Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الجواب عن الاستدلال بالروايات المانعة

الجواب عن الاستدلال بالروايات المانعة

ويرد على الاستدلال برواية تحف العقول ودعائم الإسلام، ما مرّ من ضعفهما سنداً ودلالةً.([645])

وعلى موثّقة السكوني، ومرسلة الصدوق، ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً، بما فيها أوّلاً بضعف المرسلة سنداً؛ لإرسالها، وبضعف رواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد أيضاً سنداً؛ بوجود المجاهيل في سندها.

هذا مضافاً إلى أنّ المرسلة يحتمل فيها أنّ الصدوق(قدس سرّه) اتّخذها من الروايات الواردة بهذا المضمون، فكونها رواية مستقلّة غير معلوم. وعليهذا، فالمعتبر منها أو منهما منحصر في الموثّقة.

وثانياً: أنّها منصرفة إلى بيع الميتة بما فيها من المنفعة المحرّمة، مثل الأكل المحرّم، فلا إطلاق فيها، حتّى يستفاد منه حرمة بيع الميتة ولو لأجل المنافع الغير المحرّمة.

والشاهد على ذلك أوّلاً: أنّ المراد من الحرمة المتعلّقة بالميتة في كتاب الله هو حرمة أكلها، لا سائر منافعها، كما مرّ([646])، وهذه الروايات ناظرة إلى بيع الميتة المحرّمة في كتاب الله، أي بيع الميتة بما فيها من المنافع المحرّمة، وهي الأكل المحرّم، فلا إطلاق فيها.

وثانياً: أنّ المنسبق إلى الأذهان في زمان صدور الروايات هو حرمة بيع الميتة على نحو بيع المذكّى، أي بيعها لما يباع له المذكّى، وهو الأكل؛ لعدم منفعة لها غيره في زمن صدورها، فلا يؤخذ بإطلاقها.

وإن أبيت عن الجزم بالانصراف، فلا أقلّ من احتماله، ومعه لا يتمّ الإطلاق، كما لا يخفى.

لايقـال: إنّـه يستلزم ممّا ذكر، عدم الأخذ بإطلاق أدلّة العقود والمعاملات؛ لانصرافها في زمان صدورها إلى العقود والمعاملات الرائجة المتعارفة في تلك الأزمان، فلا يمكن التمسّك بها لتصحيح العقود والمعاملات المستحدثة.

لأنّـه يقال أوّلاً: أنّ آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[647]) عامّ، والانصراف في العموم لا وجه له.

وثانياً: أنّ المعيار في جواز معاملة وعدم جوازها هو كونها حقّاً أو باطلاً عرفاً؛ لقوله تعالى:(لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض)([648])، فإن كانت حقّاً بحسب العرف، وكانت تجارة عن تراض، فجائز، وإن كانت من الأسباب الباطلة عرفاً، فغير جائز، فما هو حقّ بحسب العرف، ولو في زماننا هذا، يحكم بصحّته، وإن كانت من المعاملات المستحدثة، والانصراف في الحقّ والباطل كما ترى، فإنّهما علّة أو بمنزلة العلّة، لما يترتّب عليهما من الأحكام، فتدبّر جيّداً.

وثالثاً: أنّ أدلّة العقود والمعاملات إمضائيّـة، لا تأسيسيّـة، فما يكون عقلائيّاً ولم يردع عنه الشارع يحكم بصحّته، ولاوجه للانصراف في أبنيتهم، حيث إنّ أمر الأبنية بما أنّها أعمال خارجيّـة جزئيّـة واقعة في الخارج أمرها دائر بين الوجود والعدم، وليس لها لسان ولفظ، حتّى يقال بانصراف ما في لسانها من الإطلاق إلى بعض المصاديق دون البعض، وذلك يعلم بالدقّة والتدبّر، فتدبّر تدبّراً دقيقاً عميقاً.

ويشهد لها ثالثاً: الروايات الواردة في جواز بيع الميتة المختلط بالمذكّى ممّن يستحلّ الميتة، فإنّ المنساق منها هو جواز بيعها ممّن يستحلّ الميتة فيما كان بيعها ممّن لا يستحلّها سحتاً، وهو البيع للأكل؛ فالتقابل بينهما يشهد على أنّ ثمن الميتة سحت إذا بيعت لما تباع المختلط له، وهو البيع للأكل، وعلى أنّـه ليس بسحت إذا بيعت لغير مثل الأكل المحرّم من المنافع المحلّلة.

وأمّا صحيحة أحمد بن أبي نصر البزنطي، فالظاهر من قوله: «لا يأكلها، ولا يبيعها»([649])، أن لا يبيعها كبيع الإلية المقطوعة من المذكّى، وهو البيع للأكل.

والشاهد على ذلك: أنّ السائل لم يخطر بباله منفعة غير الأكل، وإلّا لبيّن تلك المنفعة، ولذلك اضطرّ الإمام(علیه السلام) إلى بيان منفعة اُخرى له، فقال(علیه السلام): «يذيبها ويسرج بها»([650])، مع أنّ بيان الموضوع ليس من شأن الإمام(علیه السلام)، ولا من شأن الفقهاء، ولا من شأن المقنّنين.

وإن أبيت عن ذلك، فنقول: إنّ النهي عن بيعها محمول على ما هو المتعارف في بيعها، وهو البيع للأكل، فلا يعمّ بيعها لغير الأكل من المنافع الموجبة لماليّتها.

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الأقوى جواز بيع الميتة فيما كان لها منفعة محلّلة موجبة للماليّـة وبيع لذلك.

وإن بقي مع ذلك في نفسك شيء، فانظر إلى كلام العلّامة الأنصاري(قدس سرّه) قال(رحمه الله):

تحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها التي تحلّها الحياة من ذي النفس السائلة على المعروف من مذهب الأصحاب...، ولكنّ الإنصاف: أنّـه إذا قلنا: بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة، كالاستقاء بها للبساتين والزرع إذا فرض عدّه مالاً عرفاً، فمجرّد النجاسة لا يصلح علّة لمنع البيع، لولا الإجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق([651])؛ لأنّ المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة، لا مجرّد النجاسة.

وإن قلنا: إنّ مقتضى الأدلّة حرمة الانتفاع بكلّ نجس، فإنّ هذا كلام آخر سيجيء بما فيه بعد ذكر حكم النجاسات.

لكنّا نقول: إذا قام الدليل الخاصّ على جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشيء من النجاسات، فلا مانع من صحّة بيعه؛ لأنّ ما دلّ على المنع عن بيع النجس ـ من النصّ([652]) والإجماع ـ ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع، فإنّ رواية تحف العقول المتقدّمة، قد علّل فيها المنع عن بيع شيء من وجوه النجس، بكونه منهيّاً عن أكله وشربه...، إلى آخر ما ذكر فيها.

ومقتضى رواية دعائم الإسلام المتقدّمة أيضاً، إناطة جواز البيع وعدمه بجواز الانتفاع وعدمه.

وأدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حلّ الانتفاع بها.

واستـدلّ أيضاً على جواز بيـع الزيت النجس، بأنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أذن في الاستصباح به تحت السماء، قـال: وهذا يدلّ على جواز بيعه لذلك([653]). انتهى.

فقد ظهر من أوّل كلامه وآخره: أنّ المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، وأنّـه يجوز مع عدمها. ومثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال، كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع، حيث ذكر النبويّ الدالّ على إذن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) في الاستصباح، ثمّ قال: وهذا يدلّ على جواز بيعه([654]). انتهى.

وعن فخرالدين في شرح الإرشاد([655])، والفاضل المقداد في التنقيح([656])، الاستدلال على المنع عن بيع النجس بأنّـه محرّم الانتفاع، وكلّ ما كان كذلك لا يجوز بيعه.

نعم، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع وحلّيّته بعد اشتراط الطهارة.

واستدلّ للطهارة بما دلّ على وجوب الاجتناب عن النجاسات وحرمة الميتة ([657]).

والإنصاف إمكان إرجاعه إلى ما ذكرنا، فتأمّل.

ويؤيّده أنّهم أطبقوا على بيع العبد الكافر، وكلب الصيد، وعلّله في التذكرة بحلّ الانتفاع به، وردّ من منع عن بيعه لنجاسته: بأنّ النجاسة غير مانعة، وتعدّى إلى كلب الحائط والماشية والزرع؛ لأنّ المقتضي ـ وهو النفع ـ موجود فيها([658]).([659])

فتحصّل ممّا ذكرناه، أنّ الميتة إذا كانت لها منفعة محلّلة موجبة لماليّتها جاز بيعها. هذا بالنسبة إلى الميتة من ذي النفس السائلة.

-------------------
[645]. مرّ في الصفحة: 152 ـ 153.
[646]. مرّ في الصفحة: 207 ـ 208.
[647]. المائدة (5): 1.
[648]. النساء (4): 29.
[649]. تقدّم تخريجها في الصفحة: 263.
[650]. نفس المصدر.
[651]. مرّ الكلام في الإجماعات المدّعاة في الصفحة 135 وما بعدها، وأيضاً الصفحة 251 ومابعدها.
[652]. وهو النصوص العامّة، وقد تقدّم الكلام فيها في الصفحة 79 ـ 89، و 166 وما بعدها.
[653]. غنية النزوع 1: 524.
[654]. الخلاف 3: 187، المسألة 312.
[655]. حاشية إرشاد الأذهان: 44. (مخطوط)، ولكن حكاه عنه السيّدالعاملي في مفتاح الكرامة 12: 44.
[656]. التنقيح الرائع 2: 5.
[657]. راجع: تذكرة الفقهاء 10: 25 و 35.
[658]. تذكرة الفقهاء 10: 27 ـ 28.
[659]. المكاسب 1: 31 ـ 35.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org