Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: حكم الصور الأربعة المذكورة في كلام الشيخ(قدس سرّه)

حكم الصور الأربعة المذكورة في كلام الشيخ(قدس سرّه)

وكيف كان، ينبغي لنا التعرّض لحكم الصور الأربعة:

الصورة الأُولى على ما ذكره (قدس سرّه) بما لفظه:

أحدها: أن يكون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام في الخارج، كما إذا أكره غيره على المحرّم، ولا إشكال في حرمته وكون وزر الحرام عليه، بل أشدّ، لظلمه([839]).

الظاهر أنّ مراده بصيرورة فعل الشخص علّة تامّة لتحقّق الحرام أن يكون فعله علّة تامّة لتحقّق الحرام من الغير، كما هو مقتضى عنوان البحث والمثال بالمكره.

ويرد عليه أوّلاً: أنّـه لا يمكن أن يتصوّر كون فعل شخص وإن كان إكراهاً وتوعيداً علّة لوقوع عمل من الآخر.

وذلك، لأنّ العلّة التامّة هي ما لا يكون لغيرها دخالة في تحقّق المعلول ويكون تمام التأثير في تحقّقه وإيجاده مستنداً إليها، وإلّا لا تكون تامّة، وإرادة الفاعل واختياره ليست علّة تامّة لتحقّق الفعل من المختار وغير المكره، فضلاً من أن يكون فعل المكره (بالكسر) علّة تامّة له، حيث إنّ تحقّقه بها منوط ومحتاج، مضافاً إلى إناطته واحتياجه إليها، إلى مقدّمات اُخر، كتحريك العضلات، وتحقّق الشرائط، وعدم الموانع.

وكيف يكون ذلك، مع أنّ المكره (بالفتح) يختار المكره عليه بإرادته واختياره، كاختياره وإرادته في حال اختياره، غاية الأمر أنّ المنشأ لإرادته واختياره في الفاعل المختار هو المصالح والمضارّ المترتّب على الفعل والترك، بحسب طبعه؛ وفي الفاعل المكره هو التوعيد، فلا يكون الفعل خارجاً عن تحت اختيار الفاعل المكره وإرادته وخالياً عن بقيّـة الشرائط، بأن يكون فعله مثل تحرّك يد المرتعش ممّا لا ارتباط له بإرادة المرتعش حتّى يمكن أن يتصوّر كون تمام التأثير لتوعيد المكره وتهديده وكونه علّة تامّة لتحقّق المكره عليه من المكره بالفتح.

نعم، لو سخّره المكره (بالكسر) وجعله تحت إرادته، بحيث يكون الفاعل المكره المسخّر مسلوب الإرادة والاختيار، ومتحرّكاً وفاعلاً بإرادته، بأن تكون قوى الفاعل كالآلة للنفس المسخّرة إيّاه، فلا يكون الفعل في مثله صادراً عن المسخّر (بالفتح)، بل يكون صادراً عن المسخّر القاهر، فتسخيره وإكراهه كذلك، وإن كان علّة تامّة، لكنّـه خارج عن مفروض البحث.

هذا، مع أنّ في كون ذلك أيضاً علّة تامّة مناقشة أيضاً.

وثانياً: على تسليم كون الإكراه علّة تامّة، لكنّـه ليس محرّماً على الإطلاق لما فيه الصور الثلاثة التي يكون بعضها غير محرّم؛ وذلك لأنّ الفعل الصادر من المكره بإكراه المكره، تارة لا يخرج بواسطة الإكراه عن الحرمة الفعليّـة، كالإكراه على القتل، فإنّـه محرّم فعليّ على المكره (بالفتح) لو أوعده على مادون القتل، بل، وبه أيضاً على المعروف في الفتاوى، وإن كان المختار اختصاص بقاء الحرمة بالتوعيد بما دون القتل، وإلّا فمع التوعيد به حرمة العمل عن المكره (بالفتح) مرفوع بحديث الرفع([840]) وغيره([841])، كما حقّقناه في كتاب القصاص([842]).

واُخرى، يخرج عنها بالإكراه، مع أنّـه كان محرّماً فعليّاً لولاه.

وثالثاً: يكون الفعل قبل تحقّق الإكراه خارجاً عن الحرمة الفعليّـة، كما لو اضطرّ إليه ولم يفعله فأكره عليه.

لا إشكال ولا كلام في حرمة الإكراه في الصورة الاُولى؛ للقبح عقلاً في تحريك الغير على معصية المولى، فضلاً عن إكراهه عليها، مع أنّ النصّ والفتوى متوافقان عليه([843]).

كما أنّـه لا إشكال في عدم الحرمة من حيث الإكراه على الفعل في الأخيرة، ضرورة أنّـه مع الضرورة صار مباحاً ومرخّصاً فيه، بل قد يكون الأمر أو الإكراه بفعل المضطرّ عليه واجباً، كما لو ترك المضطرّ المشرف على الموت أكل الميتة أو مال الغير.

نعم، فيما لم يصر واجباً، بل صار مباحاً ومرخّصاً فيه فلا يجوز للغير إكراهه عليه؛ لكونه ظلماً.

إنّما الكلام والإشكال في الصورة الثانية، أي فيما صار الإكراه موجباً لرفع الحرمة عن المباشر.

والتحقيق أنّ العناوين مختلفة، فقد يكون العنوان المنطبق على الفعل بسبب الإكراه الذي يتبدّل به الحكم عنواناً مقابلاً للآخر وفي عرضه، كالمسافر والحاضر، فلكلّ عنوان مصلحة خاصّة به مستتبعة لحكمه.

فلا إشكال في مثله في جواز تبديل أحدهما بالآخر للفاعل باختياره، فضلاً عمّا كان باضطراره وإكراهه. وعلى هذا، فلا يحرم الإكراه والتوعيد من هذه الجهة على المكره، وإن حرم عليه من جهة الظلم، فمن أكره غيره على السفر لا يعاقب على إلزامه المكره (بالفتح) بالسفر بتركه الصلاة التامّة، فإنّها في السفر محرّمة لا مصلحة فيها، ومن قبيل تبديل عنوان بعنوان آخر في عرضه.

وقد لا يكون كذلك؛ بأن يكون العنوان الأصلي، المنطبق على الفعل المتعلّق للحكم مبغوضاً وحراماً بنحو الإطلاق، وإنّما يصير مباحاً بانطباق عنوان ثانويّ عليه في طول العنوان الأصلي وإذن المولى مع ذلك العنوان العرضي في مبغوضه الفعلي لدفع محظور أشدّ منه، فيتأسّف على وقوع تلك الواقعة التي ألزمته على التسليم على المبغوض، لكنّـه لم يكن له بدّ عنه.

ففي مثله تحصيل هذا العنوان أو الإكراه على تحصيله يكون قبيحاً وحراماً، وإن كانت الحرمة مرتفعة عن المكره والمضطر.

ثمّ إنّ الظاهر من أخذ العناوين العذريّـة في موضوع الترخيص هو كونه من قبيل الصورة الثانية، ولهذا قلنا في مثل المحدث الذي كان له الماء بعدم جواز إهراقه الماء وتحصيله العذر والفقدان اختياراً.

نعم، مع قيام الدليل على خلاف ذلك الظاهر فالمتّبع هو الدليل، كما في مثل استثناء الشارع الأقدس الباغي والعادي من المضطرّ في أكل الميتة بقوله تعالى: Cفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلَا عَادB([844])، بل، وكذا في اضطرار الفاعل نفسه بارتكاب المحرّم؛ لانصراف أدلّة الاضطرار عنه عرفاً؛ مناسبة للحكم والموضوع، فيكون ذلك مستثناة أيضاً، ويكونان كليهما مستحقّاً للعقوبة لارتكابهما الحرام بأكل الميتة مثلاً، بل في مثل المتوسّط في الأرض المغصوبة معاقب على التوقّف فيها والخروج عنها معاً على ما حقّق في محلّه.

والحاصل: أنّ في العناوين العذريّـة تفويت لغرض المولى، وإلقاء للنفس أو الغير في ارتكاب مبغوضه، وهو قبيح عقلاً وحرام شرعاً بنفسه، مع قطع النظر عن كونه ظلماً، كما يكون كذلك الأمر في الإكراه على المعصية والحرام مثل الصورة الاُولى، حيث إنّ ملاك قبح الإكراه وحرمته على المعصية هو الإلقاء في المبغوض والمفسدة، وهذا الملاك موجود في المورد، وإن لم يكن فيه نهي وحرمة فعليّـة كما لا يخفى.

هذا كلّه في العقوبة الأخرويّـة، وأمّا ما على الفعل من العقوبة والوزر الدنيويّ، كالقصاص والتعزير والكفّارة وغيرها من أنّـه هل تكون على المكره أو المباشر، ففيه التفصيل.

وذلك لأنّ الإكراه على محرّم إن كان مع بقائه على ما هو عليه من الحرمة على المباشر، كالإكراه على مثل القتل على ما مرّ، يكون وزره على المباشر؛ قصاصاً كان أو غيره من العقوبات؛ لارتكابه الحرام الموجب لذلك الوزر دون المكره، لعدم نسبة الفعل إليه.

نعم، من الممكن جعل وزره عليه بدليل خاصّ؛ لارتكابه القبيح والظلم، كما وردت رواية صحيحة بأنّ الآمر بالقتل يحبس حتّى يموت([845]).

وأمّا إن كان مع ارتفاع الحرمة عن المكرَه (بالفتح) قبل الإكراه، كما في الصورة الثالثة من الصور المتقدّمة، فلا وزر عليه في الارتكاب؛ لعدم ارتكابه المحرّم، الموجب للوزر الدنيويّ، كما لا وزر على المكره أيضاً؛ لعدم نسبة الفعل إليه.

وأمّا إن كان موجباً لرفع الحرمة عن المكرَه (بالفتح)، كما في الصورة الثانية، فلا وزر عليه، وأمّا كونه على المكرِه وأنّـه على قدر الفاعل المختار أو أزيد فمنوط بقيام الدليل عليه، وقد قام في باب إكراه الزوجة على الجماع نهاراً في شهر رمضان، ففي الرواية أنّ على المكرِه كفّارتين وضرب خمسين سوطاً.

وإن كانت طاوعته، فعليه كفّارة وضرب خمسة وعشرين سوطاً. وعليها مثل ذلك([846]).

ووردت روايات بأنّ من اغتصب امرأة فرجها، يقتل؛ محصناً كان أو غير محصن([847])، مع أنّ غير المحصن لا يقتل.

وقد ذكر الفقهاء ـ بلا نقل خلاف ـ أنّ ضمان التلف على المكرِه (بالكسر) دون المكرَه([848])، ولعلّك بالتتبّع تجد موارد اُخرى ممّا قام عليه الدليل.

وبالجملة، ترتّب العقوبات والأوزار الدنيويّـة على الإكراه منوط إلى الدليل؛ لأنّ الأصل فيها العدم.

وقد ظهر ممّا ذكرناه في العقوبة الدنيويّـة، عدم تماميّـة ما ذكره الشيخ الأعظم بقوله: «وكون وزر الحرام عليه، بل أشدّ لظلمه»([849]). لعدم الدليل عليه، وما علّله لذلك بقوله: «بل أشدّ لظلمه»، ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ الظلم، وإن كان محقّقاً عقلاً وعقلاءً وعرفاً بالإكراه، بل وسنّـة؛ لكونه خلاف قاعدة: «الناس مسلّطون على أنفسهم»، المستفاد من قوله تعالى: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمـُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ(([850])، ومن النبويّ: «الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم»([851]) على نقله كذلك من زيادة كلمة «أنفسهم»، بل مع عدمه أيضاً، من جهة أولويّـة النفس عن المال، لكنّـه مع ذلك كلّه غير موجب لأزيد من الحرمة والعقوبة الأخرويّـة، كما لا يخفى.

----------------
[838]. المائدة (5): 3.
[839]. المكاسب 1: 75.
[840]. راجع: وسائل الشيعة 4: 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 6 ـ 8؛ و15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الباب 56.
[841]. راجع: وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 11؛ و25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23؛ و 27: 108، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به، الحديث 5.
[842]. راجع: فقه الثقلين في شرح تحرير الوسيلة (كتاب القصاص): 96.
[843]. راجع: جواهر الكلام 42: 47؛ وسائل الشيعة 29: 45، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 13.
[844]. البقرة (2): 173.
[845]. الكافي 7: 285، باب الرجل يأمر رجلاً بقتل رجل، الحديث 1؛ الفقيه 4: 81/254، باب القود ومبلغ الدية، الحديث 17؛ التهذيب 10: 219/864، باب الاثنين إذا قتلا واحداً و...، الحديث 7؛ الاستبصار 4: 283/1071، باب من أمر غيره بقتل إنسان فقتله، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 29: 45، كتاب القصاص، أبواب قصاص النفس، الباب 13، الحديث 1.
[846]. راجع: وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 12.
[847]. راجع: وسائل الشيعة 28: 108، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا، الباب 17.
[848]. راجع: شرائع الإسلام 3: 186؛ وجواهر الكلام 37: 57.
[849]. المكاسب 1: 75.
[850]. الأحزاب (33): 6.
[851]. عوالي اللئالي 1: 222، الحديث 99؛ و ص 457، الحديث 198؛ و 2: 138، الحديث 383؛ و3: 208، الحديث 49. وليس في المصادر الروائيّ: «وأنفسهم» من الرواية، بل هذا متّخذ من القواعد الفقهيّـة.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org