Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: إشكال مصباح الفقاهة في دلالة الرواية وجوابه

إشكال مصباح الفقاهة في دلالة الرواية وجوابه

واستشكل في مصباح الفقاهة على دلالة الرواية على الحرمة بقوله (قدس سرّه):

إنّ مقتضى قوله: «فحرامٌ ضارّ للجسم وفساد للنفس» أنّ الضابطة في تحريم هذه الأمور المذكورة في الرواية هو إضرارها للجسم، كما أنّ المناط في جوازها عدم إضرارها له، مع أنّ جلّها ليس بضارّ للجسم، كالملابس والمناكح وأكثر المشارب والمآكل، إن لم يكن كلّها كذلك، وعلى فرض تسليم ذلك، فلانسلّم انضباط القاعدة، فإنّـه لا شبهة أنّ كثيراً من هذه الاستعمالات للأشياء المحرّمة لا تكون مضرّة قطعاً، كوضع اليد عليها مثلاً، أو الأكل منها قليلاً، أو شدّ اليد بجلد الميتة وشعر الخنزير، وإنّما المضرّ هي مرتبة خاصّة من الاستعمال بحسب الأشخاص والأزمان والأمكنة والكمّيّـة، فلو كان ذلك موجباً لحرمة جميع الاستعمالات بجميع مراتبهـا فتكون نظير قـول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم): «فما أسكر كثيره فقليله حرام»([83])، للزم من ذلك، القول بحرمة جميع ما خلق الله في الأرض من المباحات، فإنّ كلّ واحد من هذه المباحات لابدّ وأن يكون مضرّاً في الجملة، ولو باستعمال الشيء الكثير منه.

على أنّ الأحكام الشرعيّـة ـ بناء على مسلك العدليّـة ـ تدور مدار ملاكاتها الواقعيّـة من المصالح والمفاسد، وأمّا المنافع والمضارّ، فهي خارجة عن حدودها. نعم، ربّما يكون الضرر أو النفع موضوعاً للأحكام، إلّا أنّ ذلك غير مربوط بباب ملاكات الأحكام([84]).

وفيه أوّلاً: أنّ الرواية لا تعطى الضابطة التي ادّعاها، ولا تكون في مقام إنشاء الحرمة على كلّ ما يضرّ بالجسم، بل هي في مقام الإخبار عن أنّ ما تعلّق به الحرمة هو ضارّ للجسم وفساد للنفس لا العكس، وفي هذا المعنى روايات أخر: ([85])

منها: ما روي عن أبي عبدالله(علیه السلام) بعدّة طرق، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ لمَ حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال: «إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده، وأحلّ لهم ما سواه من رغبةً منه فيما حرّم عليهم، ولا زهد فيما أحلّ لهم، ولكنّـه خلق الخلق، فعلم ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلّه لهم وأباحه؛ تفضّلاً منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم»،([86]) الحديث.

فالرواية لا تكون في مقام إنشاء الحرمة لكلّ ما يضرّ بالجسم، ولا في مقام الإخبار عن حرمة كلّ ما يضرّ بالبدن، بل في مقام الإخبار عن أنّ ما تعلّق به الحرمة هو ضارّ بهم، فلا يكون مقتضى الرواية دوران الحرمة والحلّيّـة مدار إضرار الشيء للجسم وعدمه.

وثانياً: أنّ ما قاله(قدس سرّه): من عدم الضرر في كثير من المحرّمات، اجتهاد في مقابل النصّ: Cوَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلّا قَلِيلاًB([87]).

وثالثاً: أنّ الضابطة المذكورة فيها شيئان: ضارّ للجسم وفساد للنفس، فعدم كونه ضارّاً للجسم لا ينافي وجود الحرمة؛ لوجود مناط آخر لها، وهو كونها فساداً للنفس.

ورابعاً: أنّ ما قاله: من أنّ كثيراً من هذه الاستعمالات لا تكون مضرّة قطعاً، وإنّما المضرّ هي مرتبة خاصّة من الاستعمال، فلو كان ذلك موجباً لحرمة جميع الاستعمالات بجميع مراتبها، للزم من ذلك القول بحرمة جميع ما خلق الله في الأرض من المباحات فإنّ كلّ واحد من هذه المباحات لابدّ وأن يكون مضرّاً في الجملة ولو باستعمال الشيء الكثير منه([88])، يمكن الجواب عنه بأنّ تناسب الحكم والموضوع يقتضي حصر الحكم على المرتبة المضرّة، وعدم شموله للمراتب الأخرى، الغير المضرّة.

وخامساً: أنّ المنافع والمضارّ، كما يمكن أن يكون موضوعاً للأحكام في موارد، فكذلك يمكن أن يكون مناطاً وملاكاً للأحكام في موارد أخرى. وبذلك يظهر المناقشة فيما قاله من أنّ المنافع والمضارّ خارجة عن حدود المصالح والمفاسد.

وقال أيضاً:

أنّ ظاهر الرواية هو حرمة بيع الأمور المذكورة تحريماً تكليفيّاً، كما تقدّم نظير ذلك في رواية تحف العقول، وكلامنا في الحرمة الوضعيّـة ([89]).

ويرد عليه: أنّ البحث في المكاسب المحرّمة إنّما هو في الحرمة التكليفيّـة، كما هي مستفادة من رواية تحف العقول، ورواية فقه الرضا، لا في الحرمة الوضعيّـة.

ويؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه تقسيم الأصحاب، المكاسب إلى الأحكام الثلاثة والخمسة، وكذا بحثهم عن حرمة الغيبة والكذب وحفظ كتب الضلال والغناء وبيع الخمر وأخذ الأُجرة على الواجبات وأمثال ذلك.

-------------------
[83]. الكافي 6: 408، باب أنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله و سلم) حرّم كلّ مسكر قليله وكثيره، الحديث 4، 6، 8، 10 و12؛ التهذيب 9: 111/ 481 و484؛ باب الذبائح والأطعمة وما يحلّ من ذلك وما يحرم منه، الحديث 216و219؛ وسائل الشيعة 25: 337، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17، الحديث 1 ـ 5، 8، 9 و 12.
[84]. مصباح الفقاهة 1: 39 ـ 40.
[85]. راجع: وسائل الشيعة 24: 99، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 1.
[86]. الكافي 6: 242، كتاب الأطعمة، باب علل التحريم، الحديث 1؛ الفقيه 3: 218/1009، باب الصيد والذباحة، الحديث 99، وفيه: «عن أبي جعفر(علیه السلام)»؛ التهذيب 9: 128/553، باب الذبائح والأطعمة...، الحديث 288، مع تفاوت في ألفاظه؛ وسائل الشيعة 24: 99، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 1، الحديث 1، مع تفاوت في ألفاظه.
[87]. الإسراء (17): 85.
[88]. مصباح الفقاهة 1: 39 ـ 40.
[89]. نفس المصدر 1: 40.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org