Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الأمر الثاني: في ثبوت حقّ الاختصاص للأعيان النجسة

الأمر الثاني: في ثبوت حقّ الاختصاص للأعيان النجسة

لو قلنا: إنّ الأعيان النجسة التي كانت لها منفعة محلّلة ليست بمال، هل يثبت لها حقّ الاختصاص أم لا؟

واستظهر الشيخ(قدس سرّه) ثبوته بقوله:

والظاهر ثبوت حقّ الاختصاص في هذه الاُمور الناشئ؛ إمّا عن الحيازة، وإمّا عن كون أصلها مالاً للمالك، كما لو مات حيوان له، أو فسد لحم اشتراه للأكل على وجه خرج عن الماليّـة ([909]).

وما استدلّ أو يمكن أن يستدلّ به على ثبوته وجوه ثلاثة، إثنان منها موجود في كلام الشيخ:

أحدها: أنّ المزاحمة لصاحب الأعيان النجسة ظلم وإيذاء له، والظلم قبيح عقلاً، وحرام شرعاً، وهذا يدلّ على ثبوت حقّ الاختصاص له، وإلّا لم يكن المزاحمة ظلماً وحراماً شرعاً.

وأجابوا عنه أوّلاً: بأنّ الظلم غير ملازم لثبوت حقّ الاختصاص، فإنّ المزاحمة لعابر طريق خاشع، بحيث يوجب انحرافه إلى حواشي الطريق ظلم وإيذاء له، وحرام شرعاً، ومع ذلك لا يدلّ على كون الطريق حقّاً له.

وثانياً: بأنّ ثبوت حقّ الاختصاص مستنداً إلى الظلم دور؛ حيث إنّ ثبوته متوقّف على كون المزاحمة له ظلماً، وهو متوقّف على ثبوت حقّ الاختصاص، وإلّا فإن لم يكن الشيء مالاً ولاحقّاً له لم يكن مزاحمته ظلماً وحراماً.

وفي الجوابين ما لا يخفی، ففي الأوّل أنّ الظلم في المقام ملازم للحقّ، فإنّ حقّ كلّ شيء بحسبه، فللعابر لطريق حقّ العبور والتطرّق، ولذا يكون مزاحمته ظلماً، وكذا لإمام الجماعة الراتب حقّ إمامة الجماعة في المسجد، كما عليه بعض الفقهاء، والقول بعدم الحقّ في مثلها، لا سيّما في مثل العابر ممنوع، كما هو الواضح الظاهر.

وفي الثاني أنّ صدق الظلم غير متوقّف على ثبوت الحقّ شرعاً، فإنّ الظلم عنوان ومفهوم عرفيّ كبقيّـة العناوين، وتابع لفهم العرف، لا للجعل الشرعيّ، والجعل فيه وفي ضدّه ـ أي العدل ـ إنّما يكون في حكمهما. وعليه، ففي قوله تعالى: Cإِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِB([910]) يكون المراد هو العدل والإحسان العرفيّ.

وفي قوله تعالى:C إِنَّ اللهَ لا يَظلمB([911])؛ أي لا يظلم بالظلم العرفيّ، ففي كلّ مورد حكم العرف بأنّـه ظلم يحكم الشرع بحرمته، ولم يكن متوقّفاً على ثبوت الحقّ شرعاً سابقاً.

ثانيها: ما استدلّ به الشيخ(قدس سرّه) من الحيازة.

توضيحه: إنّ مقتضى إطلاق النبويّ المعروف: «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به»([912]) ممّا استدلّ به على حقّ الاختصاص بالحيازة، ثبوت حقّ الاختصاص هنا كغيره من موارد السبق والحيازة به.

وأمّا غير هذا النبويّ ممّا استدلّ به لكون الحيازة موجبة للحقّ، كالإجماع والسيرة، أو «من حاز ملك»([913])، ففي الاستدلال بها للمقام ما لا يخفى.

أمّا الإجماع والسيرة ممّا تكون من الأدلّة اللّبيّـة لا إطلاق فيها، ولابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها، وهو غير المقام كما لا يخفى.

وأمّا المرسلة المعروفة بين الفقهاء: «من حاز ملك»، ففيها أوّلاً: لم يثبت كونها حديثاً، بل الظاهر أنّها جملة معروفة بين الفقهاء.

وثانياً: أنّها بحسب الظاهر يدلّ على الملكيّـة، لا الحقّ.

وثالثاً: عدم الإطلاق لها من هذه الجهة؛ لعدم كونها في مقام بيان المحاز، بل في مقام بيان المحيز.

وما أجابوا به عن الاستدلال بالنبويّ بأنّـه مربوط بالأموال الغير المنقول، كالأراضي، فلا يشمل المنقولات، كالأعيان النجسة أوّلاً، وأنّ ما نحن فيه خارج عن حدود هذا الحديث ثانياً، فإنّ مورده الأموال المشتركة بين المسلمين؛ بأن يكون لكلّ واحد منهم حقّ الانتفاع بها، كالأوقاف العامّة من المساجد والمشاهد والمدارس والرباط وغيرها، فإذا سبق إليها أحد من الموقوف عليهم وأشغلها بالجهة التي انعقد عليها الوقف حرمت على غيره مزاحمته وممانعته في ذلك([914])، ففيه نظرٌ وإشكال؛ لكونه مخالفاً لإطلاق النبويّ، لمكان كلمة ما الموصولة، فإنّها مطلقة من حيث المنقول وغيره، ومن حيث الأموال المشتركة وغيرها.

هذا، ولكنّ الحقّ ـ مع ذلك كلّه ـ عدم تماميّـة الاستدلال به لما نحن فيه؛ لأنّ رواية «من سبق» مربوط إلى ما لم يسبق إليه أحد وكان من شأنه أن يسبق إليه، فهو من عدم الملكة، وما نحن فيه ليس له هذا الشأن، فإنّ الناس والعقلاء لا يجيزون لأنفسهم ولغيرهم التعرّض لمثل الميتة التي في يد شخص وكان مالاً له سابقاً، فالرواية أجنبيّ عمّا نحن فيه.

ثالثها: ما أشار إليه الشيخ(قدس سرّه) أيضاً من التمسّك بالاستصحاب، فإنّ الحيوان الميتة قبل موته كانت مختصّة بالمالك، فإذا مات وزالت الماليّـة وشككنا في زوال حقّ اختصاص المالك كان مقتضى الاستصحاب، الحكم ببقائه.

ويرد عليه: أنّ حقّ الاختصاص القائم بالملكيّـة في زمان حيات الحيوان زال بزوال الملكيّـة، فلا شكّ في بقائه حتّى يستصحب، والاختصاص الأخر كان الشكّ في حدوثه، فالاستصحاب في المقام من النوع الثالث من استصحاب الكلّيّ، والاستصحاب الكلّيّ من النوع الثالث ليس حجّة؛ لعدم وحدة القضيّـة المتيقّنة والمشكوكة على ما حقّق في محلّه.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الظاهر ثبوت حقّ الاختصاص في الأعيان النجسة، والدليل عليه منحصر في الوجه الأوّل؛ لعدم تماميّـة الوجهين الأخيرين.

--------------------------
[909]. المكاسب 1: 106.
[910]. النحل (16): 95.
[911]. النساء (4): 40؛ يونس (10): 44.
[912]. عوالي اللئالي 3: 480، الحديث 4؛ مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات، أبواب كتاب إحياء الأموات، الباب 1، الحديث 4.
[913]. هذه قاعدة فقهيّـة؛ أي القاعدة الحيازة، اصطادوها من نصوص مختلفة.
[914]. راجع: مصباح الفقاهة 1: 238.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org