Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: طواف النساء

طواف النساء شيء إلاّ النساء(1) حتى يحجّ(2) في القابل إذا كان إحصاره عن واجب مستقرّ، ولو عجز عن الرجوع بنفسه جاز أن يستنيب على الأقوى(3)، ولو كان ندباً، أو واجباً غير مستقرّ،

(1) في غير عمرة التمتّع، فإنّ حلية النساء فيها بالتقصير غير بعيدة، فإنّ البعث والتقصير كما أنّهما كانا موجبين للحلية من بقيّة المحرّمات فيها فكذلك النساء؛ قضاءً لإطلاق الحلّ بهما وقصور أدلّة استثناء النساء عن شمولها لعمرة التمتّع.

هذا، مع أنّه لم يكن فيها طواف النساء بالأصالة لغير المحصور، فكيف يجب على المحصور. (صانعي )

(2) كما صرّح به جماعة[1]؛ لقوله (عليه السلام) في الصحيح: «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت، وبالصفا والمروة»[2].

(3) المنسوب إلى علمائنا، كما عن المنتهي[3]. وفي المدارك: «هو مشكل جدّاً؛ لقوله (عليه السلام): لا يحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت، وبالصفا والمروة»[4].

وفيه: أنّ أدلّة النيابة حاكمة على الصحيح المذكور، كما في نظائره، إلاّ أن يقال: أدلّة النيابة إنّما تجدي لو شرّعت النيابة في الحجّ، وإلاّ فمجرّد مشروعيّتها في طواف النساء غير كافية؛ لعدم حلّ النساء بمباشرة طواف النساء على ما هو ظاهر الصحيح والفتاوى. (حكيم) ويتحلّل بعد عمل النائب. (صانعي)

--------------------------------------------------
[1]. النهاية: 281، التذكرة 8: 403، السرائر 1: 638، المدارك 8: 304، كشف اللثام 6: 319، الرياض 7: 245، المستند 13: 147.
[2]. الكافي 4: 369، الحديث 3، التهذيب 5: 421، الحديث 1465، وسائل الشيعة 13: 178، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 3.
[3]. المنتهي 2: 850.
[4]. المدارك 8: 305.

ـ(614)ـ

--------------------------------------------------
أو كان نائباً عن الغير بتبرّع أو إجارة أجزأ(1)أن يطاف عنه طواف النساء على الأقوى(2).
ولو زال الحصر التحق(3)، فإن أدرك الموقفين(4) فقد أدرك الحجّ، وإلاّ فلا. ولو أحصر

(1) المحكي عن المراسم[1]: حلّ النساء في المندوب بالهدي، ويقتضيه صريح مرسل المقنعة، وإطلاق[2] موثّق زرارة[3] المشار إليه آنفاً، ومال إليه في الحدائق[4]، لكنّ المرسل غير ثابت الحجّية، والموثّق غير معمول بإطلاقه، وحمله على المندوب لا قرينة عليه، فالعمل بإطلاق الصحيح المتقدّم، الشامل للمندوب متعيّن. والمعروف[5] هنا جواز الاستنابة في الطواف مع القدرة، واستدلّ له بأنّ الحجّ المندوب لا يجب العود؛ لاستدراكه، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفي في الحلّ بالاستنابة في طواف النساء.

وفيه: أنّ نصوص الباب مطلقة في توقّف الحلّ على تمام النسك، فلابدّ في التحلّل من فعله مباشرة أو استنابة إن قام دليل على مشروعيّتها فيه، كما عرفت في الحاشية السابقة.

(2) بل لا يبعد جواز الاستنابة في التحلّل عن النساء في الواجب المستقرّ أيضاً، وإن كان يجب عليه الحجّ من قابل؛ قضاءً للاستقرار.
هذا كلّه في من أمكن له العمرة، أو الاستنابة بلا حرج ومشقّة، وإلاّ فالظاهر سقوطها وحصول الحلّ بالبعث والتقصير؛ قضاءً للسهولة، ونفي الحرج والضرر في الحكمين إلى السقوط والحلية، فتدبّر جيّداً. (صانعي)

(3) بلا ريب ـ كما في المدارك ـ[6]؛ لوجوب إتمام النسك الذي شرع فيه، ويشهد له صحيح زرارة[7]، الآمر بالالتحاق إذا وجد المحصر من نفسه خفة.

--------------------------------------------------
[1]. المراسم: 118.
[2]. المقنعة: 446، وسائل الشيعة 13: 180، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 6.
[3]. الكافي 4: 371، الحديث 9، وسائل الشيعة 13: 180، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 5.
[4]. الحدائق 16: 46.
[5]. النهاية: 282، الشرائع 1: 257، التذكرة 8: 403، المنتهي 2: 850، الرياض 8: 245، كشف اللثام 6: 319، المستند 13: 147.
[6]. المدارك 8: 307.
[7]. الكافي 4: 370، الحديث 4، التهذيب 5: 422، الحديث 1466، وسائل الشيعة 13: 183، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 3، الحديث 1.

ـ(615)ـ
--------------------------------------------------
(4) يعني على الوجه المتقدّم[1] في مباحث الوقوفين.
--------------------------------------------------
[1]. ص 450.

ـ(616)ـ

--------------------------------------------------
عن مناسك يوم النحر وما بعده فيستنيب(1) في ما لا يمكّنه، ويسقط المبيت.

الفائدة الرابعة: في بقيّة ما يتأكّد استحبابه مدّة المقام بمكّة المعظّمة

وهي أمور: الأوّل: يستحبّ بعد الفراغ عن الحجّ طواف أسبوع وصلاة ركعتين عن أبيه، وأُمّه، وزوجته، وولده، وخاصّته، وجميع أهل بلده[1] ويجزيه طواف واحده بصلاته عن الجميع، لكن لو أفرد لكلّ واحد طوافاً وصلاة مستقلّة كان أولي.

الثاني: يستحبّ أن يطوف مدّة مقامه بمكّة ثلاثمائة وستّين طوافاً، كلّ طواف سبعة أشواط، فإن لم يتمكّن فبثلاثمائة وأربعة وستّين شوطاً اثنين وخمسين أسبوعاً، فإن لم يستطع فبما يقدر

(1) على ما تقدّم[2] في المصدود؛ لأنّ الظاهر أنّ المقامين من الباب واحد عندهم، وعليه فإذا لم تمكّن الاستنابة تحلّل بالهدي، فتأمل جيّداً، والله سبحانه أعلم، والحمد للّه ربّ العالمين، انتهي ما أردنا تعليقه على مناسك أستاذنا المرحوم الحجّة النائيني قدس‏سره في الخامسة من ساعات الليلة الثالثة عشرة من شهر ذي الحجّة الحرام من السنة السادسة والخمسين بعد الألف والثلاثمائة هجريّة، في جوار الحضرة المقدّسة في النجف الأشرف على مشرفه آلاف التحيّة والثناء.

--------------------------------------------------
[1]. ويدلّ على ذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم الحضرمي، عن أبيه أنّه قال لأبي الحسن موسى (عليه السلام): إنّي إذا خرجت إلى مكّة ربما قال لي الرجل طف عنّي أُسبوعا، وصلّ ركعتين، فأشتغل عن ذلك، فإن رجعت لم أدر ما أقول له، قال: إذا أتيت مكّة فقضيت نسكك فطف أُسبوعا وصلّ ركعتين ثمّ قل: اللّهم إنّ هذا الطواف وهاتين الركعتين عن أبي وعن أمّي وعن زوجتي وعن ولدي، وعن حامتي، وعن جميع أهل بلدي حرّهم وعبدهم وأبيضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجل: إنّي قد طفت عنك وصلّيت عنك ركعتين إلاّ كنت صادقا، فإذا أتيت قبر النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين، ثمّ قف عند رأس النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ثمّ قل: السلام عليك يا نبي الله من أبي وأمّي وزوجتي وولدي وجميع حامتي ومن جميع أهل بلدي حرّهم وعبدهم وأبيضهم وأسودهم فلا تشاء أن تقول للرجل: إنّي قد أقرأت رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) عنك السلام إلاّ كنت صادقا. (الكافي 4: 316، الحديث 8، التهذيب 6: 109، الحديث 193، وسائل الشيعة 11: 205، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 30، الحديث 1).
[2]. ص 575.

ـ(617)ـ

--------------------------------------------------
عليه[1]، فإنّه كالصلاة إن شاء استقل، وإن شاء استكثر.
ويكره فيه الكلام[2] إلاّ بالذكر والدعاء[3]، بل ينبغي أن يتجنّب فيه الأكل والشرب والضحك والتمطّي[4] والتثاؤب[5] ومدافعة الأخبثين[6] وسائر ما يكره في الصلاة، ويكره أن

--------------------------------------------------
[1]. ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يستحبّ أن يطوف ثلاثمائة وستيّن أُسبوعا على عدد أيّام السنة، فإن لم يستطع فثلاثمائة وستيّن شوطاً، فإن لم تستطع فما قدّرت عليه من الطواف. (الكافي 4: 429، الحديث 14، الفقيه 2: 255، الحديث 1236، الخصال: 602، الحديث 8، التهذيب 5: 135، الحديث 445، وسائل الشيعة 13: 308، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 7، الحديث 1).
وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة، كلّ أسبوع لسبعة أيّام، فذلك اثنان وخمسون أُسبوعا. (التهذيب 5: 471، الحديث 1655، وسائل الشيعة 13: 309، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 7، الحديث 2).
[2]. ويدلّ على ذلك ما ورد في الروايات من جواز الكلام في الطواف الواجب وغيره وإنشاد الشعر والضحك، وكراهية ذلك. منها: ما عن محمّد بن علي الرضا (عليه السلام) في حديث قال: طواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلاّ بالدّعاء وذكر الله وتلاوة القرآن. (التهذيب 5: 127، الحديث 417، الاستبصار 2: 227، الحديث 78، وسائل الشيعة 13: 403، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 54، الحديث 2).
[3]. يستحبّ أيضاً اختيار القراءة في الطواف. عن أيّوب أخي أديم قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): القراءة وأنا أطوف أفضل أو أذكر الله تبارك وتعالي؟ قال: القراءة، قلت: فإن مرّ بسجدة وهو يطوف قال: يومي‏ء برأسه إلى الكعبة. (الكافي 4: 427، الحديث 2، وسائل الشيعة 13: 403، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 55، الحديث 1).
[4]. التمطّي: وهو التبخترومدّ اليدين في المشي. وقيل: التمطّي مأخوذ من قولهم: «جاء المطيطا» بالتصغير والقصر، وهي مشية يتبختر فيها الإنسان. (مجمع البحرين 1: 394، مادّة مطا). وفي الصحاح أصله التموّد. (الصحاح 6:2494).
[5]. التثأب: في الحديث: «التثاءُب من الشيطان والعطسة من الله» التثاءُب فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه. (مجمع البحرين 4: 16، مادّة ثأب)، وأشار إلى هذا المعني أبو المجد الحلبي في إشارة السبق ص 93. التثاب معروف وهو مصدر تثاب، والاسم الثوباء، وإنّما جعله من الشيطان كراهية له؛ لأنّه إنّما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، وإضافته إلى الشيطان، لأنّه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها وأراد به التحذير من السبب الذي يتولّد منه، وهو التوسّع في المطعم والمشبع، فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. (مصباح الفقيه 2:416). وفي الحدائق عن عياض قال: التثأب بشدّ الهمزة، والاسم الثوباء. (الحدائق 9:94).
[6]. مدافعة الأخبثين، أي حصر البول والغائط.

ـ(618)ـ

--------------------------------------------------
يطوف في برطلة[1]، وهي قلنسوة طويلة كان زي اليهود قديماً لبسها، ولو كان محرماً حرم عليه ذلك، والأولي، بل الأحوط أن لا يلبسها المؤمن مطلقاً[2]، ولا غيرها ممّا فيه التشبّه بأعداء الله ورسوله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله).

الثالث: ينبغي أن يزار مولد رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، وهو الآن في مسجد زقاق يسمّي زقاق المولد، ومنزل خديجة الذي توفّيت فيه[3] وسكنه النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) معها في حياتها، وبعد وفاتها إلى أن هاجر إلى الطيّبة وهو أيضاً مسجد الآن. ويستحبّ زيارة خديجة بالحجون[4] وقبرها هناك معروف في سفح الجبل، وأن يزور قبر أبي طالب. ويستحبّ أن يختم القرآن مدّة إقامته بها لا أقلّ مرّة، وإتيان مسجد راقم[5]، والغار الذي بجبل[6] حراء وكان النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ينزّله في ابتداء الوحي، والغار الذي بجبل ثور[7] تستر به (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) عن المشركين. ويستحبّ لمن

--------------------------------------------------
[1]. في الحديث «إنّه (عليه السلام) كره لباس البُرطلة» البُرطُلة بالضمّ: قلنسوة وربمّا تشدّد. (مجمع البحرين 5: 320، برطل).
[2]. وقد ورد في الروايات من النهي عنها معلّلاً بأنّها: من زيّ اليهود منها ما عن زياد بن يحيي الحنظلي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة. (الكافي 4: 427، الحديث 4، التهذيب 5: 134، الحديث 442، وسائل الشيعة 13: 420، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 67، الحديث 1).
ومنها رواية يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبدالله (عليه السلام) أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة، فإنّها من زيّ اليهود. (التهذيب 5: 134، الحديث 443، الفقيه 2: 255، الحديث 1235، وسائل الشيعة 13: 420، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 67، الحديث 2).
[3]. الدروس 1: 468، الجواهر 20: 69.
[4]. والحجون بفتح الحاء: جبل بمكّة صار إليه النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) بعد موت أبي طالب (عليه السلام). وفي الصحاح وهو مقبرة. (المجمع 6: 231) الحجون بالحاء المهملة والجيم والواو والنون، كصبور، جبل بأسفل مكّة وقيل: بأعلى مكّة عنده مدافن أهلها. (معجم البلدان 2: 215).
[5]. ويقال للدار التي هو فيها: دار الخيزران، فيه استستر رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) في أوّل الإسلام (الدروس 1: 468).
[6]. وفي المجمع حِراء ـ بالكسر والمّد ـ جبل بمكّة. (مجمع البحرين 1: 99) جبل حراء (ويقال له جبل النور) وكان رسول الله في ابتداء الوحي يتعبّد به. (الدروس 1: 468)،.
[7]. جبل ثور وهو جبل يقع بأسفل مكّة على طريق عرفة، وقد خرج إليه رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) في ليلة الهجرة واختبأ في الغار حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة، وفي المجمع «ثَوْر» بالفتح فالسكون: جبل بمكّة وفيه الغار الذي بات فيه النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) لما هاجر. (المجمع 3: 238).

ـ(619)ـ
--------------------------------------------------
رجع من طريق المدينة النزول على معرَّس النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)[1] ويقال: إنّه الآن مسجد بأزاء مسجد الشجرة، والاضطجاع فيه قليلاً ليلاً أو نهاراً، وصلاة ركعتين فيه. ولو جاوزه ولم ينزّل فيه استحبّ له الرجوع والتدارك. وكذا يستحبّ الصلاة في مسجد غدير خم[2] والإكثار من الابتهال والدعاء فيه، وهو الموضع الذي نصّ فيه النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وعقد البيعة له صلّي الله عليهما وعلي آلهما الطاهرين.

الفائدة الخامسة: في ما يستحبّ عند الوداع إذا أراد الخروج إلى أهله فلا يخرج حتى يشتري بدرهم تمراً، ويتصدّق به قبضة قبضة لما كان منه في الحرم، أوحال إحرامه، فيكون كفّارة لما دخل في الحجّ غفلة من حك أو سقوط قملة ونحو ذلك[3].
--------------------------------------------------
[1]. المُعرَّس: مسجد ذي الحليفة، كان رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) يعرّس فيه ثمّ يرحل الغزاة أو غيرها، والتعريس: نومة المسافر نومة خفيفة. (معجم البلدان 5: 155). ويستحبّ النزول بالمعرّس لمن مرّ به واردا من مكّة والصلاة فيه، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا انصرفت من مكّة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع إلى المدينة من مكّة فائت معرّس النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة أونافلة فصلّ فيه، وإن كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلاً، فإنّ رسول‏الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) قد كان يعرّس فيه ويصلّي فيه. (الكافي 4: 565، الحديث 1، الفقيه 2: 335، الحديث 1559، وسائل الشيعة 14: 370، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 19، الحديث 1).
[2]. يستحبّ الصلاة في مسجد الغدير ولو نهارا في السفر، ويدلّ عليه ما عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وأنا مسافر فقال: صلّ فيه، فإنّ فيه فضلاً، وقد كان أبي يأمر بذلك. (الكافي 4: 566، الحديث 1، الفقيه 2: 335، الحديث 1557، التهذيب 6: 18، الحديث 41، وسائل الشيعة 14: 374، كتاب الحجّ، أبواب‏المزار وما يناسبه، الباب 22، الحديث 1).
[3]. يستحبّ الصدقة عند الخروج من مكّة بتمر يشتريه بدرهم، ناويا للتكفير عمّا كان منه في الإحرام وفي الحرم، ويدلّ عليه روايات، منها: ما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدّقا به لما كان منهما في إحرامهما، ولما كان منهما في حرم الله عزّوجلّ. (الفقيه 2:290، الحديث 143، وسائل الشيعة 14: 292، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 20، الحديث 1). ومنها رواية أُخرى عن معاوية بن عمّار وحفص بن البختري جميعا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي للحاجّ إذا قضي مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا يتصدّق به فيكون كفّارة لما لعلّه دخل عليه في حجّه من حكّ أو قمّلة سقطت، أو نحو ذلك. (الكافي 4: 533، الحديث 1، التهذيب 5: 282، الحديث 963، وسائل الشيعة 14: 292، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 20، الحديث 2).

ـ(620)ـ

--------------------------------------------------
ويستحبّ أن يعزم على العود، فإنّه يزيد في العمر إن شاء الله تعالى[1]، وأن يطوف أسبوعاً[2]، ويستلم الحجر الأسود، والركن اليماني في كلّ شوط مع الإمكان، وإلاّ افتتح به، واختتم به مع الإمكان أيضاً، ثمّ يأتي المستجار[3] مثل يوم قدومه، فيصنع عندها مثل ما صنع يوم قدوم مكّة ثمّ يختار ما يشاء لنفسه من الدعاء، ثمّ يستلم الحجر الأسود، ثم يلصق بطنه بالبيت ويحمد الله، ويثنيّ عليه، ويصلّي على محمد وآله، ثمّ يقول: «اللّهم صلّ على محمّد
--------------------------------------------------
[1]. يستحبّ لمن حجّ أن يعزم على العود؛ لأنّه من أعظم الطاعات المعلوم كون العزم عليها من قضايا الإيمان، وقد سمعت ما في أخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد به، وفي خبر عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره. (الكافي 4: 281، الحديث 3، وسائل الشيعة 11: 150، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 57، الحديث 1).
وقال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): من أراد الدنيا والآخرة فليؤمّ هذا البيت، ومن رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره، ومن خرج من مكّة ولا ينوي العود إليها فقد قرب أجله، ودنا عذابه. (الفقيه 2: 141، الحديث 614، وسائل الشيعة 11: 151، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 57، الحديث 3).
[2]. يستحبّ وداع الكعبة بالمأثور وغيره، والطواف له والدعاء، ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تخرج من مكّة فتأتي أهلك فودّع البيت وطف أُسبوعا، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط فافعل، وإلاّ فافتح به واختم، وإن لم تستطع ذلك فموسعّ عليك. (الكافي 4: 530، الحديث 1، التهذيب 5: 280، الحديث 957، وسائل الشيعة 14: 287، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 88، الحديث 1).
[3]. المستجار جزء من حائط الكعبة بحذاء الباب دون الركن اليماني بقليل، ويستحبّ بسط اليدين عليه، وإلصاق البطن والخدّ به، والإقرار للّه بالذنوب مفصّلة، فانّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لرّبه بذنوبه في هذا المكان، إلاّّ غفر الله له إن شاء الله. (المسالك 2: 344). وفي رواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة، وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت وألصق بدنك وخدّك بالبيت وقل: اللّهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار، ثمّ أقرّ لربّك بما عملت، فإنّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر الله له إن شاء الله. وتقول: اللّهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللّهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي وأغفر لي ما اطلعت عليه منى وخفي على خلقك، ثمّ تستجير بالله من النار، وتخيّر لنفسك من الدعاء، ثمّ استلم الركن اليماني، ثمّ ائت الحجر الأسود. (الكافي 4: 411، الحديث 5، التهذيب 5: 107، الحديث 349، وسائل الشيعة 13: 345، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 26، الحديث 4).
وفي الأخبار هو المكان الذي يقال إنّه دخلت فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السلام) منه إلى البيت عندما أرادت أن تولّده، ولا يزال إلى الآن فيه علامة، ولعلّ تسميته بالمستجار؛ لأنّ فاطمة استجارت به فانشقّ حائطه لها.

ـ(621)ـ

--------------------------------------------------
عبدك، ورسولك، ونبيّك، وأمينك، وحبيبك، ونجيبك، وخيرتك من خلقك. اللّهم كما بلّغ رسالاتك، وجاهد في سبيلك، وصدع بأمرك وأوذي فيك، وفي جنبك، حتى أتاه اليقين. اللّهم اقلبني منجحاً، مفلحاً، مستجاباً لي، بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة، والبركة، والرضوان، والعافية ممّا يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك وتزيدني عليه. اللّهم إن أمتّني فاغفر لي، وإن أحييتني فارزقنيه من قابل. اللّهم لا تجعله آخر العهد من بيتك. اللّهم إنّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على دابّتك، وسيّرتني في بلادك، حتى أوصلتني حرمك وأمنك، وقد كان في حسن ظنّي بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عنّي رضياً، وقربّني إليك زلفي، ولا تباعدني، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأي عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي غير راغب عنك ولا عن بيتك، ولا مستبدل بك ولا به. اللّهم أحفظني من بين يدي، وعن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي حتى تبلغني أهلي، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مؤنه عبادك وعيالي، فإنّك ولي ذلك من خلقك ومنّي»ثمّ ائت زمزم واشرب منها، ولا تصب على رأسك، وقل: «آئبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون، إلى ربّنا منقلبون، راغبون، إلى ربّنا راجعون[1] إن شاء الله»، ثمّ ائت المقام وصلّ خلفه بركعتين، ثمّ ائت الملتزم، والتزمه، واكشف عن بطنك، وقف عليه قدر الطواف سبعة أشواط أو ثمانية، ثمّ تأتي الحجر، وتقبّله، وتمسحه بيدك، ثمّ تمسحها بوجهك[2]، ثمّ تأتي إلى باب البيت، وتضع يدك عليها

--------------------------------------------------
[1]. الكافي 4: 530، الحديث 1، التهذيب 5: 280، الحديث 957، وسائل الشيعة 14: 287، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 18، الحديث 1.
[2]. الكافي 4: 532، الحديث 3، التهذيب 5: 281، الحديث 959، وسائل الشيعة 14: 289، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 18، الحديث 3.

ـ(622)ـ

--------------------------------------------------
وتقول: «المسكين على بابك فتصدّق عليه بالجنّة»[1]، فإذا أردت الخروج فخرّ ساجداً طويلاً عند باب المسجد، ثمّ قم، واستقبل القبلة، وقل: «اللّهم إنّي أنقلب على لا إله إلاّ الله»، ثمّ اخرج[2] من الباب الحناطين.

الفائدة السادسة:[استحباب زيارة سيّد النبيّين (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ] إنّ من تمام الحجّ هو زيارة سيد النبيّين (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)[3] واستحبابها عيناًـ خصوصاً للحاجّ ـ من ضروريّات الدين، بل مقتضي ما ورد من أنّه لو تركها الناس أجبرهم الوالي عليها، وينفق عليهم من بيت المال إذا لم يتمكّنوا منها بمالهم هو وجوبها الكفائي على الأُمّة نحو ما مرّ في الحجّ

--------------------------------------------------
[1]. الكافي 4: 532، الحديث 5، التهذيب 5: 282، الحديث 962، وسائل الشيعة 14: 290، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 18، الحديث 4.
[2]. الكافي 4: 531، الحديث 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 18، الحديث 43، وسائل الشيعة 14: 288، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 18، الحديث 2.
[3]. يستحبّ زيارة النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) أبي القاسم رسول الله محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، ولد بمكّة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأوّل عام الفيل وكان حمل أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن مرّة بن كلاب به أيّام التشريق في منزل أبيه عبدالله بمنى عند الجمرة الوسطي، والإشكال فيما بين الولادة والحمل يدفعه أنّ أيّام التشريق في ذلك الزمان كانت في رجب؛ لأنّ حجّهم كان فيه، أو أنّ المراد ظهور حملها به فيها. (الجواهر 20: 79). واستحباب زيارة النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) يتأكّد للحاجّ، ولذا يجبر الإمام الناس عليها لو تركوها، والروايات التي تدلّ على استحباب زيارة النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) كثيرة، منها: ما عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) من أتي مكّة حاجّا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة. (الكافي 4: 548، الحديث 5، التهذيب 6: 4، الحديث 5، الفقيه 2: 338، الحديث 1571، وسائل الشيعة 14: 333، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 3، الحديث 3). وعن النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) قال: من زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة. (التهذيب 6: 3، الحديث 2، وسائل الشيعة 14: 334، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 3، الحديث 5). وعن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه، عن أبائه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إلى في حياتي، فان لم تستطيعوا فابعثوا إلى السلام، فانّه يبلغني. (التهذيب 6: 3، الحديث 1، المقنعة: 71، وسائل الشيعة 14: 337، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 4، الحديث 1). )

ـ(623)ـ

--------------------------------------------------
ضابطه، وللمدينة حرم حدّه من «عائر» إلى «وعير»[1]، وهما جبلان يكتنفان المدينة من المشرق والمغرب، وإن كان لا يجب الإحرام فيه، إلاّ أنّ الأحوط إن لم يكن أقوي أن لا يقطع شجرة، ولا سيّما الرطب منه، إلاّ ما استثني ممّا سمعته في حرم
--------------------------------------------------
[1]. للمدينة حرم بلا خلاف فيه بين المسلمين، وحّده من عائر إلى وعير. قال الشهيد: «وغير» بفتح الواو. (الدروس 2: 21)، وفي المسالك وقيل بضمّها مع فتح العين المهملة، والحرّتان موضعان أدخل منهما نحو المدينة، وهما حرّة ليلي وحرّة وأقم بكسر القاف، وهو الحسن، والحرّة منسوبة إليه، وأصل الحرّة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، الأرض التي فيما حجارة أسود، وهذا الحرم بريد في بريد اثنا عشر ميلاً في اثني عشر ميلاً. (المسالك 2: 381).
وفي تحريم قطع شجره وصيد ما بين الحرّتين منه قولان: أحدهما التحريم، وهو اختيار الشيخ. (المبسوط 1: 386، النهاية: 287. ) والعلاّمة في المنتهي. (المنتهي 2: 799). والثاني وهو المشهور بين الأصحاب، بل كثير منهم لم يذكروا فيه خلافاً.
وفي الروايات أنّ حرم المدينة من عاير إلى وعير. منها: ما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) إنّ مكّة حرم الله حرّمها إبراهيم (عليه السلام)، وإن المدينة حرمي ما بين لا تبيها حرم لا يعضد شجرها وهو ما بين ظلّ عاير إلى ظل وعير، ليس صيدها كصيد مكّة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك، وهو بريد. (الكافي 4: 564، الحديث 5، التهذيب 6: 12، الحديث 23، وسائل الشيعة 14: 362، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 17، الحديث 1).
وفي خلاصة الوفاء: عير، ويقال: عائر جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي الحليفة ولعلّ المراد بظل وعير فيؤه كما رواه الصدوق مرسلاً. (معاني الأخبار: 338). مدينة يثرب، تغيّر اسمها بعد هجرة الرسول (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) إليها وأصبحت تعرف ب «مدينة النبيّ» و«المدينة المنوّرة» وأصبحت من المدن الإسلامية المهمّة والمقدّسة، ويجدر بالزائر في مدّة إقامته فيها إن يراعي قداستها، فقد نقل عن الإمام علي (عليه السلام) إنّه قال: مكّة حرم الله والمدينة حرم رسول الله. (الكافي 4: 563، الحديث 1، التهذيب 6: 12، الحديث 21، وسائل الشيعة 14: 360، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 16، الحديث 1).
وقال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): «المدينة قبّة الإسلام ودار الإيمان، وأرض الهجرة، ومبدأ الحلال والحرام» وعند ما خرج رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) من مكّة قال: «اللّهم كما أخرجتني من أحبّ البقاع إلى فأسكني في أحبّ البقاع إليك»، كما تحتوي المدينة بأجمعها ذكريّات رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وأصحاب رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، فيجدر بزائر الحرم النبويّ أن يرعي حرمة هذه المدينة، وأن يغتنم أوقاته فيها بالصلاة والدعاء وطلب الرحمة والمغفرة، وأن يتبرّك بالمساجد والبقاع المباركة خصوصا مسجد النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله).
ويثرب اسم المدينة قبل الإسلام؛ لأنّ أوّل من سكنها بعد التفرّق هو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن ارم عبيل بن عوض بن ارم بن سام بن نوح (عليه السلام)، وهذا الاسم مأخوذ من الثرب، وهو الفساد أومن التثريب وهو المؤاخذة بالذنب، ومن ذلك لا يحبّه رسول الله وغيّره فقال (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) لا تدعوها يثرب فإنّما طيّبة، يعني المدينة. (الدر المنثور 5: 188).
والمدينة علمٌ لعدّة مدن، منها: المدينة وفي أربعة مواضع من القرآن الكريم يقصد من المدينة مدينة رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) في سورة التوبة في آية 101، وسورة التوبة في آية 120، والأحزاب في آية 60 والمنافقون في آية 8.

ـ(624)ـ

--------------------------------------------------
مكّة، بل الأحوط إن لم يكن أقوي اجتناب صيد ما بين الحرمين منه، بل الأولى اجتناب مطلق الصيد فيه. ويستحبّ الغسل عند دخولها أوحين يدخلها[1] ثمّ المضيّ إلى زيارة سيّد النبيّين (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) بغسل آخر أو بذلك الغسل، وكيفية زيارته (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) في كتب المزار. ويستحبّ الصلاة في مسجد رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فإنّها تعدل ألف صلاة، وخصوصاً بين القبر والمنبر الذي هو روضة من رياض الجنّة[2]،

--------------------------------------------------
[1]. في آداب الزيارة: لقاء بالأرواح المطهرّة والشخصّيات الكاملة ومظاهر الحقّ، عند ما يقف الزائر أمام هذه الوجودات السامية المتجسِّدة في رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) والأئمّة المعصومين (عليهم ‏السلام) يبدأ بتعداد فضائلهم وكمالاتهم معترفا بنقصه وأثامه، مصلّيا عليهم، آخذا على نفسه بالارتباط إليهم وبتعاليمهم.
من هنا كان أوّل شرط في الزيارة هو التأدّب، وهو لا يتأتي إلاّ بمعرفتهم وحبّهم، وأنّ للمثول بين يدي رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) والأئمة آداب ظاهريّة وباطنيّة، وقد جاء في الروايات الكثيرة منها، وأنّنا نكتفي بالإشارة إلى بعضها:

1 ـ الغسل والتطهير قبل الدخول إلى المزار. وفي عيون الأخبار عن الرضا (عليه السلام) في كتاب كتبه إلى المأمون، وغسل يوم الجمعة سنّة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكّة والمدينة، وغسل الزيارة... (العيون 2: 123، وسائل الشيعة 3: 305، كتاب الطهارة، أبواب أغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 1).
وعن ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الغسل من الجنابة، ويوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة عند زوال الشمس، و... وعند دخول مكّة والمدينة. (التهذيب 1: 110، الحديث 290، وسائل الشيعة 3: 306، كتاب الطهارة، أبواب أغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 10).

2 ـ لبس النظيف من الثياب، واستعمال الطيب.

3 ـ المشي بسكينة ووقار وخضوع وخشوع.

4 ـ تسبيح الله وتهليله والثناء عليه في طريقه إلى الحرم.

5 ـ والوقوف بباب الحرم والدعاء والاستئذان للدخول.

وأمّا كيفيّة زيارته (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) على ما رواه معاوية بن عمّار في الحسن عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أوحين تدخلها، ثمّ تأتي قبر النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فتسلّم على رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، ثمّ تقوم عند الأسطوانة المقدّمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر، ومنكبك الأيمن ممّا يلي المنبر، فإنّه موضع رأس رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله). (الكافي 4: 550، الحديث 1، التهذيب 6: 5، الحديث 8، كامل الزيارات: 15، وسائل الشيعة 14: 341، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 6، الحديث 1).
[2]. الروضة، الأرض ذات الخضرة، والروضة: البستان الحسن، وقوله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) بين قبري أو بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة. (لسان العرب 5: 369). وفي المجمع: الروضة، الأرض الخضرة بحسن البنات، ومنه روضات الجنان، وهي أطيب البقاع وأنزهها. (مجمع البحرين: 4:210).
ويستحبّ إتيان المنبر والروضة، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله: إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فائت المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتيه، وهما السفلاوان، وامسح عينيك ووجهك به، فإنّه يقال: إنّه شفاء للعين، أو قم عنده فاحمد الله وأثن عليه وسل حاجتك، فإنّ رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) قال: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة. (الكافي 4: 553، الحديث 1، التهذيب6: 7، الحديث 12، وسائل‏الشيعة 14: 345، كتاب ‏الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 7، الحديث 1).
عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة. (الكافي 4: 554، الحديث 3، وسائل الشيعة 14: 345، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 7، الحديث 2).
الروضة بما بين القبر والمنبر اعتمادا على ما روي عن رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله). قال الشيخ الطوسي...، ويستحبّ أن يصلّي ما بين القبر والمنبر ركعتين، فإنّ فيه روضة من رياض الجنّة. (النهاية: 317).
ويستحبّ أن يصلّي ما بين القبر والمنبر ركعتين؛ فإنّ فيه روضة من رياض الجنّة. وقد روي أنّ فاطمة(س) مدفونة هناك. (النهاية: 317).
فإنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره، خصوصا بين القبر والمنبر، وليكثر من الصلاة بالمسجد وخصوصا الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر. (الجواهر 20: 84).
من عبدالله بين القبر والمنبر فله عند الله روضة من رياض الجنّة. بهذا المعني أشار العلاّمة المجلسي في البحار: العلّة في أنّ بين قبر النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) وبين المنبر روضة من رياض الجنّة: أنّه من عبدالله بين القبر والمنبر وعرف حقّ رسول الله وأهل بيته (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) وتبّرأ من أعدائهم فله عند الله عزّوجلّ روضة من رياض الجنّة، ولا يكون له ذلك في غير ذلك الموضع. (البحار 99: 382، المستدرك 10: 195).

في تحديد الروضة:

1) قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة.

2) عن مرازم قال: قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عمّا يقول الناس في الروضة؟ فقال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): فيما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة، فقلت له: جعلت فداك، ما حدّ الروضة؟ فقال: بعد أربع أساطين من المنبر إلى الظلال، فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شيء؟ قال: لا. (الكافي4: 554، الحديث 5، وسائل‏الشيعة14: 345، كتاب ‏الحجّ، أبواب‏المزار وما يناسيه، الباب 7، الحديث 3).

الروضة وحدّها في أقوال الفقهاء:

قال ابن البرّاج: الروضة هي ما بين القبر والمنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد، وليس في الصحن من الروضة شيء. (المهذّب 1:277).
وقال يحيي بن سعيد: ثمّ أتي المنبر فمسح رمانيّته، وصلّ بين القبر والمنبر، وهو روضة من رياض الجنّة. (الجامع للشرائع: 231).
وقال ابن إدريس: ويستحبّ الصلاة بين القبر والمنبر ركعتين؛ فإنّ فيه روضة من رياض الجنّة. (السرائر 1: 652).
وقال ابن حمزة: فإذا فرغ أتي المنبر ومسح وجهه وعينيه برمانتيه... وصلّي ركعتين بين القبر والمنبر، فإنّ فيه روضة من رياض الجنّة. (الوسيلة: 197).
اهتم السلف والخلف برعاية الآداب والمستحبّات في الروضة المقدّسة، ووردت روايات كثيرة ترغب في الدعاء وتجبب الصلاة وطلب الحاجة من الله عزّوجلّ وحتّى زيارة فاطمة بنت رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) في الروضة المقدّسة.

استحباب الصلاة في الروضة:

عقد الحرّ العاملي (رحمه الله) بابا حول استحباب الإكثار من الصلاة في مسجد النبي (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) خصوصا بين القبر والمنبر، وفي بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) وتعرّض لذكر روايات مرويّة عن المعصومين (عليهم السلام) بأنّ الصلاة في مسجد النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) تعدل ألف صلاة في غيره، من معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) هل قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة؟ فقال: نعم... وقال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام فهو أفضل. (الكافي 4: 555، الحديث 8، التهذيب 6: 8، الحديث 1، وسائل الشيعة 5: 279، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 57، الحديث 1).
وعن هارون بن خارجة قال: الصلاة في مسجد الرسول (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) تعدل عشرة الآف صلاة. (الكافي 4: 556، الحديث 11، وسائل الشيعة 5: 279، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 57، الحديث 2).
وقال الشيخ الطوسي: ويستحبّ أن يصلّي ما بين القبر والمنبر ركعتين، فإنّ فيه روضة من رياض الجنّة. (النهاية: 317).
وقال البحراني: قد اتّفقت الأخبار وكلمة الأصحاب على أنّه يستحبّ لزائر المدينة بعد الدخول إكثار الصلاة في مسجد الرسول (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ولا سيّما في الروضة وهي ما بين القبر والمنبر. (الحدائق 17: 415).

استحباب طلب الحاجة في الروضة:

ومن جملة الآداب والمستحبات الواردة في الروضة الدعاء والثناء وطلب الحاجة عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فائت المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتيه، وهما السفلاوان، وامسح عينيك ووجهك به، فإنّه يقال: إنّه شفاء للعين وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه، وسل حاجتك، فإنّ رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) قال: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة. (الكافي 4: 553، الحديث 1، التهذيب 6: 7، الحديث 12، وسائل الشيعة 14: 345، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 7، الحديث 1).

ـ(625)ـ
--------------------------------------------------
ـ(626)ـ
--------------------------------------------------
ـ(627)ـ
--------------------------------------------------
وفي بيت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، الذي هو أفضل من الصلاة في الروضة[1]، والصوم ثلاثة أيّام وإن كان مسافراً، وينبغي أن يكون الأربعاء والخميس والجمعة، وليصل ليلة الأربعاء ويومها عند أسطوانة أبي لُبابة، المسمّاة بـ «أسطوانة التوبة»، وليلة الخميس ويومها عند الأسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، وليلة الجمعة ويومها عند الأسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)[2]. وإن استطعت أن لا تتكلّم في هذه الأيّام إلاّ ما لابدّ لك منه فافعل، كما أنّه

--------------------------------------------------
[1]. يستحبّ اختيار الصلاة في بيت علي وفاطمة عليهما السلام على الصلاة في الروضة، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الصلاة في بيت فاطمة عليها‏السلام أفضل أوفي الروضة؟ قال: في بيت فاطمة. (الكافي 4: 556، الحديث 13، التهذيب 6: 8، الحديث 16، وسائل الشيعة 5: 284، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 59، الحديث 1)، وعن جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الصلاة في بيت فاطمة (عليهما ‏السلام) مثل الصلاة في الروضة؟ قال: وأفضل. (الكافي 4: 556، الحديث 14، وسائل الشيعة 5: 285، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 59، الحديث 2).
[2]. التهذيب 6: 16، الحديث 35، وسائل الشيعة 14: 350، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 11، الحديث 1.
قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أنّهم منهم ثلاثة نفر من الأنصار، أبو لبابة عبد المنذر، وثعلبة بن وديعة وأوي بن حذام، تخلّفوا عن رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) عند مخرجه إلى تبوك، فلمّا بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلّف عن نبيّه (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) أيقنوا بالهلاك وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فسأل عنهم فذكر له أنّهم أقسموا أن لا يحلّون أنفسهم حتى يكون رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، وقال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله): وأنا اُقسم لا أكون أوّل من حلّهم إلاّ أنّ أؤمر فيهم بأمر، فلمّا نزل «عسى الله أن يتوب عليهم»عمد رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) إليهم فعلّهم فانطلقوا فجاؤا بأموالهم إلى رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فقالوا هذه أموالنا التي خلّفتنا عنك فخذها وتصدّق بها عنّا. (مجمع البيان 5: 67).

ـ(628)ـ

--------------------------------------------------
ينبغي لك الاعتكاف فيها، بل ينبغي أن لا تنام فيها في ليل ولا نهار إلاّ مقدار الضرورة، واسأل الله كلّ حاجة لك دنيا وآخرة، وليكن في ما تقول: «اللّهم ما كانت إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها أو التماسها، أولم أشرع، سألتكها، أولم أسالكها فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها[1].
اللّهم إنّي أسألك بعزّتك، وقوّتك، وقدرتك، وجميع ما أحاط به علمك، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تفعل بي كذا وكذا»[2]، وإن شئت أن تكون في ليلة الأربعاء ويومها عند الأسطوانة التي تلي رأس النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، وليلة الخميس ويومها عند أسطوانة أبي لُبابة، وليلة الجمعة ويومها عند الأسطوانة التي تلي مقام النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) فلا بأس به. والله العالم.


[ استحباب زيارة فاطمة (سلام الله عليها) وأئمّة المسلمين بالبقيع]

ويستحبّ مؤكّداً - بعد زيارة النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ـ زيارة بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين[3]. والأولى أن تزار في الروضة وفي بيتها وفي

--------------------------------------------------
[1]. التهذيب 6: 16، الحديث 35، وسائل الشيعة 14: 350، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 11، الحديث 1.
[2]. الكافي 4: 558، الحديث 5، وسائل الشيعة 14: 351، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 11، الحديث 4.
[3]. لا خلاف في أنّه يستحبّ أن تزار فاطمة عليها‏السلام بنت رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) أُمّ الحسن والحسين (عليهما ‏السلام)، حليلة أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين، استحبابا مؤكّدا، بل هو من ضروريّات المذهب، بل الدين. (الجواهر 20: 85).
وفي خبر يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جدّه، قال: دخلت على فاطمة عليها ‏السلام فبدأتني بالسلام، ثمّ قالت، ما غدا بك؟ قلت طلب البركة، قالت: أخبرني أبي وهو ذا أنّه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيّام أوجب الله له الجنّة، قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: نعم، وبعد موتنا. (التهذيب 6: 9، الحديث 18، وسائل الشيعة 14: 367، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 18، الحديث 1).
وفي مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة؛ لأنّ قبر فاطمة عليها‏السلام بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنّة، وإليه ترعة من ترع الجنّة. (معاني الأخبار: 267، الحديث 1، وسائل الشيعة 14: 369، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 18، الحديث5).
وفي صحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قبر فاطمة عليها‏السلام فقال: دفنت في بيتها فلمّا زادت بنو أُميّه في المسجد صارت في المسجد. (الكافي 1: 383، الحديث 9، التهذيب 3: 255، الحديث 705، الفقيه 1: 148، الحديث 684، وسائل الشيعة 14: 368، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 18، الحديث 3). والأفضل أن يزار الإنسان في الموضعين جميعا.

ـ(629)ـ

--------------------------------------------------
البقيع؛ لمكان الاختلاف في دفنها وإن كان الأوسط، هو الأوسط، إلاّ أنّه لما زاد بنو أُميّة في المسجد صار قبرها فيه.

وكذا زيارة أئمّة المسلمين بالبقيع، الحسن بن أمير المؤمنين وعليّ بن الحسين سيّد الساجدين، ومحمّد بن علي باقر علوم الأوّلين والآخرين، وجعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين[1].

--------------------------------------------------
[1]. يستحبّ زيارة الأئمّة (عليهم السلام) بالبقيع إجماعا أو ضرورة من المذهب أوالدين. ويدلّ على ذلك، النصوص المتواترة، منها ما عن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما لمن زار أحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله). (الكافي 4: 579، الحديث 1، الفقيه 2: 347، الحديث 1592، التهذيب 6: 79، الحديث 157، وسائل الشيعة 14: 328، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 2، الحديث 15).

وفي خبر الوشّاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: إن لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة. (الفقيه 2: 345، الحديث 1577، المقنعة: 75، العيون 2: 261، الحديث 24، العلل: 459، الحديث 3، وسائل الشيعة 14: 322، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه، الباب 2، الحديث 5. ).

نبذة مختصرة عن حياة الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام):

ولد ريحانة النبيّ (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) الحسن بن علي (عليه السلام) في الخامس عشر من رمضان من العام الهجري الثالث، وكان لرسول (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) شديد التعلّق به (عليه السلام) وبأخيه الحسين (عليه السلام)، وكانا يعرفان بوصفهما ابناه، وقد اشترك الإمام المجتبي (عليه السلام) مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة الجمل وصفين والنهروان، وبعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) بايعه أهل العراق بعد تنصيبه من قبل الإمام علي (عليه السلام)، ولكنّهم تركوه وحيدا فيحربه مع معاوية وخذلوه لأسباب عديدة، كما خذلوا أباه من قبل، فتنازل عن الحكم مكرها وتوجّه نحو المدينة، وكان ذلك في عام 41 ه، وبقي فيها مدّة عشر سنوات وكان الإمام الحسن النموذج الكامل للأخلاق الإسلاميّة، وقد تصدّق مرارا بنصف أمواله، وكانت شهادته بالسمّ على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس بمؤامرة من معاوية، وأقام أهل المدينة الغراء عليه، وكانت رغبة الإمام الحسن (عليه السلام) بان يدفن إلى جوار جدّه رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) إلاّ أنّ المروانيّين حالوا دون ذلك، وقد أعانهم من ادّعي ملكيته للأرض التي دفن فيها رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله)، فدفنه الإمام الحسين (عليه السلام) في البقيع؛ عملاً بوصيّة أخيه في عدم إراقة الدم بسببه.

نبذة مختصرة عن حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام):

ولد الإمام زين العابدين (عليه السلام) عام 38 للهجرة النبويّة، وترعرع في ظلّ إمامة عمّة المجتبي (عليه السلام) وأبيه الإمام الحسين (عليه السلام)، قد حضر في واقعة كربلاء، وقد أقعده المرض عن المشاركة فيها وتدلّ الإمامة بعدها مدّة أربع ثلاثين سنة إلى حين‏استشهاده عام 94 ه، وكانت مرحلة إمامته عصيبة عليه وعلي شيعته تحت ضغوط بني أُميّة، إلاّ أنّه (عليه السلام) رغم المحن تمكن من جمع الشيعة الخلّص، ونمهيد الطريق لإمامة ابنه الباقر (عليه السلام).

ومن أهمّ ما تركه الإمام زين العابدين (عليه السلام) الصحيفة السجاديّة، المعروفة بزبور آل محمّد، وهي تحتوي على أدعية ذات مضامين عباديّة وسياسيّة راقية، وهي من أهمّ‏النصوص الدينية بعد القرآن ونهج البلاغة.

وقد قضي الإمام زين العابدين (عليه السلام) عام 94 ه، مسموما على يد الوليد بن عبد الملك، ودفن في البقيع إلى جوار عمّه الإمام الحسن (عليه السلام).

نبذه مختصرة عن حياة الإمام الباقر (عليه السلام):

ولد الإمام الباقر (عليه السلام) عام 58 هجريّة، وعاش في المدينة مع أبيه حتى عام 94 ه، حيث تولي إمامة الشيعة بعد استشهاد والده (عليه السلام) وقد دأب على صيانة العقيدة الدينيّة من التحريف، وسعي من خلال تدريس كثير من التلاميذ إلى حفظ المعارف الإسلاميّة الأصليّة من التحريف على يد الأمويين، وقد عرف الإمام الباقر لسعة وغزارة علمه بباقر العلوم، وقد ابلغه جابر الأنصاري وهو آخر من بقي من الصحابة، سلام رسول الله (صلّى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) إليه، وقد قام الإمام الباقر بتبيين الخطوط الواضحة في الفقه والتفسير والسيرة النبويّة في ذروة النزاع المحتدم بين علماء المدينة حول المسائل الاعتقاديّة والأحكام الفقهيّة، وقد استشهد الإمام الباقر (عليه السلام): عام 114 أو117 ه على يد هشام بن عبد الملك، ودفن في البقيع إلى جوار أبيه زين العابدين (عليه السلام).

نبذة مختصرة عن حياة الإمام الصادق (عليه السلام):

ولد الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) عام 80 أو83 هجريّة في المدينة المنوّرة، وقد تولي إمامة الشيعة الإماميّة فكرّيا وسياسيّا بعد استشهاد أبيه الباقر (عليه السلام)، فعرف مذهب الشيعة الجعفري باسمه، وقد تخرج على يده قرابة أربعة آلاف شخص، وقد اثني عليه جميع علماء عصره، وقد حوت النصوص الشيعيّة ألاف الروايات عنه في التفسير والأخلاق، والفقه على وجه الخصوص، فكانت مصدر عظمة الأحاديث الشيعة منها، سعي الإمام الصادق (عليه السلام) إلى تسليح شيعته بالحديث والفقه، لمواجهة الانحرافات المحدقة بالتشيّع، وقد تعرّض الشيعة في هذه المرحلة إلى ضغوط شديدة عدا بضع سنوات من بداية الحكم العبّاسي وقد ضيّق عليه المنصور العبّاسي بشدة حتى دسّ إليه السمّ في يوم 25 من شوّال، عام 148 ه، فقضي مسموما، ودفن في البقيع إلى جوار جدّه وأبيه (عليهم ‏السلام).

ـ(630)ـ
--------------------------------------------------
ـ(631)ـ
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org