|
في جواز غيبة المتجاهر في جميع الذنوب أو المتجاهر بها؟
ثانیهما: هل تجوز غيبة المتجاهر بالفسق في جميع ما ارتكبه من المعاصي ولو لم يتجاهر إلّا ببعضها، كما في الحدائق،([1539]) أم تختصّ بما تجاهر به من الذنوب، كما في كشف الريبة للشهيد الثاني (قدس سره)،([1540]) أم فيه تفصيل بين المعاصي التي هي دون ما تجاهر فيه في القبـح، فيجـوز في الأوّل دون الثـاني، كما ذهب إليه الشيـخ الأعظم الأنصـاري(قدس سره)،([1541]) كجواز غيبـة المتجاهر بالزنا في تقبيـل ولمس الأجنبيّـة والنظر إليها، والمتجاهر بشرب الخمر في شربه العصير الذي لم يذهب ثلثاه وأمثال ذلك؟ وجوهٌ وأقوالٌ. والأقوی هو القول الأوّل؛ قضاءً لإطلاق الروايات الدالّة على جواز غيبة المتجاهر، مثل قوله(علیه السلام): «إذا جاهر الفاسق بفسقه، فلا حرمة له ولا غيبة».([1542]) وقوله(علیه السلام): «ثلاثة ليس لهم حرمة، صاحب هوى مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بالفسق».([1543]) وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «أربعة ليس غيبتهم غيبة: الفاسق المعلن بفسقه، والإمام الكذّاب إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، والمتفكّهون بالأمّهات، والخارج من الجماعة، الطاعن على أمّتي الشاهر عليها سيفه».([1544]) وقوله(علیه السلام): «من ألقی جلباب الحياء، فلا غيبة له».([1545]) فإنّ هذه الروايات بإطلاقها تدلّ على جواز غيبة المتجاهر في جميع ما ارتكبه من الذنوب ولو لم يتجاهر إلّا ببعضها. ويؤيّده وحدة السياق في النبويّ ورواية أبي البختري، فإنّ غيبة الإمام الكذّاب، والإمام الجائر، وصاحب هوی مبتدع، غير مختصّ بما تجاهر به. ولكن ذهب سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) إلى اختصاص الجواز بما تجاهر به وتخصيص هذه الروايات بروايات أخرى، وإليك نصّ كلامه، قال: ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة، مثل حسنة هارون بن الجهم وغيرها، جواز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به، لكنّها معارضة بالمستفيضة المتقدّمة تعارض العامّين من وجه، فإنّ قوله: «الغيبة أن تقول لأخيك ما ستره الله عليه» بإطلاقه شامل لمن تجاهر في فسق آخر، ومع تعارضهما فالترجيح للمستفيضة؛ لكونها موافقة للكتاب والسنّـة المعلومة، بل يمكن أن يقال بعدم التعارض بينهما، فإنّ العرف ولو بملاحظة ارتكازاته ومناسبات الحكم والموضوع يجمع بين الطائفتين؛ بأنّ المتجاهر يجوز غيبته فيما تجاهر به، دون ما استتر به، ولا ينقدح في الأذهان التنافي بينهما وإن كانت النسبة، العموم من وجه. وإن شئت قلت: إنّ الروايات المفصّلة بين الأمر الظاهر والمستتر، أقوى ظهوراً من المطلقات في الإطلاق، بل لأحد إنكار إطلاقها، أو دعوى انصرافها إلى الجواز فيما تجاهر به، بأن يقال: إنّ تجويزها كأنّـه معلول هتك عرض نفسه، فإذا كان هاتكاً له لا يجب على غيره الكفّ عنه، دون ما إذا كان مستتراً غير هاتك، فلا يجوز لغيره هتكه. وكيف كان، فالأحوط الأظهر عدم جوازها فيما لم يجاهر به، من غير فرق بين ما كان أدون ممّا جاهر به أو لا، فما أفاده الشيخ الأنصاري([1546]) من إلحاق الأدون به، غير ظاهر.([1547]) ومن الممکن المناقشة فيه أوّلاً: بأنّ النسبة بين الطائفتين من الروايات وإن كان العموم من وجه، إلّا أنّـه لا تعارض بينهما؛ لأنّ لسان الطائفة الأولی مثل: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبـة»،([1548])و: «أربعة ليس غيبتهم غيبـة»،([1549]) لسان الحكومة، ودليل الحاكم مقـدّم على دليل المحكوم ولو كان دليل المحكوم أظهر دلالةً. وثانياً: لو سلّم التعارض بينهما وعدم حكومة الطائفة الأولى على الثانية، ولكن هذا لا يوجب ترجيح الطائفة الثانية بموافقته للكتاب؛ لأنّ الترجيح في المورد مبنيّ على شمول المرجّحات العلاجيّة للتعارض بالعموم من وجه أيضاً وعدم اختصاصها بالتعارض بالتباين، والظاهر اختصاصها بالتعارض بالتباين، وأمّا العامّين من وجه يكون الترجيح لما هو أظهر دلالة لو كان، وإلّا تعارضا وتساقطا في مادّة الاجتماع، وفيما نحن فيه إن لم تكن الطائفة الأولى أظهر دلالة؛ لأقلّيّـة مصاديقه من الطائفة الثانية، فلا أقلّ من تساويهما في الظهور، فلابدّ إمّا من ترجيح الطائفة الأولى، وإمّا من الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل. وأمّا تفصيل الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)، فالظاهر أنّـه مستند إلى الأولويّـة؛ لأنّـه إذا جاز غيبة شخص في المعاصي العظيمة، فيجوز غيبته فيما هو مقدّمة لتلك المعصية العظيمة، وما هو أدون منه بطريق أولى. ولكن يمكن أن يقال: إنّ الطائفة الأولى من الروايات مطلقة وحاكمة على الطائفة الثانية، فهي بإطلاقها تدلّ بالدلالة اللفظيّـة على جواز غيبة المتجاهر في المعاصي التي ارتكبها سرّاً أيضاً؛ سواء كان مساوياً للمعاصي التي تجاهر به، أو أعظم منها، أو أدون منها في المرتبة، فلا احتياج إلى دليل الأولويّـة. --------------------- [1539]. راجع: الحدائق الناضرة 18: 166. [1540]. راجع: كشف الريبة: 36، الفصل الثالث: في الأعذار المرخّصة في الغيبة، السادس: أن يکون مقول فيه به مستحقّاً لذلك. [1541]. راجع: المكاسب 1: 346. [1542]. الأمالي (للصدوق): 42، المجلس العاشر، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 12: 289، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 4. [1543]. قرب الإسناد: 152، باب أحاديث المتفرّقة، الحديث 632؛ وسائل الشيعة 12: 289، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 154، الحديث 5. [1544]. النوادر (للراوندي): 17، الأحاديث غير المشهورة أو...، لاغيبة لهم، الحديث 170؛ مستدرك الوسائل 9: 128، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 134، الحديث 2. [1545]. الاختصاص: 242، طائفة من أخبار الأئمّة في أبواب متنوّعة، في بيان جملة من الحکم و...؛ مستدرك الوسائل 9: 128، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 134، ذيل الحديث 3. [1546]. راجع: المكاسب 1: 346. [1547]. المكاسب المحرّمة 1: 421 ـ 422. [1548]. تقدّم تخريجها آنفاً. [1549]. تقدّم تخريجها آنفاً.
|