|
حرمة التسخيرات والاستخدامات
الثالث:([696])هل تسخير الجنّ والملك والأرواح والشمس والقمر والحيوانات هل يكون حراماً، أم لا، أم فيه تفصيلٌ؟ وجوهٌ، أظهرها، بل أقواها الثالث؛ أي التفصيل في المسألة بين الموارد الموجبة للإضرار وعدمها. توضيحه: أنّ تسخير الجنّ والملك وغيرهما قد يوجب الإضرار بالغير ضرراً نفسيّاً أو ماليّاً أو عرضيّاً؛ بأن يسخّر الجنّ ـ مثلاًـ ويلجئه إلى الإضرار بشخص آخر، وهذا القسم لا إشكال في حرمته. وقد يسخّر الجنّ أو الملك أو الأرواح أو الحيوانات وكان في تسخيره الإضرار بنفس المسخّر (بالفتح)، كما إذا سخّر الحيوان ويجبره على المبارزه والحرب مع حيوان مثله، كما هو المتعارف بين بعض الأفراد في حمل الديوك على الحرب والمبارزه، وكان حاصل المبارزة جراحة أحد الحيوانين أو كلاهما، والظاهر أنّ هذا القسم أيضاً يكون محرّماً. وتوهّم أنّ إيذاء الحيوانات وإيذاء غير المسلم لا يكون محرّماً، مدفوعٌ بأنّ إيذاء الإنسان ظلمٌ، والظلم قبيحٌ عقلاً ونقلاً مطلقاً، وكذلك إيذاء الحيوانات أيضاً ظلمٌ وقبيحٌ عقلاً وممنوعٌ شرعاً. ويدلّ عليه الأخبار الخاصّة الواردة في المنع عن إيذاء الحيوانات، مثل ما ورد عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إنّ امرأة عذّبت في هرّة ربطتها حتّى ماتت عطشاً».([697]) ومثل رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله(علیه السلام): أنّ أميرالمؤمنين(علیه السلام) قال: «لاتذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور، وهو ينظر إليه».([698]) ومثل ما روي عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) أنّـه قال: «إذا ذبحت الشاة وسلخت، أو سلخ شيء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكلها».([699]) فإنّ هذه الرواية تدلّ على حرمة سلخ جلد الذبيحة قبل ذهاق روحه، مضافاً إلى دلالتها على حرمة لحمها. إن قلت: إنّ هذا يتمّ بالنسبة إلى تسخير الإنسان الحيّ، حيث يوجب إيذائه، وأمّا تسخير أرواح الأموات فلا إشكال فيه؛ لعدم كونه موجباً لإيذائه. قلت: إنّ تسخير روح المؤمن إهانة له، وربما يكون إيذاءً له، وحرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً، فلا يجوز تسخيره ميّتاً أيضاً. وفي المکاسب للشيخ الأعظم(قدس سره): ثمّ الظاهر أنّ التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه، وقد عرفت أنّ الشهيدين مع أخذ الإضرار في تعريف السحر ذكرا أنّ استخدام الملائكة والجنّ من السحر،([700]) ولعلّ وجه دخوله تضرّر المسخّر بتسخيره. وأمّا سائر التعاريف، فالظاهر شمولها لها، وظاهر عبارة الإيضاح([701]) أيضاً دخول هذه في معقد دعواه الضرورة على التحريم؛ لأنّ الظاهر دخولها في الأقسام والعزائم والنفث. ويدخل في ذلك تسخير الحيوانـات ـ من الهـوامّ والسبـاع والوحوش وغير ذلك ـ خصوصاً الإنسـان. وعمل السيمياء ملحق بالسحر اسماً أو حكماً. وقـد صرّح بحرمتـه الشهيـد في الدروس.([702]) والمراد بـه ـ على ما قيـل:([703]) ـ إحـداث خيالات ـ لا وجود لها ـ في الحسّ يوجب تأثيراً في شيء آخر.([704]) انتهی کلامه رفع مقامه. ولکن فيما يظهر من عبارته هذا من حرمة التسخيرات وعمل السيمياء علی الإطلاق مناقشة وإشکال بعدم الإطلاق في أدلّة حرمة السحر، بل الظاهر منها اختصاص الحرمة بالسحر المضرّ دون غيره کما عرفت. -------------------- [695]. قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 12: 238. [696]. أي: الثالث من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها، وقد مرّ الثاني منها في الصفحة 245. [697]. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 325، عقاب من قتل نفساً متعمّداً، الحديث 6؛ وسائل الشيعة 11: 544، كتاب الحجّ، أبواب أحكام الدوابّ في السفر وغيره، الباب 53، الحديث 1. [698]. الكافي 6: 229، باب صفة الذبح والنحر، الحديث 7؛ تهذيب الأحکام 9: 56/232، باب الصيد والذكاة، الحديث 232. وفيه: «كان لا يذبح» بدل «لا تذبح»؛ وسائل الشيعة 24: 16، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الذبائح، الباب 7، الحديث 1. [699]. الكافي 6: 230، باب صفة الذبح والنحر، الحديث 8؛ تهذيب الأحکام 9: 56/233، باب الصيد والذكاة، الحديث 233، مع تفاوتٍ يسير؛ وسائل الشيعة 24: 17، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الذبائح، الباب 8، الحديث 1. [700]. راجع: الدروس الشرعيّـة 3: 164، درس 231؛ ومسالك الأفهام 3: 128. [701]. إيضاح الفوائد 1: 405. [702]. الدروس الشرعيّـة 3: 164، درس 231. [703]. القائل هو الشهيد في الدروس الشرعيّـة 3: 164، درس 231؛ والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 14. [704]. المكاسب 1: 273.
|