|
الاستدلال بالروایات علی حرمة التدلیس
واستدلّ على حرمتها ـ مضافاً إلى حرمة التدليس والغشّ التي لا كلام فيه ـ برواياتٍ: منها: ما رواه عليّ بن غراب، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه(علیهم السلام)، قال: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)النامصة والمنتمصة، والواشرة والمستوشرة، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة».([8]) قال الصدوق(قدس سره): قال عليّ بن غراب: النامصة: التي تنتف الشعر من الوجه، والمنتمصة: التي يفعل ذلك بها، والواشرة: التي تشر أسنان المرأة وتفلجها وتحدّدها، والمستوشرة: التي يفعل ذلك بها، والواصلة: التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، والمستوصلة: التي يفعل ذلك بها، والواشمة: التي تشمّ وشماً في يد المرأة أو في شيء من بدنها، وهو أن تغرز يديها أو ظهر كفّها أو شيء من بدنها بإبرة حتّى تؤثّر فيه، ثمّ تحشوه بالكحل أو بالنورة فيخضرّ، والمستوشمة: التي يفعل ذلك بها.([9]) وفيه أوّلاً: أنّها ضعيفة سنداً؛ بوجود المجاهیل فیه کأحمد بن محمّد بن زکریّا القطان وبعليّ بن غراب، فإنّـه مختلفٌ فیه، وببکر بن عبدالله بن حبیب فلم یثبت وثاقته، وبتمیم بن بهلول المهمل في کتب الرجال،([10]) ودونك سند الروایة: عن أحمد بن محمّد بن الهیثم، عنه قال: حدّثنا یحیی بن زکریّا القطان، عن بکر بن عبدالله بن حبیب، عن تمیمم بن بهلول، عن أبیه، عن عليّ بن غراب، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه(علیهم السلام). وثانياً: أنّ الرواية مطلقة تدلّ على حرمة تزيّن النساء مطلقاً؛ سواء كان بغرض محرّم كالتدليس، أم بغرض آخر محلّل، كتزيّنها لبعلها، ولايمكن الالتزام بهذا الإطلاق. وثالثاً: أنّها معارضة مع رواية سعد الإسكاف، قال: سئل أبوجعفر(علیه السلام) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهنّ، فقال: «لابأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها»، قال: فقلت له: بلغنا أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لعن الواصلة والموصولة، فقال: «ليس هناك، إنّما لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الواصلة التي تزني في شبابها، فلمّا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة».([11]) فإنّ الرواية فسّر الواصلة بالتي تزني في شبابها، فلمّا كبرت قادت النساء إلى الرجال؛ وهي وإن لم يتعرّض لتفسير سائر العناوين الواردة في رواية عليّ بن غراب، لكن وحدة سياق العناوين فيها يوجب احتمال أن يكون المراد من سائر العناوين أيضاً غير ما هو ظاهرها، فاستفادة الحرمة منها مشكلٌ. ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: دخلت ماشطة على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فقال لها: «هل تركت عملك أو أقمت عليه؟» فقالت: يا رسول الله؛ أنا أعمله إلّا أن تنهاني عنه فأنتهي عنه، فقال لها(صلی الله علیه و آله و سلم): «افعلي، فـإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرق، فإنّها تذهب بماء الوجه، ولا تصلي الشعر بالشعر».([12]) ومنها: ما رواه عبدالله بن الحسن، قال: سألته عن القرامل؟ قال: «وما القرامل؟» قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهنّ، قال: «إن كان صوفاً فلا بأس، وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصلة والموصولة».([13]) ومنها: مرسلة الصدوق، قال: قال(علیه السلام): «لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى، ولاتصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، فأمّا شعر المعز، فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة، ولا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً».([14]) ويرد على هذه الروايات الثلاث ـ مضافاً إلى ضعف أسنادها ـ([15]) أنّ في مضمونها احتمالات: أحدها: أنّ المراد هو وصل شعر امرأة أجنبيّـة، وهو عورة إلى الغير، وفي هذا العمل تعريض للشعر الأجنبيّـة إلى غير ذات محرم. واستشكل عليه صاحب الجواهر بقوله: وفيـه مضافاً إلى ترك الاستفصال في النصوص المزبورة، منـع جريان حكم العورة عليه بعد انفصاله.([16]) ثانیها: كون المراد من النهي هو عدم جواز الصلاة في شعر الغير؛ لأنّـه من أجزاء غير مأكول اللحم، والصلاة في أجزاء غير مأكول اللحم باطلٌ. واستشكل عليه في الجواهر بأنّـه: لا بأس بالصلاة في شعر الغير، كما حرّرناه في محلّه،([17]) فإنّ الروايات الدالّة على عدم جواز الصلاة في أجزاء غير مأكول اللحم([18])منصرفٌ عن الإنسان. ثالثها: كون المراد من النهي هو الكراهة، لا الحرمة، كما احتمله في الجواهر.([19]) رابعها: احتمال كون الروايات واردة في القضايا الخارجيّـة، فلا يمكن استفادة الحكم الكلّي منها. وغير ذلك من الاحتمالات. ومع مجيء الاحتمالات المتعدّدة تكون الروايات مجملة، فلا يجوز الاستدلال بها. ----------------------------- [8]. معاني الأخبار: 359، باب معنى النامصة والمنتمصة والواشرة والمستوشرة و...، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 17: 133، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 7. وفيه: «المتنمصة» بدل «المنتمصة»، و«الموتشرة» بدل «المستوشرة». [9]. معاني الأخبار: 359، باب معنى النامصة والمنتصمة والواشرة والمستوشرة و...، ذیل الحدیث 1. [10]. راجع: تنقيح المقال 1: 184، الرقم 1431. [11]. الكافي 5: 119، باب كسب الماشطة والخافضة، الحديث 3؛ تهذيب الأحکام 6: 360/1032، باب المكاسب، الحديث 153؛ وسائل الشيعة 17: 132، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 3. [12]. الكافي 5: 119، باب كسب الماشطة، الحديث 2؛ تهذيب الأحکام 6: 359/1031، باب المكاسب، الحديث 152. وفيه: «فلا تحكى» بدل «فلا تجلى»، و«بالخزف» بدل «بالخرق»؛ وسائل الشيعة 17: 131، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 2. وفيه: «فإنّـه يذهب» بدل «فإنّها تذهب». [13]. تهذيب الأحکام 6: 361 / 1036، باب المكاسب، الحديث 157؛ وسائل الشيعة 132:17، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 5. وفيه: «إذا كان» بدل «إن كان». [14]. من لا يحضره الفقيه 3: 98 / 378، باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات، الحديث 26؛ وسائل الشيعة 17: 133، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 6، مع التفاوت. [15]. سند الأوّل منها بالإرسال، وإرسال ابن أبي عمیر بما أنّـه یکون عن رجل، الظاهر خروجه عن الإجماع علی حجّیّـة مراسیله، والثاني بـ یحیی بن مهران وعبدالله بن الحسن وکلاهما مجهولٌ. (منه (قدس سره)). [16]. جواهر الكلام 22: 114. [17]. نفس المصدر. [18]. لاحظ: وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2. [19]. جواهر الكلام 22: 114.
|