|
أحدهما: مقتضى القواعد
أمّا الأوّل، فنبيّنه هنا على نحو يكون مفيداً ونافعاً في المورد وفي أمثاله من المبيع الذي حرمت منافعه. ونقول: إنّ المبيع قد يكون جميع منافعه محرّمة، وقد يكون له منافع محلّلة أيضاً، لكن لا يبذل بإزائها المال، كالخمر للتسميد ونحوه، وقد يكون له منفعة محلّلة يبذل بإزائها مال، لكن تكون في جنب المنفعة المحرّمة مستهلكة مغفولاً عنها، بحيث لا تعدّ له ماليّـة لأجلها، كبعض آلات القمار العتيقة مرغوباً فيها لدى طائفة يبذل بإزائها عشرة آلاف، وكانت مادّتها من خشبة تساوي قرانين، وقد يكون له منفعة محلّلة ومنفعة محرّمة، كلّ واحدة منهما ملحوظة متعارفة، لكنّ الرغبة في المحرّمة أوفر وأكثر من الرغبة في المحلّلة، ولذا يبذل المال بإزائها أكثر ممّا يبذل بإزاء المحلّلة، كالجارية المغنّية التي تعرف صناعة الخياطة أيضاً، وقد تكونان متساويين في الرغبة وبذل المال بإزائهما، وقد يكون الرغبة في المحلّلة أوفر وبذل المال بإزائها أكثر، إلى غير ذلك من الصور المتصوّرة في المقام. فنقول: لا إشكال في بطلان المعاملة في الصورتين الأوّلتين؛ لسقوط المبيع فيهما عن الماليّـة العرفيّـة، بسقوطه عن الماليّـة الشرعيّـة. وذلك، لأنّ مناط ماليّـة الشيء وسببها، المنافع، ومع حرمتها يصير ذلك الشيء في الشرع ومحيطه ممّا لا ماليّـة له؛ لعدم المنفعة له فيه، كما هو الواضح الظاهر، وتكون أدلّة حرمة المنافع مسقطة لماليّته عرفاً حكومة، وتكون حاكمة على أدلّة حلّيّـة البيع والتجارة، فإنّ مبادلة ما لا يكون مالاً ليست بيعاً ولا تجارة ولاعقداً، والمنافع المحلّلة النادرة في الصورة الثانية بما أنّها لا يبذل بإزائها المال فلم تكن موجبة للماليّـة عرفاً واقعاً، لا حكومة، فلا كلام في بطلان المعاملة في تلك الصورتين. كما لا إشكال في عدم الصحّة والبطلان في الصورة الثالثة إذا كان البيع بنحو الإطلاق؛ لعدم الماليّـة له لا شرعاً ولا عرفاً، لكون الموجب للماليّـة وما هو الملحوظ في اعتبارها، المنافع المحرّمة كما هو المفروض، أو بلحاظ المنفعة المحلّلة بقيمة ملحوظة لأجل المنفعة المحرّمة، لإسقاط الشارع ماليّته من هذه الجهة، وكون المعاملة سفهيّـة غير عقلائيّـة بالقيمة الكذائيّـة، فإنّ إعطاء ألف مليون تومان في مقابل خشب آلة عتيقة لهويّـة أسقط الشارع ماليّتها بلحاظ صورتها، معاملة سفهيّـة غير عقلائيّـة،ولامشمولاً لأدلّة تنفيذ المعاملات. نعم، صحّ بلحاظ مادّتها وبقيمة الخشب؛ لأنّ سقوط المنفعة القاهرة صار سبباً لملحوظيّـة المنفعة المقهورة، كما لو فرض السقوط تكويناً. فاللوح المنقوش العتيق البالغ سعره الآلاف، لا تلاحظ قيمة خشبه وقرطاسه في ماليّته عند العقلاء، لكن بعد محو النقش وسقوطه عن خاصيّته وماليّته يلاحظ الخشب والقرطاس، والبيع بلحاظهما صحيح عقلائيّ بالقيمة الملحوظة لأجلهما. ولعلّ مراد الشيخ الأعظم من عدم جواز البيع، مع قصد الفائدة النادرة المحلّلة الغير الملحوظة في الماليّـة بقوله: «لا على قصد الفائدة النادرة المحلّلة؛ لأنّ قصد الفائـدة النادرة لا يوجب كون الشـيء مالاً» غير هذه الصورة؛ لما عرفت من كون سقوط المنفعة القاهرة سبباً لملحوظيّـة المنفعة المقهورة في الماليّـة. وتوضيحه يظهر ممّا مرّ([784]) من المثال. وكيف كان، فكلامه في المقام لا يخلو من نوع تشويش. وأمّا سائر الصور، فصحيحة؛ لما فيها من الماليّـة للمبيع من جهة المنفعة المحلّلة، وإن كانت تلك المنفعة أقلّ من الماليّـة من جهة المنفعة المحرّمة؛ حيث إنّ المعتبر في الصحّة مطلق الماليّـة، وإن كانت أقلّ من الماليّـة الحاصلة من جهة المنافع المحرّمة. والظاهر عدم اشتراط صحّة البيع فيها باشتراط الانتفاع بالمحلّل في ضمن العقد؛ لعدم دليل عليه، ولعموم أدلّة الوفاء بالعقود وحلّيّـة البيع، وقد مرّ من الشيخ استظهاره الاشتراط من الحلّي في السرائر([785])، بل استظهار ادّعائه الإجماع عليه، لكن مرّ([786]) الكلام في كلا الاستظهارين وعدم إحراز الخلاف والإجماع، ولعلّ الأصحاب لم يتعرّضوا للاشتراط أصلاً. ------------------------- [784]. مرّ آنفاً. [785]. مرّ في الصفحة: 314. راجع: المكاسب 1: 68؛ السرائر 2: 222؛ و3: 122. [786]. مرّ في الصفحة: 312 ـ 313.
|