Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: في وجوب كون الاستصباح تحت السماء وعدمه

في وجوب كون الاستصباح تحت السماء وعدمه

قد اختلف الفقهاء في وجوب كون الاستصباح تحت السماء وعدمه على قولين:

والمشهور بين الأصحاب ـ على ما نسبه الشيخ الأعظم(قدس سرّه) ـ وجوبه([892])، بل في السرائر نفي الخلاف عن عدم جوازه تحت الظلال([893]).

وصريح جماعة من المتأخّرين عدمه([894]).

وكيف كان، فالمسألة مورد للخلاف بين الفقهاء، بل حتّى الفقيه الواحد في كتبه، بل في كتاب واحد في أبوابه المختلفة.

فمن الأوّل ما للشيخ في نهايته ومبسوطه ففي النهاية اختار وجوب الاستصباح به تحت السماء وعدم جوازه تحت السقف([895])، وفي المبسوط اختار كراهته تحت السقف([896]).

ومن الثاني ذهابه في بيع الخلاف إلى وجوب الاستصباح به تحت السماء([897])، وفي كتاب الأطعمة والأشربة منه إلى عدم وجوبه([898]).

وبه يظهر عدم تماميّـة ما في السرائر([899]) من نفيه الخلاف في وجوبه.

وكيف كان، فقد استدلّ الشيخ الأعظم(قدس سرّه) على عدم وجوب الاستصباح به تحت السماء: بأنّ الأخبار المتقدّمة على كثرتها وورودها في مقام البيان ساكتة عن هذا القيد، ولامقيّد لها من الخارج عدا ما يدّعي من مرسلة الشيخ، المنجبرة بالشهرة المحقّقة، والاتّفاق المحكيّ.

وأجاب الشيخ(قدس سرّه) عن المرسلة بقوله:

لكن لو سلّم الانجبار، فغاية الأمر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدّمة، أو حمل الجملة الخبريّـة على الاستحباب أو الإرشاد، لئلّا يتأثّر السقف بدخان النجس الذي هو نجس، بناءً على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة الدخان النجس؛ إذ قد لا يخلو من أجزاء لطيفة دهنيّـة تتصاعد بواسطة الحرارة، ولاريب أنّ مخالفة الظاهر في المرسلة، خصوصاً بالحمل على الإرشاد أولى، خصوصاً مع ابتناء التقييد؛ إمّا على ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية على نجاسة الدخان، المخالفة للمشهور، وإمّا على كون الحكم تعبّداً محضاً، وهو في غاية البعد، ولعلّه لذلك أفتى في المبسوط بالكراهة مع روايته للمرسلة ([900]).

والإنصاف أنّ المسألة لا تخلو عن إشكال، من حيث ظاهر الروايات البعيدة عن التقييد؛ لإبائها في أنفسها عنه، وإباء المقيّد عنه، ومن حيث الشهرة المحقّقة والاتّفاق المنقول، ولو رجع إلى إصالة البراءة حينئذٍ لم يكن إلّا بعيداً عن الاحتياط، وجرأة على مخالفة المشهور([901]).

أقول: إنّ الجمع العرفيّ بين المطلقات والمرسلتان بمناسبة الحكم والموضوع، وبقرينة فهم العرف هو أنّ المرسلتان الدالّتان على وجوب الاستصباح به تحت السماء يحمل على الإرشاد إلى التحرّز عن النجس المحتمل أو المظنون الذي يكون حسناً، كما يظهر ممّا نبيّنه.

بيان ذلك: أنّ طهارة دخان المتنجّس التي أفتى بها الفقهاء ليست لدليل تعبّديّ، بل لقصور دليل نجاسة الدهن المتنجّس ـ مثلاً ـ عن شموله للدخان والبخار؛ لعدم صدق الدهن عليهما وعدم دليل آخر على نجاستهما، واستصحاب النجاسة غير جارية؛ لعدم بقاء الموضوع والاختلاف فيه، فإنّ موضوع المتيقّن الدهن وموضوع المشكوك الدخان والبخار، وعلى هذا، فالمحكّم أصالة الطهارة.

وبعبارة اُخرى: أنّ الاستحالة من المطهّرات الانتزاعيّـة، لا الشرعيّـة؛ بمعنى عدم قيام دليل شرعيّ على مطهّريّـة الاستحالة بما هي استحالة، حتّى يؤخذ بإطلاقها، بل الأحكام حيث كانت دائرة مدار بقاء الموضوع وعدم زواله، وكان الاستحالة موجبة لزوال الموضوع وعدم بقائه، فاستحالة الشيء النجس لمّا كان إلى عنوان طاهر بحسب الدليل أو الأصل فاللازم من ذلك الحكم بطهارة الشيء المستحيل إليه، كما لا يخفى؛ لقصور دليل النجس عن شموله له، وعدم دليل آخر على نجاسة المستحيل إليه.

وعلى هذا، ففي محلّ البحث لو فرض العلم بعدم الاستحالة وبقاء أجزاء الدهن اللطيفة وتصاعدها مع الدخان، يحكم بكونه نجساً؛ لفرض عدم تحقّق الاستحالة الرافعة للموضوع.

ولو شكّ في ذلك، كان الدخان محكوماً بالطهارة؛ لقصور الأدلّة الاجتهاديّـة عن إثبات نجاستها، وعدم جريان الاستصحاب، للشكّ في وحدة القضيّـة المتيقّنة مع القضيّـة المشكوك فيها.

لكن مع ذلك، كان الاحتياط حسناً، سيّما إذا كانت الأدخنة كثيفة والدهن غليظاً وكثيفاً؛ لأنّ معرضيّـة الأجزاء الدهنيّـة للتصاعد حينئذٍ قويّـة، وربّما صار التصاعد مظنوناً، ومعه يحسن الاحتياط عنها فيما يشترط فيه الطهارة.

ثمّ إنّ التدخين تحت الظلال والسقف إذا كان مدّة معتدّاً بها، كالساعة والساعتين، يوجب ذلك تراكم الأدخنة وورودها في منافذ البدن، كالأذن والأنف والحلق، وتراكمها فيها ربّما يكون مظنّـة اجتماع الأجزاء اللطيفة الدهنيّـة الغير المستحيلة، ولا أقلّ من احتماله، سيّما إذا كانت البيوت ضيّقة وسقوفها منخفضة، كما كانت كذلك نوعاً في تلك الأعصار، وسيّما مثل الأدهان التي مورد السؤال.

فإذا ورد نهي عن الاستصباح بهما تحت السقف، والأمر بالاستصباح تحت السماء، لا ينقدح في ذهن العقلاء منهما التعبّد المحض الغير المرتبط بالنجاسة، بل المفهوم منهما ـ بمناسبة الحكم والموضوع ـ أنّ النجاسة صارت موجبة للحكم بذلك، فيفهم أهل العرف نجاسته إن كان حكم الشارع بالتحرّز إلزاميّاً.

ثمّ إنّا لا نقول بأنّ النهي لمراعاة عدم تنجّس السقف حتّى يقال: إنّ تنجّسه لا مانع منه.

بل نقول: إنّ ذلك لمراعاة حال المكلّف المبتلى بالدخان تحت السقف من حيث رعاية حاله فيما يشترط فيه الطهارة، فالأجزاء الدخانيّـة المجتمعة في الفم يحتمل فيها النجاسة، ويحسن معه الاحتراز؛ لمراعاة عدم الابتلاء بأكل النجس المحتمل، وكذا ما اجتمع منه في منفذ الأذن والأنف، بل، وما اجتمع منه في السقف ربّما يوجب التنجيس، فيحسن التنزّه منه للصلاة وغيرها.

والإنصاف أنّ الجمع بين المرسلتين وبين المطلقات المتقدّمة بما ذكرناه وأشار إليه الشيخ الأعظم(قدس سرّه) من حمل مرسلة الشيخ على الإرشاد إلى التنزّه والتحرّز عن النجس المحتمل أو المظنون من أحسن الجموع، وحملهما على التعبّد المحض الغير المرتبط بالنجس الاحتمالي أو المظنون غير مساعد لفهم العرف والعقلاء، ومناسبات الحكم والموضوع.

ويؤيّد عدم كون الحكم بالاستصباح تحت السماء تعبّديّاً، بل يشهد على عدمه أنّ التعبّد المحض يحتاج إلى بيان المطلب ببيانات متعدّدة كثيرة واضحة المراد ليصير أوقع في النفوس، كما فعله في باب القياس، لا البيان برواية وروايتين وثلاث روايات، فإنّ العرف يأبى عن التعبّد المحض فيما أفاد الشارع المطلب بروايات قلائل ويحملها على ما يناسب الارتكاز العقلائيّ.

ثمّ إنّ في مفتاح الكرامة ـ في بيان المراد من كون الاستصباح تحت السماء وعدم كونه تحت السقف ـ كلام حسن ينبغي ذكره، قال(قدس سرّه):

والذي يظهر لكلّ من أمعن النظر، أنّـه لا فائدة يعتدّ بها في الاستصباح به تحت السماء مكشوفاً لها غير محجوب عنها بحاجز مشبّك أو غيره، مرتفع أو غيره، كثيف أو غيره، فيعلم أنّ المراد الإرفاق بإباحته في مثل المشاعل الكبار التي تتّخذ في الحروب والأعراس ونحو ذلك، ممّا يحتاج إلى دهن كثير، فكأنّـه قال: يجوز عند الضرورات، بمعنى شدّة الحاجة إلى الدهن الكثير، فكأنّـه ميتة جاز عند الضرورة، واطّرد الحكم ولم يقصّره على خصوص ذلك، فليتأمّل([902]).

-------------------
[892]. راجع: المكاسب 1: 78.
[893]. السرائر 3: 122.
[894]. كالشهيد الثاني في الروضة البهيّـة في شرح اللمعة الدمشقيّـة 3: 208؛ ومسالك الأفهام 3: 120؛ والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 8: 34؛ والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام 1: 424.
[895]. النهاية: 588.
[896]. المبسوط 6: 283.
[897]. الخلاف 3: 187، المسأله 312.
[898]. الخلاف 6: 91 ـ 93، المسألة 19 و20.
[899]. تقدّم آنفاً ما كان في السرائر.
[900]. المرسلة منقولة في المبسوط 6: 283، وفيه: «ورووا أصحابنا أنّه يستصبح به تحت السماء دون السقف».
[901]. المكاسب 1: 78 و79.
[902]. مفتاح الكرامة 12: 85.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org