|
صور بيع الصنم والصليب للكسر
ثمّ إنّ لبيع الصنم والصليب ثلاثة صور: أحدها: تعلّق البيع بالصنم والصليب، لكن بشرط أن يكسرهما المشتري حتّى يصير الصنم والصليب مالاً بسبب هذا الشرط فقط، مثل ما كان شَرَط الكسر للثواب الاُخروي أو الاشتهار بالكسر، من دون أن يكون لمكسوره ـ مع قطع النظر عن ذلك الشرط ـ ماليّـة رأساً، أو كانت أقلّ ممّا اعتبرت بلحاظ ذلك الشرط، ولا إشكال في صحّته، إلّا أنّـه لابدّ للبائع من إحراز كسر المشتري، ليتحقّق إحراز الماليّـة؛ إذ بدون الكسر لا ماليّـة للمبيع، وبيع ما لا ماليّـة له باطل. ثانيها: تعلّقه بالصنم الذي يكون لمكسوره ماليّـة في حدّ نفسه، وكذا في الصليب، ولا إشكال أيضاً في صحّته إذا باعهما ليكسرهما المشتري، لكن في هذه الصورة لا يتوقّف صحّة البيع على إحراز تحقّقه؛ لعدم إناطة ماليّـة المكسور على المفروض بالغرض ولا بالشرط، بل كان له الماليّـة باعتباره بما هو شيء يبذل بإزائه المال. ثالثها: تعلّقه بمادّة الصنم والصليب إذا كان لمادّتهما ومكسورهما قيمة أيضاً، كما إذا كانا من الذهب والفضّة، ولا إشكال في صحّته، ولا يلزم اشتراط الكسر على المشتري، بل قال سيّدنا الاُستاذ : إنّ البيع في هذه الصورة صحيح ولو مع اشتراط عدم الكسر، فضلاً عن عدم اشتراط الكسر، غاية الأمر أنّ الشرط فاسد وحرام، والشرط الفاسد والحرام لا يوجب فساد العقد والمعاملة ([955]). لايقـال: إنّ بيع هياكل العبادة، مع عدم شرط الكسر وعدم الوثوق بالكسر، فضلاً عن شرط عدم الكسر، كما في الصورة الثالثة، ترويج للباطل وترويج لعبادة الأصنام، وبيعها يكون باطلاً. لأنّـه يقال: البيع في الثالثة لم يتعلّق بالأصنام والصلبان، بل كان متعلّقاً بمادّتهما المنحاذة منهما بعد الكسر، وليس في البيع كذلك فساد، لا من جهة ترويج الباطل، ولا من جهة عبادة الأصنام، وإنّما الفساد في إقباض هيأكل العبادة إلى المشتري، لا نفس العقد والمعاملة، فلا إشكال في صحّة البيع. إن قلت: إنّ الإقباض إلى المشتري لازم للبيع، واللازم إذا كان حراماً كان الملزوم أيضاً حراماً. قلت: إنّ الذي يجب على البائع إقباضه للمشتري، هو موادّ هياكل العبادة لا نفس الهياكل؛ لأنّ البيع قد تعلّق بالموادّ لا بالهيئة، فللبائع كسر الهياكل وإقباض الموادّ إلى المشتري، فلا يلزم ترويج الباطل وترويج عبادة الأصنام حتّى يكون حراماً وباطلاً. هذا. وينبغي تتميم المسألة بالتنبيه على اُمورٍ: الأوّل: هل في إتلاف مادّة مثل هياكل العبادات والأصنام والصليب ممّا تكون موجبة للفساد والحرام ولاماليّـة لهيئتها، بل يجب إتلافها، الضمان مطلقاً، أم لا مطلقاً، أم فيه التفصيل بالضمان فيما لم يكن إتلاف الهيئة موقوفاً على إتلاف المادّة وبعدمه مع التوقّف عليه، وكذا بالتفصيل بالضمان مع استناد إتلاف المادّة إلى إفراط متلف الهيئة أو تفريطه وبعدمه مع عدمه، احتمالات ووجوهٌ. والتفصيل بين صور المسألة هو الحقّ منها، وإليك تفصيل الصور: الصورة الاُولى: أن يكون إتلاف الهيئة موقوفاً على إتلاف المادّة، كإتلاف الخمر الموجود عند المسلم مثلاً، ففي هذه الصورة لا ضمان للمادّة كالهيئة؛ لأنّ إتلاف الهيئة لا يتمّ إلّا بإتلاف المادّة، والعرف في مثله يفهم من حكم الشارع بوجوب إتلاف الهيئة، من دون تعرّضه لضمان المادّة عدم الماليّـة والضمان للمادّة أيضاً، وإلّا كان عليه الضمان. هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى قاعدتي نفي الضرر والحرج عدمه أيضاً؛ حيث إنّ الضمان ضرر وحرج، يكون ناشئاً من حكم الشارع بوجوب إتلاف المادّة، وهو منفيّ بالقاعدتين، ومضافاً إلى أنّ كونه مقتضى قاعدة نفي السبيل على المحسن أيضاً: (مَا عَلَى المُـحْسِنِينَ مِن سَبِيل)([956])، حيث إنّ المتلف محسن؛ لقيامه بما يجب عليه، والتضمين سبيل، فيكون منتفياً بنفيه عن المحسن، فلا سبيل عليه في التضمين. الصورة الثانية: أن يكون إتلاف الهيئة غير موقوف لإتلاف المادّة، كإتلاف الصنم والصليب المصنوع من الذهب والفضّة، لكنّ المادّة أيضاً تلفت من غير تعدّ وإفراط من المتلف، ففي هذه الصورة أيضاً لا ضمان على المتلف؛ لقاعدة نفي السبيل على المحسن. لايقـال: إنّ وجوب الإتلاف لا يستلزم عدم الضمان، كما أنّ المضطرّ إلى أكل مال الغير يجب عليه الأكل والإتلاف، مع أنّ الفقهاء([957]) (رضوان الله تعالى عليهم) قد حكموا بضمانه، فكذلك فيما نحن فيه. لأنّـه يقال: إنّ قياس ما نحن فيه بالمضطرّ إلى أكل مال الغير قياس مع الفارق؛ حيث إنّ المضطرّ إلى أكل مال الغير إنّما يأكل مال الغير ونفعه عائد إلى نفسه، فليس بمحسن، وهذا بخلاف المتلف فيما نحن فيه، فليس في إتلافه نفع عائد إليه، بل نفعه عائد إلى الإسلام والمسلمين، فيكون محسناً ومنفيّاً عنه السبيل. هذا، مع أنّ المضطرّ إلى أكل مال الغير ليس مضطرّاً إلى أكل مال الغير مجّاناً، بل يكون مضطرّاً إليه مع الضمان، فالمضطرّ إليه ليس هو الأكل مطلقاً وبما هو أكل، بل هو الأكل مع الضمان، وأين له بما نحن فيه ممّا ليس كذلك. الصورة الثالثة: نفس الصورة السابقة، لكن مع الفرق بأنّ إتلاف المادّة في هذه الصورة مستندة إلى تعدّي المتلف وإفراطه، فكان المتلف ضامناً لماليّـة المادّة قطعاً؛ قضاءً لقاعدة الضمان مع التعدّي، وهذا بخلاف الصورة السابقة ممّا لم يكن فيه التعدّي المستلزم للضمان، وكان قاعدة نفي السبيل على المحسن محكّمة. الثاني: أنّ إتلاف هياكل العبادة ونحوها هل يجوز أن يتركه المكلّف؛ اعتماداً على الحجّة بإتلاف غيره، نظراً إلى كونه واجباً كفائيّاً خوطب به جميع المكلّفين، كصلاة الميّت التى يجوز تركها من بعض المكلّفين بالحجّة على إقدام غيره إلى إتيانها، أم لا يجوز؟ والوجه هنا هو الثاني؛ لما فيه من إمكان انجراره إلى فوات غرض الشارع من اضمحلال هذه الموجب للفساد وارتفاعها بالمرّة بترك الغير، كنفسه الإتلاف أيضاً؛ لأنّ المستفاد من مذاقّ الشرع وحكم العقل، هو وجوب دفع الفساد الناشئ منها فوراً. الثالث: أنّـه لا فـرق فيما ذكر ممّا لا يصحّ بيعـه باعتبـار صورتـه وهيئتـه، كالصنـم وآلات اللهو، من الحكم بعـدم ملكيّـة الصورة بين المسلم والكافر الغير المستحلّ لها. وأمّا المستحلّ لها ففيه وجهان: وجه الصحّة: أنّ له منفعة غير محرّمة من حيث عدم فعليّـة الحرمة له من جهة الجهل القصوري بها الرافع للحرمة وكونه موجباً للبراءة عقلاً ونقلاً، فبيع تلك الأشياء بالمستحلّ يكون بيعاً لمن له منفعة غير محرّمة، ويكون صحيحاً عقلائيّاً. ووجه البطلان: اشتمال تلك الأشياء على الفساد المبغوض فيها للشارع، بحيث يجب للمكلّف دفع تحقّق ذلك الفساد المبغوض ووجوده بأيّ نحو كان. وهذا نظير مبغوضيّـة القتل. هذا، ولكنّ الحقّ، التفصيل بين مثل الصنم المعدّ للعبادة وآلات اللهو المحرّم، بالبطلان في الأوّل دون الثاني؛ وذلك للعلم بكون عبادة الصنم ووجوده مبغوضاً للشارع، وهذا بخلاف الثاني؛ لعدم العلم والحجّة على أزيد من الحرمة المرفوعة بعدم العلم، فالصنم مصداق لما ذكر في الوجه الثاني من الكبرى الكلّيّ، وآلات اللهو مصداق لما ذكر في الوجه الأوّل، فكلا الوجهين تمام من حيث الكلّيّـة، لكنّ الفرق موجود فيما نحن فيه في المصداق لهما، فتدبّر جيّداً. -------------
|