|
استماع الغيبة من الکبائر أم لا؟
ثمّ إنّ معصية الاستماع هل تکون من الکبائر کالغيبة أم لا وأنّها صغيرة؟ واستدلّ الشيخ الأعظم الأنصاري على كونه من الكبائر بالنبويّ: «السامع للغيبة أحد المغتابين».([1666])قال(قدس سره) بعد استدلاله لحرمة استماع الغيبة بالنبويّ: والأخبـار في حـرمتـه كثـيرة،([1667]) إلّا أنّ مـا يـدلّ على كـونـه من الكـبائـر ـ كالروايـة المذكورة ونحوها ـ ضعيفة السند.([1668]) واستشكل عليه سيّدنا الأستاذ بقوله: وفيه نظر، يظهر بعد ذكر محتملات الرواية: فمنها: أن يكون المغتابين على صيغة الجمع، وكأنّ القائل بصدد إدراج السامع في المغتابين حكماً بلسان الإدراج الموضوعيّ وتنزيله منزلة المغتاب، فيكون المراد أنّـه واحد منهم حكماً، كما لو قال: زيد أحد العلماء مع فرض عدم كونه عالماً، فكأنّـه قال: السامع بمنزلة المغتاب. فعلى هذا، الفرض تمّت دلالتها؛ لإطلاق التنزيل، إلّا على إشكال مشترك بين الاحتمالات تأتي الإشارة إليه. لكنّـه بعيدٌ؛ لعدم فائدة في ذكر الجمع لإفادة هذا المعنى، بل لو قال: السامع مغتاب كان أولى وأدلّ، كقوله: «الفقّاع خمر»،([1669])و: «الطواف بالبيت صلاة».([1670]) ومنها: أن يكون على صيغة التثنية، ويراد به تنزيل السامع منزلة المتكلّم بالغيبة؛ سواء أريد به أنّـه بمنزلة القائل بتلك الغيبة التي سمعها، أو أريد أنّـه بمنزلة المتكلّم بها وأنّ السامع كأنّـه المتكلّم بها. وعليه أيضاً تمّت الدلالة، لكن هذا اللسان كأنّـه ينافي التنزيل بلسان إثبات الموضـوع؛ لأنّ لسان إثباتـه يقتضي أن يكون بـإيقاع الهوهويّـة لا الإثنينيّـة والتغاير، كما في الرواية. ومنها: أن يراد به جعل العدل للمغتاب، فكأنّـه قال: السامع مغتاب آخر عدل المغتاب. وعليه أيضاً لا تبعد تماميّـة دلالته، بأن يقال: إنّ إطلاق العدليّـة يقتضي الاشتراك في جميع الآثار والأحكام. ومنها: أن يراد بهذا الكلام، الحكاية عن تنزيل سابق عليه، فإذا كان السامع منزّلاً منزلة المغتاب يصير المغتاب إثنين: الحقيقيّ والتنزيليّ، والسامع أحدهما، وهو الفرد التنزيليّ. وعلى هذا الاحتمال يشكل الاستدلال؛ لعدم وقوفنا على دليل التنزيل وكيفيّـة دلالته حتّى نتمسّك بإطلاقه، ويكفي في الحكاية، التنزيل ببعض الآثار كأصل الحرمة. إلّا أن يقال: إنّ حكاية العدليّـة بقول مطلق كاشف عن التنزيل كذلك، وهو لا يخلو من وجهٍ، كما لا يخلو من تأمّل. ومنها: أن يراد به التنبيه على أنّ الغيبة ـ كما يتوقّف تحقّقها على المغتاب ـ يتوقّف على السامع وهو شريكه في الإثم، وليس حال السامع حال المضروب المتوقّف تحقّق الضرب عليه، بل هو دخيلٌ في كشف ستر المؤمن وهتكه، وهو أحد المغتابين بهذا الاعتبار. وعليه، لا يكون في مقام بيان التنزيل حتّى نتمسّك بإطلاقه على كونه من الكبائر. إلّا أن يقال: يكفي كونه في مقام بيان كونه شريكاً، فيتمسّك بإطلاق الشركة في الإثم على المطلوب. إلّا أن يناقش بأنّـه ليس في مقام بيان الشركة في الإثم أيضاً، بل بصدد بيان سرّ كونه مأثوماً بأنّـه باستماعه مأثـوم، والمغتاب بكلامه، فهـو في مقام بيـان أصل المأثوميّـة مقابل عدم الإثم. وهذا الاحتمال غير بعيدٍ عن ظاهر اللفظ والاعتبار. فتحصّل ممّا ذكر عدم ظهور الرواية في التنزيل المطلق، حتّى يستفاد منها كون الاستماع من الكبائر. هذا مضافاً إلى ورود إشكال آخر، وهو أنّ عمدة ما دلّت على كون الغيبة كبيرة مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة،([1671]) وقد عرفت أنّ الأظهر فيها تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة، ومقتضى التنزيل المذكور أنّها كبيرة. وعليه، يمكن أن يناقش في دلالة ما يدلّ على تنزيل المستمع منزلة المغتاب على كون الاستماع معصية كبيرة، بأن يقال: إنّ التنزيل في لسان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بـ «أنّ المستمع أحد المغتابين» يصحّ مع اشتراك المستمع للمغتاب في أحكام حال التنزيل، ومقتضى إطلاقه اشتراكهما في جميع الأحكام في حال الدعوى والتنزيل. وهو لا يقتضي اشتراكهما في الأحكام النازلة المتعلّقة بالمغتاب بعد التنزيل والدعوى، فإنّ صحّة الدعوى وإطلاق التنزيل لا تقتضيان أزيد من ثبوت جميع الأحكام حال التنزيل، ومن المحتمل أن يكون تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة، وإثبات حكم حبّ شياعها عليه بعد تنزيل المستمع منزلة المغتاب. إلّا أن يقال: إنّ الغيبة لو كانت كبيرة كانت كذلك من أوّل الأمر، ولا يمكن انفكاك الكبيرة عن أصل المعصية. لكنّـه غير ثابتٍ؛ لأنّ الأحكام مجعولة وضعاً وتكليفاً، ويمكن أن تكون الغيبة ذات مفسدة ضعيفة في أوّل البعثة، فجعلت محرّمة، ثمّ حدثت فيها مفاسد أخرى شديدة، كالمفاسد الاجتماعيّـة، فجعلت كبيرة وأوعد عليها النار الأليم، فدعوى عدم إمكان التفكيك تحتاج إلى بیّنة، مفقودة في المقام. ودعوى أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)العالم بالأحكام الآتية لا محالة ينزل الشيء منزلة الآخر في جميع الأحكام السابقة واللاحقة، فالإطلاق يقتضي ترتّبها عليه مطلقاً، غير سديدة؛ لأنّ طريق علمه، الوحي الإلهي، والمفروض عدم الإيحاء إليه. ولو قلنا بأنّـه عالم بها لإحاطته باللوح المحفوظ فهو علم غير عاديّ ليس مناط جعل الأحكام في ظاهر الشريعـة، ولا شبهة في تدريجيّـة الأحكام نزولاً وإجراءً وفعليّـةً. وبالجملة، الدعوى عدم الإطلاق بالنسبة إلى الأحكام المفقودة حال التنزيل وعدم ثبوته إلّا في الأحكام المحرزة حاله.([1672]) هذا، ولكن لو قلنا بحرمة استماع الغيبة من باب الظلم والظلم قبيحٌ عقلاً وحرامٌ شرعاً كما مرّ بيانه،([1673])يمكن الذهاب إلى كونها من المعاصي الكبيرة، فإنّ الظلم معصية كبيرة. ---------------------- [1666]. راجع: روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 18: 37؛ مستدرك الوسائل 9: 133، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 136، الحديث 7. [1667]. اُنظر: وسائل الشيعة 12: 291، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 156؛ مستدرك الوسائل 9: 131، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 136. [1668]. المكاسب 1: 359. [1669]. راجع: وسائل الشيعة 25: 359، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27؛ ومستدرك الوسائل 13: 183، كتاب المکاسب، أبواب ما يکتسب به، الباب 48. [1670]. راجع: عوالي اللئالي 1: 214، الفصل التاسع في ذکر أحاديث تتضمّن شيئاً من أبواب الفقه...، الحديث 70؛ و2: 167، باب الطهارة، الحديث 3. [1671]. مرّت المرسلة مع تخريجها في الموارد المختلفة المتقدّمة من الصفحات: 406 و 408 و 418 و 424 و 488 و 493 و 560؛ وراجع: الكافي 2: 357، باب الغيبة والبهت، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 12: 280، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 6. [1672]. المكاسب المحرّمة 1: 449 ـ 452. [1673]. مرّ بيان الملازمة والنقض والإبرام فيها في الصفحة: 427، مضافاً بأنّ الأُستاذ(قدس سره) تمسّك بهذه الملازمة بين العقل والشرع مراراً في باب الظلم لإثبات حرمة بعض المحرّمات المبحوثة.
|