Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهما من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض. ووجوبهما من ضروريّات الدين، ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من الكافرين.
وقد ورد الحثّ عليهما في الكتاب العزيز والأخبار الشريفة بألسنة مختلفة، قال الله تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقال تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأَمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى غير ذلك.
وعن الرضا(عليه السلام): «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا اُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله»، وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله عزّوجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له ؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر»، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه خطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عن ذلك، وأنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاً، ولن يقطعا رزقاً» الحديث.
وعن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «يكون في آخر الزمان قوم يتّبع فيهم قوم مراؤون، فيتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، ـ ثمّ قال ـ: ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب الله ـ عزّوجلّ ـ عليهم فيعمّهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار، والصغار في دار الكبار».
وعن محمد بن مسلم قال: كتب أبو عبدالله(عليه السلام) إلى الشيعة: «ليعطفنّ ذوو السنّ منكم والنهى على ذوي الجهل وطلاّب الرئاسة، أو لتصيبنّكم لعنتي أجمعين» إلى غير ذلك من الأحاديث.

القول في أقسامهما وكيفيّة وجوبهما

(مسألة 1): ينقسم كلّ من الأمر والنهي في المقام إلى واجب ومندوب، فما وجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عنه، وما ندب واستحبّ فالأمر به كذلك، وما كره فالنهي عنه كذلك.

(مسألة 2): الأقوى أنّ وجوبهما كفائيّ، فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين، وإلاّ كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب.

(مسألة 3): لو توقّف إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع عدّة في الأمر أو النهي، لا يسقط الوجوب بقيام بعضهم، ويجب الاجتماع في ذلك بقدر الكفاية.

(مسألة 4): لو قام عدّة دون مقدار الكفاية، ولم يجتمع البقيّة، ولم يمكن للقائم جمعهم، سقط عنه الوجوب، وبقي الإثم على المتخلّف.

(مسألة 5): لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم ولم يؤثّر، لكن احتمل آخر أو آخرون التأثير، وجب عليهم مع اجتماع الشرائط.

(مسألة 6): لو قطع أو اطمأنّ بقيام الغير لا يجب عليه القيام. نعم لو ظهر خلاف قطعه يجب عليه. وكذا لو قطع أو اطمأنّ بكفاية من قام به لم يجب عليه، ولو ظهر الخلاف وجب.

(مسألة 7): لا يكفي الاحتمال أو الظنّ بقيام الغير أو كفاية من قام به، بل يجب عليه معهما. نعم يكفي قيام البيّنة.

(مسألة 8): لو عدم موضوع الفريضة أو موضوع المنكر، سقط الوجوب وإن كان بفعل المكلّف، كما لو أراق الماء المنحصر الذي يجب حفظه للطهارة أو لحفظ نفس محترمة.

(مسألة 9): لو توقّفت إقامة فريضة أو قلع منكر على ارتكاب محرّم أو ترك واجب، فالظاهر ملاحظة الأهمّيّة.

(مسألة 10): لو كان قادراً على أحد الأمرين: الأمر بالمعروف الكذائي، أو النهي عن المنكر الكذائي، يلاحظ الأهمّ منهما، ومع التساوي مخيّر بينهما.

(مسألة 11): لا يكفي في سقوط الوجوب، بيان الحكم الشرعي أو بيان مفاسد ترك الواجب وفعل الحرام، إلاّ أن يفهم منه عرفاً ـ ولو بالقرائن ـ الأمر أو النهي، أو حصل المقصود منهما، بل الظاهر كفاية فهم الطرف منه الأمر أو النهي لقرينة خاصّة، وإن لم يفهم العرف منه.

(مسألة 12): الأمر والنهي في هذا الباب مولويّ من قبل الآمر والناهي ولو كانا سافلين، فلا يكفي فيهما أن يقول: إنّ الله أمرك بالصلاة، أو نهاك عن شرب الخمر، إلاّ أن يحصل المطلوب منهما، بل لابدّ وأن يقول: صلّ مثلاً أو لا تشرب الخمر، ونحوهما ممّا يفيد الأمر والنهي من قبله.

(مسألة 13): لا يعتبر فيهما قصد القربة والإخلاص، بل هما توصّليان لقطع الفساد وإقامة الفرائض. نعم لو قصدها يؤجر عليهما.

(مسألة 14): لا فرق في وجوب الإنكار بين كون المعصية كبيرة أو صغيرة.

(مسألة 15): لو شرع في مقدّمات حرام بقصد التوصّل إليه، فإن علم بموصّليتها يجب نهيه عن الحرام، وإن علم عدمها لا يجب، إلاّ على القول بحرمة المقدّمات أو حرمة التجرّي، وإن شكّ في كونها موصلة فالظاهر عدم الوجوب، إلاّ على المبنى المذكور.

(مسألة 16): لو همّ شخص بإتيان محرّم وشكّ في قدرته عليه، فالظاهر عدم وجوب نهيه. نعم لو قلنا بأنّ عزم المعصية حرام يجب النهي عن ذلك.

القول في شرائط وجوبهما

وهي اُمور:

الأوّل: أن يعرف الآمر أو الناهي: أنّ ما تركه المكلّف أو ارتكبه معروف أو منكر، فلا يجب على الجاهل بالمعروف والمنكر. والعلم شرط الوجوب كالاستطاعة في الحجّ.

(مسألة 1): لا فرق في المعرفة بين القطع أو الطرق المعتبرة الاجتهاديّة أو التقليد، فلو قلّد شخصان عن مجتهد يقول بوجوب صلاة الجمعة عيناً، فتركها واحد منهما، يجب على الآخر أمره بإتيانها. وكذا لو رأى مجتهدهما حرمة العصير الزبيبي المغليّ بالنار، فارتكبه أحدهما، يجب على الآخر نهيه.

(مسألة 2): لو كانت المسألة مختلف فيها، واحتمل أنّ رأي الفاعل أو التارك أو تقليده مخالف له، ويكون ما فعله جائزاً عنده، لا يجب، بل لا يجوز إنكاره، فضلاً عمّا لو علم ذلك.

(مسألة 3): لو كانت المسألة غير خلافيّة واحتمل أن يكون المرتكب جاهلاً بالحكم، فالظاهر وجوب أمره ونهيه، سيّما إذا كان مقصِّراً، والأحوط إرشاده إلى الحكم أوّلاً ثمّ إنكاره إذا أصرّ، سيّما إذا كان قاصراً.

(مسألة 4): لو كان الفاعل جاهلاً بالموضوع لا يجب إنكاره ولا رفع جهله، كما لو ترك الصلاة غفلة أو نسياناً، أو شرب المسكر جهلاً بالموضوع. نعم لو كان ذلك ممّا يهتمّ به ولا يرضى المولى بفعله أو تركه مطلقاً، يجب إقامته وأمره أو نهيه، كقتل النفس المحترمة.

(مسألة 5): لو كان ما تركه واجباً برأيه أو رأي من قلّده، أو ما فعله حراماً كذلك، وكان رأي غيره مخالفاً لرأيه، فالظاهر عدم وجوب الإنكار، إلاّ إذا قلنا بحرمة التجرّي أو الفعل المتجرّى به.

(مسألة 6): لو كان ما ارتكبه مخالفاً للاحتياط اللازم بنظرهما أو نظر مقلّدهما فالأحوط إنكاره، بل لا يبعد وجوبه.

(مسألة 7): لو ارتكب طرفي العلم الإجمالي للحرام أو أحد الأطراف، يجب في الأوّل نهيه، ولا يبعد ذلك في الثاني أيضاً، إلاّ مع احتمال عدم منجّزيّة العلم الإجمالي عنده مطلقاً، فلا يجب مطلقاً، بل لا يجوز، أو بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة فلا يجب، بل لا يجوز في الثاني. وكذا الحال في ترك أطراف المعلوم بالإجمال وجوبه.

(مسألة 8): يجب تعلّم شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموارد الوجوب وعدمه والجواز وعدمه، حتّى لا يقع في المنكر في أمره ونهيه.

(مسألة 9): لو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر في مورد لا يجوز له، يجب على غيره نهيه عنهما.

(مسألة 10): لو كان الأمر أو النهي في مورد ـ بالنسبة إلى بعض ـ موجباً لوهن الشريعة المقدّسة ولو عند غيره لا يجوز، خصوصاً مع صرف احتمال التأثير، إلاّ أن يكون المورد من المهمّات، والموارد مختلفة.

الشرط الثاني: أن يجوّز ويحتمل تأثير الأمر أو النهي، فلو علم أو اطمأنّ بعدمه فلا يجب.

(مسألة 1): لا يسقط الوجوب مع الظنّ بعدم التأثير ولو كان قويّاً، فمع الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء يجب.

(مسألة 2): لو قامت البيّنة العادلة على عدم التأثير فالظاهر عدم السقوط مع احتماله.

(مسألة 3): لو علم أنّ إنكاره لا يؤثّر إلاّ مع الإشفاع بالاستدعاء والموعظة، فالظاهر وجوبه كذلك، ولو علم أنّ الاستدعاء والموعظة مؤثّران فقط ـ دون الأمر والنهي ـ فلا يبعد وجوبهما.

(مسألة 4): لو ارتكب شخص حرامين أو ترك واجبين، وعلم أنّ الأمر بالنسبة إليهما معاً لا يؤثّر، واحتمل التأثير بالنسبة إلى أحدهما بعينه، وجب بالنسبة إليه دون الآخر. ولو احتمل التأثير في أحدهما لابعينه تجب ملاحظة الأهمّ. فلو كان تاركاً للصلاة والصوم وعلم أنّ أمره بالصلاة لا يؤثّر واحتمل التأثير في الصوم يجب، ولو احتمل التأثير بالنسبة إلى أحدهما يجب الأمر بالصلاة. ولو لم يكن أحدهما أهمّ يتخيّر بينهما، بل له أن يأمر بأحدهما بنحو الإجمال مع احتمال التأثير كذلك.

(مسألة 5): لو علم أو احتمل أنّ أمره أو نهيه مع التكرار يؤثّر وجب التكرار.

(مسألة 6): لو علم أو احتمل أنّ إنكاره في حضور جمع مؤثّر دون غيره، فإن كان الفاعل متجاهراً جاز ووجب، وإلاّ ففي وجوبه بل جوازه إشكال.

(مسألة 7): لو علم أنّ أمره أو نهيه مؤثّر لو أجازه في ترك واجب آخر أو ارتكاب حرام آخر، فمع أهمّية مورد الإجازة لا إشكال في عدم الجواز وسقوط الوجوب، بل الظاهر عدم الجواز مع تساويهما في الملاك وسقوط الوجوب. وأمّا لو كان مورد الأمر والنهي أهمّ، فإن كانت الأهمّية بوجه لا يرضى المولى بالتخلّف مطلقاً كقتل النفس المحترمة وجبت الإجازة، وإلاّ ففيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه.

(مسألة 8): لو علم أنّ إنكاره غير مؤثّر بالنسبة إلى أمر في الحال، لكن علم أو احتمل تأثير الأمر الحالي بالنسبة إلى الاستقبال وجب. وكذا لو علم أنّ نهيه عن شرب الخمر بالنسبة إلى كأس معيّن لا يؤثّر، لكن نهيه عنه مؤثّر في تركه فيما بعد ـ مطلقاً، أو في الجملة ـ وجب.

(مسألة 9): لو علم أنّ أمره أو نهيه بالنسبة إلى التارك والفاعل لا يؤثّر ; لكن يؤثّر بالنسبة إلى غيره بشرط عدم توجّه الخطاب إليه، وجب توجّهه إلى الشخص الأوّل بداعي تأثيره في غيره.

(مسألة 10): لو علم أنّ أمر شخص خاصّ مؤثّر في الطرف دون أمره، وجب أمره بالأمر إذا تواكل فيه مع اجتماع الشرائط عنده.

(مسألة 11): لو علم أنّ فلاناً همّ بارتكاب حرام واحتمل تأثير نهيه عنه وجب.

(مسألة 12): لو توقّف تأثير الأمر أو النهي على ارتكاب محرّم أو ترك واجب، لا يجوز ذلك، وسقط الوجوب، إلاّ إذا كان المورد من الأهميّة بمكان لا يرضى المولى بتخلّفه كيف ما كان ـ كقتل النفس المحترمة ـ ولم يكن الموقوف عليه بهذه المثابة، فلو توقّف دفع ذلك على الدخول في الدار المغصوبة ونحو ذلك وجب.

(مسألة 13): لو كان الفاعل بحيث لو نهاه عن المنكر أصرّ عليه ولو أمره به تركه، يجب الأمر مع عدم محذور آخر. وكذا في المعروف.

(مسألة 14): لو علم أو احتمل تأثير النهي أو الأمر في تقليل المعصية لا قلعها وجب، بل لا يبعد الوجوب لو كان مؤثّراً في تبديل الأهمّ بالمهمّ، بل لا إشكال فيه لو كان الأهمّ بمثابة لا يرضى المولى بحصوله مطلقاً.

(مسألة 15): لو احتمل أنّ إنكاره مؤثّر في ترك المخالفة القطعيّة لأطراف العلم ـ لا الموافقة القطعيّة ـ وجب.

(مسألة 16): لو علم أنّ نهيه مثلاً مؤثّر في ترك المحرّم المعلوم تفصيلاً وارتكاب بعض أطراف المعلوم بالإجمال مكانه، فالظاهر وجوبه، إلاّ مع كون المعلوم بالإجمال من الأهميّة بمثابة ما تقدّم ـ دون المعلوم بالتفصيل ـ فلا يجوز. فهل مطلق الأهميّة يوجب الوجوب ؟ فيه إشكال.

(مسألة 17): لو احتمل التأثير واحتمل تأثير الخلاف فالظاهر عدم الوجوب.

(مسألة 18): لو احتمل التأثير في تأخير وقوع المنكر وتعويقه، فإن احتمل عدم تمكّنه في الآتية من ارتكابه وجب، وإلاّ فالأحوط ذلك، بل لا يبعد وجوبه.

(مسألة 19): لو علم شخصان إجمالاً بأنّ إنكار أحدهما مؤثّر دون الآخر، وجب على كلّ منهما الإنكار، فإن أنكر أحدهما فأثّر سقط عن الآخر، وإلاّ يجب عليه.

(مسألة 20): لو علم إجمالاً أنّ إنكار أحدهما مؤثّر والآخر مؤثّر في الإصرار على الذنب، لا يجب.

الشرط الثالث: أن يكون العاصي مصرّاً على الاستمرار، فلو علم منه الترك سقط الوجوب.

(مسألة 1): لو ظهرت منه أمارة الترك فحصل منها القطع، فلا إشكال في سقوط الوجوب، وفي حكمه الاطمئنان. وكذا لو قامت البيّنة عليه إن كان مستندها المحسوس أو قريباً منه. وكذا لو أظهر الندامة والتوبة.

(مسألة 2): لو ظهرت منه أمارة ظنيّة على الترك، فهل يجب الأمر أو النهي أو لا ؟ لا يبعد عدمه. وكذا لو شكّ في استمراره وتركه. نعم لو علم أنّه كان قاصداً للاستمرار والارتكاب وشكّ في بقاء قصده، يحتمل وجوبه على إشكال.

(مسألة 3): لو قامت أمارة معتبرة على استمراره وجب الإنكار، ولو كانت غير معتبرة ففي وجوبه تردّد، والأشبه عدمه.

(مسألة 4): المراد بالاستمرار الارتكاب ولو مرّة اُخرى، لا الدوام، فلو شرب مسكراً وقصد الشرب ثانياً فقط وجب النهي.

(مسألة 5): من الواجبات: التوبة من الذنب، فلو ارتكب حراماً أو ترك واجباً تجب التوبة فوراً، ومع عدم ظهورها منه وجب أمره بها، وكذا لو شكّ في توبته. وهذا غير الأمر والنهي بالنسبة إلى سائر المعاصي، فلو شكّ في كونه مصرّاً أو علم بعدمه، لا يجب الإنكار بالنسبة إلى تلك المعصية، لكن يجب بالنسبة إلى ترك التوبة.

(مسألة 6): لو ظهر من حاله ـ علماً أو اطمئناناً أو بطريق معتبر ـ أنّه أراد ارتكاب معصية لم يرتكبها إلى الآن، فالظاهر وجوب نهيه.

(مسألة 7): لا يشترط في عدم وجوب الإنكار إظهار ندامته وتوبته، بل مع العلم ونحوه على عدم الاستمرار لم يجب، وإن علم عدم ندامته من فعله. وقد مرّ أنّ وجوب الأمر بالتوبة غير وجوب النهي بالنسبة إلى المعصية المرتكبة.

(مسألة 8): لو علم عجزه أو قام الطريق المعتبر على عجزه عن الإصرار واقعاً، وعلم أنّ من نيّته الإصرار لجهله بعجزه، لا يجب النهي بالنسبة إلى الفعل غير المقدور، وإن وجب بالنسبة إلى ترك التوبة والعزم على المعصية لو قلنا بحرمته.

(مسألة 9): لو كان عاجزاً عن ارتكاب حرام، وكان عازماً عليه لو صار قادراً، فلو علم ـ ولو بطريق معتبر ـ حصول القدرة له، فالظاهر وجوب إنكاره، وإلاّ فلا، إلاّ على عزمه على القول بحرمته.

(مسألة 10): لو اعتقد العجز عن الاستمرار وكان قادراً واقعاً، وعلم بارتكابه مع علمه بقدرته، فإن علم بزوال اعتقاده فالظاهر وجوب الإنكار بنحو لا يعلمه بخطئه، وإلاّ فلا يجب.

(مسألة 11): لو علم إجمالاً بأنّ أحد الشخصين أو الأشخاص مصرّ على ارتكاب المعصية، وجب ظاهراً توجّه الخطاب إلى عنوان منطبق عليه، بأن يقول: من كان شارب الخمر فليتركه. وأمّا نهي الجميع أو خصوص بعضهم فلا يجب، بل لا يجوز، ولو كان في توجّه النهي إلى العنوان ـ المنطبق على العاصي ـ هتكٌ عن هؤلاء الأشخاص، فالظاهر عدم الوجوب، بل عدم الجواز.

(مسألة 12): لو علم بارتكابه حراماً أو تركه واجباً ولم يعلم بعينه، وجب على نحو الإبهام، ولو علم إجمالاً بأنّه إمّا تارك واجباً أو مرتكب حراماً، وجب كذلك أو على نحو الإبهام.

الشرط الرابع: أن لا يكون في إنكاره مفسدة.

(مسألة 1): لو علم أو ظنّ أنّ إنكاره موجب لتوجّه ضرر نفسيّ أو عِرضيّ أو ماليّ يعتدّ به عليه، أو على أحد متعلّقيه كأقربائه وأصحابه وملازميه، فلا يجب ويسقط عنه، بل وكذا لو خاف ذلك لاحتمال معتدّ به عند العقلاء. والظاهر إلحاق سائر المؤمنين بهم أيضاً.

(مسألة 2): لا فرق في توجّه الضرر بين كونه حاليّاً أو استقباليّاً، فلو خاف توجّه ذلك في المآل عليه أو على غيره سقط الوجوب.

(مسألة 3): لو علم أو ظنّ أو خاف للاحتمال المعتدّ به وقوعه أو وقوع متعلّقيه في الحرج والشدّة على فرض الإنكار لم يجب، ولا يبعد إلحاق سائر المؤمنين بهم.

(مسألة 4): لو خاف على نفسه أو عرضه أو نفوس المؤمنين وعرضهم حرم الإنكار، وكذا لو خاف على أموال المؤمنين المعتدّ بها. وأمّا لو خاف على ماله ـ بل علم ـ توجّه الضرر المالي عليه، فإن لم يبلغ إلى الحرج والشدّة عليه فالظاهر عدم حرمته([898])، ومع إيجابه ذلك فلا تبعد الحرمة.

(مسألة 5): لو كانت إقامة فريضة أو قلع منكر موقوفاً على بذل المال المعتدّ به، لا يجب بذله، لكن حسن مع عدم كونه بحيث يقع في الحرج والشدّة، ومعه فلا يبعد عدم الجواز، نعم لو كان الموضوع ممّا يهتمّ به الشارع ولا يرضى بخلافه مطلقاً يجب.

(مسألة 6): لو كان المعروف والمنكر من الاُمور التي يهتمّ به الشارع الأقدس، كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين، وهتك نواميسهم، أو محو آثار الإسلام ومحو حجّته، بما يوجب ضلالة المسلمين، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام، كبيت الله الحرام بحيث يُمحى آثاره ومحلّه، وأمثال ذلك، لابدّ من ملاحظة الأهميّة، ولا يكون مطلق الضرر ـ ولو النفسي ـ أو الحرج موجباً لرفع التكليف، فلو توقّفت إقامة حجج الإسلام بما يرفع بها الضلالة على بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه، فضلاً عن الوقوع في ضرر أو حرج دونها.

(مسألة 7): لو وقعت بدعة في الإسلام، وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ موجباً لهتك الإسلام وضعف عقائد المسلمين، يجب عليهم الإنكار بأيّة وسيلة ممكنة، سواء كان الإنكار مؤثّراً في قلع الفساد أم لا. وكذا لو كان سكوتهم عن إنكار المنكرات موجباً لذلك، ولا يلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الأهميّة.

(مسألة 8): لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ خوف أن يصير المنكر معروفاً أو المعروف منكراً، يجب عليهم إظهار علمهم، ولا يجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل، ولا يلاحظ الضرر والحرج مع كون الحكم ممّا يهتمّ به الشارع الأقدس جدّاً.

(مسألة 9): لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ تقوية للظالم وتأييد له ـ والعياذ بالله ـ يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإظهار ولو لم يكن مؤثّراً في رفع ظلمه.

(مسألة 10): لو كان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب أعلى الله كلمتهم، موجباً لجرأة الظلمة على ارتكاب سائر المحرّمات وإبداع البدع، يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإنكار وإن لم يكن مؤثّراً في رفع الحرام الذي يرتكب.

(مسألة 11): لو كان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ موجباً لإساءة الظنّ بهم وهتكهم وانتسابهم إلى ما لا يصحّ ولا يجوز الانتساب إليهم، ككونهم ـ نعوذ بالله ـ أعوان الظلمة، يجب عليهم الإنكار لدفع العار عن ساحتهم ولو لم يكن مؤثّراً في رفع الظلم.

(مسألة 12): لو كان ورود([899]) بعض العلماء مثلاً في بعض شؤون الدول، موجباً لإقامة فريضة أو فرائض أو قلع منكر أو منكرات، ولم يكن محذور أهمّ ـ كهتك حيثيّة العلم والعلماء وتضعيف عقائد الضعفاء ـ وجب على الكفاية، إلاّ أن لا يمكن ذلك إلاّ لبعض معيّن لخصوصيّات فيه، فتعيّن عليه.

(مسألة 13): لا يجوز لطلاّب العلوم الدينيّة الدخول في المؤسّسات التي أسّسها الدولة باسم المؤسسة الدينيّة، كالمدارس القديمة التي قبضتها الدولة وأجرى على طلاّبها من الأوقاف، ولا يجوز أخذ راتبها، سواء كان من الصندوق المشترك، أو من موقوفة نفس المدرسة، أو غيرهما ; لمفسدة عظيمة يُخشى منها على الإسلام.

(مسألة 14): لا يجوز للعلماء وأئمّة الجماعات تصدّي مدرسة من المدارس الدينيّة من قبل الدولة، سواء اُجري عليهم وعلى طلاّبها من الصندوق المشترك، أو من موقوفات نفس المدرسة، أو غيرهما ; لمفسدة عظيمة على الحوزات الدينيّة والعلميّة في الآجل القريب.

(مسألة 15): لا يجوز لطلاّب العلوم الدينيّة الدخول في المدارس الدينيّة، التي تصدّاها بعض المتلبّسين بلباس العلم والدين من قبل الدولة الجائرة، أو بإشارة من الحكومة ـ سواء كان المنهج من الحكومة، أو من المتصدّي وكان دينيّاً ـ لمفسدة عظيمة على الإسلام والحوزات الدينية في الآجل، والعياذ بالله.

(مسألة 16): لو قامت قرائن على أنّ مؤسسة دينيّة، كان تأسيسها أو إجراء مؤونتها من قبل الدولة الجائرة ولو بوسائط، لا يجوز للعالم تصديها ولا لطلاّب العلوم الدخول فيها، ولا أخذ راتبها، بل لو احتمل احتمالاً معتدّاً به لزم التحرّز عنها ; لأنّ المحتَمل ممّا يهتمّ به شرعاً، فيجب الاحتياط في مثله.

(مسألة 17): المتصدّي لمثل تلك المؤسّسات والداخل فيها محكوم بعدم العدالة، لا يجوز للمسلمين ترتيب آثار العدالة عليه من الاقتداء في الجماعة وإشهاد الطلاق وغيرهما ممّا يعتبر فيه العدالة.

(مسألة 18): لا يجوز لهم أخذ سهم الإمام(عليه السلام) وسهم السادة، ولا يجوز للمسلمين إعطاؤهم من السهمين، ماداموا في تلك المؤسسات ولم ينتهوا ويتوبوا عنه.

(مسألة 19): الأعذار التي تشبّث بها بعض المنتسبين بالعلم والدين للتصدّي، لا تُسمع منهم ولو كانت وجيهة عند الأنظار السطحيّة الغافلة.

(مسألة 20): لا يشترط في الآمر والناهي العدالة أو كونه آتياً بما أمر به وتاركاً لما نهى عنه، ولو كان تاركاً لواجب وجب عليه الأمر به مع اجتماع الشرائط، كما يجب أن يعمل به، ولو كان فاعلاً لحرام يجب عليه النهي عن ارتكابه، كما يحرم عليه ارتكابه.

(مسألة 21): لا يجب الأمر والنهي على الصغير ولو كان مراهقاً مميّزاً، ولا يجب نهي غير المكلّف كالصغير والمجنون ولا أمره. نعم لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقاً، يجب على المكلّف منع غير المكلّف عن إيجاده.

(مسألة 22): لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً فيه ـ شرعاً أو عقلاً ـ لا يجب بل لا يجوز الإنكار.

(مسألة 23): لو احتمل كون المرتكب للحرام أو التارك للواجب معذوراً في ذلك، لا يجب الإنكار، بل يشكل، فمع احتمال كون المفطر في شهر رمضان مسافراً مثلاً لا يجب النهي، بل يشكل، نعم لو كان فعله جهراً موجباً لهتك أحكام الإسلام أو لجرأة الناس على ارتكاب المحرّمات، يجب نهيه لذلك.

(مسألة 24): لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معتقداً جواز ذلك وكان مخطئاً فيه، فإن كان لشبهة موضوعيّة ـ كزعم كون الصوم مضرّاً به، أو أنّ الحرام علاجه المنحصر ـ لا يجب رفع جهله ولا إنكاره. وإن كان لجهل في الحكم، فإن كان مجتهداً أو مقلّداً لمن يرى ذلك، فلا يجب رفع جهله وبيان الحكم له، وإن كان جاهلاً بالحكم الذي كان وظيفته العمل به، يجب رفع جهله وبيان حكم الواقعة، ويجب الإنكار عليه.

القول في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فإنّ لهما مراتباً لا يجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب من المرتبة الدانية، بل مع احتماله.

المرتبة الاُولى: أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر، وأنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر، وله درجات: كغمض العين، والعبوس والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وترك مراودته ونحو ذلك.

(مسألة 1): يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها. وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر، سيّما إذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله([900])، فلا يجوز التعدّي عن المقدار اللازم، فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب، لا يجوز التعدّي إلى مرتبة فوقه.

(مسألة 2): لو كان الإعراض والهجر مثلاً موجباً لتخفيف المنكر ـ لا قلعه ـ ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لساناً في قلعه، ولم يمكنه الإنكار بغير ذلك، وجب.

(مسألة 3): لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير ـ ولو في تخفيف ظلمهم ـ يجب عليهم ذلك، ولو فرض العكس ـ بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبة له ـ لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ، ومع عدم محذور آخر ـ حتّى احتمال كون عشرتهم موجباً لشوكتهم وتقويتهم، وتجرّيهم على هتك الحرمات، أو احتمال هتك مقام العلم والروحانيّة، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام ـ وجبت لذلك المقصود.

(مسألة 4): لو كانت عشرة علماء الدين ورؤساء المذهب، خاليةً عن مصلحة راجحة لازمة المراعاة، لا تجوز لهم، سيّما إذا كانت موجبة لاتّهامهم وانتسابهم إلى الرضا بما فعلوا.

(مسألة 5): لو كان في ردّ هدايا الظلمة وسلاطين الجور، احتمالُ التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرّيهم على مبتدعاتهم، وجب الردّ، ولا يجوز القبول، ولو كان بالعكس لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ كما تقدّم.

(مسألة 6): لو كان في قبول هداياهم تقوية شوكتهم وتجرّيهم على ظلمهم أو مبتدعاتهم يحرم القبول، ومع احتمالها فالأحوط عدم القبول، ولو كان الأمر بالعكس تجب ملاحظة الجهات وتقديم الأهمّ.

(مسألة 7): يحرم الرضا بفعل المنكر وترك المعروف، بل لا يبعد وجوب كراهتهما قلباً، وهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(مسألة 8): لا يشترط حرمة الرضا ووجوب الكراهة بشرط، بل يحرم ذلك وتجب ذاك مطلقاً.

المرتبة الثانية: الأمر والنهي لساناً.

(مسألة 1): لو علم أنّ المقصود لا يحصل بالمرتبة الاُولى، يجب الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير.

(مسألة 2): لو احتمل حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول الليّن يجب ذلك، ولا يجوز التعدّي عنه.

(مسألة 3): لو علم عدم تأثير ما ذكر انتقل إلى التحكّم بالأمر والنهي، ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير، ولا يجوز التعدّي، سيّما إذا كان المورد ممّا يهتك الفاعل بقوله.

(مسألة 4): لو توقّف رفع المنكر وإقامة المعروف على غلظة القول، والتشديد في الأمر والتهديد والوعيد على المخالفة، تجوز، بل تجب مع التحرّز عن الكذب.

(مسألة 5): لا يجوز إشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسبّ والكذب والإهانة. نعم لو كان المنكر ممّا يهتمّ به الشارع ولا يرضى بحصوله مطلقاً ـ كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة ـ جاز، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقّف المنع عليه.

(مسألة 6): لو كان بعض مراتب القول أقلّ إبذاء وإهانة من بعض ما ذكر في المرتبة الاُولى، يجب الاقتصار عليه، ويكون مقدّماً على ذلك([901])، فلو فرض أنّ الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثّر أو محتمل التأثير، وكان أقلّ إيذاء من الهجر والإعراض ونحوهما، لا يجوز التعدّي منه إليهما، والأشخاص ـ آمراً ومأمورا ـ مختلفون جدّاً، فربّ شخص يكون إعراضه وهجره أثقل وأشدّ إيذاءً وإهانة من قوله وأمره ونهيه، فلابدّ للآمر والناهي ملاحظة المراتب والأشخاص، والعمل على الأيسر ثمّ الأيسر.

(مسألة 7): لو فرض تساوي بعض ما في المرتبة الاُولى مع بعض ما في المرتبة الثانية، لم يكن ترتيب بينهما، بل يتخيّر بينهما، فلو فرض أنّ الإعراض مساو للأمر في الإيذاء، وعلم أو احتمل تأثير كلّ منهما، يتخيّر بينهما، ولا يجوز الانتقال إلى الأغلظ.

(مسألة 8): لو احتمل التأثير وحصول المطلوب بالجمع بين بعض درجات المرتبة الاُولى أو المرتبة الثانية، أو بالجمع بين تمام درجات الاُولى أو الثانية ممّا أمكن الجمع بينها، أو الجمع بين المرتبتين ممّا أمكن ذلك، وجب ذلك بما أمكن، فلو علم عدم التأثير لبعض المراتب، واحتمل التأثير في الجمع بين الانقباض والعبوس والهجر والإنكار لساناً، مشفوعاً بالغلظة والتهديد ورفع الصوت والإخافة ونحو ذلك وجب الجمع.

(مسألة 9): لو توقّف دفع منكر أو إقامة معروف على التوسّل بالظالم ليدفعه عن المعصية جاز([902])، بل وجب مع الأمن عن تعدّيه ممّا هو مقتضى التكليف، ووجب على الظالم الإجابة، بل الدفع واجب على الظالم كغيره، ووجبت عليه مراعاة ما وجبت مراعاته على غيره من الإنكار بالأيسر ثمّ الأيسر.

(مسألة 10): لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانية من شخص وبالمرتبة التي فوقها من آخر، فالظاهر وجوب ما هو تكليف كلّ منهما كفائيّاً، ولا يجب الإيكال إلى من حصل المطلوب منه بالمرتبة الدانية.

(مسألة 11): لو كان إنكار شخص مؤثّراً في تقليل المنكر وإنكار آخر مؤثّراً في دفعه، وجب على كلّ منهما القيام بتكليفه، لكن لو قام الثاني بتكليفه وقلع المنكر سقط عن الآخر، بخلاف قيام الأوّل الموجب للتقليل، فإنّه لا يسقط بفعله تكليف الثاني.

(مسألة 12): لو علم إجمالاً بأنّ الإنكار بإحدى المرتبتين مؤثّر يجب بالمرتبة الدانية، فلو لم يحصل بها المطلوب انتقل إلى العالية.

المرتبة الثالثة: الإنكار باليد([903]).

(مسألة 1): لو علم أو اطمأنّ بأنّ المطلوب لا يحصل بالمرتبتين السابقتين، وجب الانتقال إلى الثالثة، وهي إعمال القدرة مراعياً للأيسر فالأيسر.

(مسألة 2): إن أمكنه المنع بالحيلولة بينه وبين المنكر، وجب الاقتصار عليها لو كان أقلّ محذوراً من غيرها.

(مسألة 3): لو توقّفت الحيلولة على تصرّف في الفاعل أو آلة فعله ـ كما لو توقّفت على أخذ يده أو طرده، أو التصرّف في كأسه الذي فيه الخمر، أو سكّينه ونحو ذلك ـ جاز بل وجب([904]).

(مسألة 4): لو توقّف دفع المنكر على الدخول في داره أو ملكه، والتصرّف في أمواله ـ كفرشه وفراشه ـ جاز لو كان المنكر من الاُمور المهمّة التي لا يرضى المولى بخلافه كيف ما كان، كقتل النفس المحترمة، وفي غير ذلك إشكال، وإن لا يبعد بعض مراتبه في بعض المنكرات.

(مسألة 5): لو انجرّت المدافعة إلى وقوع ضرر على الفاعل ـ ككسر كأسه أو سكّينه ـ بحيث كان من قبيل لازم المدافعة([905]) فلا يبعد عدم الضمان، ولو وقع الضرر على الآمر والناهي من قِبل المرتكب كان ضامناً وعاصياً.

(مسألة 6): لو كسر القارورة التي فيها الخمر مثلاً أو الصندوق الذي فيه آلات القمار، ممّا لم يكن ذلك من قبيل لازم الدفع، ضمن وفعل حراماً.

(مسألة 7): لو تعدّى عن المقدار اللازم في دفع المنكر، وانجرّ إلى ضرر على فاعل المنكر ضمن، وكان التعدّي حراماً.

(مسألة 8): لو توقّفت الحيلولة على حبسه في محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز، بل وجب مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل، ولا يجوز إيذاؤه والضيق عليه في المعيشة.

(مسألة 9): لو لم يحصل المطلوب إلاّ بنحو من الضيق والتحريج عليه، فالظاهر جوازه بل وجوبه مراعياً للأيسر فالأيسر.

(مسألة 10): لو لم يحصل المطلوب إلاّ بالضرب والإيلام([906])، فالظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل، وينبغي الاستئذان([907]) من الفقيه الجامع للشرائط، بل ينبغي ذلك في الحبس والتحريج ونحوهما.

(مسألة 11): لو كان الإنكار موجباً للجرّ إلى الجرح أو القتل، فلا يجوز إلاّ بإذن الإمام(عليه السلام)على الأقوى، وقام في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.

(مسألة 12): لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحترمة، جاز ـ بل وجب ـ الدفع ولو انجرّ إلى جرح الفاعل أو قتله، فيجب الدفاع عن النفس المحترمة بجرح الفاعل أو قتله لو لم يمكن بغير ذلك، من غير احتياج إلى إذن الإمام(عليه السلام) أو الفقيه مع حصول الشرائط، فلو هجم شخص على آخر ليقتله وجب دفعه ولو بقتله مع الأمن من الفساد، وليس على القاتل حينئذ شيء.

(مسألة 13): لا يجوز التعدّي إلى القتل مع إمكان الدفع بالجرح، ولابدّ من مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح، فلو تعدّى ضمن، كما أنّه لو وقع عليه من فاعل المنكر جرحٌ ضمن، أو قتلٌ يقتصّ منه.

(مسألة 14): ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ـ في أمره ونهيه ومراتب إنكاره ـ كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصّة، وعلى الاُمّة عامّة، وأن يجرّد قصده لله تعالى ولمرضاته، ويخلّص عمله ذلك عن شوائب أهوية نفسانية وإظهار العلوّ، وأن لا يرى نفسه منزّهة، ولا لها علوّاً أو رفعة على المرتكب، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانية مرضيّة لله تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه.

(مسألة 15): من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيراً وأوقعها في النفوس ـ سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ هو الصادر عمّن يكون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه، ومتجنّباً عن المنكر بل المكروه، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيّين، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا، حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمراً وناهياً، ويقتدي به الناس، وإن كان ـ والعياذ بالله تعالى ـ بخلاف ذلك ورأى الناس أنّ العالم ـ المدّعي لخلافة الأنبياء وزعامة الاُمّة ـ غير عامل بما يقول، صار ذلك موجباً لضعف عقيدتهم وجرأتهم على المعاصي وسوء ظنّهم بالسلف الصالح، فعلى العلماء ـ سيّما ورؤساء المذهب ـ أن يتجنّبوا مواضع التُّهم، وأعظمها التقرّب إلى سلاطين الجور والرؤساء الظلمة، وعلى الاُمّة الإسلاميّة أن لو رأوا عالماً كذلك حملوا فعله على الصحّة مع الاحتمال، وإلاّ أعرضوا عنه ورفضوه، فإنّه غير روحانيّ تلبّس بزيّ الروحانيّين، وشيطان في رداء العلماء، نعوذ بالله من مثله ومن شرّه على الإسلام.

ختام فيه مسائل

(مسألة 1): ليس لأحد تكفّل الاُمور السياسيّة، كإجراء الحدود والقضائية والمالية، كأخذ الخراجات والماليّات الشرعيّة، إلاّ إمام المسلمين(عليه السلام)ومن نصبه لذلك.

(مسألة 2): في عصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ يقوم نوّابه العامّة، وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء، مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام(عليه السلام)([908]) إلاّ البدأة بالجهاد.

(مسألة 3): يجب كفاية على النوّاب العامّة القيام بالاُمور المتقدّمة، مع بسط يدهم وعدم الخوف من حكّام الجور، وبقدر الميسور مع الإمكان.

(مسألة 4): يجب على الناس كفاية مساعدة الفقهاء في إجراء السياسات وغيرها، من الحسبيّات التي من مختصّاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان، ومع عدمه فبمقدار الميسور الممكن.

(مسألة 5): لا يجوز التولّي للحدود والقضاء وغيرها من قبل الجائر، فضلاً عن إجراء السياسات غير الشرعيّة، فلو تولّى من قبله مع الاختيار فأوقع ما يوجب الضمان ضمن، وكان فعله معصية كبيرة.

(مسألة 6): لو أكرهه الجائر على تولّي أمر من الاُمور جاز إلاّ القتل وكان الجائر ضامناً، وفي إلحاق الجرح بالقتل تأمّل. نعم يلحق به بعض المهمّات، وقد أشرنا إليه سابقاً.

(مسألة 7): لو تولّى الفقيه الجامع للشرائط أمراً من قبل والي الجور ـ من السياسات والقضاء ونحوها ـ لمصلحة، جاز ـ بل وجب عليه ـ إجراء الحدود الشرعيّة، والقضاء على الموازين الشرعيّة، وتصدّى الحسبيات، وليس له التعدّي عن حدود الله تعالى.

(مسألة 8): لو رأى الفقيه أن تصدّيه من قبل الجائر موجب لإجراء الحدود الشرعيّة والسياسات الإلهيّة يجب عليه التصدّي، إلاّ أن يكون تصدّيه أعظم مفسدة.

(مسألة 9): ليس للمتجزّي شيء من الاُمور المتقدّمة، فحاله حال العامّي في ذلك على الأحوط. نعم لو فقد الفقيه والمجتهد المطلق، لا يبعد جواز تصدّيه للقضاء إذا كان مجتهداً في بابه، وكذا هو مقدّم على سائر العدول في تصدّي الاُمور الحسبيّة على الأحوط.

(مسألة 10): لا يجوز الرجوع في الخصومات إلى حكّام الجور وقضاته، بل يجب على المتخاصمين الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط، ومع إمكان ذلك لو رجع إلى غيره، كان ما أخذه بحكمه سحتاً على تفصيل فيه.

(مسألة 11): لو دعا المدّعي خصمه للتحاكم عند الفقيه يجب عليه القبول. كما أنّه لو رضي الخصم بالترافع عنده لا يجوز للمدّعي الرجوع إلى غيره.

(مسألة 12): لو رفع المدّعي إلى الحاكم الشرعي فطلب الحاكم المدّعى عليه، يجب عليه الحضور، ولا يجوز التخلّف.

(مسألة 13): يجب كفاية على الحكّام الشرعيّة قبول الترافع، ومع الانحصار يتعيّن عليه.

فصل في الدفاع
وهو على قسمين: أحدهما: الدفاع عن بيضة الإسلام وحوزته. ثانيهما: عن نفسه ونحوها.

القول في القسم الأوّل

(مسألة 1): لو غشي بلادَ المسلمين أو ثغورها عدوٌّ يُخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم، يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.

(مسألة 2): لا يشترط ذلك بحضور الإمام(عليه السلام) وإذنه، ولا إذن نائبه الخاصّ أو العامّ، فيجب الدفاع على كلّ مكلّف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط.

(مسألة 3): لو خيف على زيادة الاستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة.

(مسألة 4): لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي، المنجرّ إلى أسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم، يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفية، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً.

(مسألة 5): لو كان في المراودات التجاريّة وغيرها مخافة على حوزة الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها سياسيّاً أو غيرها ـ الموجب لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنويّاً ـ يجب على كافّة المسلمين التجنّب عنها، وتحرم تلك المراودات.

(مسألة 6): لو كانت الروابط السياسيّة بين الدول الإسلاميّة والأجانب، موجبةً لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم، أو موجبة لأسرهم السياسي، يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات المنفية.

(مسألة 7): لو خيف على إحدى الدول الإسلاميّة من هجمة الأجانب، يجب على جميع الدول الإسلاميّة الدفاع عنها بأيّ وسيلة ممكنة، كما يجب على سائر المسلمين.

(مسألة 8): لو أوقع إحدى الدول الإسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين، يجب على سائر الدول الجدّ على حلّ عقدها بوسائل سياسية أو اقتصادية، كقطع الروابط السياسيّة والتجاريّة معها، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفية. وأمثال تلك العقود محرّمة باطلة في شرع الإسلام.

(مسألة 9): لو صار بعض رؤساء الدول الإسلامية أو وكلاء المجلسين، موجباً لنفوذ الأجانب سياسيّاً أو اقتصاديّاً على المملكة الإسلامية ـ بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام، أو على استقلال المملكة ولو في الاستقبال، كان خائناً ومنعزلاً عن مقامه أيّ مقام كان لو فرض أن تصدّيه حقّ، وعلى الاُمّة الإسلاميّة مجازاته ولو بالمقاومات المنفية كترك عشرته وترك معاملته والإعراض عنه بأيّ وجه ممكن، والاهتمام بإخراجه عن جميع الشؤون السياسيّة وحرمانه عن الحقوق الاجتماعيّة.

(مسألة 10): لو كان في الروابط التجاريّة ـ من الدول أو التجّار ـ مع بعض الدول الأجنبيّة أو التجّار الأجنبيّين، مخافة على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصاديّة، وجب تركها وحرمت التجارة المزبورة، وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرّموا متاعهم وتجارتهم حسب اقتضاء الظروف، وعلى الاُمّة الإسلاميّة متابعتهم، كما يجب على كافّتهم الجدّ في قطعها.

القول في القسم الثاني

(مسألة 1): لا إشكال في أنّ للإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع.

(مسألة 2): لو هجم عليه لصّ أو غيره في داره أو غيرها ليقتله ظلماً، يجب عليه الدفاع بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم، ولا يجوز له الاستسلام والانظلام.

(مسألة 3): لو هجم على من يتعلّق به من ابن أو بنت أو أب أو أخ أو سائر من يتعلّق به ـ حتّى خادمه وخادمته ـ ليقتله ظلماً، جاز ـ بل وجب ـ الدفاع عنه ولو انجرّ إلى قتل المهاجم.

(مسألة 4): لو هجم على حريمه ـ زوجة كانت أو غيرها ـ بالتجاوز عليها وجب دفعه بأيّ نحو ممكن ولو انجر إلى قتل المهاجم، بل الظاهر كذلك لو كان الهجمة على عرض الحريم بما دون التجاوز.

(مسألة 5): لو هجم على ماله أو مال عياله، جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم.

(مسألة 6): يجب على الأحوط في جميع ما ذكر أن يتصدّى للدفاع من الأسهل فالأسهل، فلو اندفع بالتنبيه والإخطار بوجه كالتنحنح مثلاً فعل، فلو لم يندفع إلاّ بالصياح والتهديد المدهش فعل واقتصر عليه، وإن لم يندفع إلاّ باليد اقتصر عليها، أو بالعصا اقتصر عليها، أو بالسيف اقتصر عليه جرحاً إن أمكن به الدفع، وإن لم يمكن إلاّ بالقتل جاز بكلّ آلة قتّالة. وإنّما يجب مراعاة الترتيب مع الإمكان والفرصة وعدم الخوف من غلبته، بل لو خاف فوت الوقت وغلبة اللصّ مع مراعاة الترتيب لا يجب، ويجوز التوسّل بما يدفعه قطعاً.

(مسألة 7): لو لم يتعدّ عن الحدّ اللازم، ووقع على المهاجم نقص ماليّ أو بدنيّ أو قتل، يكون هدراً، ولا ضمان على الفاعل.

(مسألة 8): لو تعدّى عمّا هو الكافي في الدفع بنظره وواقعاً، فهو ضامن على الأحوط.

(مسألة 9): لو وقع نقص على المدافع من قبل المهاجم ـ مباشرة أو تسبيباً ـ يكون ضامناً ; جرحاً أو قتلاً أو مالاً ونحوها.

(مسألة 10): لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه وجب الدفاع ولو علم أنّه يصير مقتولاً، فضلاً عمّا دونه، وفضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل، وأمّا المال فلا يجب، بل الأحوط الاستسلام مع احتمال القتل، فضلاً عن العلم به.

(مسألة 11): لو أمكن التخلّص عن القتال بالهرب ونحوه فالأحوط التخلّص به، فلو هجم على حريمه وأمكن التخلّص بوجه غير القتال فالأحوط ذلك.

(مسألة 12): لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه، وجبت المقاتلة، ولو علم أنّ قتاله لا يفيد في الدفع، ولا يجوز له الاستسلام، فضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل ذلك. وأمّا المال فلا يجب، بل الأحوط الترك.

(مسألة 13): بعد تحقّق قصد المهاجم إليه ـ ولو بالقرائن الموجبة للوثوق ـ يجوز له الدفع بلا إشكال. فهل يجوز مع الظنّ أو الاحتمال الموجب للخوف ؟ الظاهر عدم الجواز مع الأمن من ضرره لو كان قاصداً لشدّة بطشه وقدرته، أو إمكان الدفاع بوجه لو كان قاصداً له، ومع عدمه ففيه إشكال.

(مسألة 14): لو أحرز قصده إلى نفسه أو عرضه أو ماله، فدفعه فأضرّ به أو جنى عليه، فتبيّن خطؤه كان ضامناً وإن لم يكن آثماً.

(مسألة 15): لو قصده لُصّ أو محارب فاعتقد خلافه، فحمل عليه لا للدفع، بل لغرض آخر، فالظاهر عدم الضمان ولو قتله وإن كان متجرّياً.

(مسألة 16): لو هجم لصّان أو نحوهما كلّ على الآخر، فإن كان أحدهما بادئاً والآخر مدافعاً ضمن البادئ، ولا يضمن المدافع وإن كان لو لم يبتدئه ابتدأه، وإن هجما فالظاهر ضمان كلّ منهما لو جنى على صاحبه، ولو كفّ أحدهما فصال الآخر وجنى عليه ضمن.

(مسألة 17): لو هجم عليه لصّ ونحوه، لكن علم أنّه لا يمكنه إجراء ما قصده لمانع ـ كنهر أو جدار ـ كفّ عنه، ولا يجوز الإضرار به جرحاً أو نفساً أو غيرهما، ولو أضرّ به ضمن. وكذا لو كان عدم المكنة لضعفه.

(مسألة 18): لو هجم عليه وقبل الوصول إليه ندم وأظهر الندامة، لا يجوز الإضرار به بشيء، ولو فعل ضمن. نعم لو خاف أن يكون ذلك خدعة منه، وخاف ذهاب الفرصة لو أمهله، فلا يبعد الجواز، لكن ضمن لو كان صادقاً.

(مسألة 19): يجوز الدفاع لو كان المحارب ونحوه مقبلاً مع مراعاة الترتيب ـ كما تقدّم ـ مع الإمكان، وأمّا لو كان مدبراً معرضاً فلا يجوز الإضرار به، ويجب الكفّ عنه، فلو أضرّ به ضمن.

(مسألة 20): لو كان إدباره لإعداد القوّة جاز دفعه لو علم أو اطمأنّ به، ولو بان الخطأ ضمن ما أضرّ به.

(مسألة 21): لو ظنّ أو احتمل احتمالاً عقلائيّاً أنّ إدباره لتجهيز القوى، وخاف لأجله على نفسه أو عرضه، وخاف مع ذلك عن فوت الوقت لو أمهله، وأنّه يغلبه لو صار مجهّزاً، فالظاهر جواز دفعه مراعياً للترتيب مع الإمكان. ولو بان الخطأ ضمن لو فعل ما يوجبه، والأحوط في المال الترك، سيّما في مثل الجرح والقتل.

(مسألة 22): لو أخذ اللصّ أو المحارب وربطه، أو ضربه وعطّله عمّا قصده، لا يجوز الإضرار به ضرباً أو قتلاً أو جرحاً، فلو فعل ضمن.

(مسألة 23): لو لم يمكنه دفعه وجب ـ في الخوف على النفس أو العرض ـ التوسّل بالغير ولو كان جائراً ظالماً بل كافراً، وجاز في المال.

(مسألة 24): لو علم أنّ الجائر ـ الذي يتوسّل به للدفاع عن نفسه أو عرضه ـ يتعدّى عن المقدار اللازم في الدفاع، جاز التوسّل به بل وجب، ومع اجتماع الشرائط يجب عليه النهي عن تعدّيه، فلو تعدّى كان الجائر ضامناً. نعم لو أمكن دفعه بغير التوسّل به لا يجوز التوسّل به.

(مسألة 25): لوضرب اللصّ مثلاً مقبلاً فقطع عضواً منه، مع توقّف الدفع عليه فلا ضمان فيه، ولا في السراية ولو تنتهي إلى الموت، ولو ولّى بعد الضرب مُدبراً للتخلّص والفرار يجب الكفّ عنه، فلوضربه فجرحه أو قطع منه عضواً أو قتله ضمن.

(مسألة 26): لو قطع يده حال الإقبال دفاعاً، ويده الاُخرى حال الإدبار فراراً فاندملت اليدان ثبت القصاص في الثانية، ولواندملت الثانية وسرت الاُولى فلا شيء عليه في السراية، ولو اندملت الاُولى وسرت الثانية فمات ثبت القصاص في النفس.

(مسألة 27): لو وجد مع زوجته أو أحد قرابته ـ من ولده أو بنته أو غيرهما من أرحامه ـ من ينال منه من الفاحشة ولو دون الجماع، فله دفعه مراعياً للأيسر فالأيسر مع الإمكان، ولو أدّى إلى القتل، ويكون هدراً، بل له الدفع عن الأجنبي كالدفع عن نفسه، وما وقع على المدفوع هدر.

(مسألة 28): لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها وعلم بمطاوعتها له فله قتلهما([909])، ولا إثم عليه ولا قود، من غير فرق بين كونهما محصنين أو لا، وكون الزوجة دائمة أو منقطعة، ولا بين كونها مدخولاً بها أو لا.

(مسألة 29): في الموارد التي جاز الضرب والجرح والقتل إنّما يجوز بينه وبين الله، وليس عليه شيء واقعاً، لكن في الظاهر يحكم القاضي على ميزان القضاء، فلو قتل رجلاً، وادّعى أنّه رآه مع امرأته، ولم يكن له شهود ـ على طبق ما قرّره الشارع ـ يحكم عليه بالقصاص، وكذا في الأشباه والنظائر.

(مسألة 30): من اطّلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم، فلهم زجره ومنعه، بل وجب ذلك، ولو لم ينزجر جاز دفعه بالضرب ونحوه، فلو لم ينزجر فرموه بحصاة أو غيرها ـ حتّى الآلات القتالة ـ فاتّفق الجناية عليه كانت هدراً، ولو انجرّ إلى القتل، ولو بادروا بالرمي قبل الزجر والتنبيه ضمنوا على الأحوط.

(مسألة 31): لو زجره فلم ينزجر جاز رميه بقصد جرحه لو توقّف الدفع عليه، وكذا بقصد قتله لو توقّف عليه.

(مسألة 32): لو كان المطّلع رحماً لنساء صاحب البيت، فإن نظر إلى ما جاز نظره إليه من غير شهوة وريبة لم يجز رميه، فلو رماه وجنى عليه ضمن.

(مسألة 33): لو كان الرحم ناظراً إلى ما لا يجوز له النظر إليه ـ كالعورة ـ أو كان نظره بشهوة، كان كالأجنبي، فجاز رميه بعد زجره والتنبيه، ولو جنى عليه كان هدراً.

(مسألة 34): لو كان المشرف على العورات أعمى لا يجوز أن يناله بشيء، فلو نال وجنى عليه ضمن. وكذا لو كان ممّن لا يرى البعيد، وكان بينه وبينهنّ بمقدار لا يراهنّ أو لا يميّزهنّ.

(مسألة 35): لو اطّلع للنظر إلى ابن صاحب البيت بشهوة فله دفعه وزجره، ومع عدم الانزجار فله رميه، وكان الجناية هدراً.

(مسألة 36): لو اطّلع على بيت لم يكن فيه من يحرم النظر إليه لم يجز رميه، فلو رمى وجنى عليه ضمن.

(مسألة 37): لواطّلع على العورة فزجره ولم ينزجر، فرماه فجنى عليه، وادّعى عدم قصد النظر أو عدم رؤيتها لم يسمع دعواه، ولا شيء على الرامي في الظاهر.

(مسألة 38): لو كان بعيداً جدّاً بحيث لم يمكنه رؤية العورات، ولكن رآهنّ بالآلات الحديثة، كان الحكم كالمطّلع من قريب، فيجوز دفعه بما تقدّم، والجناية عليه هدر.

(مسألة 39): لو وضع مرآة واطّلع على العورات بوسيلتها، فالظاهر جريان حكم المطّلع بلا وسيلة، لكن الأحوط عدمُ رميه والتخلّصُ بوجه آخر، بل لا يترك الاحتياط.

(مسألة 40): الظاهر جواز الدفع بما تقدّم ولو أمكن للنساء الستر أو الدخول في محلّ لا يراهنّ الرائي.

(مسألة 41): للإنسان دفع الدابّة الصائلة عن نفسه وعن غيره وعن ماله، فلو تعيّبت أو تلفت ـ مع توقّف الدفع عليه ـ فلا ضمان، ولو تمكّن من الهرب فالظاهر عدم جواز الإضرار بها، فلو أضرّ ضمن.
__________________________________________
[899] ـ هذه المسألة وما يتلوها من المسائل ممّا يكون الموضوع فيها الدولة، ظاهرة في دولة إيران قبل الثورة الإسلامية، فتكون قضايا خارجية جزئية، لكنّها جارية في أمثالها من المسائل ; قضاءً للملاك وتحقّق الموضوع، فإنّ الأحكام تابعة لهما دائماً، كما لا يخفى.
[900] ـ على جواز الأمر والنهي بمثله، وبمثل ما يذكره المتن في المسألة الرابعة من المرتبة الثانية، وسيأتي عدم جواز أمثال ذلك على التفصيل.
[901] ـ على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيذاء والإهانة.
[902] ـ إن لم يكن إعانة على الظلم وترويجه.
[903] ـ سيأتي الكلام في إطلاقه.
[904] ـ إطلاقه كإطلاق ما في المسألة الثامنة والتاسعة والعاشرة محلّ تأمّل بل منع ; لانصراف أدلّة وجوبهما كبقية أدلّة الواجبات عن المحرّم، كما أشار إليه المتن في المسألة الخامسة من مسائل المرتبة الثانية، فالأقوى في هذه المرتبة الاقتصار أيضاً بما ذكر في تلك المسألة من الاُمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بحصولها، كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة، بل الاقتصار على نحو ذلك بالنسبة إلى ما يوجب هتك الفاعل أو إيذائه أو غيرهما من المحرّمات أيضاً هو الأقوى، وذلك لما ذكر من الانصراف.
وبالجملة، الأقوى الاقتصار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لا يكون موجباً للتصرّف في حقوق الغير وسلطنته على نفسه وماله، فإنّ الظاهر انصراف أدلّتها كأدلّة بقية الواجبات عمّا يوجب الحرمة وارتكاب الحرام، ولك أن تقول: إنّ الظاهر من أدلّتهما أن لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منكراً ومحرّماً. والاستدلال للجواز بما في بعض الأخبار من الدلالة على جواز مثل الإيذاء والإيلام من المحرّمات غير تامّ ; للضعف في السند أو الدلالة، فراجعها وتأمّل فيها.
وعلى هذا، فالأمر والنهي بالاُمور المحرّمة ممّا هو مذكور في تلك المسائل وغيرها حرام وغير جائز، وأمّا بالنسبة إلى مورد الاقتصار الذي أشرنا إليه قبيل ذلك فهما واجبان فيها كبقية الموارد.
[905] ـ الجائزة المختصّة بمواردها التي أشرنا إليها في التعليقة على المسألة الثالثة.
[906] ـ فيما يجوز الأمر والنهي بهما، على ما مرّ في المسألة الثالثة من هذه المرتبة.
[907] ـ بل يجب فيهما وفي الحبس والتحريج وأمثالها، ممّا يكون تصرّفاً في الغير دفعاً للهرج والمرج، واقتصاراً على المتيقّن فضلاً عن الجرح والقتل فلا يجوز شيء من هذه المرتبة مع عدم الإذن من الحكومة على النحو المقرّر في الجمهورية الإسلامية في القانون المصوّب في مجلس الشورى الإسلامي في إيران في زماننا هذا، وهو سنة ألف وأربعمائة واثنتين وعشرين الهجري القمري، وبذلك يظهر حكم المسألة التالية.
[908] ـ هذا وما يترتّب عليه من الأحكام في المسائل الآتية مبني على مختاره (رحمه الله) من الولاية للفقيه على الإطلاق من دون الاختصاص بالقضاء وشؤونه، أو هي مع الاُمور الحسبية، كما هو الظاهر من المسألة، والواضح من مبناه (رحمه الله)بما هو أظهر من الشمس وأبين من الأمس.
[909] ـ كما هو المعروف، لكنّ الأحوط بل الأقوى أنّه ليس له ذلك ; لصحيح داوود بن فرقد، عن الصادق(عليه السلام)، ففيه: «فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ماذا يا سعد ؟ فقال سعد: قالوا: لووجدت على بطن امرأتك رجلا، ما كنت صانعاً به ؟ فقلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد، فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال: يا رسول الله ! بعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل ؟ قال: أي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، إنّ الله قد جعل لكلّ شيء حدّاً وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً»(أ).
وما ذكره صاحب «الجواهر» في توجيهه بما يوافق المعروف بقوله: «ويمكن أن يكون بياناً للحكم في الظاهر، وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبين الله»(ب)، كما ترى ; لأنّه ليس بأزيد من الإمكان والاحتمال المخالف للظاهر.
ثمّ إنّ ما استدلّ به «الجواهر»(ج) من أخبار هدر دم اللصّ والناظر إلى عورات القوم، والمراود امرأة على نفسها حراماً، وممّا روي مرسلا عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، في رجل قتل رجلا فادّعى أنّه وجده مع إمرأته فقال(عليه السلام): «عليه القود، إلاّ أن يأتي ببيّنة»(د).
وممّا رواه أبو موسى الأشعري من قول أمير المؤمنين(عليه السلام) في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى من أنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلا
أ ـ وسائل الشيعة 28: 14، كتاب الحدود، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 2، الحديث 1.
ب ـ جواهر الكلام 41: 369.
ج ـ جواهر الكلام 41: 369.
د ـ المبسوط 7: 48 ; تحرير الأحكام 2: 248.
فقتله: «إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، وإلاّ دفع برمتّه»(هـ)، ففيه ما لايخفى ; لكون تلك الأخبار أجنبية عن المقام، فإنّها مربوطة بأمنية المسكن والدفاع عن المال والعورة فأ نّى لها الدلالة بجواز قتل الرجل من يرى أنّه يزني بامرأته، ولكون المرسلة مرسلة، وإن كانت دلالتها تامّة، ولما في نقل أبي موسى الأشعري من الضعف الواضح.
هـ ـ وسائل الشيعة 29: 135، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 69، الحديث 2.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org