الجهة الثالثة: البحث في سند الرواية:

إنّ الرواية وإن كانت مذكورة في كتاب تحف العقول، لكن لا يمكن الاعتماد عليها.

والسرّ في ذلك أنّ الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني أو الحلبي الناقل للرواية في كتاب تحف العقول، وإن كان من قدماء أصحابنا الإماميّـة وأجـلّائهم، وكان كتابه معتمداً عليه إجمالاً، ففي رجال المامقاني:

الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبـة الحرّاني أو الحلبي... قـال في روضات الجنّـات:([57]) «إنّـه فاضلٌ فقيـهٌ، ومتبحّرٌ نبيـه، ومترفّع وجيـه، له كتـاب تحف العقول عن آل الرسول، مبسوط كثير الفوائد، معتمد عليه عند الأصحاب».([58])

وقال المحدّث القمّي في الفوائد الرضويّـة:

أبو محمّد، شيخ، فاضل، محدّث، عالم، عامل، فقيه، جليل([59]).

وقد عدّه في الذريعة معاصراً للصدوق. وحكي عن الشيخ عليّ بن الحسين بن صادق البحراني:

أنّـه من قدماء أصحابنا، حتّى أنّ شيخنا المفيد ينقل عنه، وكتابه ممّا لم يسمح الدهر بمثله([60]).

وقال مؤلّف تحف العقول في مقدّمة كتابه: «وأسقطت الأسانيد؛ تخفيفاً وإيجازاً، وإن كان أكثره لي سماعاً»([61]). وهذا ممّا يشعر باعتماده على أكثر ما فيه.

لكن مع ذلك كلّه، لا يمكن الاعتماد على روايات تحف العقول؛ لأنّها مرسلة محذوفة الأسناد، والمراسيل لا تكون حجّة إلّا أن تكون إرسالها ممّن قام الإجماع على اعتبار مراسيله كـ «ابن أبي عمير».

هذا مضافاً إلى ما ذهبنا إليه سابقاً من عدم اعتبارها مع غضّ النظر عن السند؛ لاغتشاشها في المتن والمضمون.

لا يقال: إنّ ضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب، واستنادهم إليها.

لأنّـه يقال: ـ مضافاً إلى عدم وجود الرواية في الجوامع الحديثيّـة المعتمدة من الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار ـ إنّـه لم يثبت استناد المتقدّمين إليها في مقام الفتوى، بل لم يثبت فتواهم على طبق مضمونها، فضلاً عن الاستناد إليها؛ لعدم وجود مضامين الرواية في كتب القدماء من أصحابنا.

إن قلت: إنّ الرواية، وإن لم تكن مشهورة عند القدماء، لكنّ الشهرة بين المتأخّرين في الاستناد إليها موجودة.

قلت: إنّ الشهرة بين المتأخّرين على تسليم ثبوتها غير جابرة لضعف الرواية؛ إذ لم يكن عندالمتأخّرين أزيد ممّا كان عندنا، فليس في المقام شهرة يجبر بها ضعف سند الرواية.