|
الاستدلال على كون المخالفين من النواصب
ثانيها: الأخبار الواردة على كون المخالفين من النواصب، فيجوز غيبتهم. قال المحدّث البحراني بعد نقل جملة من الأخبار الواردة في النواصب، ما لفظه: فإن قيل: إنّ أكثر هذه الأخبار، إنّما تضمّن الناصب، وهو ـ على المشهور ـ أخصّ من مطلق المخالف، فلا تقوم الأخبار حجّة على ما ذكرتم. قلنا: إنّ هذا التخصيص قد وقع اصطلاحاً من هؤلاء المتأخّرين، فراراً من الوقوع في مضيق الإلزام، كما في هذا الموضع وأمثاله، وإلّا فالناصب حيثما أطلق في الأخبار وكلام القدماء فإنّما يراد به المخالف عدا المستضعف. وإيثار هذه العبارة للدلالة على بعض المخالفين للائمّة الطاهرين. ويدلّ على ذلك ما رواه في مستطرفـات السرائر مـن كتـاب «مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا عليّ بن محمّد الهادي(علیهما السلام) في جملة مسائل محمّد بن عليّ بن عيسى، قال: كتبت إليه: أسأله عن الناصب، هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت، واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: «من كان على هذا فهو ناصب».([1328]) وهو صريح في أنّ مظهر النصب والعداوة، هو القول بإمامة الأوّلين. وروى في العلل عن عبدالله بن سنان، عن الصادق(علیه السلام)، قال: «ليس الناصب من نصب لنا ـ أهل البيت ـ لأنّك لا تجد رجلاً يقول إنّي أبغض محمّداً وآل محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)ولكنّ الناصب من نصب لكم، وهو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا».([1329]) ونحوه رواية معلّى بن خنيس، وفيها: «ولكنّ الناصب من نصب لكم، وهو يعلم أنّكم تتولّونا وتتبرّؤون من أعدائنا و...».([1330]) فهذا تفسير الناصب في أخبارهم الذي تعلّقت به الأحكام من النجاسة، وعدم جواز المناكحة، وحلّ المال والدم ونحوه، وهو عبارة عن المخالف مطلقاً عدا المستضعف، كما دلّ عليه استثناؤه في الأخبار. وما ذكروه من التخصيص بفـرد خاصّ من المخالفين مجرّد اصطلاح منهم، لم يدلّ عليه دليل من الأخبار، بل الأخبار في ردّه واضحة السبيل.([1331]) ويرد عليه أوّلاً: أنّ الروايات أخصّ من المدّعی؛ لعدم شمولها لجميع المخالفين، فإنّ رواية العلل ومعاني الأخبار مختصّ بمن يبغض وينصب الشيعة لكونهم شيعة ومحبّي أهل البيت، فلا تدلّ على نصب المخالف الغير الناصب للشيعة أو الناصب لها لجهة أخرى. والرواية الأولى أيضاً مختصّ بمن نصب وأبغض أهل البيت؛ لأنّ السؤال فيها عن أنّ الأحكام المترتّبة على الناصب هل يترتّب عليه بمجرّد نصبه أم يحتاج إلى امتحانه بأكثر من تقديمه الجبت والطاغوت بعد فرض كونه ناصباً؟ وهذا لا يشمل المخالف الغير الناصب لأهل البيت. إن قلت: لا معنى للسؤال عن الناصب بعد فرض كونه ناصباً. قلت: لا إشكال فيه، إذ السؤال يكون عن أنّـه هل يكفي في ترتّب الأحكام مجرّد نصبه أم يحتاج إلى امتحانه، إذ لعلّ نصبه كان عن تقيّـة. وثانياً: أنّ المرجع لضمير «هو» في الرواية الأولى في جملة: «من كان على هذا فهو ناصب»، كما يحتمل أن يكون هو التقديم يحتمل أن يكون هو النصب، بل هو الأظهر. وثالثاً: أنّ رواية العلل ومعاني الأخبار ضعيفة سنداً، فلا يبقى إلّا رواية واحدة معتبرة. ورابعاً: أنّها غير كافية للحكم على طبقها، لقلّتها، وعدم فتوى الأصحاب على طبقها، وعدم وجودها في الكتب الأربعة. وكيف يمكن القول بتحكيم هذه الروايات على روايات الناصب وإسراء حكم الناصب إلى مطلق المخالفين مع أنّ الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) نقل عن الفقهاء انحصار الناصب بالمبغضين لأهل البيت(علیهم السلام)؟ وإليك نصّ عبارته، قال(قدس سره): هذا، مع أنّ صدق هذا العنوان على القسم الثاني ممنوعٌ جدّاً. قال الصدوق في باب النكاح من الفقيه: إنّ الجهّال يتوهّمون أنّ كلّ مخالف ناصب، وليس كذلك.([1332]) انتهى. وفي المعتبر([1333]) والمنتهى([1334]) وهي في بـاب الاسآر: أنّهم الذيـن يقدحون في عليّ(علیه السلام). وعن تذكرة المصنّف: أنّـه الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت.([1335]) وعن السعيد المحدّث المتقدّم: أنّـه من نصب العداوة لأهل البيت وتظاهر بغضهم، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب.([1336]) وعن القاموس: أنّ النواصب هم المستدينون ببغض عليّ(علیه السلام)؛ لأنّهم نصبوا للذي عادوه.([1337]) وعن الصحاح: النصب: العداوة.([1338]) وعن شرح المقداد: أنّ الناصب يطلق على خمسة أوجه: الأوّل: القادح في عليّ(علیه السلام). الثاني: من ينسب إلى أحدهم ما يسقط العدالة. الثالث: من ينكر فضيلتهم لو سمعها. الرابع: من يعتقد فضيلة غير عليّ(علیه السلام). الخامس: من أنكر النصّ على عليّ(علیه السلام) بعد سماعه ودخوله إليه بوجه يصدقه.([1339]) ولا يخفى أنّ الظاهر من الأخبار هو من يبغض أهل البيت(علیهم السلام)، ولمّا كان المنشأ في ذلك غالباً بغض سيّدهم أميرالمؤمنين(علیه السلام) اقتصر في المعتبر والمنتهى على ذلك، وكذا صاحب القاموس. وينطبق عليه ما حكاه السيّد المحدّث عن أكثر الأصحاب. وكيف كان، فلا يخفى ضعف تعميم الناصب للمخالف. والذي يسهّل الخطب أنّـه قد اعترف في الحدائق وقال: إنّـه لا خلاف منّا في أنّ الناصب هو العدوّ لأهل البيت(علیهم السلام)، والنصب لغة: العداوة، وشرعاً بل لغة أيضاً على ما يفهم من القاموس، هو العداوة لأهل البيت(علیهم السلام)، وإنّما الخلاف في أنّ هؤلاء المخالفين هل يدخلون تحت هذا العنوان أم لا؟ فنحن ندّعي دخولهم وهم يمنعون، والدليل على ما ذكرنا هو الأخبار المذكورة.([1340]) انتهى كلامه وأنت إذا تأمّلت عمدة ما ذكره من الأخبار وجدته غير دالّ على أنّ الناصب للشيعة ناصب لنا أهل البيت(علیهم السلام). وبالجملة، فالظاهر أنّ العامّة منهم ناصب، ومنهم مستضعف، ومنهم الواسطة بينهما، والمحكوم بنجاسته بالأخبار والإجماع هو الأوّل دون الثانيين.([1341]) -------------------- [1328]. السرائر 3: 583؛ وسائل الشيعة 29: 133، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 68، الحديث 4. [1329]. علل الشرائع 2: 383، الباب 385، باب نوادر العلل، الحديث 60؛ وسائل الشيعة 29: 133، كتاب القصاص، أبواب قصاص النفس، الباب 68، الحديث 3. [1330]. معاني الأخبار: 484، باب معني الناصب، الحديث1؛ وسائل الشيعة 29: 132، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 68، الحديث 2. [1331]. الحدائق الناضرة 18: 157ـ 158. [1332]. من لا يحضره الفقيه 3: 258/1225، باب ما أحلّ الله عزّوجلّ من النكاح وما حرم منه، ذيل الحديث 10. [1333]. المعتبر 1: 98. [1334]. منتهى المطلب 1: 152. [1335]. تذكرة الفقهاء 1: 68. [1336]. الأنوار النعمانيّـة، هو من مصنّفات المحدّث الخبير السيّد نعمت الله الجزائري الذي لا يوجد لدينا. [1337]. القاموس المحيط: 127، مادّة: «نصب». [1338]. الصحاح 1: 224، مادّة: «نصب». وفيه: «ونصبت لفلان نصباً، إذا عاديته». [1339]. التنقيح الرائع 2: 421. [1340]. الحدائق الناضرة 5: 186. [1341]. كتاب الطهارة (للشيخ الأعظم) 5: 146ـ 147.
|