعد ذهابه إلی عدم کفایة المنفعة النادرة المحلّلة في صحّة العقود؛ للإجماع، ولأنّـه الظاهر من التأمّل في الأخبار أیضاً، ونقل روایة لعن الیهود ببیعهم الشحوم، وروایة التحف في ضابطة ما یکتسب به واستدلاله بهما ـ ما لفظه:

ومنه يظهر: أنّ الأقـوی جـواز بيـع السباع ـ بناء على وقوع التذكية عليها ـ؛([1199]) للانتفـاع البيّن بجلودها، وقد نصّ في الروايـة على بعضها، وكذا شحومها وعظامها.

وأمّا لحومها، فالمصرّح به في التذكرة عدم الجواز؛ معلّلاً بندور المنفعة المحلّلة المقصودة منه، كإطعام الكلاب المحترمة وجوارح الطير.([1200])

ويظهر أيضاً جواز بيع الهرّة،([1201])وهو المنصوص في غير واحد من الروايات،([1202]) ونسبه في موضع من التذكرة ([1203]) إلى علمائنا، بخلاف القرد؛ لأنّ المصلحة المقصودة منه ـ وهو حفظ المتاع ـ نادرٌ.([1204])

وضعفه ظهر ممّا ذكرناه في صور المسألة من جواز بيع كلّ ما يتصوّر فيه نفع محلّل شرعاً ولو كان نادراً، مثـل الانتفـاع بالقـرد لحفـظ الدكّان، والانتفاع بعظم الفيل، بل بشعور الحيوانات، كما ذهب إليه المقدّس الأردبيلي([1205])وصاحب الجواهر.([1206])

قال المقدّس الأردبيلي" ذيل عبارة الإرشاد، وهي قوله: «الثالث: ما لا انتفاع به، كالخنافس والديدان و...»،([1207]) ما لفظه:

لعلّ دليل عدم جواز بيع ما لا ينتفع به هو الإجماع، وأنّ شراءه إسراف، فالبيع معونة، ولا يجوز معاملة المسرف بشرط الرشد، فلا يملك الثمن؛ لعدم انعقاد البيع.

ومنه ظهر أنّـه على تقدير التحريم إن فعل لم يقع العقد ولا يصحّ. وكذا الكلام في بيع المسوخ إن كان ممّا لا ينتفع به، كالقرد.

ويدلّ على منع بيع القرد رواية مسمع، عن أبي ‌عبدالله‌(علیه السلام)، قال: «إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) نهى عن القرد أن يشتری أو يباع».([1208])

ونقل عن الشافعي([1209]) في المنتهى([1210]) عدم جواز بيعه؛ للإطافة واللعب، دون بيعه لحفظ المتاع والدكّان ونحوه.

ونقل عن ابن إدريس([1211]) جواز بيع السباع كلّها؛ سواءٌ كان يصاد عليها، كالفهد والهرّ والبازي أم لا، كالأسد والذئب والدبّ وغيرها؛ للانتفاع بجلودها، ثمّ قال: «وهو حسنٌ».

والأصل([1212]) فيه أنّ المنع خلاف الأصل وعموم أدلّة البيع، فكلّ موضع منع بالإجماع ونحوه، وإلّا فالجواز متوجّه.

فكلّ ما يتصوّر فيه نفع محلّل شرعاً مقصوداً للعقلاء ولو كان نادراً، مثل حفظ الدكّان من القرد، والانتفاع بعظم الفيل، بل بشعور الحيوانات والاصطياد بها، يجوز بيعه وشراؤه؛ لعدم الإجماع على عدم جوازه، وعدم الإسراف، وعدم دليل آخر، خصوصاً فيما يقبل التذكية من الحيوانات؛ للانتفاع بجلودها، فيمكن جواز البيع على كلّ مسلم مع العلم بقصده ذلك النفع، بل مع عدمه أيضاً؛ لاحتمال ذلك وحمله عليه، بل يمكن مع العلم بعدم ذلك القصد، بل قصد المحرّم عند من يجوّز بيع العنب لمن علم جعله خمراً، فإنّـه ليس بأبعد منه، ولجواز أن يرجع عن ذلك القصد به، ولا ينظر إلى كون ذلك النفع نادراً وعدم الاعتماد به، مثل حفظ المتاع للقرد، ولا إلى قلّته، مثل الانتفاع بعظم الفيل.

نعم، يشترط كونه مقصوداً للعقلاء وتجويز صرف المال فيه.

ويؤيّد ما ذكرنا رواية عبدالحميد بن سعيد، قال: سألت أبا ‌إبراهيم(علیه السلام) عن عظام الفيل، أ يحلّ بيعه وشراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: «لا بأس، قد كان لأبي(علیه السلام) منه مشط أو أمشاط».([1213])

وصحيحة عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الفهود وسباع الطير، هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: «نعم».([1214])

ويمكن حمل روايـة النهي([1215]) عن بيع القرد على قصـد الإطافـة واللعب، مع ضعفها بعدّة عن سهل، وغيره»([1216]).([1217])

وكذا صاحب الجواهر ذهب إلى أنّ التحقيق عدم كون المسوخيّـة مانعاً منه، خصوصاً إذا قلنا بقبولها للتذكية، فإنّ الانتفاع حينئذٍ بها ـ حيّـة وميتة ـ متحقّق، فيندرج في نحو قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ...﴾‌،([1218]) ثمّ قال:

وحينئذٍ فما عن أكثر المتقدّمين([1219])من إطلاق المنع عن بيعها، في غير محلّه، مع أنّـه لاخلاف في جواز بيع بعض الكلاب منها، كما تعرفه في محلّه، كما أنّـه لا شكّ في جواز الانتفاع بعظم الفيل منها المسمّى بالعاج، وجلود الثعالب والأرانب مع التذكية بشرط الدِباغ أو مطلقاً.

وفي خبر عبد‌الحميـد بن سعد، سألت أبا ‌إبراهيم‌(علیه السلام) عـن عظـام الفيـل، أ يحلّ بيعه وشرائه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: «لابأس، قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط».([1220]) وفي آخر: «رأيت أبا‌ الحسن‌(علیه السلام) يتمشّط بمشط عاج واشتريته له».([1221]) وفي ثالث: عن العاج؟ قال: «لا بأس به، وإنّ لي منه لمشطاً».([1222]) مضافاً إلى ما عن الخلاف([1223]) من الإجماع على جواز التمشّط به وجواز استعماله، والسـرائر([1224]) ذلك أيضاً، على جواز بيع الفيل.

وما عن المبسوط([1225])من الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ وإجارتها والانتفاع بها واقتنائها بحالٍ إلّا الكلب، مبنيّ على نجاستها عنده فيه، وهو معلوم الفساد، خصوصاً فيما لا نفس له منها، وخصوصاً فيما قام الإجماع عليه من استعمال جلود بعضها.

والخبر([1226]) الوارد بالمنع عن بيع القرد وشرائه ـ مع ضعفه ـ منزّل على حال عدم الانتفاع المعتدّ به أو المحرّم، كالإطافة به للّعب، كما هو الغالب، أو على الكراهة؛ جمعاً.

ولعلّه لذا ونحوه، حكي عن ابن‌ الجنيد([1227]) أنّـه اختار في أثمان ما لا يؤكل لحمه من السباع والمسوخ أن لا يصرف ثمنه في مطعم أو مشـرب له ولغيره من المسلمين.

بل لعلّه ممّا ذكرنا ينقدح البحث فيما ذكر مثالاً للعنوان المزبور من الحشرات من الهوامّ التي ضبطت بما لا يحتاج إلى الماء وشمّ الهواء، كالفأر والحيّات والخنافس والعقارب وجميع الدوابّ الصغار، وما ينفصل من الإنسان من شعر أو ظفر أو بصاق ونحوها؛ تمسّكاً بالأصل، وعدم الدخول في أدلّة المكاسب، والإجماع المنقول عامّـاً وخاصّـاً، بل قيـل:([1228]) إنّ عليـه المدار في الحجّـة.

وفيـه: أنّ المدار الاحتجاج بعدم النفع؛ للأخبار والإجماع على اعتبـاره.

ولكن ذلك إنّما يجري في بعض الأقسام في بعض الأحوال، لا مطلقاً، فلا مانع حينئذٍ من التكسّب بالعلق، ودود القزّ، ونحل العسل... ونحو ذلك ممّا قامت السيرة على التكسّب به، بل لا مانع منه في غير ذلك عند الحاجة إليه لدواء ونحوه ممّا يرتفع معه السفه الحاصل بشرائه عند عدم الحاجة إليه، ولو لادّخاره عند عروضها، باعتبار غلبة نوعه في كلّ وقت وحين، ضرورة كونه حينئذٍ كبعض عقاقير الأدوية.

ودعوی عدم التموّل في ذلك مطلقاً، يمكن منعها باعتبار صدق التملّك بإرادته في كلّ مباح، بل ربما تكوّنت هذه الأشياء من أرضه المملوكة له، والاستحالة لا ترفع ملكه عنها، فيكون المدار حينئذٍ على ما ذكرنا، ومن هنا جاز تمليكها بلا عوض؛ لعدم السفه فيه، دونه مع العوض. ومن ذلك، التراب والماء والحجارة... ونحوها ممّا لا تدخل في شيء من موانع الاكتساب إلّا من جهة الانتفاع وعدمه، فيجوز بيعه والاكتساب به مع الانتفاع المعتدّ به، ولا يجوز مع عدمه، بل حبّة الحنطة ونحوها كذلك أيضاً.

ودعوى أنّ ندور المنفعة لا يجوّز الاكتساب مع حصولها أيضاً، واضحة المنع، بل عموم الأدلّة وإطلاقها، والسيرة على خلافها.([1229])

ثمّ إنّ الشیخR([1230]) قد أشار إلى أمرين‌، ولا بأس بالتعرّض لهما:

الأوّل: إنّ المعروف في الألسنة ([1231]) أنّ النسبة بين المال والملك هو العموم من وجه، فإنّ بعض الأشياء يصدق عليه الملك والمال كلاهما، كغالب أملاك الأشخاص، وبعض الأشياء يصدق عليه المال دون الملك، مثل المباحات الأوّليّـة، وبعض الأشياء يصدق عليه الملك دون المال، مثل حبّـة من الحنطة.

لكنّ الظاهر أنّ النسبة بينهما هو العموم والخصوص المطلق، فإنّ كلّ شيء يصدق عليه الملك، يصدق عليه المال أيضاً من غير عكسٍ؛ لأنّ مثل حبّـة من الحنطة إن لم يكن له نفع أصلاً، فهي كما لايكون مالاً، لايكون ملكاً أيضاً؛ حيث إنّ الماليّـة من الأمور الاعتباريّـة، والاعتباريّات العقلائيّـة دائر مدار ترتّب الأثر، ومع عدم تصوّر نفع فيها، كان اعتبار الملكيّـة من العقلاء لغواً، واللغو لايصدر من العُقلاء بما هم عقلاء.

والإشكال عليه بأنّـه لو لم يكن الحبّـة من الحنطة ملكاً لا تكون الحبّات منها أيضاً ـ ولو بلغت ما بلغت ـ ملكاً؛ لأنّ ضمّ ما ليس بملك إلى ما ليس بملك لا يفيد الملكيّـة، ولازمه جواز سرقة عدل من الحنطة حبّـة حبّـة، وهو كما تری مخالفٌ للشرع؛ مخدوشٌ بأنّ الحبّـة من الحنطة بشرط عدم الاجتماع مع سائر الحبّات، كما أنّها ليست بمال، ليست بملك أيضاً، وهي بشرط اجتماعها مع سائر الحبّات ملك، كما أنّها مال، والإشكال إنّما نشأ من الخلط بين الحيثيّتين في المثال.

الثاني: أنّ ما لا يكون مالاً وإن كان له منفعة، لا يمكن التمسّك بـ ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ...﴾([1232]) للحكم بصحّة بيعه؛ لأنّ البيع على ما في المصباح: «مبادلة مالٍ بمال»،([1233]) فما لايكون مالاً، لايكون المعاملة الواقعة عليه بيعاً حتّی تشمله أدلّة حلّيّـة البيع، إلّا أنّ في التمسّك بأدلّة العقود والشروط غنى وكفاية في الحكم بصحّة المعاملة الواقعة عليه.

ويرد عليه أوّلاً: أنّ ما يكون له منفعة عقلائيّـة كان مالاً ولو كانت المنفعة العقلائيّـة نادرة، فإنّ المال ما يبذل بإزائه المال،([1234]) أو أنّ المال ما يقتني ويحفظ، وما يكون له منغعة عقلائيّـة يبذل بإزائه المال وأنّـه يحفظ ويقتني؛ للانتفاع به.

وثانياً: أنّ الماليّـة في تعريف البيع لاموضوعيّـة لها، بل المدار في البيع هو مجرّد النفع في العوضين، بحيث يكون بيعه عقلائيّاً، فما يكون بيعه عُقلائيّاً تشمله أدلّة حلّيّـة البيع، وإن لم يصدق عليه المال.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org