Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: أدلّة القائلين بأصالة الحرمة وجوابه

أدلّة القائلين بأصالة الحرمة وجوابه

واستدلّ على حرمة الانتفاع من النجس والمتنجّس مطلقاً ـ إلّا ما خرج بالدليل ـ بالكتاب والسنّـة والإجماع.

أمّا الكتاب، فمنها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([449]).

تقريب الاستدلال: أنّ وجوب الاجتناب عن الأربعة المذكورة في الآية معلّق ومتفرّع على كونها رجساً من عمل الشيطان، فيستفاد منها قاعدة كلّيّـة، وهي أنّ كلّ رجس من عمل الشيطان يجب الاجتناب عنه، ووجوب الاجتناب عنه يقتضي حرمة جميع التصرّفات والانتفاعات منه.

وفيه أوّلاً: أنّ هذا الاستدلال ـ كما أشار إليه الشيخ(قدس سرّه) ([450]) ـ يقتضي اختصاص الحرمة بالأعيان النجسة، فإنّها رجس من عمل الشيطان، دون الأعيان المتنجّسة؛ لأنّها ليست من عمل الشيطان.

وثانياً: أنّ الآية الشريفة دالّة على الكبرى الكلّي، وهي وجوب الاجتناب عمّا كانت رجساً ومن عمل الشيطان، وأمّا كون الأعيان النجسة صغرى لهذه الكبرى محتاج إلى دليل يدلّ عليه، فضلاً عن الأعيان المتنجّسة، فإنّ الأعيان النجسة، ولو سلّمنا كونها رجساً، إلّا أنّ وجوب الاجتناب لم يتعلّق بمطلق الرجس، بل برجس كان من عمل الشيطان، وكون الأعيان النجسة من عمل الشيطان غير معلوم، ولا دليل على إثباته، خصوصاً في مثل كلب البستان والحائط والرعي، الذي له ماليّـة عرفاً وشرعاً، ولهذا جعل الدية لها شرعاً.

وثالثاً: أنّ الآية الشريفة ناظرة إلى حرمة المنافع المقصودة، فلا تشمل المنافع الغير المقصودة منها، والمنفعة المقصودة من الخمر شربه، ومن الميسر اللعب والقمار به، ومن الأزلام الاستقسام بها على نحو القمار، ومن الأنصاب التعبّد والتبرّك بها.

ورابعاً: أنّ هذا الحكم في الآية الشريفة مختصّ بالأربعة المذكورة فيها، ولا تعمّ غيرها؛ وذلك بقرينة الآية اللاحقة عليها، وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)([451])، فإنّ إيجاد العداوة والبغضاء مختصّة بالخمر والميسر والأزلام، والصدّ عن ذكر الله مختصّة بالأنصاب بعناوينها بما هي هي، لا بما أنّها رجس ونجس حتّى تشمل الأعيان النجسة والمتنجّسة، وتكون هي الموضوع للحكم.

وذلك قضاءً لما هو الواضح عرفاً من ظهور العناوين بما هي هي في الموضوعيّة، لا لكونها مشيرة إلى عناوين اُخرى تكون موجودة مع تلك العناوين المأخوذة في الأدلّة، ولاختصاص ما في الآية من اللوازم المذكورة بتلك الأربعة، دون النجس بما هو نجس. وذلك لأنّ شرب الخمر بسبب إزالته العقل يوقع العداوة والبغضاء بين أبناء البشر، وكذلك اللعب بالميسر والعمل بالأزلام يوقعان العداوة والبغضاء بسبب القمار وإزالة المال عـن صاحبه، من دون سبب عقلائيّ مقبـول، وذلك في القمار معلوم لا يحتاج إلى البيـان، وأمّا في الأزلام، فلأنّها ـ كما في مجمـع البحرين ـ عبارة عن:

القداح العشرة المعروفة فيما بينهم في الجاهليّـة. والقصّة في ذلك: أنّـه كان يجتمع العشرة من الرجال فيشترون بعيراً فيها بينهم وينحرونه، ويقسّمونه عشرة أجزاء، وكان لهم عشرة قداح، لها أسماء وهي الفذّ وله سهم، والتوأم وله سهمان، والرقيب وله ثلاثة، والحلس وله أربعة، والنافس وله خمسة، والمسبّل وله ستّة، والمعلى وله سبعة، وثلاثة لا أنصباء لها، وهي المنيح والسفيح والوغد... وكانوا يجعلون القداح في خريطة، ويضعونها على يد من يثقون به، فيحرّكها، ويدخل يده في تلك الخريطة، ويخرج باسم كلٍّ قدحاً، فمن خرج له قدح من الأقداح التي لا أنصباء لها لم يأخذ شيئاً، وألزم بأداء ثلث قيمة البعير، فلا يزال يخرج واحداً بعد واحد حتّى يأخذ أصحاب الأنصباء السبعة أنصباءهم، ويغرم الثلاثة الذين لا أنصباء لهم قيمة البعير([452]).

والأنصاب أيضاً بسبب تعبّد المشركين بها يصدّهم عن ذكر الله وعن الصلاة والتعبّد لله تعالى.

فانقدح بما ذكرنا، أنّ الحكم في الآية الشريفة مختصّ بالأربعة المذكورة في الآية، أو يعمّ ما كان مثلها في إيجاد العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله، وعن الصلاة بتنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّـة، ولا تشمل الأعيان النجسة، فإنّـه ليس فيها تلك اللوازم، فضلاً عن الأعيان المتنجّسة.

ومنها: قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ...)([453]).

تقريب الاستدلال: أنّ الحرمة قد تعلّق فيها بذات العناوين المذكورة، وتحريم الأعيان يستلزم تحريم وجوه الاستمتاع والانتفاع، كما ذهب إليه شيخ الطائفة([454])والعـلّامة ([455])، فالآية الشريفة تدلّ على حرمة جميع الانتفاعات من هذه الثلاثة المذكورة فيها؛ أعني الميتة والدم ولحم الخنزير، وبضميمة عدم القول بالفصل بين الأعيان النجسة يلحق بها سائر الأعيان النجسة.

وفيه ما لا يخفى، حيث إنّ استقراء كلام العرب يفيد أنّ في مثل الآية من التحليل والتحريم المضافين إلى الأعيان، وكذلك غير لفظ الحلّ والحرمة من الأحكام الظاهر عرفاً من متعلّق المضاف هو الفعل المقصود من ذلك، كالأكل من المأكول، والشرب من المشروب، واللبس من الملبوس، والوطي من الموطوء.

وعلى هذا، فالمتفاهم العرفيّ من الحرمة في الآية الشريفة، هو حرمة أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الدم، لا حرمة جميع الانتفاعات، فالآية ظاهرة في حرمة الأكل والشرب لا غير، هذا بالنسبة إلى الآية.

وأمّا بالنسبة إلى إتمام الدليل بعدم القول بالفصل، ففيه: أنّـه على تسليم دلالة الآية في الثلاثة فإتمام الدليل بعدم القول بالفصل غير تمام.

أوّلاً: بعدم الاعتبار بعدم القول بالفصل ما لم يرجع إلى الإجماع، ومن الواضح أنّ عدم القول بالفصل لا يكون مثبتاً للإجماع. نعم، القول بعدم الفصل مثبت له؛ لأنّـه إجماع على عدم الفصل، لكن إثباته مشكلٌ.

وثانياً: بأنّ الإجماع في مثل المسألة ممّا هو مصبّ الاجتهاد والتمسّك بالكتاب ومثله غير حجّة، كما لا يخفى، فضلاً عن القول بعدم الفصل.

ثالثاً: أنّ المسألة ليست إجماعيّـة، بل مختلف فيه، كما يظهر إن شاء الله تعالى عند تعرّض الأقوال في المسألة.

ومنها: قوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ( ([456]).

تقريب الاستدلال: أنّ الهجر بمعنى ترك الشيء واجتنابه، والهجر المطلق يحصل بهجر جميع التقلّبات، والمراد من الرجز إمّا هو النجاسات الظاهريّـة، أي الأعيان النجسة والمتنجّسة، وإمّا هو أعمّ من النجاسات الظاهريّـة والباطنيّـة والمعنويّـة، وكيف كان، فالآية تدلّ على وجوب الهجر والاجتناب عن الأعيان النجسة قطعاً.

وفيه: أنّ كون الرجز بمعنى النجاسات الظاهريّـة ضعيف جدّاً، ولم يفسّروه بذلك المفسّرين، فالمراد من الرجز في الآية الشريفة هو القذارات والنجاسات الباطنيّـة والمعنويّـة، فإنّ سياق الآيات ونزولها في أوائل البعثة يشهد على ما ذكرناه.

ولقد أجاد سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) في الايراد عليه، وإليك نصّ كلامه، قال (سلام الله علیه) :

وفيه: أنّـه لم يتّضح أنّ المراد بالرجز الرجس، فإنّـه بمعان، منها: عبادة الأوثان، وفي المجمع: «أنّـه بالضمّ اسم صنم فيما زعموا، وقال قتادة: هما صنمان: أساف ونائلة» ([457]). ولعلّ الأقرب أن يكون الأمر، بهجر الأوثان أو عبادتها، وأمّا النجس المعهود، فمن البعيد إرادته في أوّل سورة نزلت عليه(صلی الله علیه و آله و سلم) ـ على ما قيل([458]) ـ أو بعد إقرأ، قبل تأسيس الشريعة، اُصولاً وفروعاً، على ما يشهد به الذوق السليم. ولهذا لا يبعد أن يكون المراد بقوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)([459]) غير تطهير اللباس، بل تنزيه نسائه، أو أقربائه عن دنس الشرك ـ على ما قيل([460]) ـ أو غير ذلك ممّا فسّر([461]).

ومنها: آية تحريم الخبائث، ممّا ورد في برنامج الرسول، وهو قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالاِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)([462]).

تقريب الاستدلال: أنّ الحرمة في الآية الشريفة قد تعلّقت بالخبائث، والظاهر من تعلّق الحرمة بشيء هو حرمة جميع منافعه؛ لأنّ الأنسب بحرمة نفس الشيء ادّعاء، هو حرمة جميع منافعه، لا حرمة بعضها دون بعض، هذا، مع أنّ اللازم من حرمة البعض، الإجمال؛ لعدم التعيين وعدم الترجيح.

وفيه أوّلاً: أنّ الآية الشريفة ليست في مقام إنشاء حلّيّـة الطيّبات وحرمة الخبيثات حتّى يؤخذ بإطلاقها، ويحكم بالحلّيّـة والحرمة من جميع الجهات، بل هي في مقام الإخبار عمّا يحلّله الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لهم وعمّا يحرّمه عليهم، ويكفي في صحّة الإخبار، حلّيّـة الطيّبات وحرمة الخبيثات ولو من جهة واحدة، حيث إنّ الإطلاق ـ أي إطلاق التحليل والتحريم ـ إنّما يكون في الإخبار عنهما وفي مقام بيان ذلك، لا في مقام بيان الحلال والحرام.

ثمّ إنّـه بعد أنّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) حلّل شيئاً أو حرّمه نعلم أنّ ذاك الشيء طيّب أو خبيث، ولعلّ هذا هو المراد ممّا ذكره سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه)، حيث قال:

وأنت خبيرٌ بأنّ الآية ليست بصدد بيان تحريم الخبائث، بل بصدد الإخبار عن أوصاف النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بأنّـه يأمرهم بالمعروف... وليس المراد أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) يحرّم عنوان الخبائث أو ذاتها، ويحلّ عنوان الطيّبات أو ذاتها، بل بصدد بيان أنّـه يحلّ كلّ ماكان طيّباً، ويحرّم كلّ ما كان خبيثاً بالحمل الشايع، ولو بالنهي عن أكله وشربه، فإذا نهى عن شرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير، وهكذا، يصدق أنّـه حرّم الخبائث؛ فلا دلالة للآية على تحريم عنوان الخبائث، وهو ظاهر([463]).

وثانياً: أنّ المنصرف والمتبادر إلى الذهن، والمتفاهم العرفيّ من حلّيّـة الطيّبات وحرمة الخبيثات، هو حلّيّـة الأكل وحرمته، دون سائر التصرّفات والانتفاعات.

ومنها: قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)([464]).

تقريب الاستدلال: أنّ الآية الشريفة بمفهومها تدلّ على حرمة الخبيثات، وبعد دلالتها عليها يأتي فيها ما قرّرناه في كيفيّـة الاستدلال في الآية السابقة.

ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما أوردناه على الاستدلال بالآية السابقة ـ أنّ قوله: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)لا مفهوم له، فإنّ الطيّبات في هذه الآية الشريفة لقب؛ لعدم ذكر الموصوف لها، واللقب لا مفهوم له، ولو جيء به في مقام بيان الضابطة وجعل القانون، وإليه أشار سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه)، حيث قال:

مضافاً إلى إمكان إنكار المفهوم، ولو كان بصدد التحديد.([465]) هذا أوّلاً.

وثانياً: أنّـه لو كان له مفهوم، لكان مفهومه: لا يحلّ لكم غير الطيّبات، وليس مفهومه يحرّم عليكم الخبائث، فإنّ عدم الحلّ ليس مساوقاً للحرمة، بل أعمّ منها ومن عدم جعل حكم له، فإنّ المباح على قسمين: مباح بالجعل، ومباح بحسب طبعه الأصليّ، من دون تعلّق جعل له من الشارع الأقدس.

وأمّا الأخبار، فقد استدلّ على حرمة مطلق الانتفاع بالنجس، بل والمتنجّس، بالروايات العامّة التي سبق ذكرها، كرواية تحف العقول([466]) ودعائم الإسلام([467])، وقد مرّ([468]) الجواب عنها، فلا نعيده.

-------------------
[449]. المائدة (5): 90.
[450]. المكاسب 1: 37.
[451]. المائدة (5): 91.
[452]. مجمع البحرين 6: 80، مادّة «زلم».
[453]. المائدة (5): 3.
[454]. النهاية: 364.
[455]. منتهى المطلب 15: 349؛ تذكرة الفقهاء 10: 25.
[456]. المدّثّر (74): 5.
[457]. مجمع البيان 10: 578.
[458]. مجمع البيان 10: 579؛ التبيان 10: 171.
[459]. المدّثّر (74): 4.
[460]. مجمع البيان 10: 580.
[461]. المكاسب المحرّمة 1: 52.
[462]. الأعراف (7): 157.
[463]. راجع: المكاسب المحرّمة 1: 51.
[464]. المائدة (5): 4.
[465]. راجع: المكاسب المحرّمة 1: 52.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org