Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: في حكم المبيع المشتمل على صفة يقصد منه الحرام

في حكم المبيع المشتمل على صفة يقصد منه الحرام

المسألة الثالثة: فيما إذا كان العين مشتملة على صفة يقصد منه الحرام، من دون اشتراط صرفه في الحرام، فقد ذكر الشيخ(قدس سرّه) فيها صور خمسة:

أحدها: بيعه مع قصد اعتبار الصفة المحرّمة، وبذل مقدار من الثمن بإزائها على وجه القيديّـة.

ثانيها: بيعه مع قصد اعتبار الصفة المحرّمة في البيع وبذل مقدار من الثمن بإزائها على وجه الداعي.

ثالثها: عدم بذل الثمن بإزاء الصفة المحرّمة.

رابعها: بذل مقدار من المال بإزاء الصفة المحرّمة، لكن بما أنّها صفة كمال قد تصرّف إلى المحلّل وكانت المنفعة المحلّلة رائجة ومعتدّاً بها.

خامسها: نفس الصورة السابقة، إلّا أنّ المنفعة المحلّلة نادرة ولا يعتدّ بها.

وإليك نصّ كلامه، قال(قدس سرّه):

المسألة الثانية: يحرم المعاوضة على الجارية المغنّية، وكلّ عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك، وقصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلاً في زيادة الثمن، كالعبد الماهر في القمار، أو اللهو والسرقة إذا لوحظ فيه هذه الصفة، وبذل بإزائها شيء من الثمن، لا ما كان على وجه الداعي.

ويدلّ عليه أنّ بذل شيء من الثمن بملاحظة الصفة المحرّمة، أكلٌ للمال بالباطل.

والتفكيك بين القيد والمقيّد بصحّة العقد في المقيّد، وبطلانه في القيد بما قابله من الثمن، غير معروف عرفاً؛ لأنّ القيد أمرٌ معنويّ لا يوزع عليه شيء من المال، وإن كان يبذل المال بملاحظة وجوده، وغير واقع شرعاً على ما اشتهر من: «أنّ الثمن لا يوزع على الشروط»، فتعيّن بطلان العقد رأساً.

وقد ورد النصّ بأنّ ثمن الجارية المغنّية سحتٌ([1005])، وأنّـه قد يكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلّا كثمن الكلب([1006]).

نعم، لو لم تلاحظ الصفة أصلاً في كمّيّـة الثمن، فلاإشكال في الصحّة.

ولو لوحظت من حيث إنّها صفة كمال قد تصرّف إلى المحلّل فيزيد لأجلها الثمن.

فإن كانت المنفعة المحلّلة لتلك الصفة ممّا يعتدّ بها، فلا إشكال في الجواز.

وإن كانت نادرة بالنسبة إلى المنفعة المحرّمة، ففي إلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلّا لما اشتمل على منفعة محلّلة غير نادرة بالنسبة إلى المحرّمة وعدمه؛ لأنّ المقابل بالمبذول هو الموصوف، ولا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة، وجهان.

أقواهما الثاني؛ إذ لا يعدّ أكلاً للمال بالباطل، والنصّ بأنّ ثمن المغنّية سحتٌ، مبنيّ على الغالب([1007]).

وقد أشار الشيخ(قدس سرّه) إلى روايات بيع الجارية المغنّية، وهي روايات:

منها: رواية إبراهيم بن أبي البلاد، قال: أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهنّ ونحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن(علیه السلام)، قال إبراهيم: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم، وحملت الثمن إليه، فقلت له: إنّ مولى لك يقال له: إسحاق بن عمر، قد أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك، وقد بعتهنّ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال: «لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحتٌ، وتعليمهنّ كفر، والاستماع منهنّ نفاق، وثمنهنّ سحت»([1008]).

ومنها: ما رواه حسن بن عليّ الوشّاء، قال: سئل أبو الحسن الرضا(علیه السلام) عن شراء المغنّية؟ فقال: «قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلّا ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار»([1009]).

ومنها: ما رواه سعيد بن محمّد الطاهريّ، عن أبيه، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال: «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام، وتعليمهنّ كفر، واستماعهنّ نفاق»([1010]).

ويرد عليه أوّلاً: أنّ التفريق بين القيد والداعي ممّا لا وجه له؛ حيث إنّ مقداراً من الثمن يقع بإزاء الصفة المحرّمة؛ سواء كان قصدها على نحو القيديّـة، أم على نحو الداعي، فالبيع على كلتا الصورتين يكون من أكل المال بالباطل؛ لأنّ مقداراً من الثمن وقع بإزاء الصفة المحرّمة.

وثانياً: أنّ الصورة الرابعة والخامسة لا محصّل لهما؛ حيث إنّ الصفة مع قصد صرفها في المنافع المحلّلة لا تكون صفة محرّمة، فالجمع بين الصفة المحرّمة وبين قصد صرفها في المنافع المحلّله ممّا لا وجه له.

وثالثاً: أنّ قوله بأنّـه «لو لم يلاحظ الصفة أصلاً في كمّيّـة الثمن، فلا إشكال في الصحّة» ممنوع؛ لأنّ مقداراً من الثمن يقع بإزاء الصفة المحرّمة، وإن لم يلاحظ البائع والمشتري ذلك، مع أنّ الصفة المحرّمة لا ماليّـة لها شرعاً، فالبيع باطل؛ لأنّـه من أكل المال بالباطل، هذا مضافاً إلى أنّ إطلاق الرواية الدالّة على حرمة بيع الجارية المغنّية تشمل هذه الصورة أيضاً.

وكذا حكمه بالصحّة في الصورة الرابعة أيضاً ممنوعٌ؛ لأنّ مقداراً من الثمن يقع بإزاء الصفة المحرّمة، والصفة المحرّمة لا ماليّـة لها، حتّى فيما كان زيادة الثمن بلحاظ أنّها صفة كمال قد تصرف إلى المحلّل، فيكون بيعه ـ على هذا ـ من أكل المال بالباطل.

نعم، لو اشترى الجارية المغنّية لصرفها عن الغناء الحرام وحفظها عنها، يقع البيع صحيحاً، ولا يكون من أكل المال بالباطل.

هذا، مضافاً إلى أنّ إطلاق الروايات المانعة عن بيع الجارية المغنّية يشمل هذه الصورة أيضاً.

لايقـال: إنّ الروايات المانعة ـ أي الدالّة على أنّ ثمن الجارية المغنّية سحت ـ منصرفٌ عن هذه الصورة.

لأنّـه يقال: إنّ مناسبة الحكم والموضوع مانع عن هذا الانصراف، ولعلّ، بل الظاهر أنّ الشارع أراد منع بيع الجارية المغنّية خارجاً وفي السوق مطلقاً؛ لأنّها منشأ للفساد.

بل يمكن أن يقال: لو جاز بيعها في الصورة الرابعة لفتح باب شراء الجارية المغنّية بهذه الحيلة، فينجرّ إلى لغويّـة حكم الشارع بحرمة بيع الجارية المغنّية، كما أفاده سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) في حيل باب الربا.

فتلخّص ممّا ذكرنا، أنّ بيع الجارية المغنّية في جميع الصور الخمسة محرّم وباطل؛ لأنّـه أكل للمال بالباطل، ولإطلاق الروايات المانعة.

ثمّ إنّ سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) قد أضاف إلى الصور الخمسة السابقة صورة اُخرى، وهي ما إذا تلاحظ الصفة بما هي صفة كمال، فتزاد لأجلها القيمة، من غير نظر إلى عملها الخارجي، فإنّ زيادة القيم فيما هو موصوف بصفة كمال، وإن كانت غالباً للانتفاع بها، إلّا أنّها قد تتعلّق الأغراض بها بما هي صفة كمال، لا بما هي ينتفع بها في المنافع المطلوبة المحلّلة أو المحرّمة ([1011]).

ومن الممكن القول ببطلان المعاملة كذلك أيضاً؛ لأنّ الجارية المغنّية إذا لم تكن لها قيمة إلّا بلحاظ وصف التغنّي، فبيعت موصوفة بمأة دينار، تكون المعاملة باطلة؛ لأنّ ذاتها لا قيمة لها فرضاً وصفتها ساقطة القيمة شرعاً، ففي محيط الشرع لا تكون لها قيمة ويكون أكل المال بهذا اللحاظ أكلاً بالباطل؛ لتحكيم دليل إسقاط الماليّـة عنها على الآية الكريمة بوجهٍ أشرنا إليه.

ولكن لقائل أن يقول: عدم كون الصفة موجبة لماليّته شرعاً وتكون ساقطة عنها في محيط الشرع ليس بأزيد من تخلّف الوصف، وهو لا يوجب البطلان، بل يوجب الخيار.

------------------
[1005]. وسائل الشيعة 17: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 4 و 5.
[1006]. وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 6.
[1007]. المكاسب 1: 127 ـ 128.
[1008]. الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشرائها، الحديث 7؛ التهذيب 6: 357/1021، باب المكاسب، الحديث 142؛ الاستصبار 3: 61/204، باب أجر المغنّية، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 5، وفي المصادر الثلاثة الأخيرة مع تفاوت يسير.
[1009]. الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشرائها، الحديث 4؛ التهذيب 6: 357/1019، باب المكاسب، الحديث 140؛ الاستصبار 3: 61/202، باب أجر المغنّية، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 6.
[1010]. الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشرائها، الحديث 5؛ التهذيب 6: 356/1018، باب المكاسب، الحديث 139؛ الاستبصار 3: 61/201، باب أجر المغنّية، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 7، وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: «سعيد بن محمّد الطاطري» بدل: «سعيد بن محمّد الطاهري».
[1011]. المكاسب المحرّمة 1: 185.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org