|
ومنها: الاستفتاء
الاستفتاء إذا توقّف على ذكر الظالم بالخصوص، بأن يقول للمفتي: «ظلمني فلانٌ حقّي، فكيف طريقي في الخلاص؟»، يکون جائزاً وإلّا فلا يجوز. واستدلّ عليه أوّلاً بما ذكره بعض الأعاظم من قيام الأدلّة النقليّـة والعقليّـة وضرورة المذهب على وجوب تعلّم الأحكام الشرعيّـة التي تكون في معرض الابتلاء بها. وعليه، فإذا توقّف ذلك على ترك واجب أو ارتكاب حرام فإنّ العمل حينئذٍ يكون على طبق أقوى الملاكين، ومن الواضح أنّ التعلّم أهمّ من ترك الغيبة. فإنّ ترك التعلّم ينجرّ إلى اضمحلال الدين. وثانياً بحكاية هند زوجة أبي سفيان واشتكائها إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وقولها: «إنّـه رجلٌ شحيحٌ لا يعطيني وولدي ما يكفيني».([1609]) فلم يردّ(صلی الله علیه و آله و سلم)عليها غيبةَ أبي سفيان. وفيه: ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ أنّها قضيّـة شخصيّـة، فيحتمل أن يكون عدم الردع لتجاهره بالبخل، على أنّ مورد الرواية من صغريات تظلّم المظلوم، وقد عرفت جواز ذكر الظالم فيه،([1610]) فلا تدلّ على جواز الغيبة في مورد الاستفتاء مطلقاً. وثالثاً بصحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال: إنّ أُمّي لا تدفع يدَ لامس؛ قال: «فاحبسها»، قال: قد فعلت، قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «فامنع من يدخل عليها»، قال: قد فعلت، قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «فقيّـدها، فإنّك لا تبرّها بشيء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عزّوجلّ».([1611]) واستشکل عليه أوّلاً: أنّـه لم يظهر لنا من الرواية كون المرأة معروفـة عند النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم). وقد عرفت فيما سبق([1612]) اعتبار العلم بالمغتاب (بالفتح) في تحقيق الغيبة، وذكرها بعنوان الأمومة لا يستلزم التعيين، ويتّفق نظير ذلك كثيراً للمراجع والمجتهدين. وثانياً: أنّ المذكور في الروايـة قضيّـة شخصيّـة، وخصوصيّـاتها مجهولة لنا، فيحتمل أن تكون الأمّ متجاهرة بالزنا، كما هو الظاهر من قول ابنها: «إنّ أمّي لا تدفع يد لامس...»، إلخ. وأمّا ما ذكره الشيخ من قوله: «واحتمال كونها متجاهرة، مدفوعٌ بالأصل»،([1613]) فمدفوعٌ بأنّـه لا يترتّب عليه أثر إلّا على القول بالأصل المثبت. وثالثاً: يحتمل السقط في الرواية؛ إذ لعلّ فيها قيدٌ سقط ذكرها عن الألسنة. ولكنّ الظاهر عدم تماميّـة الإشكالات الثلاثة بأجمعها؛ لأنّ الحاكي للرواية هو الإمام الصادق(علیه السلام)، ونقل المعصوم قول المعصوم أو فعله ولو كان في القضايا الشخصيّـة إنّما تكون لبيان الحكم الشرعيّ والحجّة في المسألة، لا لمجرّد نقل القضيّـة والتاريخ، وإذا كان لبيان الحكم الشرعيّ والحجّة في المسألة يؤخذ بإطلاقه. وعليه، فيندفع الإشكالات بإطلاق الرواية، فتدلّ على جواز الاستفتاء؛ سواء كان مستلزماً للغيبة أم لا، وسواء کانت الأمّ معروفة عند النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، أم لا، وسواء كانت متجاهرة بالزنا أم لا. هذا مضافاً إلى أنّ ذكر مساوي الغير بقصد الاستفتاء والتعلّم خارجٌ عن الغيبة موضوعاً؛ لما ذكرناه سابقاً من تقييد الغيبة بقصد الانتقاص والذمّ. وعليه، فذكر مساوي الغير في مقام الاستفتاء مع التوقّف علی الذکر جائز. ---------------------- [1609]. مرّت الرواية في الصفحة 529؛ وراجع أيضاً: عوالي اللئالي 1: 402، الباب الأوّل، في الأحاديث المتعلّقة بأبواب الفقه...، المسلك الثالث، الحديث 59؛ ومستدرك الوسائل 9: 129، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 134، الحديث 4. [1610]. عرفت في الصفحة 522 ـ 524 وما بعدها. [1611]. من لا يحضره الفقيه 4: 51/184، باب نوادر الحدود، الحديث 6؛ وسائل الشيعة 28: 150، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 48، الحديث 1. [1612]. عرفت في الصفحة 541 وما بعدها في ذيل الأمر السادس: في اعتبار تعيين المغتاب في حرمة الغيبة وعدمه. [1613]. المكاسب 1: 353.
|