|
الروايات الخاصّة في بيع الخنزير والكلب والميتة
الطائفة الثانية: ما وردت في الخمر. ولقد أجاد سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) في الإشارة إلى الروايات وجمعها بقوله: ومنها: ما وردت في الخمر، وهي روايات مستفيضة متقاربة المضمون، مرويّـة عن الكافي([206])، والفقيه([207])، والمقنع([208])، وجامع الأخبار([209])، وعقاب الأعمال([210])، ودعائم الإسلام([211])، وفقـه الرضا([212])، ولبّ اللباب للراوندي([213])، وعوالي اللئالي([214])، وأسنادها وإن لا تخل عن خدشة، لكن يمكن دعوى الوثوق والاطمينان بالصدور إجمالاً. ففي رواية جابر عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها»([215])، وقريب منها غيرها. ولا شبهة في دلالتها على المدّعى في خصوص الخمر، فإنّ الظاهر من لعن البائع والمشتري في مقابل آكل الثمن، أنّهما بما لهما من العنوان ملعونان([216])، فيظهر منه أنّ البيع والاشتراء محرّمان، وإن لم يترتّب عليهما أثرهما المطلوب شرعاً؛ أي النقل والانتقال([217]). هذا كلّه في الخمر، وأمّا غيرها من النجاسات، فإسراء الحكم من الخمر إليها فغير جائز؛ لما في الخمر مـن خصوصيّة من حيث الحرمة والمفسدة ممّا ليست في غيرها. وأمّا سائر أنواع المسكرات، ففي مكاسب سيّدنا الاُستاذ: أنّ الظاهر كونها بحكمها، قال: نعم، الظاهر كون سائر المسكرات بحكمها؛ لاحتمال صدقها عليها ولو ببعض المناسبات، ولعموم التنزيل في روايات عديدة، كرواية أبي الجارود، وفيها: «أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر»([218]). ورواية عطاء بن يسار، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر»([219]). وصحيحة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام)، قال: «إنّ الله عزّوجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»([220])، إلى غير ذلك. فإنّ دلالتها على المطلوب لا تكاد تخفى؛ لإطلاق التنزيل، ولأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد، وبعد عدم كونه تكويناً لابدّ من تصحيحه، وتصحيح الدعوى، كونهما واحداً من جميع الجهات في التشريع. والحمل على بعض الآثار، غير وجيه؛ لعدم وجاهة الحمل وصحّته مع اختلافهما في جميع الآثار إلّا في حرمة الشرب مثلاً، إلّا أن تكون سائر الآثار بحكم العدم، فيحتاج إلى دعوى اُخرى، وهي خلاف الظاهر، بل الحمل مع موافقتهما في جملة من الآثار، يعدّ غير وجيه عرفاً. وإن شئت قلت: إنّ مقتضى تحكيم تلك الروايات على الروايات المشتملة على «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الخمر وبائعها...»([221]) أنّ ما ثبت لها في تلك الروايات، ثبت لسائر المسكرات، فإنّ هذه الروايات منقّحة لموضوعها، ومعه لا مجال للتشكيك في الدلالة ([222]). وفيه: أنّ الروايات المنزّلة لكلّ مسكر منزلة الخمر، غير مفيد للعموم. وذلك لأنّ الرواية الاُولى ـ رواية أبي الجارود ـ صدر لتفسير الخمر الوارد في قوله تعالى: Cإِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالانْصَابُ وَالازْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِB([223])، لا لتفسير الخمر الوارد في سائر الأدلّة، فيفيد ترتيب أثر الخمر الذي رتّب عليه في الآية الشريفة على كلّ مسكر، لا سائر الآثار. وأمّا الرواية الثانية ـ رواية عطاء بن يسار ـ والثالثة ـ صحيحة عليّ بن يقطين ـ فتحملان على التنزيل في خصوص الحرمة، لا سائر الآثار، بقرينة الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ كلّ مسكر حرام. وبعبارة اُخرى: أنّ شمّ الحديث يقتضي أن يكون التنزيل في خصوص الحرمة لا عموم الآثار. هذا، مع أنّ رواية أبي الجارود مرسلة، ورواية عطاء بن يسار ضعيفة بجهالة نفس عطاء بن يسار. نعم، عموم التنزيل في خصوص أخبار الفقّاع ـ كما ذكره سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) تامّ وفي محلّه، ودونك أخباره: منها: صحيحة الوشّاء، قال: كتبت إليه ـ يعني الرضا(علیه السلام) ـ أسأله عن الفقّاع؟ قال: فكتب: «حرامٌ، وهو خمرٌ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر»، قـال: وقال أبوالحسن الأخير(علیه السلام): «لو أنّ الدار داري لقتلت بائـعه، ولجلّدت شاربـه»، وقـال أبـوالحسن الأخير(علیه السلام) «حدّه حدّ شارب الخمر» وقـال(علیه السلام): «هي خميرة استصغرها الناس».([224]) ومنها: رواية سليمان بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام)، ما تقول في شرب الفقّاع؟ فقال: «هو خمرٌ مجهولٌ يا سليمان" فلا تشربه، أما يا سليمان لو كان الحكم لي، والدار لي لجلّدت شاربه، ولقتلت بائعه»([225]). ومنها: رواية ابن فضّال، قال: كتبت إلى أبي الحسن(علیه السلام) أسأله عن الفقّاع؟ فقال: «هو الخمر، وفيه حدّ شارب الخمر»([226]). ومنها: موثّقة عمّار بن موسى، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن الفقّاع؟ فقال: «هو خمرٌ»([227]). فإنّ هذه الروايات تدلّ على عموم التنزيل بقرينة ما ورد في ذيلها: «لقتلت بائعه ولجلّدت شاربه». فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الروايات إنّما تكون دالّة على حرمة التكسّب بالخمر والفقّاع، من دون أن تدلّ على حرمة التكسّب بسائر المسكرات. لكنّ الحقّ حرمة التكسّب بسائر المسكرات أيضاً؛ قضاءً لتنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّـة العرفيّـة المستندة إلى الروايات، فإنّ العرف يحكم بأنّ المناط في حرمة بيع الخمر هو إسكاره، وهو موجود في غير الخمر من سائر المسكرات. ويدلّ عليه الروايات أيضاً، كقوله(علیه السلام) في صحيحة عليّ بن يقطين، المذكورة سابقاً: «إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»([228])، وكقوله(علیه السلام) في رواية إسحاق بن عمّار: «فحرّم الله الخمر، وحرّم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كلّ مسكر، فأجاز الله ذلك كلّه له»([229]). ولايخفى أنّ المستفاد من الروايات حرمة بيع الخمر، ولا يمكن إسراء الحكم إلى بيع سائر الأعيان النجسة؛ لخصوصيّـة في الخمر ليست في غيرها، كما مرّ([230])، فإنّ شارب الخمر يجلّد، ولعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في الخمر عشرة، وقد سبقت رواياته([231])، وأنّ حرمة شرب الخمر شديدة، حتّى قال بعض الفقهاء: أنّ شربه، ولو للاستشفاء محرّم([232]). فللخمر خصوصيّـة لا يمكن إلغاء الخصوصيّـة منه وتعميم الحكم إلى سائر أعيان النجسة. بل لك أن تقول: إنّ بيع الخمر حرام؛ لأنّـه خمر، لا لأنّـه نجس، وحمله على النجاسة خلاف الظاهر. ------------------------
|