Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: استدلال بعض الأعاظم بالروايات

استدلال بعض الأعاظم بالروايات

وفي مصباح الفقاهة، الاستدلال على حرمة بيع الخنزير وضعاً وتكليفاً بروايات، ثمّ استشكل على الشيخ(قدس سرّه) بأنّـه (قدس سرّه) كيف اقتصر في الاستدلال على حرمة بيع الخنزير بالإجماع فقط، ولم يتعرّض للروايات.

أمّا الروايات التي استدلّ بها:

منها: رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن رجلين نصرانيّين باع أحدهما خنزيراً أو خمراً إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبض الثمن، هل يحلّ له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: «إنّما له الثمن، فلا بأس أن يأخذه»([707]).

قال في مصباح الفقاهة:

فإنّ مفهومه أنّ غير أخذ الثمن لا يجوز له بعد الإسلام، وعليه، فيستفاد من الرواية أمران: الأوّل: حرمة بيع الخنزير بعد الإسلام، وإلّا لكان الحصر فيها لغواً، والثاني: صحّة المعاملة عليه قبل الإسلام، وإلّا لكان أخذ ثمنه بعد الإسلام حراماً وأكلاً للمال بالباطل([708]).

ويرد عليه أوّلاً: أنّ كون «إنّما» من أداة الحصر غير معلوم ومورداً للخلاف، فإنّـه ليس له مرادف بالفارسيّـة حتّى يتّضح لنا دلالته على الحصر، فيكون بمنزلة «أنّ» للتحقيق والتأكيد، وهو المناسب مع السؤال، فإنّ السائل لمّا كان في شكّ من حلّيّـة الثمن بعد الإسلام، وبعد ما كان على علم بحرمة المثمن بعد الإسلام، فأجابه الإمام(علیه السلام) بالحلّيّـة بعد الإسلام على التحقيق والتأكيد، المستفاد من كلمة «إنّما»، فالرواية تدلّ على الحرمة بعد الإسلام، لكن من جهة التقرير، لا الحصر.

وثانياً: يحتمل أن تكون الرواية: «إنّ ماله الثمن»، بانفصال «إنّ» عن «ما» بكون «ماله» خبر إنّ و«الثمن» اسم له، وكان المعنى: أنّ الثمن ماله، دون المثمن؛ لصحّة البيع الواقع سابقاً، لعدم كون الرواية مقروّاً علينا، فلعلّ النسّاخ وصل لفظة «ما» بـ «إنّ» بعد ما يكون منفصلاً.

فتحصّل ممّا ذكرنا، أنّ الرواية، وإن كانت تدلّ على حرمة بيع الخنزير، لكن لا لما ذكره من الحصر، بل لما بيّنّاه من الوجهين، الراجع إلى التقرير.

ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن الرضا(علیه السلام)، قال: سألته عن نصرانيّ أسلم وعنده خمر وخنازير، وعليه دين، هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه؟ قال: «لا»([709]).

ومنها: رواية إسماعيل بن مرار، عن يونس في مجوسيّ باع خمراً أو خنازير إلى أجل مسمّى، ثمّ أسلم قبل أن يحلّ المال، قال: «له دراهمه»، وقال: إن أسلم رجل وله خمر وخنازير، ثمّ مات وهي في ملكه، وعليه دين، قال: «يبيع ديّانه أو ولي له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضي دينه، وليس له أن يبيعه وهو حيّ، ولا يمسكه»([710]).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) في رجل كانت له على رجل دراهم، فباع خمراً أو خنازير وهو ينظر فقضاه، فقال: «لا بأس به، أمّا للمقتضي فحلال، وأمّا للبائع فحرام»([711]).

ويمكن الجواب عن هذه الروايات الثلاثة:

أمّا الصحيحة، فقد سبق([712]) الجواب عنها، بأنّها تكون محمولة على كون البائع والمشتري ذمّيّين، والحرمة للبائع هو الحرمة القانونيّـة الغير المنجّزة؛ دفعاً للتعارض والتنافي، حيث إنّ الحرمة المنجّزة ملازم لبطلان البيع عرفاً وعقلاءً، وبطلان البيع مقتض لكون الدراهم ملكاً للمشتري لا البائع، فكما يكون للبائع حراماً فكذلك للمقتضيّ أيضاً؛ لكونه تصرّفاً في مال الغير بدون إذن منه، فالحكم بالحرمة للبائع والحلّيّـة للمقتضيّ جمع بين المتنافيين، كما أنّ الحلّ له مقتض للحلّ للبائع أيضاً، كما لا يخفى؛ لما بين الحرمة والحلّيّـة لأحدهما التلازم مع الحلّيّـة والحرمة للآخر، وإمّا تكون مطروحة للتعارض بين الجملتين، الموجب للتساقط.

وممّا ذكرنا يستكشف أنّ الصحيحة متضمّن لبيان حكم بيع الذمّيّين، فلا تعرّض لها لجواز بيع المسلم وحرمته.

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير، ورواية إسماعيل بن مرار، وإن دلّتا على حرمة بيع الخمر والخنزير، إلّا أنّهما لا تدلاّن على حرمة بيع الخمر والخنزير مطلقاً، بل على حرمة بيعهما للانتفاع بالمنافع المحرّمة، دون ما إذا بيعا لأجل ما فيهما من المنافع المحلّلة.

والشاهد عليه: أنّ السائل سأل عن كونه نصرانيّاً، ثمّ أسلم أو مات، ومن المعلوم أنّ البيع لو وقع حال الكفر إنّما يقع لأجل الشرب والأكل المحرّم.

وحرمة البيع لأجل المنافع المحرّمة هو القدر المتيقّن من الإجماع، ولا إشكال فيه، وإنّما الكلام والبحث من الأعاظم والشيخ (قدّس الله أسرارهم) في الحرمة المطلقة، فعدم استدلال الشيخ(قدس سرّه) بهما إنّما يكون لأخصيّتهما من المدّعى.

لايقـال: إنّ رواية يونس ظاهرة في عدم جواز البيع والإمساك مطلقاً، حيث قال: «وليس له أن يبيعه وهو حيّ، ولا يمسكه»([713]).

لأنّـه يقال أوّلاً: إنّها ضعيفة سنداً؛ بجهالة إسماعيل بن مرار.

وثانياً: إنّ الرواية مقطوعة؛ حيث لم يسنده إلى المعصوم(علیه السلام)، فلعلّ كان الجواب من يونس أو فقيه آخر، إلّا أن يقال: إنّ مثل يونس لا يروي الأحكام الشرعيّـة إلّا عن الإمام المعصوم(علیه السلام).

وثالثاً: إنّ عدم جواز البيع والإمساك فيها، ناظر إلى البيع والإمساك للانتفاع بهما في المنافع المحرّمة التي هي المتعارف في بيع الخمر والخنزير وإمساكهما، وليس بناظر للأعمّ منه ومن الانتفاع بهما في المنافع التي لا تكون مشروطة بالطهارة، كالتخليل في الخمر، ونحو تربية الدوابّ في الخنزير، ممّا تكون حلالاً بالأصل وعدم الدليل على الحرمة، فلا تدلّ الرواية على الحرمة مطلقاً، حتّى بالنسبة إلى بيعهما للمنافع المحلّلة، المورد لبحثهم عن الخنزير ظاهراً.

-----------------
[707]. قرب الإسناد: 212، الحديث 1051؛ مسائل عليّ بن جعفر: 134؛ وسائل الشيعة 17: 234، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 61، الحديث 1، مع تفاوت يسير.
[708]. مصباح الفقاهة 1: 136 و 137.
[709]. الكافي 5: 232، باب بيع العصير والخمر، الحديث 14؛ وسائل الشيعة 17: 226، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 57، الحديث 1. وفيه: «عن ابن أبي نجران».
[710]. الكافي 5: 232، باب بيع العصير والخمر، الحديث 13؛ التهذيب 7: 138/612، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة...، الحديث 83؛ وسائل الشيعة 17: 227، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 57، الحديث 2.
[711]. الكافي 5: 231، باب بيع العصير والخمر، الحديث 9؛ التهذيب 7: 137/606، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة...، الحديث 77؛ وسائل الشيعة 17: 232، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 60، الحديث 2.
[712]. سبق الجواب عنها في الصفحة: 287 ـ 288.
[713]. تقدّم تخريجها في الصفحة السابقة.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org