Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: قصاص النفس (درس4)
قصاص النفس (درس4)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 4
التاريخ : 2008/12/20

قصاص النفس (درس4)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وهو إمّا في النفس, وإمّا فيما دونها.
القسم الأوّل: في قصاص النفس. والنظر فيه في الموجب، والشرائط المعتبرة فيه، وما يثبت به، وكيفية الاستيفاء.
القول في الموجب: وهو إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية).
موجب قصاص النفس
إزهاق النفس بإخراجها من التعلّق بالبدن. و(المعصومة) من: العصمة, بمعنى المنع. فالمقتول قصاصاً أو دفاعاً غير معصوم الدم بالنسبة إلى القاتل وإنْ كان معصوماً بالنسبة إلى غيره, فلا يصدق على نفسه إطلاق المعصومة المنساق منه الكلّ, فقتلُه ـ بل قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتدّ وكلّ من أباح الشرع قتلَه ـ غيرُ موجبٍ للقصاص أيضاً, على ما في (الجواهر) في نفس المقام وفي غيره من الكتب الفقهيّة.
ففي (الجواهر): (فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتدّ وكل من أباح الشرع قتلَه فلا قصاص وإنْ أثم في بعض الصور، باعتبار كون قتله حدّاً مباشرته للحاكم)[1].
عدم القصاص في تلك الموارد عندي ـ تبعاً للماتن[2] كما يأتي في المسألة، ولموضع آخر من (الجواهر)[3] ـ محلّ إشكال، بل الحقّ منعه; وذلك لعصمة تلك الأنفس لغير الحاكم والحكومة في غير الحربي، وفيه لغير حالة الحرب وزمان المحاربة، وعدم الدليل على نفي العصمة عنهم على الإطلاق كما هو الظاهر للمتأمّل, بل ولغيره، فإنّ غاية مدلول أخبار الحدود والحروب جواز القتل للحاكم في إجرائها على المحدودين والعاصين, وللمسلم على الكافر المحارب في تلك الحالة وذلك الزمان فقط دون غيرهم من الأفراد، فأين الدلالة فيها على عدم عصمة أنفس هؤلاء الأفراد لغيرهم؟! فعصمة أنفسهم ثابتة وباقية على حالها لغيرهم, فقتل الغير لهم موجب للقصاص قضاءً لإطلاق أدّلته.
ثمّ إنَّ المتعارف في الكتب الفقهيّه ـ كـ(الشرائع) و(القواعد) وغيرهما ـ ذكرهم هنا الشرائط المعتبرة في القصاص مع عدم الاحتياج إليها بعد كونها مذكورة في الشرائط، فما في المتن من الترك أجود لذلك; ولأنَّ الكلام في حقيقة الموجب، والشرائط خارجة عنها كما لا يخفى.
(مسألة 1: يتحقق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً، وبقصد فعلٍ يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به. وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات).
اعتبار العمد في القصاص ممّا لا كلام فيه، بل من الضروريات في فقه الإسلام، بل في الإسلام. ووجهه واضح, حيث إنَّه المتيقَّن من القصاص، وحيث إنّه مع الخطأ لا يتحقق العصيان الموجب للعقوبة بالقصاص، فإنَّ القصاص عقوبة لابدّ فيها من العصيان عقلاً وشرعاً.
ثمّ لا يخفى عليك أنَّ اعتبار العمد لا أثر له إلاَّ في بعض الأخبار، وإلاَّ فالكتاب كما أنّه خالٍ عن اعتباره بالظهور وبالتقييد اللفظي فكذلك عن الإشارة إليه باللفظ, كما يظهر ذلك لمن يراجع.
نعم, مقابل العمد ـ أي الخطأ ـ في الكتاب مذكور: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ إلاَّ أنْ يَصَّدَّقُوا)[4].
وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً...)[5]
مربوط بالجزاء الأُخروي والحرمة لا القصاص والعقوبة الدنيوية.
كما لا يخفى عليك أيضاً أنَّ عدم جواز القصاص في موارد الشك وإنْ كان هو مقتضى الأصل ومقتضى الاحتياط في الدماء, فإنَّ القصاص هو المحتاج إلى الدليل كما هو واضح. هذا، مع أنَّ عدم الجواز ثابت بالاستصحاب أيضاً، لكن مقتضى إطلاق الكتاب ـ لاسيما القسم الثاني من آياته ـ هو القصاص في تلك الموارد, حيث إنَّ الإطلاق محكَّم حتى يثبت خلافه، والمفروض عدم الدليل على الخلاف, وقصور أدّله حرمة القصاص عن الشمول لتلك الموارد المشكوكة, فلا وجه لرفع اليد عنه.
وبالجملة، الأصل مع قطع النظر عن إطلاق الكتاب حرمة القصاص في الموارد المشكوكة، لكنّ الأصل بالنظر إليه الذي هو المحكّم ثانياً جوازه, من دون فرق في ذلك بين أسباب الشك وجهاته.
صور قتل العمد
ولنذكر هنا تفصيل صور ما أشار إليه الماتن في قتل العمد، وإنْ أحال تفصيله إلى كتاب الديات؛ تتميماً للبحث فعلاً, ووفاقاً لطبع البحث.
وأقول مستعيناً باللّه: إنَّ الصّور أربع؛ فإنَّ القاتل إمَّا أن يكون عامداً وقاصداً, وإمَّا أنْ لا يكون كذلك. وفي كلٍّ منهما إمّا تكون الآلة مما يقتل بها غالباً, وإمّا لا تكون كذلك، بل القتل بها نادر. فالصور أربع:
أحدها: القصد إلى القتل بالآلة القتّالة وبما يقتل به غالباً. وكون القتل كذلك عمداً موجباً للقصاص بديهيّ غير محتاج إلى البيان, ويكون مشمولاً ومدلولاً بالكتاب والسنّة ومتيقناً منهما قطعاً، كيف وإنْ لم يكن القتل كذلك موجباً له فلا موجب له أصلاً؟!.
ثانيها: مثل الأولى إلاّ في الآلة, من حيث إنَّها مما لا يغلب بها القتل, كالرمي بالحصاة بقصد القتل. وفيه قولان:
أحدهما: أنَّه عمد أيضاً, كما في (الشرائع)[6] و(النافع)[7] وكتب الفاضل, ومحتمل (السرائر)[8], وصريح الفاضل المقداد في (الكنز) و(التنقيح)[9], وعن ابن حمزة[10], وهو ظاهر (الغنية)[11] نافياً الخلاف عنه، وعليه الشهيد الثاني في شرحيه[12] على (اللمعة) و(الشرائع), وغيره من المتأخرين، بل في (الرياض): (لعلّه عليه عامتهم, بل لم أجد الخلاف فيه وإنْ نقلوه. نعم, ظاهر (اللمعة)[13] التردد فيه, حيث نسب ما في العبارة إلى القيل, مشعراً بتمريضه أو متردداً فيه)[14].
ثانيهما: أنّه غير عمد. وفي (اللثام)[15] نسبته إلى ظاهر الأكثر, وفي (الجواهر): (ولكن لم نتحقّقه)[16].
وكيف كان، فالأوّل هو الأقوى بل المتعيّن؛ للأصل, ولأَنَّ العمد محقق في القتل والفعل معاً كالصورة الأولى، ولا دخالة للآلة لغةً وعرفاً في الصدق حتى تكون الصورة مغايرة للأولى.
وللأخبار, كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام، ففيه:... فقال: ((إنَّ من عندنا ليقيدون بالوكزة, وإنّما الخطأ أنْ يريد الشيء فيصيب غيره))[17]. فإنّ القدر المتيقن بل الظاهر منه ما كانت الوكزة بقصد القتل, وهي ممّا لا يُقتل بها غالباً.
وصحيح الحلبي, قال: قال أبو عبد اللّه ـ عليه السلام ـ: ((العمد: كل ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديد أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا كلّه عمد. والخطأ: من اعتمد شيئاً فأصاب غيره))[18].
وفيه دلالة على أنَّ المعيار في العمد القصد إلى الفعل, وكفاية مطلق الآلة ولو مثل الوكزة أو العصا ممّا لا يحصل القتل بهما غالباً.
ومرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام, قال: ((قتل العمد: كلّ ما عمد به الضرب فعليه القَوَد، وإنَّما الخطأ أنْ تريد الشيء فتصيب غيره...))[19]. دلالته أوضح من صحيح الحلبي؛ للتصريح فيها بقتل العمد, فتأمّل.
وخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام, قال: ((لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات, كان عمداً))[20].
والظاهر أنَّ التمثيل بالثلاثة لبيان عدم دخل الغالبيّة للآلة في صدق القتل، وأنَّه صادق مع هذه الآلات غير الغالبيّة. وإنْ أبيتَ فالاستدلال بإطلاقها في محلّه.
ومرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام, قال: ((كلّ ما أُريد به ففيه القود، وإنّما الخطأ أنْ تريد الشيء فتصيب غيره))[21]. ودلالته بالعموم على كفاية مطلق الآلة بشرط العمد في القتل واضحة.
وخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام, في حديث قال: ((إنّما الخطأ أنْ تريد شيئاً فتصيب غيره, فأمّا كلُّ شيء قصدت إليه فأصبته فهو العمد))[22]. ودلالته كالمرسل بالعموم.
وهذه هي الأخبار المستفيضة الدالة على القول الأوّل عموماً كجلّها, أو ظهوراً كصحيحي الحلبي وابن الحجاج وخبر أبي بصير, على ما ذكرناه في كيفية الاستدلال بها.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - جواهر الكلام 42: 12.
[2] - حيث قال: (لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود, ولو وجب قتله بالزنا أو اللواط فقتله غير الإمام عليه السلام, قيل: لا قود عليه ولا دية. وفيه تردد). تحرير الوسيلة 2: 521, في الشرائط المعتبرة في القصاص.
[3] - حيث قال: (وبالجملة, فالمدار على احترام النفس على وجه يجب على المكلّف حفظها، ومرجع ذلك إلى الاستظهار من الأدلة، وإلاّ فمجرّد وجوب القتل حدّاً لا يقتضي ذلك، خصوصاً مع توبة المحدود وندمه وأسفه إذا كان بحيث لا يسقط عنه الحدّ، كما لو فرض توبته بعد إقامة البينّة عليه وحكم الحاكم عليه، فإنَّ دعوى عدم احترام نفسه مع هذا الحال, بحيث يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه حدّاً, لا يخفى عليك ما فيها). جواهر الكلام 42: 167.
[4] - النساء: 92.
[5] - النساء: 93.
[6] - شرائع الإسلام: 361.
[7] - المختصر النافع: 392.
[8] - السرائر 3: 322.
[9] - التنقيح الرائع 4: 405.
[10] - الوسيلة إلى نيل الفضيلة( ضمن الجوامع الفقهية): 784.
[11] - الغنية (ضمن الجوامع الفقهيّة): 557.
[12] - مسالك الأفهام 2: 461.
[13] - الروضة البهيّة (شرح اللمعة) 2: 373.
[14] - رياض المسائل 2: 50.
[15] - كشف اللثام 2: 259, بل فيه: (فالأقرب أنّه ليس بعمد).
[16] - جواهر الكلام 42: 13.
[17] - وسائل الشيعة 29: 36، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح1.
[18] - وسائل الشيعة 29: 36، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح3.
[19] - وسائل الشيعة 29: 37، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح6.
[20] - وسائل الشيعة 29: 38، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح8.
[21] - وسائل الشيعة 29، 40، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح16.
[22] - وسائل الشيعة 29: 40، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح18.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org