Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: حرمة أنواع المسكرات

حرمة أنواع المسكرات

وأمّا سائر المسكرات، فالظاهر كونها بحكمها في الأحكام الثلاثة؛ لاحتمال صدقها عليها ولو ببعض المناسبات، ولعموم التنزيل في روايات عديدة، كرواية أبي الجارود، وفيها: «...أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر...»، الحديث([733]).

ورواية عطاء بن يسار، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر»([734]).

وصحيحة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام)، قال: «إنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكنّـه حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»([735]). إلى غير ذلك.

ودلالة هذه الأخبار على المطلوب لا تكاد تخفى؛ لإطلاق التنزيل، ولأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد، وبعد عدم كونه تكويناً لابدّ من تصحيحه، وتصحيح الدعوى كونهما متّحداً من جميع الجهات في التشريع.

والحمل على الاتّحاد في بعض الآثار غير وجيه؛ لعدم وجاهة الحمل وصحّته مع اختلافهما في جميع الآثار إلّا في حرمة الشرب مثلاً، إلّا أن يكون سائر الآثار بحكم العدم، فيحتاج إلى دعوى اُخرى، وهي خلاف الظاهر، بل الحمل مع موافقتهما في جملة الآثار يعدّ غير وجيه عرفاً.

وإن شئت قلت: إنّ مقتضى تحكيم تلك الروايات على الروايات المشتملة على لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الخمر وبائعها...([736])، وعلى أنّ ثمنها سحت([737])، أنّ ما ثبت لها في تلك الروايات ثبت لسائر المسكرات، فإنّ هذه الروايات منقّحة لموضوعها، ومعه لا مجال للتشكيك في الدلالة.

وأمّا الأمر في الفقّاع، فهو أوضح؛ لرواية سليمان بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام) ما تقول في شرب الفقّاع؟ فقال: «خمر مجهول يا سليمان، فلا تشربه، أما أنّـه ـ يا سليمان ـ لو كان الحكم لي والدار لي لجلّدت شاربه ولقتلت بائعه»([738]).

ورواية الوشّاء التي لا يبعد أن تكون صحيحة، المحكيّـة عن رسالة تحريم الفقّاع للشيخ الطوسي(قدس سرّه) قال: كتبت إليه؛ يعنى الرضا(علیه السلام) أسأله عن الفقّاع، فكتب: «حرام، وهو خمر، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر»، قال: وقال لي أبوالحسن(علیه السلام): «لو أنّ الدار لي لقتلت بائعه ولجلّدت شاربه»([739]).

قد ظهر ممّا مرّ، أنّ الخمر والفقّاع، وكلّ مسكر مائع لا شبهة إجمالاً في حرمة بيعها وثمنها وسقوط ماليّتها، إنّما الكلام في أنّ تلك الأحكام الثابتة للخمر مطلق، حتّى ما اتّخذت للتخليل ونحوه، أو لا؟

والظاهر، بل الحقّ هو الثاني؛ حيث إنّ الأخبار قاصرة عن إثبات الأحكام لنحو ذلك.

أمّا ما اشتملت على لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الخمر وساقيها وبائعها... إلخ، فقصورها واختصاصها بما اتّخذت للحرام والمعصية الكبيرة ـ أي الشرب ـ واضح؛ لما يعلم قطعاً عدم الحرمة للغارس والحامل والساقي ونحوها إذا كان عملهم للخمر المتّخذ للتخليل ونحوه من المنافع المحلّلة، وكيف يكون المقصود الأصليّ من الخمر حلالاً، لكن مقدّماته كانت محرّمة؟ والجمع بين الحرمة والحلّيّـة كذلك كما ترى.

وعلى هذا، فالمراد من بائعها، البائع للمنفعة المحرّمة والفساد؛ أي الشرب. وكذلك الأمر في غيره من العناوين.

وأمّا ما دلّت على أنّ ثمنها سحت، فإنّها منصرفة إلى ما تعارف وشاع في بيع الخمر وسائر المسكرات ممّا توجب الفساد، لا المتّخذ للإصلاح.

ويشهد على ذلك، مناسبة الحكم والموضوع، والوثوق بأنّ التحريم إنّما للفساد المترتّب عليه.

وما ورد في الموارد العديدة من تجويز بيع المحرّم لاستفادة المحلّل والغرض العقلائي المباح، بإلغاء الخصوصيّـة عرفاً، وأنّ الحكم للجامع في تلك الموارد، وهو البيع والتكسّب لاستفادة المحلّل، كروايات وردت في تجويز بيع الكلب الصيود([740])، ورواية أبي القاسم الصيقل([741])، الدالّة على جواز بيع غلاف السيوف من جلود الميتة.

وما ورد في تجويز بيع الزيت المتنجّس للاستصباح تحت السماء([742])، وممّن يعمل صابوناً ([743]).

وما دلّت على جواز عمل الحبائل وغيرها بشعر الخنزير([744])، الظاهر منها جواز بيعها، ضرورة أنّ عملها إنّما هو للمعيشة والتكسّب، كما يظهر من الروايات.

وما ورد في جواز بيع العجين من الماء النجس ممّن يستحلّ الميتة ([745]). تأمّل.

هذا، مع ما في بعض روايات الخمر شهادة عليه، كصحيحة جميل، قال: قلت: لأبي عبدالله(علیه السلام) يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً، فقال: «خذها ثمّ أفسدها. قال عليّ: واجعلها خلاً»([746]).

ويحتمل أن يكون المراد بعليّ أميرالمؤمنين(علیه السلام) واستشهد أبو عبدالله(علیه السلام) بقوله، ويحتمل أن يكون المراد عليّ بن الحديد، أحد رواة السند؛ نقل عنه بعض الرواة المتأخّر منه تفسيره للإفساد.

والظاهر منها، جواز أخذها في مقابل الدين، ووقوعها عوضه إذا أخذها للتخليل.

وعن عبيد بن زرارة في الموثّق، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاً، قال: «لا بأس»([747]).

والظاهـر منـه الأخذ من الغـير؛ لعـدم تعارف جعل العصيـر خـمراً، ثمّ خلاً، وليس المراد من الخمر، العصير المغلّى جزماً، ومقتضى إطلاقه جواز الأخذ ولو بشراء. تأمّل.

بل الظاهر من ذيل صحيحة أبي بصير، أنّ الحكم بحرمة التقلّب في الخمر لأجل الفساد.

وفيها: قلت: فإنّي عالجتها، وطيّنت رأسها، ثمّ كشفت عنها، فنظرت إليها قبل الوقت، أو بعده فوجدتها خمراً، أيحلّ لي إمساكها، فقال: «لا بأس بذلك، إنّما إرادتك أن تتحوّل الخمر خلاً، وليس إرادتك الفساد»([748]).

-------------------------
[733]. تفسير القمّي 1: 180؛ وسائل الشيعة 25: 280، كتاب الأطعمة والأشربة المحرّمة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 5.
[734]. الكافي 6: 408، باب أنّ رسول الله حرّم كلّ مسكر قليله وكثيره، الحديث 3؛ التهذيب 9: 111/482، باب الذبائح والأطعمة وما يحلّها من ذلك وما يحرم، الحديث 217؛ وسائل الشيعة 25: 326، كتاب الأطعمة والأشربة المحرّمة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 5.
[735]. الكافي 6: 412، باب أنّ الخمر إنّما حرّمت لفعلها...، الحديث 2؛ التهذيب 9: 112/486، باب الذبائح والأطعمة وما يحلّ من ذلك وما يحرم، الحديث 221؛ وسائل الشيعة 25: 342، كتاب الأطعمة والأشربة المحرّمة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 19، الحديث 1.
[736]. راجع: وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 55.
[737]. راجع: نفس المصدر والباب.
[738]. الكافي 6: 423، باب الفقّاع، الحديث 10؛ وسائل الشيعة 17: 225، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 56، الحديث 1.
[739]. رسالة تحريم الفقّاع (المطبوع في ضمن الرسائل العشر): 262؛ الكافي 6: 423، باب الفقّاع، الحديث 9، مع تفاوت يسير؛ التهذيب 9: 125/540، باب الذبائح والأطعمة و...، الحديث 275، مع تفاوت يسير؛ الاستبصار 4: 95 / 369، باب تحريم شرب الفقّاع، الحديث 6؛ وسائل الشيعة 25: 365، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 28، الحديث 1، مع تفاوت يسير.
[740]. وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14،
[741]. وسائل الشيعة 17: 173، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 38، الحديث 4.
[742]. راجع: وسائل الشيعة 17: 97، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 6.
[743]. دعائم الإسلام 1: 122، ذكر طهارات الأطعمة والأشربة؛ الجعفريّات (المطبوع في ضمن قرب الإسناد): 47، الحديث 122؛ مستدرك الوسائل 13: 72، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 6، الحديث 2.
[744]. وسائل الشيعة 17: 227، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58.
[745]. وسائل الشيعة 17: 100، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7.
[746]. التهذيب 9: 118/508، باب الذبائح والأطعمة، الحديث 243؛ الاستبصار 4: 93/358، باب الخمر يصير خلاً، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 6.
[747]. الكافي 6: 428، باب الخمر تجعل خلاً، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 3: 525، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 77، الحديث 2.
[748]. السرائر 3: 557؛ وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 11، وفيه: «ليس أو بعده».

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org