|
بيع المباح ممّن يصرفه في الحرام
المسألة الرابعة: في بيع المباح، ممّن يصرفه في الحرام، كبيع العنب ممّن يجعله خمراً، وبيع الخشب ممّن يصنعه صنماً أو بربطاً أو صليباً ونحوها، وبيع القرطاس ممّن يكتب فيه ما يضلّ الناس ويغويهم عن الحقّ. وفيه صور كثيرة؛ لأنّـه قد يبيعه ممّن أراد صرفه في الحرام فعلاً، وقد يبيعه ممّن لم يرد الآن صرفه في الحرام، ولكنّـه يتجدّد له تلك الإرادة في المستقبل ويصرفه في الحرام، وفي هذه الصورة قد يكون بيع البائع موجباً لتجدّد إرادة صرفه في الحرام، كما إذا كان عنبه جيّداً وجيادته موجب لإرادة المشتري أن يصرفه في الخمر، وقد لا يكون بيع البائع دخيلاً في تجدّد إرادة المشتري. وعلى أيّ حالٍ، تارة يكون البيع بداعي توصّله إلى الحرام، كما فيما يعلم بصرفه فيه، أو برجاء ذلك، كما فيما لا يعلم، بل يظنّ أو يشكّ في صرفه فيه، واُخرى لا يكون بداعي التوصّل أو رجائه، بل داعيه التجارة والبيع، كما ترى في التجّار في بيوعهم. وفي جميع الصور، لو امتنع البائع من بيعه تارة يترك المشتري الحرام مع تركه البيع؛ لانّـه لا يجد متاعاً آخراً يصرفه في الحرام، واُخرى لا يتركه لوجود بائع آخر ولوفور المتاع في السوق. ويظهر من الشيخ الأعظم(قدس سرّه) ، عدم الخلاف والإشكال في الحرمة فيما إذا كان بيعه بقصد أن يعمله المشتري حراماً، كأن يبيعه العنب ممّن يعمله خمراً بقصد أن يعمله خمراً، وكذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنماً أو صليباً، مستدلاً له بأنّ فيه إعانة على الإثم والعدوان، وإنّما الخلاف والإشكال فيما لو لم يقصد ذلك، ولكن كان عالماً بأنّـه يصرفه في الحرام. والظاهر أنّ مراده من القصد هو القصد على سبيل الداعويّـة والغائيّـة، لا محض القصد إليه على سبيل الاختيار والإرادة، الملازم مع العلم بأنّ المشتري يعمله حراماً. فقد صرّح فيما بعد ذلك في المناقشة في الاستدلال للحرمة ـ مع علم البائع ـ بالآية، بعدم القصد إلى وقوع الفعل من المعان، بناءً على اعتباره، ومن المعلوم أنّ ما ليس من القصد في محلّ بحثه هو القصد الغائي وعلى سبيل الداعويّـة، لا مطلقه المتحقّقة مع العلم والملازم معه. وكيف كان، ففي محلّ النزاع ـ أي البيع مع العلم بأنّ المشتري يجعل المبيع حراماً، من دون قصد البائع ذلك ـ قولان: أحدهما: الحرمة، وهو للشيخ في ظاهر التهذيب([1012])، والعلّامة في المختلف([1013])، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك([1014])، والنهاية في خصوص المساكن والحمولات([1015])، ومجمع الفائدة والبرهان([1016])، والرياض في باب الإجارة ([1017]). ثانيهما: الكراهة، وهو المختار، تبعاً لما عليه الشرائع([1018]) والنافع([1019]) والتحرير([1020]) والتذكرة ([1021]) واللمعة ([1022]) والنهاية ([1023]) في غير الحمولات والمساكن، ونكتها([1024]). وفي الرياض([1025]): أنّها للأكثر، بل في الجواهر: أنّـه المشهور([1026]). ------------------- [1012]. التهذيب 6: 373، ذيل الحديث 1081. [1013]. مختلف الشيعة 5: 35، المسألة 18. [1014]. الروضة البهيّـة في شرح اللمعة الدمشقيّـة 3: 211؛ مسالك الأفهام 3: 124. [1015]. النهاية: 369. [1016]. مجمع الفائدة والبرهان 8 : 48 و 50. [1017]. رياض المسائل 8: 144. [1018]. شرائع الإسلام 2: 4. [1019]. المختصر النافع 1: 116. [1020]. تحرير الأحكام الشرعيّـة 2: 259. [1021]. تذكرة الفقهاء 12: 139. [1022]. اللمعة الدمشقيّـة: 103. [1023]. النهاية: 403. [1024]. النهاية ونكتها 2: 105. [1025]. رياض المسائل 8: 146. [1026]. جواهر الكلام 22: 31.
|