|
ومنها: جواز جرح الشهود والرواة
واستدلّ عليه الشيخ(قدس سره) بالإجماع، وبأنّ مصلحة عدم الحكم بشهادة الفسّاق أولى من الستر على الفاسق، ثمّ قال: ومثله، بل أولى بالجواز جرح الرواة؛ فإنّ مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته. ويلحق بذلك، الشهادة بالزنا وغيره لإقامة الحدود.([1616]) وقرّره في مصباح الفقاهة بأنّـه: وقد اتّفق الأصحاب على جواز جرحهم وإظهار فسقهم، بل إقامة البيّنة على ذلك؛ صوناً لأموال الناس وأعراضهم وأنفسهم، إذ لو لا ذلك لبغي الفسّاق في الأرض وأظهروا فيها الفساد، فيدّعي الواحد منهم على غيره حقّاً ماليّاً أو عرضيّاً أو بدنيّاً، أو يدّعي زوجيّـة امرأة أجنبيّـة لنفسه، أو يدّعي نسباً كاذباً ليرث من ميّت، ثمّ يقيم الشهود على دعواه من أشباه الهمج الرعاع، فيصيب من أموال الناس وأعراضهم ودمائهم ما يشاء. وأولى بالجواز من ذلك جرح الرواة الضعفاء؛ إذ يتوقّف عليه حفظ الدين وصيانة شريعة سيّد المرسلين، وقد جرى عليه ديدن الأصحاب في جميع الأمصار والأعصار ودوّنوا في ذلك كتاباً مفصّلة لتمييز الموثّق منهم عن غيره، بل على هذا سيرة الأئمّة(علیهم السلام). ويوميء إلى هذا قوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا﴾،([1617]) فإنّ التبيّن عن حال الفاسق الحامل للخبر لا يخلو عن الجرح غالباً. ومن هنا يظهر حكم الشهادة على الناس ـ بالقتل والزناء والسرقة والقذف وشرب الخمر ونحوها ـ لإقامة الحدّ عليهم، وقد ثبت جواز الشهادة، بل وجوبها بالكتاب والسنّـة المعتبرة، كما يظهر ذلك لمن يراجع أبواب الشهادات.([1618]) أقول: لا إشكال في جواز جرح الشهود والرواة، لكنّـه لا لما ذكره الشيخ (قدس سره) وقرّره في مصباح الفقاهة بأحسن وجه، بل لما ذكرناه مراراً من خروج مثل هذه الموارد عن الغيبة موضوعاً؛ لعدم قصد الانتقاص والذمّ في جرح الشهود والرواة. وأمّا ما استدلّ به الشيخ(قدس سره)من الإجماع، ففيه: أنّ الإجماع فيما هو مصبّ الاجتهاد والآراء غير حجّة، فإنّـه إجماع مدركيٌّ أو محتمل للمدركيّـة؛ إذ لعلّ منشأ اتّفاق الأصحاب هو التزاحم، أو ما قلناه من الخروج الموضوعيّ. وأمّا ما ذكره(قدس سره) من التزاحم، ففيه: أنّـه فرع شمول أدلّة حرمة الغيبة لموارد جرح الشهود والرواة، وقد مرّ مراراً اعتبار قصد الانتقاص والذمّ في الغيبة، وفي مثل ما نحن فيه قصدهما مفقودٌ، فلا تصل النوبة إلى مقام التزاحم. وأمّا ما ذكره في مصباح الفقاهة من المحاذير وإن كان حقّاً إلّا أنّها مرتفعٌ باشتراط العدالة في الراوي، وإحرازها فيه غير مستلزم للجرح والغيبة؛ إذ يمكن إحرازها من طريق المعاشرة وملاحظة الشواهد والقرائن. ----------------- [1616]. المكاسب 1: 354. [1617]. الحجرات (49): 6. [1618]. مصباح الفقاهة 1: 549 ـ 550.
|