|
الإشكال الثاني والثالث على الاستدلال بالآية
ثانيها وثالثها: ما ذكره الفاضل الإيرواني في تعليقته([1040]) على مكاسب الشيخ تارة بإمكان أن يقال: أنّ مؤدّى الآية الحكم التنزيهيّ لا التحريميّ، بقرينة مقابلة النهي عن التعاون بالأمر به على البرّ والتقوى، الذي ليس للإلزام قطعاً، واُخرى: بإمكان أن يقال بأنّ قضيّـة باب التفاعل هو الاجتماع على إتيان المنكر، كأن يجتمعوا على قتل النفوس ونهب الأموال، لا إعانة الغير على إتيانه على أن يكون الغير مستقلاً، وهذا معيناً له بالإتيان ببعض مقدّماته. ويرد على الأوّل منهما: ـ أي الوجه الثاني من الوجوه ـ أنّـه لو سلّمت قرينيّـة بعض الفقرات على الآخر في سائر الموارد فلا يسلّم في المقام؛ لأنّ مقارنة الإثم مع العدوان الذي هو الظلم لم يبق مجالاً لاحتمال حمل النهي وإمكانه على التنزيه، ضرورة حرمة الإعانة على الظلم، كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة ([1041])، وحمل العدوان على غير الظلم كما ترى، فذكر العدوان في الآية قرينة قطعيّـة على إرادة الحرمة من النهي بالنسبة إلى الإثم أيضاً. هذا، مع أنّ تناسب الحكم والموضوع، وحكم العقل شاهدان على أنّ النهي للتحريم. وعلى الثاني منهما: أنّ ظاهر مادّة العون عرفاً وبنصّ اللغويّين، المساعدة على أمر، والمعين هو الظهير والمساعد([1042])، وإنّما يصدق ذلك فيما إذا كان أحد أصيلاً في أمر وأعانه عليه غيره، فيكون معنى Cوَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِB([1043]): لا يكن بعضكم لبعض ظهيراً ومساعداً ومعاوناً فيهما، ومعنى تعاضد المسلمين وتعاونهم أنّ كلاً منهم يكون عضداً ومعيناً لغيره، لا أنّهم مجتمعون على أمر. ففي القاموس: «وتعاونوا واعتونوا: أعان بعضهم بعضاً»([1044])، ونحوه في المنجد([1045]). وفي مجمع البيان في ذيل الآية قال: أمر الله عباده بأن يعين بعضهم بعضاً على البرّ والتقوى ـ إلى أن قال: ـ ونهاهم أن يعين بعضهم بعضاً على الإثم... إلخ([1046]). وكون التعاون فعل الإثنين لا يوجب خروج مادّته عن معناها، فمعنى تعاون زيد وعمرو أنّ كلاً منهما معين للآخر وظهير له، فإذا هيّأ كلّ منهما مقدّمات عمل الآخر يصدق أنّهما تعاونا. وبالجملة، كون التفاعل بين الاثنين لا يلازم كونهما شريكاً فى إيجاد فعل شخصيّ، فالتعاون كالتكاذب والتزاحم والتضامن ممّا هي فعل الاثنين، من غير اشتراكهما في فعل شخصيّ. ولوكان المراد من حرمة التعاون على الإثم هو الشركة فيه، يكون مقتضى الجمود على ظاهر الآية هو حرمة شركة جميع المكلّفين في إتيان محرّم، وهو كما ترى. فالظاهر من قوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ)([1047]) عدم جواز إعانة بعضهم بعضاً في إثمه وعدوانه، وهو مقتضى ظاهر المادّة والهيئة، ولو قلنا بصدق التعاون والتعاضد على الاشتراك في عمل فلا شبهة في عدم اختصاصه به. -------------------------- [1040]. حاشية المكاسب (للإیرواني) 1: 15. [1041]. وسائل الشيعة 16: 55، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 80؛ و 17: 177، كتاب المكاسب، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 42. [1042]. المصباح المنير: 438؛ مجمع البحرين 6: 285؛ مفردات الراغب: 598. [1043]. المائدة (5): 2. [1044]. القاموس المحيط: 1123. [1045]. المنجد: 539. [1046]. مجمع البيان 3 ـ 4: 240، ذيل الآية 2 من سورة المائدة. [1047]. المائدة (5): 2.
|